محمد باقر الحكيم

من ویکي‌وحدت

محمّد باقر الحكيم : ‏شهيد المحراب، وأحد روّاد التقريب بين المذاهب الإسلامية. ساهم في تأسيس الحركة الإسلامية في العراق ورعايتها. تولّى رئاسة المجلس الأعلى في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ورئاسة الهيئة العامّة في المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام).

السيّد محمّد باقر الحكيم
الاسم ‏محمّد باقر الحكيم
الاسم الکامل محمّد باقر بن محسن بن مهدي بن صالح الحكيم
تاريخ الولادة 1358ه/1939م
محلّ الولادة النجف/ العراق
تاريخ الوفاة 1424ه/2003م
المهنة عالم ديني، ورجل سياسة، وداعية وحدة
الأساتذة مرتضى آل ياسين، يوسف الحكيم، محمّد باقر الصدر، أبو القاسم الخوئي
الآثار علوم القرآن، القصص القرآني، منهج التزكية في القرآن، المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة، ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق، الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين
المذهب شيعي

الولادة والنشأة

ولد السيّد محمّد باقر بن محسن بن مهدي بن صالح بن أحمد بن محمود الحكيم في النجف الأشرف بتاريخ 25/ جمادي الأوّل/ 1358 ه، وتلقّى علومه الأوّلية في كتاتيب النجف الأشرف، ثمّ دخل في مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة «منتدى النشر» الابتدائية، حيث أنهى فيها الصفّ الرابع، فتركها بعد أن نشأت عنده الرغبة في الدخول في الدراسات الحوزوية بصورة مبكّرة.

الدراسة الحوزوية

بدأ بالدراسة الحوزوية عندما كان في الثانية عشرة من عمره، وخلال خمس سنوات نهل علوم النحو والمنطق والفقه والأُصول، ليصل إلى دروس (السطح العالي) سنة 1375 ه، فدرس «الرسائل» عند السيّد محمّد حسين الحكيم، والجزء الأوّل من «الكفاية» عند أخيه الأكبر السيّد يوسف الحكيم، وواصل دراسة الجزء الثاني من «الكفاية»، وكذلك دراسة جزء من «المكاسب» عند الشهيد الصدر أيضاً. وبعد أن تجاوز هذه المرحلة من الدراسة حضر درس (خارج الفقه والأُصول) لدى كبار المجتهدين، ومنهم: السيّد أبو القاسم الخوئي، والسيّد الشهيد محمّد باقر الصدر.

وقد عرف منذ سنّ مبكّرة بنبوغه العلمي وقدرته الذهنية والفكرية العالية، فحظي باحترام كبار العلماء والأوساط العلمية، كما نال في أوائل شبابه من المرجع الشيخ مرتضى آل ياسين شهادة اجتهاد في علوم الفقه وأُصوله وعلوم القرآن، وذلك في عام 1384 ه.

النشاطات العلمية والسياسية

ساهم السيّد الحكيم في تأسيس الحركة الإسلامية في العراق ورعايتها، وعندما تأسّست جماعة العلماء في النجف الأشرف في أواخر الخمسينيات الميلادية، اختير عضواً في اللجنة المشرفة على مجلّة «الأضواء» الإسلامية، وهي مجلّة إسلامية ساهمت كثيراً في تشكيل الوعي الفكري والسياسي الإسلامي لدى جيل الخمسينيات من القرن المنصرم.

ومع ذيوع صيته العلمي، ومن أجل تحقيق نقلة نوعية في العمل الاجتماعي والثقافي لعلماء الدين في انفتاح الحوزة العلمية على الجامعة من ناحية، وتربية النخبة من المثقّفين بالثقافة الدينية الأصيلة والحديثة، قد أصبح عام 1964 م أُستاذاً في كلّية أُصول الدين في بغداد، يدرّس علوم القرآن والشريعة والفقه المقارن، وقد استمرّ في ذلك النشاط حتّى عام 1975 م، وتوقّف عن التدريس في الكلّية بعد مصادرتها من قبل نظام حكم حزب البعث العراقي في ذلك العام.

وإلى جانب نشاطه العلمي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، والتدريس في كلّية أُصول الدين ببغداد، فقد كان يشعر بالحاجة إلى وجود المبلّغين الإسلاميّين وضرورة اطّلاعهم على العلوم الحديثة، فتحرّك -وبتأييد من الشهيد الصدر وتعاون مجموعة من العلماء الأفاضل- نحو تأسيس «مدرسة العلوم الإسلامية» في النجف الأشرف سنة 1384 ه، وقد أثمرت تلك المدرسة فعلاً في تخريج عدد من الدارسين، حملوا فيما بعد راية نشر الوعي الإسلامي في العراق وفي مختلف بقاع العالم الإسلامي.

كما قام شخصياً وبطلب من والده المرجع الأعلى السيّد محسن الحكيم بالتبليغ‏ الإسلامي ووظيفة العالم الديني في مدينة الكوت لمدّة شهرين تقريباً بعد ذهاب عالمها الشيخ سليمان اليحفوفي.

وقد شارك في مؤتمرات فكرية كثيرة، مثل مؤتمر الفكر الإسلامي، والوحدة الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي، وأهل البيت (عليهم السلام)، ومؤتمرات الحجّ.

كما كان يلقي الدروس والمحاضرات في التفسير، والفقه، والتاريخ، والسياسة، والمجتمع.

واستلم بعض المهام، كرئاسة المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ورئاسة الهيئة العامّة لمجمع أهل البيت العالمي.

وقد بادر إلى تأسيس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، ومقرّه في مدينة قم، كما قام بتأسيس مؤسّسة «دار الحكمة» التي تضمّ مدرسة دينية حوزوية ومركزاً للنشر، ومركزاً آخر للبحوث والدراسات، ومكتبة علمية تخصّصية، كما قام بتأسيس مجمع الكوادر الإسلامية لتربية الكوادر الإسلامية والقيام بالنشاطات الثقافية والسياسية.

المؤلّفات

من مؤلّفاته: علوم القرآن، القصص القرآني، منهج التزكية في القرآن، المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة، ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق، حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، النظرية السياسية للشهيد الصدر، الكفاح المسلّح في الإسلام، الصراع الحضاري والقضية الفلسطينية، العلاقة بين القيادة الإسلامية والأُمّة.

الوفاة

في يوم الجمعة الأوّل من رجب سنة 1424 هـ\2003 م اغتيل السيّد الحكيم بانفجار سيّارة مفخّخة وضعت قرب سيّارته أثناء خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد أداء صلاة الجمعة، وأدّى الحادث إلى استشهاد وجرح المئات من المصلّين. ودفن السيّد بالقرب من ساحة ثورة العشرين في النجف الأشرف.

ما كتب عنه

للأُستاذة وفاء جواد الجيّاشي كتاب حول حياة السيّد بعنوان «من النجف إلى النجف»، كما أنّ للسيّد منذر الحكيم كتاباً آخر حول حياته بعنوان «قبس من حياة وسيرة شهيد المحراب».

الرؤى التقريبية

إنّ فكرة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وبالأحرى فكرة التعايش المذهبي بين المسلمين، والاحترام المتبادل بين اتّجاهاتهم المذهبية والاجتهادية، من الأفكار التي كانت موضع الاهتمام الخاصّ للسيّد الحكيم.

فقد كان يؤمن بأنّ الإسلام هو الإطار الأفضل الذي يمكنه أن يوحّد حركة الشعب العراقي، ويضمن الحقوق الكاملة لجميع القوميات والمذاهب والأقلّيات، وأنّه يمثّل هوية الشعب العراقي المسلم. كما كان يؤمن أيضاً بضرورة احترام الأقلّيات القومية والدينية وحقوقها العامّة، وضمان وحدة العراق وبالطرق الدستورية.

ويرى ضرورة التقريب وأهمّيته على كافّة الأصعدة. وخير شاهد على ذلك كتابه «الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين».

هذا، ولا يكفي الإيمان بالتقريب على المستوى النظري، والسيّد الحكيم إذ يبيّن إيمانه المبدئي بالتقريب يواجه سؤالاً عمّا فعله هو من مشاريع عملية في التقريب، فيجيب على هذا السؤال ويعدّد نشاطاته التقريبية كما يلي:

«1- نشر ثقافة التقريب، فلا يمكن أن نقطع أيّة خطوة على طريق توحيد المسلمين دون أرضية ثقافية تحوّل قضية التقريب إلى ثقافة متبنّاة من قبل المسلمين بكافّة مذاهبهم. وأعتقد أنّ أفضل إطار لنشر هذه الثقافة هو إطار أهل البيت (عليهم السلام) بما كانت لهم من أفكار وآراء ونشاطات استهدفت توحيد صفوف المسلمين كما ألمحنا إليه سابقاً. ومن الواضح أنّ هذه النشاطات أثمرت عن عاطفة جيّاشة يحملها المسلمون في مختلف عصور التاريخ وحتّى يومنا هذا اتّجاه هذا البيت الكريم.

وليس هناك من لم يحمل هذه الحرمة وهذه العاطفة تجاه آل البيت من المسلمين سوى نفر قليل من النواصب عُرفوا ببغضهم لآل البيت، وهي حالة شاذّة لم تدم طويلاً، فقد انقرض هؤلاء. جدير بالذكر أنّ أهل البيت عاشوا مجتمعاً مليئاً بالتناقضات الحادّة والصراعات التي تحوّلت أحياناً إلى شكل مواجهة دموية، كما حدث في واقعة كربلاء.

ومع ذلك كان موقف آل البيت من هذا المجتمع موقف الدعوة إلى الوحدة والتآلف والتعايش والتعاون، ممّا جعل هذا البيت الكريم ينال كلّ هذه الحرمة بين المسلمين.

وممّا تقدّم نفهم أنّ أفضل طريق لجمع مودّة المسلمين على صعيد واحد هو تعريف أهل البيت للمسلمين بمضمونهم الفكري والثقافي والأخلاقي. فإذا تمكّنّا أن نعرض فكر أهل البيت وطريقتهم ومواقفهم وأخلاقهم في مختلف القضايا فذلك أفضل طريق لتقريب المسلمين حول محور واحد.

ولكن هذا لا يعني أنّ المسلمين جميعاً سيلتزمون بالضرورة بمدرسة آل البيت، بل يعني أنّهم سيقفون جميعاً موقف الاحترام من المشروع المطروح.

وعلى هذا الأساس قمت بعدّة خطوات: تأليف كتب تعرض نظرية أهل البيت في المجالات الحسّاسة الهامّة من أجل نشر ثقافة التقريب كما ذكرت.

من هذه الكتب: «الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق»، فقد عرضت مضمون نظرية أهل البيت في الحكم على الصعيد النظري، ودرست التطبيق العملي الراهن لهذه النظرية في إطار الدولة الإسلامية القائمة في إيران.

كما ألّفت كتاب «الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين»، وهو على ما أعتقد من المؤلّفات النادرة في موضوعه، وفيه حاولت أن أستخرج نظرية الإسلام في الوحدة مستنبطة من القرآن الكريم ومن السنّة ومن أخبار أهل البيت.

2- الاهتمام بالقرآن الكريم على مستوى التفسير أو على مستوى الدراسات القرآنية، وهو اهتمام يصبّ في حقل التقريب؛ لأنّ القرآن الكريم موضع احترام واتّفاق جميع المسلمين. وكلّما ازداد الاهتمام بهذا المحور من قبل جميع المسلمين ازداد تقاربهم وتفاهمهم.

ولا بأس أن أشير إلى أنّ مدارسنا وحوزاتنا العلمية، بسبب ظروف متعدّدة بعضها سياسية وبعضها اجتماعية وبعضها تنظيمية، لم تولِ الدراسات القرآنية الاهتمام اللازم. ومع أنّ علماء الشيعة ألّفوا قديماً وحديثاً أسفاراً هامّة في التفسير، أذكر منها في عصرنا الحديث «تفسير الميزان»، ولكن الاهتمام بالدراسات القرآنية ضمن مناهج الدراسة في الحوزة العلمية ضعيف. لذلك بذلت جهوداً خاصّة في حقل القرآن في النجف الأشرف ومدرستها العلمية، فقد دوّنت دروساً في علوم القرآن وألقيت فيها محاضرات في المعاهد العلمية التي أُسّست لتنظيم دراسات الحوزة العلمية في النجف، وواصلت هذا العمل العلمي في إيران بعد الهجرة التي حدثت بسبب الظروف السياسية.

3- مساهمتي في المؤتمرات، فقد اشتركت في مؤتمرات عقدت لقضية فلسطين، ومؤتمرات الوحدة الإسلامية التي عقدت لدراسة مسائل التقريب، كما حضرت عدداً من المؤتمرات التي عقدت في أرجاء العالم الإسلامي.

4- عملي في مواسم الحجّ، حيث إنّ الإمام الحكيم أوّل من بادر لتأسيس بعثة حجّ دينية في موسم الحجّ في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وكنت مسؤول هذه البعثة لمدّة تسع سنوات، وكانت البعثة تعمل في أوساط أتباع أهل البيت وأوساط عامّة المسلمين.

5- المساهمة الجادّة في تأسيس المجمع العالمي للتقريب‏ بين المذاهب الإسلامية وفي كلّ نشاطات هذا المجمع، وتقديم أُطروحات عملية أعتقد أنّها- لو نفّذت- سوف تساهم مساهمة كبيرة في موضوع التقريب.

6- المساهمة في تأسيس جامعة المذاهب الإسلامية على مستوى وضع المناهج وبيان الهيكلية وأُمور التنفيذ.

7- مجلّة «رسالة التقريب» أعطيت من وقتي لمتابعة إصدارها والإشراف على موضوعاتها. وهي مجلّة رائدة في مجال التقريب، آمل أن تتطوّر أكثر على طريق أداء رسالتها في المستقبل. هذا إلى جانب خطوات ومشاريع أُخرى يطول الحديث عنها.

ولا بدّ من التأكيد على أنّ ما قمت به حتّى الآن هو قليل بحقّ هذا الهدف الكبير والمشروع الكبير، ونسأل اللَّه التوفيق لأداء المزيد من الأعمال الصالحة في هذا المجال».

وكان يقول: «العراق كما هو واضح له تاريخه الخاصّ وتركيبته الاجتماعية والثقافية الخاصّة، وهو بهذه الخصوصية يعتبر من البلاد الفريدة في العالم الإسلامي، وأخذاً بنظر الاعتبار هذه الخصائص فإنّ نموذج التقريب لو نجح في العراق فسيكون له تأثير كبير على كلّ العالم الإسلامي.

هذا البلد نسب التقسيم المذهبي فيه تكاد تكون متقاربة، كما أنّه ينطوي على التعدّدية القومية إضافة إلى التعدّدية المذهبية، أضف إلى ما سبق تاريخ العراق بما له من عراقة وما كانت له من مركزية في العالم الإسلامي، حيث كانت بغداد عاصمة المسلمين السياسية، كما كانت الكوفة والبصرة عاصمتي المسلمين الفكرية، ومدرسة الكوفة بشكل خاصّ وتطوّرها إلى مدرسة النجف لها أهمّيتها الفائقة في تاريخ هذا البلد، ووجود مراقد أئمّة آل البيت في العراق..

كلّ ذلك وقضايا أُخرى تعطي لأرض الرافدين أهمّية خاصّة، ومن هنا كان العراق مستهدفاً أكثر من غيره في التآمر الاستعماري والهجوم الاستكباري.

وعملية التفريق والتمزيق في العراق أُريد منها تصوير حالة التمزّق في جميع الأُمّة، والإنجليز كرّسوا اهتمامهم في العراق بعد هيمنتهم عليه لإيجاد التفرقة المذهبية والطائفية بين أبناء الشعب العراقي، تماماً كما فعلوا في شبه القارّة الهندية، حيث أسفرت خططهم بين المذاهب والطوائف بل حتّى بين أبناء الطائفة الواحدة في شبه القارّة الهندية إلى تمزّق فظيع. ولا تزال هذه الحالة قائمة حتّى الآن، ويسقط جرّاءها بين آونة وأُخرى القتلى‏ والضحايا باستمرار.

نفس الشي‏ء حاولوا تطبيقه في العراق، لكن علماء الإسلام في العراق- وخاصّة علماء النجف- وقفوا ضدّ هذا المخطّط وأفشلوه على المستوى الشعبي.

ويمكن القول الآن: إنّ العلاقات بين فصائل الأُمّة في العراق علاقات مودّة وأُخوّة، حتّى لم يعد الإنسان يشعر بوجود اختلافات طائفية بين أبناء الشعب. الشيعة يتزوّجون من بنات أهل السنّة، بل إنّ بعض العشائر العراقية تجد أبناء عشيرة واحدة نصفها من أهل السنّة ونصفها الآخر ينتمي إلى مذهب أهل البيت. والمدن فيها اختلاط بين أبناء المذاهب، وكثير من المؤسّسات الثقافية والمشاريع التجارية يشترك فيها أهل السنّة والشيعة، وهكذا في مختلف المجالات نجد هذا الاشتراك موجوداً وهذا التداخل قائماً، ولا يكاد الإنسان يشعر بوجود اختلاف».

المصدر

(انظر ترجمته في: مع علماء النجف الأشرف 2: 553- 554، تلامذة الشهيد الصدر: 303- 305، رجالات التقريب: 126- 144، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 2: 82- 84).