لإقامة العدل حريَّة ذاتيَّة

من ویکي‌وحدت

المتحدِّثون عن الحريَّة يتردَّدون بين إطلاق الحريَّة وإفساح المجال لها، وبين التعقل وضبط مفهوم هذه الحريَّة وتقييدها لاعتباراتٍ عامَّةٍ تستدعي ضرورة تفعيلها في حدود المعقول.

لإقامة العدل حريَّة ذاتيَّة

المتحدِّثون عن الحريَّة يتردَّدون بين إطلاق الحريَّة وإفساح المجال لها، وبين التعقل وضبط مفهوم هذه الحريَّة وتقييدها لاعتباراتٍ عامَّةٍ تستدعي ضرورة تفعيلها في حدود المعقول؛ حيث إنَّ الحريَّة تنتهي عند بدء حريَّة الغير، أو لاعتباراتٍ خاصَّةٍ تتطلَّب ضبطها بقواعد النّظام العام، والآداب المرعية، والقيم الدينية ومتطلبات الرِّسالات الإلهية. وهذا بخلاف الحريَّة الفرديَّة للحق والعدالة التي لها أصالة في ذاته، وأصالة فطرية فطر الله الناس عليها، وأصالة عقلية تنهض بها العقول الراشدة، قبل الرسالة ونزول الوحي. فهذا الحق الأصيل له كامل الحريَّة في دعوة الإنسان، واستقامة المجتمع، ومقاومة الباطل. فلاتنتهي حريته عند حريَّة الآخرين، بل الحقُّ هو إنتهاء حريتنا الذاتية عند حريَّة إقامة الحق والعدل، وعند حريَّة المجتمع الطاهر النظيف: >إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ<. وهذا يرجع إلى إختلاف تصورات الفلسفية الإسلامية وغير الإسلامية حول حريَّة الفرد تصوراً وممارسةً؛ لاختلاف المصدر والمنطلقات والمقومات الفكرية والحمولة الثقافية والمعرفية في كلتا المنظومتين. فالإسلام باعتباره آخر شريعة إلهية وأنَّه دين جامع فقد إهتمَّ بالأحکام والقوانين الإجتماعية أكثر من إهتمامه بالاحکام الفردية، فمن وجهة نظر الاسلام فإنَّ الحياة الإجتماعية وعلاقات الافراد في المجتمع ومسؤوليات المواطن في قبال المجتمع الذي يعيش فيه، لها اصول وضوابط يلزم مراعاتها علی کل فرد مسلم في علاقاته وسلوکه الإجتماعي، ومن أهمِّها: عدم تضييع حقوق الناس واحترام حقوق المواطنين؛ والسَّعی لحلّ مشاکلهم؛ ومراعاة حسن الخلق والتواضع والحلم والمداراة معهم. فللحق الحريَّة الكاملة؛ لأنَّه بحريته يريد الحفاظ على الفطرة السَّوية النَّظيفة، ومواجهة كلّ هؤلاء الذين يحاولون أنْ يدعوا للباطل ليسلبوا عن النَّاس حقوقهم الذاتية من الهداية إلى الأحسن. وليمنعوا المجتمع في أنْ يكون مستقيماً على الحق. وبما أنَّ هذه الخطابات الجديدة تحت غطاء حقوق الإنسان وحريته، وتحريره من قيود المجتمع الإسلامي والدِّين باعتبارها المحدِّدة لحريته، وتجعلها مشروطة بالقيم والأخلاق والهوية، تحدِّياً كبيراً على عاتق الفكر الإسلامي, باعتبار مسؤوليته تجاه قيم الأمة وهويتها؛ لأنَّ الحريَّة الفردية في المنظور غير الإسلامي لها مفهوم إطلاقي يرتبط بإرادة الفرد المطلقة في الاختيار والفعل, في الفكر والممارسة؛ لأنَّه أراد توجيه حريَّة الفرد نحو إحترام وصيانة حقِّ الآخر قانونيا وقيميا لكنه في المقابل أطلق العنان للشهوة والغريزة فقتل في الإنسان إنسانيته وهي الفطرة التي فطره الله عليها, فأبادتِ القيم وأبادتْ معها الفرد والأسرة والمجتمع. هذه الفكرة تخالف الحريَّة في اللُّغة؛ لأنَّ لها معانٍ منها: خيار كلّ شيء، أو الفعل الحسن، وحرَّة السَّحاب: الكثيرة المطر. والمستخلص من هذه المعاني أنَّ الحريَّة في أصل اللغة تعني: الإنطلاق، الشَّرف، الكرامة، الإستقامة، فعل الخير، العطاء الكثير، والخدمة النبيلة. وفي المصطلح الإسلامي أيضاً الحريَّة هي من المبادئ الأوليَّة ومن حقوق الإنسان، وهي سندٌ لتكليفه، فما كان الإنسان مكلَّفا إلاَّ؛ لأنَّه حرٌّ؛ ولأنَّ بإمكانه أنْ يختار بين الخير والشرّ.