الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب في العراق

من ویکي‌وحدت

تتناول هذه المقالة مسألة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب في العراق ، ولخطورتها وأهمّيتها في واقع الأمّة الإسلامية لذلك سنفصّل البحث فيها أكثر فأكثر .

صورة تعبيرية

الوحدة الإسلامية

إنّ محاور هذا البحث الرئيسية في موضوع الوحدة الإسلامية هي : تعريف الوحدة الإسلامية ـ أركان وأُسس وعناصر الوحدة ـ مقوّمات الوحدة ومقوّمات صيانتها ـ تحدّيات وموانع الوحدة ـ الحلول العلمية والسياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية ـ مبرّرات أمل تحقّق الوحدة .

تعريف الوحدة

أمّا تعريفها : فقد عرّفها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي الخامنئي بأنّها : مفهوم أساس في الإسلام ، ومبدأ يشكّل واحدة من القواعد التي تقوم عليها فلسفة الإسلام الاجتماعية ونظرته العامّة إلى الكون والحياة .

وعرّفها الشيخ محمّد علي التسخيري الأمين العامّ السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بأنّها : التعاون بين أتباع المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة ، واتّخاذ موقف موحّد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأُمّة الإسلامية والموقف الموحّد تجاه أعدائها ، مع احترام التزامات كلّ مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً .

وعرّفها الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر ورئيس جامعة الأزهر سابقاً بأنّها : اتّحاد الدول أو البلاد والأفراد في أُمور حياتهم ومعاشهم ومسيرتهم وغايتهم ، وبموجبها يصبح الجميع وحدة واحدة أو أُمّة واحدة .


أركان وعناصر الوحدة

وأمّا الأركان والأُسس والعناصر التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية : فمنها :

1 ـ التمسّك بالأُصول الإسلامية الثابتة ذات القواسم المشتركة .

2 ـ القبول بالمسؤولية المشتركة والعمل ، وهذه القبولية لها شرطان : تعرّف الإسلام ولو على نحو الإجمال ، والعلم بما يجري على المسلمين والساحة الإسلامية .

3 ـ وحدة العبودية والأُلوهية .

4 ـ وحدة الولاية ، يقول تعالى : ( إِنّما وَليِّكُم الله وَرَسُولِهِ وَالَّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقِيمونَ الصّلاةُ ويُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُون ) ( سورة المائدة : 55 ) ، فإنّ الولاء الحقّ لله وحده ولمن يأمر الله تعالى بولائه ، وهذا الولاء الثاني يأتي في امتداد الولاء الأوّل ، والولاء من مقولة التوحيد ، وتوحيد الولاء من مقوّمات وحدة الأُمّة .

5 ـ وحدة النسيج الاجتماعي للولاء ، فهذا الولاء يربط المؤمنين بعضهم ببعض في شبكة ولائية واحدة ، لا تنفصم ولا تتجزّأ ، وقد يصطلح عليه بالبعد الأُفقي للولاء ، وهو أيضاً من مقولة التوحيد ، قال تعالى : ( إنّ الّذينَ آمَنُوا وَهَاجَروا وَجَاهَدوا بِأَمْوالَهُم وَأَنْفُسِهِم فِي سَبِيلِ الله وَالَّذينَ آووا وَنَصَروا أُولئِكَ بَعْضَهُم أَوْلياء بَعض ) ( سورة الأنفال : 72 ) ، فالمؤمنون نسيج واحد على اختلاف لغاتهم وأوطانهم .

6 ـ وحدة الطاعة السياسية والإدارية لأولياء أُمور المسلمين بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وهم أئمّة المسلمين ، ووحدة الطاعة تستبطن : وحدة القرار ، ووحدة النظام السياسي ، ووحدة الصفّ ، ووحدة الكلمة والموقف السياسي ، وهذه الوحدات من مقوّمات الوحدة الإسلامية .

7 ـ وحدة البراءة ، وهي الوجه الآخر لوحدة الولاء ، وهذه الوحدة واجبة ، كما يجدها مَن يطالع سورة « الكافرون » ، ويمكن تجسيد هذه الوحدة اليوم في توحيد موقف البراءة السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي والثقافي ضدّ الكيانات الاستكبارية الظالمة التي تعلن العداء للإسلام والمسلمين .

8  ـ وحدة المسؤولية والرقابة الشاملة ، فبها تتجسّد وحدة الأُمّة في الاهتمام والتعاون والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

9  ـ وحدة الحصانة والحرمة ، فإنّ كلّ مسلم حرام على مسلم آخر ماله ودمه وعرضه ، فهذه الوحدة تحصّن المسلمين جميعاً بعضهم من بعض .

كما أنّ من الأركان والأُسس الكفيلة بتحقيق الوحدة والتي تبتني عليها أواصر الأُخوّة . وهي : العقيدة ، والعمل والاتّباع ، والقيادة ، والهدف المشترك ، والخصال الحميدة المشتركة ، والوحدة الثقافية .


مقومات الوحدة

أمّا مقوّمات الوحدة : فهي الركائز الأساسية والقواعد الراسخة والأُصول الثابتة التي ترتكز عليها الوحدة الإسلامية . ولهذه المقوّمات أبعاد مختلفة يمكن توضيحها فيما يلي :


1 ـ وجود الأرض .


2 ـ تقرير الأُخوّة بين أفراد الأُمّة الإسلامية .


3 ـ تشريع القيادة الواحدة للأُمّة المسلمة .


4ـ اعتصام أهل الإسلام بالكتاب والسنّة .


5 ـ تشريع القبلة الواحدة .


6 ـ تقرير المساواة بين أفراد الأُمّة .


7 ـ الإحساس بالمسؤولية المشتركة والمتبادلة ، والاتّصاف بالسماحة الإسلامية .


مقومات صيانة الوحدة

أمّا مقوّمات صيانة الوحدة : فهي القواعد والأُسس والركائز الأساسية المقرّرة لصيانة وحماية الوحدة الإسلامية من التصدّع والانهيار . ومن تلك القواعد :

1 ـ وجوب قيام مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع الإسلامي ، والحكمة من قيام هذه المهمّة إرصاد المنكر وأهله في المجتمع ; لردعهم والأخذ على أيديهم حتّى لا تشيع الفاحشة في المجتمع ويتّسع الخرق على الراقع ، وحينئذ ينقسم المجتمع إلى فريقين : فريق يميل إلى الخير ويستقيم عليه ، وفريق زائغ عن الحقّ يقترف المنكرات وينشرها بين الناس ، وتلك بوادر الفرقة وبذور الشقاق والتمزّق .

2 ـ الأمر بالتحاكم إلى الكتاب والسنّة عند التنازع والاختلاف ، وردّ الأمر إلى الله ورسوله وأُولي الأمر عند تعدّد الآراء حوله وتعذّر الاتّفاق فيه على كلمة سواء ، يقول عزّ وجلّ : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) ( سورة النساء : 59 ) ، ويقول سبحانه : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْء فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) ( سورة الشورى : 10 ) .

3 ـ الأمر بالإصلاح بين المتخاصمين والتوفيق بين المتشاجرين حتّى لا تطول بينهم العداوة والشحناء ، ولا ينقلب ما بينهم من الودّ والاخوّة إلى غلّ وبغضاء ، وذلك قول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) ( سورة الأنفال : 1 ) ، وقوله سبحانه : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) ( سورة الحجرات : 10 ) .

هذه هي القواعد التي وضعها الإسلام لحماية وحدة الأُمّة وصيانتها من التصدّع والتشقّق ، وهي خليقة بتحقيق هذه الحماية لو طبّقت تطبيقاً سليماً ، وأُخذت بجدّ وإخلاص .

موانع الوحدة

أمّا تحدّيات وموانع الوحدة : فهي المشاكل التي تواجه الأُمّة الإسلامية في مسيرتها الوحدوية . . والتي منها :

أوّلاً : النعرة الطائفية .


ثانياً : التسييس الطائفي .


ثالثاً : العقدة الماضوية .


رابعاً : الانكفاء الذاتي .


خامساً : عقدة الإقصاء والتسيّد الطائفي .


سادساً : وجود المذاهب الكلامية والفقهية .


سابعاً : وجود الاختلافات القومية .


ثامناً : الجهل بمعتقدات الطوائف .


تاسعاً : الجهل بمصطلحات الطرف الآخر .


الحلول العلمية للوحدة

أمّا الحلول العلمية لوحدة الأُمّة الإسلامية : فمنها :

1 ـ الأخذ بالقواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية فقط ، والإعراض بالكامل عن القضايا الخلافية .

2 ـ اتّباع المنهج السلفي « الأصيل » للعودة إلى ما كان عليه الصحابة والتابعون ، والإعراض عن المذاهب المستحدثة بعدهم .

3ـ ترجيح أحد المذاهب الموجودة واختياره ، والإعراض عن المذاهب الباقية .

4 ـ دمج المذاهب وإقرار المصالحة فيما بينها .

5 ـ القبول بالمذاهب جميعاً وتخيير المسلمين في الأخذ بأيّ منها .

6 ـ نظرية ابن أبي الحديد المعتزلي الداعية إلى الالتفاف حول الإمام علي (عليه السلام)والاقتداء بمواقفه في إقرار خلافة من تقدّمه .

7 ـ نظرية السيّد أمير علي الهندي القائل بأنّ واقعة غدير خمّ تعني ترشيح الإمام علي (عليه السلام) للخلافة ، وليس تنصيبه خليفة .

8 ـ نظرية الصوفية القائلة بحصر الولاية المعنوية ـ وليس الخلافة السياسية أو المرجعية العملية ـ في علي وأولاده (عليهم السلام) .

9 ـ نظرية الشيخ محمّد صالح المازندراني القائلة بالتفريق بين الإمامة والخلافة ، والقبول بالمرجعية العلمية للإمام علي (عليه السلام) وخلافة الخلفاء .

10 ـ نظرية السيّد حسين البروجردي القائلة بالتأكيد على المرجعية العلمية لأهل البيت (عليهم السلام) ، والسكوت عن قضية حقّ علي وأولاده (عليهم السلام) بالخلافة باعتبارها قضية تأريخية ترتبط بالماضي ، ولا ضرورة لها الآن ، وقد استند في ذلك إلى مقتضيات المصلحة العامّة ورعاية الأهمّ فالأهمّ والأخذ بنظر الاعتبار الأولويات الراهنة والاحتياجات الضرورية للمسلمين في العصر الحاضر .

11 ـ القيام ببعض المشاريع التي من شأنها التقريب بين المذاهب الإسلامية ، كتجربة دار التقريب في القاهرة سابقاً ، وتجربة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية حالياً .

هذا ، ولا يخفى أنّ بعض المشاريع فيها محلّ للتأمّل بلا شكّ .

الحلول السياسية للوحدة

وأمّا الحلول السياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية فـ :

( منها ): مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون ، وهو حلّ سياسي لغرض تحقيق الوحدة الإسلامية . لكن إذا كان المقصود من هذا المشروع إقامة حكم فدرالي واحد مثل اتّحاد الجمهوريات السوفيتية السابق أو الولايات المتّحدة الأمريكية ، فهو يكون شبيهاً للغاية بمشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ; لأنّه يستلزم إقامة حكومة مركزية موحّدة تخضع لها جمهوريات حكم ذاتي محلّية ، ويبدو أنّه لا يختلف في هذه الحالة عن مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة سوى بالاسم وبعض الصلاحيات المحلّية .

أمّا إذا كان المقصود أن يقيم كلّ بلد إسلامي جمهورية مستقلّة مع حفظ خصوصيته القومية ولُغته وعَلَمه الوطني وعملته النقدية الوطنية ، ولكن تكون بين هذه الجمهوريات الإسلامية المستقلّة علاقات تضامن وتعاون فيما بينها في مجال السياسة الخارجية والاقتصادية والصناعية والعسكرية ، فهو في هذه الحالة مشروع آخر تنبغي دراسته وتدوين ضوابط هذا التعاون ، وهو مشروع عملي يمكن تحقيقه بلا شكّ ، فهو ليس خيالياً وأُمنية محضة مثلما هو حال المشروع سالف الذكر .


و( منها ) : مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون الإسلامي ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، ومعلوم أنّ هذا المشروع يجري تنفيذه عملياً بين بعض البلدان الإسلامية مثل : إيران وتركيا والباكستان وبلدان أُخرى انضمّت إليها فيما بعد ضمن إطار منظّمة « أُكو » .

ومن سبل تطبيقه المعاهدات المختلفة في المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية المشتركة بين مجموعة من البلدان ، وهذه سنّة معروفة منذ أقدم العصور .


و( منها ) :  مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء الأُمّة ، غير أنّ محلّه عالم الخيال ! ويمكن ذكره كأُمنية لا يمكن تجسيدها في الواقع العملي أبداً ، بل يكفي مجرّد عرضه على الأُمّة الإسلامية كمشروع مقترح ، وهو يدعو جميع الشعوب والبلدان الإسلامية إلى الاندماج في دولة إسلامية كبرى يجب أن تقيم مؤسّسات واسعة موحّدة ، وتدمج جميع الأجهزة السياسية والقضائية والمالية والعسكرية للبلدان الإسلامية ، وتوحيد اللغة الرسمية في لغة واحدة أو اثنتين ، وتشكيل علم واحد وعملة مشتركة .

ويدعو لهذا المشروع عادة الذين ينظرون إلى ملحمة انتصار الإسلام في أيّامه الأُولى ، ويؤكّدون أنّها لا تختصّ بزمن خاصّ ، بل تمثّل قدوة دينية مقدّسة ومثالاً للحكومة الإسلامية ، دون أن ينتبهوا إلى المشاكل العملية التي تواجهها هذه الدعوة على الصعيد العملي .


و( منها ) : مشروع المجلس القيادي الموحّد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، وقد ورد الحديث به أوّل مرّة في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ، وتناول مصداقين له :

الأوّل : هو الذي ينتخبه مجلس خبراء القيادة الإسلامية عندما لا يبرز أحد الفقهاء بخصوصية قيادية مميّزة ، فينتخب الخبراء عدداً من الذين يتحلّون بشروط القيادة ; لكي يتولّوا قيادة الأُمّة بصورة جماعية وعلى أساس مبدأ الشورى ، ولكن الدستور لم يحدّد ضوابط طريقة عمل هذا المجلس ، وقد تمّ حذفه عند إعادة النظر في الدستور وإجراء الإصلاحات الدستورية ، وذلك في ضوء التجارب غير الناجحة لعمل المجالس المماثلة مثل المجلس القضائي وغيره ، ولعلّ الحذف جاء لأسباب أُخرى ، ولكن عنوان مجلس القيادة بقي في الفصل الثامن من الدستور ، والمقصود منه هو النوع الثاني .

والثاني : هو الذي يتمّ تشكيله عند وفاة القائد أو استقالته أو عزله ; لكي يتولّى القيام بمهمّات القائد إلى حين انتخاب خبراء مجلس القيادة لقائد آخر ، ويتشكّل هذا المجلس من رئيس الجمهورية ورئيس القوّة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور الذي ينتخبه مجمع تشخيص مصلحة النظام . وهذا المجلس هو في الحقيقة خليفة مؤقّت للقائد ، ولا يختلف عنه بشيء يستدعي المزيد من البحث .

أمّا إذا كان المجلس القيادي دائماً ويرتبط بجميع البلدان الإسلامية ، فإنّ ذلك سيفتح الطريق لها جميعاً للمشاركة في انتخاب الأعضاء ، فينتخب كلّ منها عضواً قيادياً من بين علمائه ومذهبه ، أي : أنّ تشكّل مجلساً قيادياً من القادة المنتخبين من قبل الشعوب أو الحكومات في البلدان الإسلامية ; لكي يتولّى القيام بمهمّات القيادة .


و( منها ): مشروع وحدة القائد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية . ولهذا المشروع أنصار أقوياء في الجمهورية الإسلامية ، ويُستفاد من طيّات كلام الإمام الخميني والإمام الخامنئي وعدد من قادة الثورة تأكيدهم على هذا النمط من الوحدة الإسلامية .

الداعون لوحدة القيادة ـ وذلك من بين دعاة الوحدة الإسلامية الذين لديهم اتّصالات بطريقة أو بأُخرى بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ـ ليسوا قلّة ، وبعضهم من أعضاء المجلس الأعلى للمجمع ، ويؤكّد العديد من المفكّرين الإسلاميّين ـ وذلك من أمثال الدكتور كليم صدّيقي (رحمه الله)رئيس مؤسّسة البحوث الإسلامية في لندن والأُستاذ إبراهيم زكزاكي زعيم حزب الوحدة الإسلامية في نيجيريا والأُستاذ محمّد هادي آونك الزعيم الثوري الماليزي وغيرهم ـ وحدة القيادة الإسلامية ، ويصرّون عليها في مقالاتهم أو الكلمات التي يلقونها في مؤتمرات الوحدة الإسلامية التي يقيمها المجمع العالمي للتقريب كلّ عام في أُسبوع الوحدة .


مبرّرات أمل تحقّق الوحدة

أمّا مبرّرات أمل تحقّق الوحدة : فهي الأسباب والحقائق الداعية إلى وجود الأمل بتحقّق وحدة الأُمّة . . وأهمّ ما يبرّر هذا الأمل ما يلي :

أوّلاً : وجود المتابعة والمواصلة من قبيل الشخصيات التي حملت مشعل الوحدة وعدم الانسحاب من الميدان رغم الجراحات التي تعرّض لها هؤلاء ويتعرّض لها عادة كلّ من يتصدّى لهذا الأمر المهمّ ، من الجهات الصديقة ومن الجهات المضادّة والمعادية للإسلام .

ثانياً : وجود مراكز مؤسّسات متمخّضة لخدمة الأهداف الوحدوية بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، ممّا يجعل قضايا الوحدة أكثر جدّية وذات أبعاد فعلية ومستقبلية ، ويدفع بعجلة الوحدة إلى أمام ، ويخرجها من دائرة الحلم إلى ميدان الواقع .

ثالثاً : الظروف السياسية المحلّية والإقليمية والدولية التي تزداد جراحة يوماً بعد آخر ، والتي عجّلت في وعي الأُمّة وساهمت في تنضيج الذهنية الإسلامية وطموحات الرسالة ، وهذه الظروف وإن كانت في ظاهرها تشكّل عنصر ضغط لتذويب إرادة الأُمّة وتفتيت قدرتها ، إلاّ أنّ لكلّ فعل ردّ فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتّجاه ويقع وإيّاه على خطّ فعل واحد ، كما هو مقتضى القانون الثالث من قوانين « إسحاق نيوتن » . هذا على صعيد الموادّ الجامدة غير الواعية وغير العاقلة ، وأمّا على صعيد الأُمم والشعوب ـ وكما يستفاد ذلك من دراسة التاريخ بل والواقع المعاش ـ فإنّ ردّ الفعل قد يكون أضعافاً مضاعفة ، وقد يفوق حدّ التصوّر أحياناً  وجود الطاقة الإيمانية التي لا يمكن أن تخضع للحسابات المختبرية الصامتة . وعلى أيّة حال فإنّ الأُمّة الإسلامية باتت اليوم أكثر من أيّ وقت مضى تحسّ بضرورة الوحدة ونبذ الخلافات جانباً ، ولا بدّ من التصدّي لأعداء الأُمّة الذين يريدون ابتلاعها ومصادرة شخصيتها وإلغاء هويتها .

رابعاً : انفتاح نافذة الحوار الإيجابي الذي يحلّ كثيراً من الإشكاليات ويرفض العديد من حالات الغموض وسوء الظنّ .

خامساً : التنظير للمشروع الوحدوي في أبعاد مختلفة ، كالبعد التفسيري ، والبعد الفقهي ، والبعد الأُصولي ، والبعد العقائدي والكلامي ، والبعد التاريخي ، والبعد السياسي ، وتأسيس مناهج نظرية وعملية ، وتقعيد الفكر الوحدوي من خلال أُطروحات عميقة ودقيقة مبنية على أساس الواقع الموجود ، لا على أساس واقع متخيّل ومتصوّر ، وعلى أساس فهم الآخر ودرك محيطه .

وقد يعدّ هذا أهمّ ركيزة تحمل البشائر ، وتجعلنا نحسب للأهداف الوحدوية حساباً ، وتقلب تصوّراتنا إلى تصديقات .


التقريب بين المذاهب الإسلامية

وأمّا ما يتعلّق ببحث التقريب بين المذاهب الإسلامية فأقول :

إنّ محاور هذا البحث الرئيسية هي : تعريف التقريب ـ آليات التقريب ـ أُسس التقريب وقواعده ـ عوائق وموانع التقريب وشبهاته ـ سبل ووسائل وعوامل نجاح التقريب ـ مجالات التقارب ـ أهداف التقريب ـ ضرورة التقريب وسبل مواجهة موانعه .

إحدى مؤتمرات التقريب بين المذاهب

تعريف التقريب

أمّا تعريف التقريب : فالتقريب لغةً : ضدّ التباعد ونقيضه ، كما جاءت هذه اللفظة بمعنى التفاعل والامتلاء والإسراع ونحوها .

أمّا اصطلاحاً : فقد تعدّدت التعاريف المختارة لهذا الاصطلاح المهمّ جدّاً ، وأغلبها تصبّ في مصبّ واحد ، كما يلمسه القارئ حين يطّلع على التعاريف التي صيغت لهذا المصطلح . .

فقد عرّفه الشيخ محمّد علي التسخيري الأمين العامّ السابق ىللمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بأنّه : التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية بغية تعرّف بعضهم على البعض الآخر على طريق تحقيق التآلف والأُخوّة الدينية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة .


كما عرّفه الشيخ جعفر السبحاني أحد مراجع التقليد في قم بأنّه : التقريب بين قادة المذاهب وأتباعها برسم الخطوط العريضة المشتركة التي تجمع المذاهب الإسلامية في مجالي العقيدة والشريعة ، وترك بعض الخلافات الجانبية .


كما عرّفه الدكتور عبدالسلام العبادي رئيس مجلس أُمناء جامعة آل البيت في الأردن بأنّه : إبراز الجوامع المشتركة ، واحترام الفروق في إطار التأكيد على وحدة الأُمّة .


كما عرّفه الدكتور محمّد الدسوقي المصري أُستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة القطرية بأنّه: محاولة لكسر شوكة التعصّب ، وجمع كلمة الأُمّة على أُصول عقيدتها والمبادئ الأساسية لدينها .


آليات التقريب

أمّا آليات التقريب : فهي الوسائل المتاحة للوصول إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وتضمّ :

1 ـ الاعتراف بالمذاهب الإسلامية ، وبصحّة التعبّد بها ، وترك الهجوم من أتباع بعضها على بعضها الآخر .

2 ـ تطبيق مبدأ التسامح المذهبي ، وغرس مفهومه بين الأتباع .

3 ـ التوقّف عن محاولات الإقصاء والإبعاد المذهبي ، ومحاولات الحلول محلّ الذي أُقصي وأُبعد .

4 ـ الأخذ بمبدأ المقارنة في الدراسات الإسلامية ، حتّى يتيسّر لجميع المسلمين الاطّلاع على آراء وأحكام المذاهب الإسلامية المختلفة ، والابتعاد عن المناظرات التي تعضد هذا وتقلّل من ذاك .

5 ـ تشجيع مبدأ البحث العلمي الحرّ بعيداً عن الاضطهاد الفكري والإرهاب الثقافي ، ونشر البحوث العلمية في كلّ أقطار المسلمين وبمختلف لغاتهم ; كي يتسنّى لكلّ المسلمين الاطّلاع على نتائج هذه الأبحاث .

أسس وقواعد التقريب

أمّا أُسس التقريب وقواعده : فهي الأُصول والركائز التي يعتمد عليها التقريب بين المذاهب الإسلامية . . والتي يمكن إجمالها في أُسس فكرية وأُخرى أخلاقية . .

أمّا الأُسس الفكرية فهي كالتالي :

1 ـ  إبقاء الاجتهادات في إطارها الفكري .

2 ـ  اتّباع المنهج الوسط وترك التطرّف .

3 ـ  التركيز على المحكمات دون المتشابهات .

4 ـ  ضرورة الاطّلاع على الرأي الآخر .

5 ـ  الانشغال بهموم الأُمّة الكبرى .

والأُسس الأخلاقية كالتالي :

1 ـ الإخلاص والتجرّد من الأهواء .

2 ـ  التحرّر من التعصّب .

3 ـ  إحسان الظنّ بالآخرين .

4 ـ  ترك الطعن والتجريح .

5 ـ  الحوار بالتي هي أحسن .


عوائق وموانع التقريب

أمّا عوائق التقريب وموانعه فمنها :


أوّلاً : العامل الخارجي .


ثانياً : المصالح الشخصية لبعض الزعماء والحكّام .


ثالثاً : التكفير .


رابعاً : التشكيك في نوايا الداخلين في الحوار .


خامساً : التهويل والتضخيم واستحضار الماضي والتهجّم على المقدّسات وعدم احترام الآخر .


سادساً : اختلاف مناهج الاستدلال وطرق الاستنباط .


سابعاً : اعتبار القول الشاذّ علامةً على المذهب كلّه ، وأخذ تصوّرات المذهب من أقوال خصومه .


ثامناً : دخول من ليس أهلاً في عملية الحوار ، واتّباع الأساليب الملتوية للظفر بالآخر .


تاسعاً : عدم التصارح بين المسلمين .


عاشراً : الذهنيات القلقة والخائفة من التواصل .


حادي عشر : وجود عوائق فكرية وأخلاقية .

ففضلاً عن مخاطر هذه الذهنية التي يجب أن تواجه بحكمة وموضوعية ، فإنّ ثمّة أفهاماً وممارسات لا تقلّ خطراً عنها ، منها :

1 ـ الابتعاد عن الأساليب الإسلامية في التعامل عند الاختلاف ، بحيث لا نجد الأخلاقية الإسلامية حاكمة في مقاربة الاختلاف الفكري أو المذهبي .

وهذه الأخلاقية تتمثّل بالالتزام بمجموعة من القيم ، منها :

أ ـ التأسيس للقواعد المشتركة قبل التحرّك لمعالجة قضايا الاختلاف .

ب ـ الجدال بالتي هي أحسن .

ج ـ الحمل على الأحسن في فهم الآخر ، والعذر عند الاختلاف ، وعدم الحكم على أساس النيّة السيّئة أو تعميم الاختلاف ، ناهيك بالتدقيق في النقل وفهم الآخر من مصادره الأصيلة لا ممّا تسمع عنه .

د ـ التحرّك من موقع المصلحة الإسلامية العليا عند التعاطي مع المستجدّات الخلافية .

هـ ـ عدم اعتماد أساليب السباب والشتائم واللعن كأساس في الحوار أو التعامل عند الاختلاف ، لا بل التأكيد على حرمة ذلك ، وتفهّم رأي الآخر وفق قاعدة أنّ الأمر الواضح عندك ليس بالضرورة واضحاً عند الآخرين وبالصورة نفسها ; لأنّ الزاوية التي تنظر منها إلى القضايا قد تختلف عن الزاوية التي ينظر منها الآخر .

2 ـ التهيّب من التعامل الجدّي مع المفردات التي تثير جدلاً بين المسلمين وتؤكّد اختلافهم ، من قبيل : النظر إلى الإمامة والخلافة ومدى حدودها ، والنظرة إلى الخلفاء والصحابة ، التكفير ، السنّة النبوية ، أحاديث الأئمّة ، وغيرها .

3 ـ التغافل عن الآيات والأحاديث التي تدعو إلى الوحدة ، واعتبار أنّها تنحصر فقط في الدائرة الواحدة ضمن المذهب الواحد ، أو أنّ لها بعداً أخلاقياً توجيهياً لا يأخذ طابع الإلزام ، ولا يشكّل عنواناً أساسياً للذهنية الإسلامية ، وبذلك نبعد الإسلام عن أن يشكّل القاعدة الأساس للرؤية والسلوك ، وننفي أنّ المذاهب تمثّل وجهات نظر في فهم الإسلام .

4 ـ فهم بعض الآيات والأحاديث التي تعتبر الاختلاف حالة طبيعية إنسانية من قبيل الآية الكريمة : ( وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ ) (سورة هود : 118 ـ 119 ) ، وفهمها بما يكرّس الاختلاف والانقسام ، وهو ما لا تقصده الآية الكريمة ، والسبب أنّ عقل المسلم وصدره لايزال عاجزاً عن تقبّل الاختلاف الذي يفسح في المجال لتعدّد الآراء وغنى الأفكار وتنوّع الرؤى .

5 ـ عدم الجدّية في الأخذ بالوحدة الإسلامية ، وحملها كشعار لا يحمل أيّ مضمون ، لا سيّما إذا جرت مقاربتها إمّا من حيث هي وسيلة ليتنصّل من خلالها البعض من الاتّهام بالمذهبية واتّهام الطرف الآخر بها ، أو ستاراً يخفي السعي للنفاذ إلى المجتمع الآخر ، أو ديكوراً للفئات السياسية كي تبدو منفتحة في حضورها وغير منغلقة على ذاتها أو منحرفة في دائرتها المذهبية .

ثاني عشر : عدم المعرفة .


ثالث عشر : غياب التربية الصالحة .


رابع عشر : علماء السوء .


خامس عشر : العصبية والنزعة الأُحادية .


سادس عشر : حبّ الدنيا والمصالح الماليّة .


سابع عشر : شلل الإرادات .


سبل التقريب وعوامل نجاحه

أمّا سبل التقريب : فهي طرق إقرار ثقافة التقريب والوحدة بين الأوساط العامّة . . ويتمّ ذلك من خلال :

1 ـ نشر ثقافة الوحدة بين أهل الذكر من العلماء والحكّام ، وذلك بعقد المؤتمرات في كلّ عامّ أو عامين ; ليجتمع فيها عقلاء المسلمين وعلماؤهم من جميع الأقطار الإسلامية ; ليتعارفوا أوّلاً ، وليتداولوا في شؤون الإسلام ثانياً ، وأوجب من هذا عقد المؤتمرات والمعاهدات بين قادة الشعوب الإسلامية ; ليكونوا يداً واحدة ، أو كيدين لجسد واحد تدفعان عنه الأخطار المحدقة به من كلّ جانب .

2 ـ التصدّي لهؤلاء الذين يقفون في سبيل الوحدة بالحكمة والموعظة الحسنة، وهم في كلّ بلد إسلامي وإن كان ظهورهم على أشكال وألوان مختلفة ، غير أنّ لهم طابعاً واحداً مشتركاً، أو فكراً واحداً مميّزاً ، أو أمراً واحداً جامعاً ، ذلك أنّهم في فهمهم للدين يتّبعون أفكار غير المسلمين ، وهي أفكار مفرّقة غير جامعة، لا تريد المسلمين قوّة في الأرض دافعة أو مانعة ، ولا أُمّة واحدة جامعة ، بل يريدونهم أوزاعاً متفرّقين لا حول لهم ولا قوّة .

3 ـ التعرّف على المذاهب من مصادرها ، ولذلك كان من الخطوات العملية للتقريب بين المذاهب الفقهية والوحدة الإسلامية هو نشر المؤلّفات الأصيلة لرجالات المذاهب وعلمائها ، وتداولها بين كلّ المهتمّين بالتقريب بين أتباع المذاهب ، وتحقيق الوحدة ; لأنّ الأفكار المرسلة والتي تنتشر بين جماهير الأُمّة هي التي تساعد على التمزّق والتفرّق ، وتقف حجر عثرة في طريق الوحدة، ومن ثمّ كان من الضرورة العلمية وأيضاً من الضرورة لوحدة الأُمّة أن تعرف أحكام المذاهب من مصادرها المعتبرة لا من أقوال خصومها .

4 ـ الإمساك عن المطاعن ، ولهذا ينبغي أن تتوقّف حملة الأقلام عن إثارة المشاعر برمي أتباع بعض المذاهب بالفظائع معوّلين في ذلك على بعض الآراء الشاذّة والروايات المدخولة والأفكار المسمومة; لأنّ الذين يُهاجَمون ويُنتَقدون سيلجأون إلى الدفاع عن أنفسهم ، فتثور الأحقاد ، وتستمرّ الحفائظ ، وتكون أكبر خدمة للأعداء الذين يتربّصون بالأُمّة الدوائر .

5 ـ التفريق بين العقيدة التي يجب الإيمان بها وبين المعارف الفكرية التي تختلف فيها الآراء دون أن تمسّ العقيدة ، فبهذا التفريق تجتمع الأُمّة على ما اتّفقت عليه ، ويعذر بعضها بعضاً فيما اختلفت فيه ، ويومئذ يعود المسلمون كما كانوا أُمّة واحدة ، دينها الإسلام ، وكتابها القرآن ، ورسولها محمّد (صلى الله عليه وآله) .

6 ـ أن يقوم العلماء ورجال الفكر بوضع القواعد الأساسية والمبادئ السليمة التي تمكّن من قيام وحدة سياسية واقتصادية لشعوب ودول الأُمّة الإسلامية .

7 ـ أن تقوم مبادئ ( الوحدة الإسلامية ) المقترحة على أساس من المبادئ الإسلامية لتنسحب هذه المبادئ بصبغتها الإسلامية على الوحدة الإسلامية ، فتجدّد كلّ مساراتها واتّجاهاتها .

8 ـ أن تتاح الفرصة لتهيئة المجتمعات الإسلامية نفسياً وفكرياً لهذه الوحدة ; حتّى يتوفّر المناخ الملائم ، فتصبح الوحدة مطلباً عامّاً تعمل الشعوب الإسلامية على تحقيقه .

9 ـ يصاحب ذلك قيام الإعلام صحافة إذاعة تلفازاً وما جرى مجرى هذا في الإعداد لهذه الوحدة الإسلامية .

10 ـ أن يكون لهذه الوحدة ( جامعة ) أو مؤسّسة أو ما شابه ذلك ، يلتقي تحت اسمها المسؤولون عن مجتمعات الأُمّة الإسلامية .

11 ـ أن تكون هذه الوحدة شاملة لكلّ المتطلّبات لتحقيق آمال الشعوب الإسلامية التي التقت في وحدتها العقدية والتشريعية والخلقية والفكرية .

12 ـ أن تقوم سوق إسلامية مشتركة على غرار السوق الأُوروبّية ، خاصّة أنّ عوامل قيام هذه السوق متوفّرة وإمكاناتها متاحة .

13 ـ أن تكون هناك مؤسّسات إسلامية مختلفة تُنشَأ هنا وهناك ، تعمل على التخطيط الدقيق لتحقيق التكامل بين المجتمعات الإسلامية .

14 ـ لا بدّ أن يكون هناك إخلاص كامل لهذه الوحدة الإسلامية التي تتخطّى وتتجاوز الإقليمية والعنصرية ، والأحزاب السياسية ، والأواصر اللغوية والقومية .

15 ـ أن تبذل الجهود المخلصة لإزالة المعوّقات التي تقف أمام وحدة المسلمين ، وتجعل خطوات الوحدة تتعثّر .

16 ـ أن تكون هناك قرارات سياسية ممّن يملكون القرار ; لتنطلق المؤسّسات الإسلامية وتعمل على ترسيخ مبادئ الوحدة الإسلامية وقيامها .

ومن عوامل نجاح التقريب :

1 ـ جعل القرآن الكريم دستور الأُمّة ، واعتباره العنصر الرئيس في أُسس أيّ لقاء ، وجعله الحاكم في القضايا بين المسلمين .

2 ـ إقامة التقريب بين المذاهب على أساس علمي رصين بعيداً عن العواطف أور ردّات الفعل الآنية; لأنّ ما يقوم على أُسس علمية يبقى ويستمرّ ، وما يقوم على الظروف الزمانية يفنى ويضمحل .

3 ـ جعل التقريب قائماً على أساس التعاون الجماعي والاجتماعي بعيداً عن السياسات المتقلّبة ، أو الانحياز إلى نظام سياسي معيّن هنا أو هناك ، فالأنظمة السياسية لا تدوم ، والعمل الجماعي يدوم .

4 ـ حسن النيّة وسلامة الطوية ، وذلك بتبنّي المقاصد لتحقيق الأهداف .

5 ـ الاهتمام بإبراز النقاط المشتركة بين المذاهب ، والحديث دائماً عن نقاط التلاقي ، وبخاصّة مع العامّة ، وتوجيههم إلى أهمية الوحدة الإسلامية كما أرادها القرآن الكريم : ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ) ( سورة الحجّ : 78 ) ، وإشاعة ثقافة التقريب ، وتضافر الجهود لذلك ، وترك الجدل والمناظرات الفكرية والعقدية والفقهية للمختصّين في المستويات العليا .

6 ـ التأكيد على أنّ الاختلاف بين المذاهب الإسلامية هو اختلاف خطأ وصواب ، وليس اختلاف كفر وإيمان .

7 ـ عدم تضخيم مسائل الخلاف وتحويلها إلى منازعات تشاحنية وخصومات تنافرية ، تنسي مقوّمات الوحدة وعوامل الوفاق ، مع أنّ نقاط التلاقي والاتّفاق أكثر بكثير من نقاط الخصام والتفرّق.

8 ـ عدم الانشغال بمناظرات جانبية وجدالات داخلية ، فالأهمّ هو الدعوة إلى الإسلام بعرض جوهره النقي وصفائه الروحي ، وبيان رسالته الواضحة ، وإبراز جمال الدين وشموله لكلّ مجالات الحياة، وأنّه يُصلح الإنسان والزمان والمكان .

9 ـ التخلّص من عقدة كمال الصحّة المطلقة ، وعقدة الوصاية على الدين ، فما تحمله حقّ وصواب يحتمل الخطأ ، وما أحمله حقّ وصواب يحتمل الخطأ ، قال تعالى : ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلاَل مُبِين ) ( سورة سبأ : 24 ) ، وإذا كان هذا في الحوار مع غير المسلمين فهو مع المسلمين من باب أولى .

10 ـ تجنّب التعصّب المذموم ومحاربته ، فإنّه يعمي ويصمّ القلوب والعقول والبصائر ، ومنهج القرآن النهي عن التعصّب المقيت ، ويدعو إلى التسامح الديني ، ومن باب أولى التسامح المذهبي ، ويدعو إلى التآخي البشري ، فكيف بالتآخي الإيماني ؟ !

11 ـ الابتعاد عن مواجهة المسلم للمسلم بأشدّ الكلمات ، وأغلظ العبارات ، وأقسى الأساليب وتجنّب التجريح والتنقيص ، وإحصاء الأخطاء والعثرات لدرجة قد تصل إلى الإهانة ، فمثل هذا يولِّد مزيداً من الأحقاد والكراهية والبغضاء ، وما أروع منهج القرآن : ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ( سورة آل عمران : 159 ) !

12 ـ تقدير الرأي والرأي الآخر واحترامهما ; لضرورتهما وأهمّيتهما عند الحوار وحين تبادل الرأي .

13 ـ أن يكون الحوار الفكري قائماً على تبادل المعرفة ، وقبول الحجّة المنطقية المدعمة بالدليل الشرعي الصحيح دون جمود أو تعصّب .

14 ـ أن يكون الجدال بالتي هي أحسن ، فلا يتعدّى الإقناع بالدليل إلى إثارة الفرقة والخصام ، ومحاولة التفريق بين المسلمين ; ليضعف أمرهم ، ويتمكّن أعداؤهم منهم ، فمنهج القرآن مع غير المسلمين رفق ولين ، فهو مع المسلمين من باب أولى ، قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ  أَحْسَنُ )( سورة النحل : 125 ) .

15 ـ مراعاة الشعور والعواطف ، واحترام تباين الآراء واختلاف الأفهام ، فمثل هذا يولِّد المحبّة والصفاء ، قال تعالى : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ( سورة فصّلت : 34 )، وحينها يتحوّل العدوّ إلى صديق ، والمبغض إلى محبٍّ ، والبعيد إلى قريب .

16 ـ عدم إثارة الطرف الآخر ، فالإثارة تولّد الانفعال وتقطع الحبائل المقرّبة ، فهذا منهج القرآن مع غير المسلمين : ( وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم ) (سورة الأنعام : 108 ) ، فالمسلم ليس بالسبّاب ولا اللعّان ولا الفحّاش ولا البذيء ، فالكلمة الطيّبة أصل التلاقي ، والحوار الهادئ أساس التفاهم .

17 ـ التجرّد عن الأحكام المسبقة المبنية على الظنّ لدى أطراف التقريب ، فالعمل لا بدّ أن يكون قائماً على اليقين ، وليس على الوهم والظنّ والشكّ .


وسائل التقريب

أمّا وسائل التقريب فهي : السبل الكفيلة بترتيب الأثر الملموس والنتائج المطلوبة لدفع عجلة التقريب بين المذاهب الإسلامية نحو الأمام .

ومن جملة هذه الوسائل والسبل اتّخاذ الإجراءات العاجلة والجادّة لتنفيذ عملية إجراء البحوث العلمية والموضوعية عن واقع كلّ مذهب من المذاهب الإسلامية ، واستخراج حقائقه العقدية ومواقفه الفقهية من مصادر المذهب نفسه ومراجعه ، لا ممّا كتب عنه الآخرون ; لأنّ كلّ مذهب من المذاهب له خصوصياته التي لا تعرف إلاّ من مصادره المعتمدة لديه ، سواء كانت عقدية أو أُصولية أو من الفروع ، أو حتّى في حقل تفسير التاريخ وفهمه ، لاعتبار أنّ ما كان قد كتب أو روي عن بعض المذاهب من خارج بنيتها الحقيقية قد اختلط بنفثات نسبت إلى هذا المذهب أو ذاك اتّهامات ، أقلّ ما يقال عنها : إنّها ليست معترفاً بها في هذا المذهب ولا يقرّها ، أو ليست صحيحة عنده .

وانطلاقاً من أنّ عملية التقريب بين المذاهب لا بدّ أن يراعى فيها المصداقية والموضوعية ، فإنّ مثل تلك الصفات والحقائق لا يمكن أن تؤخذ أو تستقى إلاّ من لسان أصحاب المذهب نفسه ، أو من مصادره المعتمدة عند أهله وأتباعه ، لا من أقوال خارجية ، فربّما صاحبتها أباطيل ، ودسّت فيها دسائس ، أو زوّرت عنها أقاويل دون ثوابت ، حتّى انطوت على الشكّ فيها بصورة عامّة .


هذا ، وتوجد إجراءات عملية في إطار تنفيذ استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية ، تبرز أهمّيتها من خلال اتّخاذ إجراءات متكاملة متماسكة على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية ، ويأتي في مقدّمتها ما يلي :

1 ـ وضع سياسة وطنية تستهدف التقريب بين المذاهب الإسلامية ، تتضمّن خططاً عملية من شأنها أن تساعد المعنيّين على إبراز حقيقة الاختلافات الفقهية من منظور إسلامي باعتباره ظاهرة فكرية نابعة من منطلقات غير منافية للتشريع الإسلامي ، لها جذور إسلامية صحيحة مبرّرة ، وبالذات منها ما كان في المسائل والقضايا الاجتهادية المستنبطة من الأدلّة الظنّية .

2 ـ إدماج مادّة ( ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية ) في كلّ مناهج المراحل التعليمية ، وبصور أخصّ فى المعاهد والمدارس والجامعات الدينية ذات الطابع المتخصّص في العلوم الشرعية ، ووفق أُسس تربوية ، والتركيز عليها في كلّ مسارات العملية التعليمية ، والعناية بها كمادّة تطبيقية صفّية ولا صفّية أساس يحصل الطالب عند تفوّقه فيها على تقدير أعلى في علامات النجاح التعليمي .

3 ـ تكثيف المحاضرات الدورية عن التقريب وثقافته السلوكية في مختلف المراكز المعنية بالقضايا الثقافية ، وفي المعاهد والمؤسّسات التعليمية ، مع التركيز بشكل أكثر عمقاً على الوحدة الإسلامية ، وشرح أسباب الاختلافات الفكرية والفقهية بين المذاهب ، والعمل على تبسيط مبرّراتها وتوضيح مقاصدها .

4 ـ استغلال المناسبات الوطنية والتجمّعات الشبابية المتكرّرة لتناول مسائل التقريب ، والعمل بشتّى السبل والوسائل على نشر ثقافته ، والتعريف بأنّ اختلافات المذاهب لا تعني التباين والتضادّ والتفرّق ، وإنّما هي اختلافات اجتهادية ظنّية ، تدور حول أحكام فروع مسائل وقضايا الفقه الإسلامي ، وأنّها لا تمّت إلى جوهر الإسلام وثوابته .

5 ـ الربط بين أُصول الدعوة الإسلامية ومحتوى اختلاف المذاهب والفتاوى الإسلامية وتعدّدها ، والدعوة إلى ضرورة انسجام فتاوى العصر مع جوهر الإسلام ، وإسنادها إلى مصادر التشريع ، لا إلى أقوال ليس لها مرجع من الدين ، خصوصاً حول قضايا الساعة الملحّة الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية .

6 ـ دعوة الكلّيات والجامعات الإسلامية لتطوير مناهجها ومقرّراتها ، وفتح آفاق معرفية جديدة تتمثّل في توسيع الدراسات الإسلامية العليا وتطويرها في إطار التقريب ، وتشجيعها على فتح باب الاجتهادات الفقهية وفق أُسسه المعروفة في علم أُصول الفقه ، بحيث يتسنّى لها تخريج المجتهدين والعلماء المبرّزين المتعمّقين في الشؤون والقضايا الإسلامية ، ومساعدتها على تطوير البحث العلمي المتخصّص وتعميقه ، وخصوصاً في جوانب الدراسة التي تخدم وتحقّق أهداف التقريب بين المذاهب ، مع إيلاء مناهج ثقافة التقريب أهمّية خاصّة في الدراسات الدينية والجامعية وبحوث الدراسات العليا ورسائل الماجستير وأُطروحات الدكتوراه ، وفي جميع إصداراتها .

7 ـ إيلاء دور الأئمّة وخطباء المساجد والوعّاظ ورجال الدعوة الإسلامية والصحافيّين والإعلاميّين اهتماماً خاصّاً ، والعمل على تشجيعهم على حمل رسالة التقريب ، وتوحيد رؤيتهم الإسلامية نحو المذاهب ، ودعوتهم للحدّ من تناول المسائل الخلافية وإثارة النقاش حولها ، إلاّ بما يجعل منها منطلقاً للغنى الفكري والتوسّع المعرفي ، وبما يخدم مقاصد التشريع ، ويؤكّد الوحدة الإسلامية .

مجالات التقريب

أمّا مجالات التقارب : فهي المحاور التي يدور التقارب حولها . . والتي :

( منها ) : محور العقائد ، فللمذاهب الإسلامية كافّة رؤية مشتركة واحدة تقريباً حول الأُصول العقائدية والأركان الإسلامية ، والخلاف في فروعها لا يخلّ بأصل الإسلام والأُخوّة الإسلامية .

و( منها ) : محور الفقه وقواعده ، فوفقاً لوجهة نظر محقّقي فقهاء المذاهب ، فإنّ الأبواب الفقهية تتضمّن نسبة عالية من النقاط المشتركة ، والاختلاف في بعض المسائل الفقهية أمر طبيعي مردّه إلى فهم الفقهاء واجتهاداتهم .

و( منها ) : محور الأخلاق والثقافة الإسلامية ، فليس للمذاهب الإسلامية خلاف في الأُصول الأخلاقية والثقافة الإسلامية على الصعيد الفردي والجماعي ، والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو أُسوة الأخلاق لدى كافّة المسلمين .

و( منها ) : محور التاريخ ، فلا ريب في أنّ المسلمين يتّفقون على وحدة المسيرة التاريخية في مفاصلها الرئيسة ، والاختلافات التفصيلية والفرعية يمكن طرحها في جوّ هادئ ، فيتمّ الوصول إلى موارد كثيرة للاتّفاق .

وعلى أي حال ، يجب أن لا تترك الخلافات آثارها السلبية على المسيرة الحاضرة للأُمّة الإسلامية.

أهداف التقريب

أمّا أهداف التقريب : فهي الثمار المرجوّة من ظاهرة التقريب بين المذاهب الإسلامية . ومن تلك الثمار :

1ـ الممانعة من الاضمحلال الداخلي .

2ـ الحفاظ على كيان المسلمين .

3- بتر الأطماع .

4ـ تحقّق هدف الرسالة المحمّدية .

5ـ السعي لتضييق الخلاف بين المدارس الاجتهادية .

6ـ إثبات أنّ الخلاف ليس جوهرياً ، بل هو خلاف اجتهادات .

7ـ التعريف بحقيقة التقريب ; كي يصبح أكثر عملية .

8ـ التنويه بأنّ المساحة الخلافية لا ينفرد بها مذهب واحد .

9ـ تحقيق التأليف والانسجام بين قلوب أتباع المدارس .

10ـ التأكيد على أنّ المساحة المشتركة أكبر بكثير من المساحة المختلف فيها .

11ـ الوقوف علمياً على أساس الاختلاف لمعرفة الكوامن وليسهل إخماد البراكين .

12ـ انصهار مصالح الجماعة الكبيرة في مصالح الجماعات الصغيرة واتّحادها ، وهذا لا يلغي إحساس الانتماء أو يكون على حسابه بل يصبّ في صالحه تماماً .

ضرورة التقريب

أمّا ضرورة التقريب : فهي الحاجة الماسّة إلى التقريب والداعية إليه . . ويمكن إجمال أهمّية وأسباب ضرورة نجاح الجهود التقريبية فيما يلي :

1 ـ إنّ الأُمّة الإسلامية قد وصلت إلى حاله مؤلمة من الضعف والهوان بسبب التمزّق والاختلاف الذي يؤدّي إلى الشقاق والنزاع الذي نهى عنه الإسلام وحذّر منه ، وتحتاج إلى التجمّع والتوحّد تحت راية الإسلام .

2 ـ إنّ التقريب بين المذاهب والابتعاد عن التصّب المذهبي يرجع في الأساس إلى أنّ هذه المذاهب ليست من أصل الدين ولم توجد ليعتنقها الناس أو لكي كون ملزمة لهم ، بل وجدت على أنّها آراء لأصحابها فيما عرض عليهم أو تعرّضوا له من المسائل والمبادئ ، تتمثّل فيها أفكارهم وأنظارهم ، ويتبيّن منها حكمهم على الأشياء أو حكم الله في نظرهم . فالله سبحانه وتعالى لم يأمر المسلمين بالتمذهب بمذهب بعينه ، بل أمرهم بطاعة الله وطاعة الرسول وأُولي الأمر بقوله تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)( سورة النساء : 59 ) .

3 ـ إنّ وجود المذاهب المتمايزة بأسمائها وأتباعها الذين ينتسبون لها ولا يرون الحقّ إلاّ فيما ذهبت إليه ليس ضرورة حتمية لوجود الخلاف ، بدليل أنّ الخلاف موجود فعلاً في إطار المذهب الواحد دون أن ينقسم المذهب إلى مذاهب متعدّدة تنتسب إلى أصحاب هذا الخلاف . من ذلك مثلاً ما نراه في مذهب أبي حنيفة ، حيث نرى اختلافاً كثيراً بينه وبين أصحابه أبي يوسف القاضي ومحمّد ابن الحسن الشيباني وزفر بن الهذيل واختلافاً بين بعضهم مع بعض في كثير من المسائل دون أن ينقسم هذا المذهب إلى مذهب لأبي حنيفة ومذهب لأبي يوسف ومذهب لمحمّد وهكذا .

4 ـ إنّه من المهمّ جدّاً لدراسة المذاهب الفقهية دراسة دقيقة عميقة محيطة بجميع نواحيها واتّجاهاتها وموازنة بعضها ببعض وترجيح بعضها على البعض أن نرجع هذه المذاهب إلى أُصولها ونتبيّن إن كان بينها اختلافاً في الأُصول والمبادئ أم ليس بينها اختلاف في الأُصول والمبادئ ، فلا يكون هناك محلّ للإبقاء على التعصّب والتنافر .

5 ـ إنّ بيان مواقع الاتّفاق ومحاولة التقريب بين المذاهب في الأصل تشترك في الأُصول والمبادئ والأدلّة التي تستقي منها الأحكام الشرعية ، له أهمّيته العظمى وأثره القوي في جواز التلفيق بين الآراء من المذاهب المختلفة والخروج منها برأي موحّد مؤلّف من رأيين أو أكثر أو عدم جواز ذلك ; لأنّ أُصول الآراء إذا كانت مختلفة متعارضة لم يكن من المقبول التلفيق بينها بأخذ رأي في مسألة من المسائل يعتبر مزيجاً من جملة آراء تتعارض أُصولها بعضها مع بعض ; لأن كلّ أصل اعتمدت عليه في ناحية يستلزم بطلان ما أخذت به في الناحية الأُخرى  من المسألة ; إذ لا يصحّ أن ترى الشيء الواحد في وقت واحد صحيحاً باطلاً ، فذلك لا يقبله عقل ولا يسوّغه نظر ، أمّا عند اتّحاد الأصل فليس ثمّة ما يمنع من ذلك .

6 ـ إنّنا كأُمّة إسلامية واحدة نحتاج إلى تطبيق آداب الخلاف فيما بيننا مبتعدين عن منهج التكفير أو التسفيه الذي يعطي لأعداء الإسلام الذخيرة الحيّة التي يضربون بها مبادئ الإسلام التي تقوم على احترام الآخر وعلى الحجّة والبرهان وحسن الظنّ بالمخالف وتغليب جانب الأُخوّة في الله على كلّ اعتبار عملاً بمبدأ « الوقاية خير من العلاج » .

سبل مواجهة عوائق التقريب

وأمّا سبل مواجهة عوائق التقريب : فهي طرق مجابهة العوائق والعقبات التي تعترض حركة التقريب، وذلك بوضع سياسات وبرامج استراتيجية ومرحلية مفيدة . ويمكن تلخيص ذلك بالنقاط التالية :

1 ـ إنّ من واجب كلّ الأطراف الإسلامية الحريصة على الوحدة ، والتي تعي بقوّة وشفّافية معالم خطر الحروب المذهبية التي يصنعها ساسة الغرب بفعل سياساتهم اليومية وتواطؤ فئات من كلّ الاتّجاهات والمذاهب ـ وذلك سواء عن وعي أم غير وعي ـ مع هذه السياسات ، إنّ من واجب هذه الأطراف أن تكشف بوضوح لكلّ القوى الرسمية والسياسية والشعبية النتائج التدميرية للفتنة المذهبية ، وأنّ تتحرّك بقوّة نحو كلّ القوى المعنية بالشأن الإسلامي ; لعمل كلّ ما من شأنه أن يلجم الفتنة ويمنع تداعياتها التي لن ينجو منها أحد ، وحثّها على الأقلّ لعدم التوسّل بالعنوان المذهبي لخدمة سياسات ومصالح لا تخدم مصالح الوطن والأُمّة .

2 ـ التحرّك بشكل خاصّ نحو الهيئات العلمائية والمرجعيات الدينية ، وإقناعها بإصدار مواقف واضحة من أُولئك الذين يهشّمون الوحدة بين المسلمين ويضربون التفاعل في ما بينهم خوفاً منهم أو من الشارع العامّ ، بما يكرّس سيطرة المتطرّفين على الأرض ، بذريعة حماية المذهب من الفريق المقابل . وفي هذا الإطار لا بدّ لجميع الشخصيات العلمائية الكبرى وللمرجعيات الدينية من كلّ المذاهب أن تتّخذ مواقف فاعلة وفي وقت واحد من الأعمال والممارسات العصبوية والفئوية ، حتّى لا يعتبر البعض أنّ إصداره لوحده الموقف أو الفتوى قد يشكّل قوّة للآخر المختلف معه.

3 ـ تحريك عناصر التقارب على مستوى المواقع الفاعلة في الأُمّة ، بحيث لا تقتصر على المواقع العليا ، وذلك لإيجاد واقع التقارب في برامج الحوزات الدينية ، والمؤسّسات الإسلامية العلمية ، وفي التوجيه في المساجد والتجمّعات العامّة ، سواء أكانت أحزاباً أم جمعيات أم لجاناً ، وكم هو ضروري في هذا المجال إيجاد مواقع عمل مشتركة تساهم في انصهار المسلمين وتفاعلهم ، من أجل أن يتجسّد هذا التفاعل في التجمّعات الطلاّبية أو العمّالية وفي النوادي الفكرية والثقافية ، وفي مواجهة الظلم اللاحق بقضايا المسلمين الأساسية وبشخصياتهم وبرموزهم ، فلا يقف كلّ في موقعه ويتحرّك من دون تنسيق مع الآخر .

4 ـ تفعيل المواقع الأساسية التي تتيح للمسلمين تعزيز ارتباطهم ، من قبيل : فريضة الحجّ ، والتجمّعات العلمائية الموجودة ، والمؤتمرات والندوات الوحدوية ، والمنظّمات الإسلامية الوحدوية ، مثل منظّمة المؤتمر الإسلامي ومؤسّسات التقريب ، والتأكيد على المناخ التفاعلي بين كبار العلماء والمفكّرين وقادة الرأي .

5 ـ السعي الحثيث للشخصيات التي تحمل الهمّ الوحدوي للإطلالة الدائمة على المؤسّسات الإعلامية ، ولا سيّما الفضائية ; لوضع الأُمور في نصابها ، وذلك على حساب المؤجّجين للفتنة .

6 ـ اعتماد تربية إسلامية فاعلة تعمل على توجيه المجتمع بكلّ مواقعه على تقبّل الآخر ، واحترام الاختلاف الموجود فيه ، واعتباره مصدر غنى لا مصدر أزمة ومشكلة ، وفي هذا الإطار كم هو مهمّ إشاعة العناوين التوحيدية واعتماد كتاب ديني وحدوي يؤكّد الآراء المشتركة ويعرض الخلافات بحكمة وموضوعية .

7 ـ وضع ظاهرة التحوّل في الانتماء المذهبي عند بعض الأشخاص في حدودها ، وهي حالة حدثت قديماً وراهناً في الاتّجاهين ، وهي ظاهرة غير خطرة عندما تتمّ بوسائلها المشروعة وفي ظروف صحّية ، أي: حين لا تنطلق من خطّة مدروسة تسيء إلى وحدة المسلمين وقوّتهم .

8 ـ النظر في جدّية إلى النتائج الوخيمة لتأجيج الخلاف المذهبي ،  والذي يبدو أنّه سيتحوّل إلى ذريعة لنفي الدين واستبداله بالعلمانية كحلّ لقضايا المجتمع ! ولإبعاد الدين عن الساحة العامّة ، وإسقاط موقع الإسلام ودوره في صنع المستقبل .

9 ـ نشر المعرفة وتعميم العلم ، فلقد أعطى الإسلام لطلب العلم غاية الأهمّية : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) ( سورة الزمر : 9 ) ، وكفى أنّ الآية الأُولى التي أوحى الله بها على رسوله الأمين محمّد (صلى الله عليه وآله) قد أمرته بالقراءة . . كونها مفتاح العلم والمعرفة ، وهي مبدأ كلّ حركة إيجابية ، وأردفتها بالقلم حيث الوسيلة لتقييد العلم وتطويره ونشره وتخليده : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق *  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ( سورة العلق : 1 ـ 5 ) .

10 ـ التربية الصالحة ، فهي ليست علماً ومعلومات وتعليماً ونظريات فحسب ، بل هي فنّ تفعيل العلم وتطبيق المعلومات وإيصال التعليم إلى مستوى الإنتاج والأثر المتحرّك ، ولا يتحرّك الخير والمحبّة والتآلف والسلم الأهلي كمشروع على أرض الواقع ما لم تُزرَع في النفس البشرية حوافز إيمانية ودوافع إسنادية من الداخل . .  وهذا ما تُناط به التربية المعنوية وتتكفّله التزكية الروحية وأهمّية الخلوة الفكرية حتّى يتحلّق صاحبها إلى آفاق الكون وفي أعماق الأنفس ، فيكتشف كم للتعاون على البِرّ والتقوى من ضرورة وسعة مصاديق في الحياة !

11 ـ وجود الحكّام الصالحين ، فباعتبار أنّ تأثيرات السلطة الحاكمة على وضع العباد وأوضاع البلاد قويّة ومباشرة وأثرها على الصلاح أو الفساد أمرٌ محسوم بلا نقاش ، ترى الإسلام قد أولى اهتماماً كبيراً بمسألة الحكم والحاكم والحكومة .

فما هو نوع الحكم ؟ هل حكم الله أو حكم الجاهلية ؟ ! ومن يكون الحاكم ، هل بصفات خليفة الله أو بصفات الجاهليّين ؟ ! وكيف يجب أن تكون الحكومة ، هل بسياسات مستقلّة أو بتبعية وذيلية ؟ !

الإجابة على هذه الأسئلة هي التي تحدّد مسار التقريب والوحدة أو مغارات التفريق والفتنة .

12 ـ وجود العلماء الربّانيّين ، فليس من شكٍّ أنّ العالَم الربّاني يقوم بدور أساسي في توحيد الكلمة بناءً على كلمة التوحيد : ( لا إله إلاّ الله ) . . تلك هي رسالته الأُولى والأخيرة مادام يجلس في موقع الوراثة لدور الأنبياء وخاتمهم سيّد المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله) .

13 ـ التمتّع بالروح الجماعية ، فهي البدلة عن النزعة الأحادية التي نبذها الإسلام لينمّي في الإنسان روح العمل الجماعي ; لأنّه دين أُمّة ، وليس دين فرد أو جماعة وأُسرة .

14 ـ تعزيز عملية الإنفاق ، فهي سبيل البرّ والأُخوّة ، ولن تنال أُمّة برّاً في حياتها ما لم ينفق أغنياؤها وأثرياؤها ممّا رزقهم الله في سبيل وحدتها وقوّتها ورفعتها ودوام عزّها وبقاء مجدها وكرامة أجيالها وتماسكها على خطّ الأُخوّة ، حيث الأبناء يتأثّرون بمواقف آبائهم بطريقة وبأُخرى خيراً أو شرّاً .

15 ـ مقاومة الأطماع الأجنبية ، وهي ليست بالأمر الهيّن ، ولكنّها أمرٌ ممكن . ويتمّ ذلك بالعودة إلى شروط الإمكان من حيث البناء الفكري والتنوير الثقافي ، وتكثيف الأعمالية العلمية والدراساتية ، ونشر مراكز الأبحاث والمعرفة ، وتأسيس المكتبات العامّة للمطالعة . وكذلك من حيث الدروس التربوية المركّزة أخلاقياً لتقويم السلوك الفردي والأُسري والاجتماعي . وكذلك من حيث التعاقد في المشتركات وتكريس مفاهيم العطاء والإيثار والحبّ للغير كما الحبّ للنفس . وأيضاً من حيث توظيف الإمكانات الحكومية واهتمام العلماء بتحقيق الأهداف السامية للأُمّة الإسلامية .


مؤسسات التقريب العراقية

في عام 2018 م تم تأسيس المجمع العراقي للوحدة الإسلامية في العاصمة العراقية ليقوم بمهمة التقريب بين المذاهب الإسلامية في العراق ، ولنشر السلام والوئام بين مختلف الشرائح والأطياف العراقية .

وقد تولى مهمة رئيس المجمع السيد علي العلاق الذي كان في وقتها رئيساً للجنة الأوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب العراقي . ويعاضده في ذلك 15 شخصية عراقية من أهل السنة والشيعة .

قال السید علي العلاق في تصريح صحفي : "بعد القضاء علی داعش یجب علی العراقیین أن یوحدوا صفوفهم ویقربوا فيما بینهم على الصعيدين الفكري والثقافي بغية تحقق الأمن والاستقرار في العراق" .

وأضاف : "لا شك أن العراق بلد متنوع المذاهب ، وأعداء العراق یحاولون دائماً الاستفادة من العناوین الطائفیة للتفریق بین أبناء الشعب العراقي وافتعال حالات من الصراع الأهلي والعنف المسلح والصراع المسلح . الآن وبعد القضاء علی داعش یجب علی العراقیین أن یوحدوا صفوفهم ویقربوا فيما بینهم على الصعيدين الفكري والثقافي وكل ما یجمع ويوحد الصف العراقي عقائدیاً وثقافیاً ومجتمعیاً ويحقق الأمن والاستقرار في داخل العراق. علی هذا الأساس اتفقنا علی إنشاء المجمع العراقي للوحدة الإسلامية لیكون وسیلة ومنبراً ثقافياً واجتماعياً وفكرياً بین المسلمین من مختلف المذاهب من السنة والشیعة. یجتمع في هذا المجمع عدد من العلماء من السنة والشیعة لأجل التداول في مختلف القضایا التي تطرح في البلد . ولذلك عقد المجمع مؤتمراً للإعلان عن نفسه ، وتم الإعلان والتأسیس . وسیعقد هذا المجمع لقاءات مختلفة ویشكل لجان عمل مختلفة من أجل تهيئة بحوث ودراسات فكریة ولأجل تعزيز الفكر التقریبي بین المذاهب الاسلامیة ولأجل عقد الندوات والمؤتمرات وإقامة العلاقات واللقاءات بین أبناء الشعب العراقي ، ونسعی في هذا الاتجاه إن شاء الله".

وأكد السيد العلاق : بأن "المرجعیة الدینیة عبر التاریخ الاسلامي صمام الأمان ، وتشكل قاعدة للرعایة الأبویة والدینیة والاجتماعیة لكافة أبناء المجتمع الذي تعیش فیه المرجعیة سواء في إیران أو في لبنان. رجال الدین في العراق هم سد أمام أعداء الشعب العراقي ، وسماحة السيد السیستاني هو المرجع الأبرز في العراق ، ویعتبر الأب والرائد ، وكان وما یزال أمیناً علی مطالب الشعب ومدافعاً عن حقوقهم بمختلف مكوناتهم . ولذلك عندما رأی أن أعداء العراق وأصحاب الإرهاب والتكفیر اجتمعوا على النيل من العراق دعا الی الجهاد المقدس . ولذلك فإن الحشد الشعبي المقاوم تصدى لداعش ، وانتصرنا علی داعش بفضل فتوی الجهاد. الیوم الشعب العراقي یحترم هذه الشخصیة المفصلية احتراماً عظیماً ویعود إلیها في مختلف القضایا الخلافیة التي تنعكس على وحدة الصف العراقي" .

شخصيات الوحدة والتقريب في العراق

في بلاد الرافدين أعلام كثر سعوا إلى ترسيخ مبادئ الوحدة الإسلامية في المجتمع ،والحث على التعايش السلمي عند الأفراد ،ومحاولة رأب الصدع بين المذاهب الإسلامية المختلفة.ولا يفرق في ذلك كونهم شيعة أو سنة .

صورة تعبيرية

وفيما يلي باقة مختارة من هؤلاء الأعلام :

1.أبو القاسم الخوئي.

2.أمجد الزهّاوي.

3.حسين علي محفوظ.

4.طه جابر العلواني.

5.عبد العزيز البدري.

6.علي السيستاني.

7.محسن الحكيم.

8.محسن عبد الحميد.

9.محمد أمين زين الدين.

10.محمد باقر الحكيم.

11.محمّد باقر الصدر.

12.محمّد تقي الحكيم.

13.محمّد الحسين كاشف الغطاء.

14.محمّد الخالصي.

15.محمّد محمّد صادق الصدر.

16.محمّد مهدي الخالصي.

17.مسلم الحلّي الحسيني.

18.هبة الدين الشهرستاني.


المصدر

للاستزادة راجع كتابنا « المعجم الوسيط فيما يخص الوحدة والتقريب » ج1 : ص19 ، 63 ـ 64 ، 76 ـ 79 ، 83 ـ 84 ، 112 ـ 116 ، 154 ـ 155 ، 172 ـ 174 ، 279 ـ 281 ، 284 ـ 290 ، 304 ـ 307 ، 332 ـ 333 ، 405 ـ 410 ، 438 ـ 441 . وكذا ج2 : ص10 ـ 11 ، 36 ـ 37 ، 39 ، 177 ـ 178 ، 180 ـ 182 ، 191 ـ 194 ، 198 ـ 203 ، 229 ـ 240 ، 290 ـ 299 ، 396 ـ 398 ، 409 ـ 415 ، وغيرها من الصفحات .

وأيضاً كتابنا الاخر موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح بجزئيه الأول والثاني.

1.المعجم الوسيط فيما يخص الوحدة والتقريب.

تأليف : محمد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م.

2.موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح.

تأليف : محمد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م.

كما تمت الاستفادة من الموقع الألكتروني التالي بعد إجراء التصحيحات على المتن :

www.taghrib.com