النسخ

من ویکي‌وحدت

النسخ: وهو ارتفاع الحکم الکلی الثابت في الشريعة، کنسخ آية القبلة من المسجد الأقصی إلی المسجد الحرام.

تعريف النسخ لغةً

هو الإزالة والإبطال، ومنه: نسخت الشمس الظلّ. ويأتي بمعنى الاستكتاب والاستنساخ والنقل والتحويل[١].

تعريف النسخ اصطلاحاً

عرّفه علماء الإمامية [٢]، و الجمهور [٣] بارتفاع الحکم الكلّي الثابت في الشريعة بسبب انتهاء أمده وزوال ملاكه في مقام الثبوت والواقع .
وهناك من عرفه: بأنّه رفع للحكم الثابت إثباتا ودفع له ثبوتا [٤]. أي أنّ النسخ دفع ثبوتي ورفع إثباتي [٥].
بينما ذهب أكثر علماء الجمهور إلى أنّه رفع للحكم له وانتهاء لأمده وليس دفعا [٦].

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ التخصيص

هو ارتفاع الحکم عن بعض أفراد العامّ بسبب التخصيص؛ لأنّ خروج هذه الأفراد يكون خروجا أفراديا وليس أزمانيا كالنسخ [٧]؛ ولأنّ الحكم في الخاصّ أنشئ من أوّل الأمر خارجا عن حكم العامّ رغم دخوله بحسب الظاهر فيه، وإنّما يكون الخاصّ كاشفا عن المراد الواقعي للعامّ، وليس دافعا لبعض أفراده الثابتة واقعا، كما هو الحال في النسخ [٨].
ومع ذلك فقد أطلق البعض النسخ الاصطلاحي على التخصيص و التقييد، وذلك إمّا مسامحة في الاستعمال، أو جهلاً بالمقصود منه، بسبب عدم شيوع استعماله في معناه الاصطلاحي آنذاك [٩]، أو بسبب تطبيق النسخ بمعناه اللغوي عليهما، خصوصا في بعض الروايات التي اُطلق النسخ فيها على التقييد والتخصيص [١٠].

2 ـ انتفاء فعلية الحاكم

ليس من النسخ انتفاء فعلية الحكم بانتفاء موضوعه كما في حرمة الصيد التي تزول بزوال الإحرام، وكما في وجوب الصيام الذي ينتهي بانتهاء شهر رمضان، فإنّ ارتفاع الحكم في أمثال هذه الموارد ليس من النسخ في شيء عند الأكثر؛ إذ ليس الارتفاع فيه لأصل الحکم في الشريعة، بل لفعليته المرتبطة بموضوعه وجودا وعدما، وهو المعبّر عنه بعالم الفعلية، في مقابل عالم التشريع والإنشاء [١١].
ومن هنا ذهب الأكثر إلى خروج ذلك مفهوما عن معنى النسخ [١٢].
خلافا للقاضي من علماء الجمهور في أحد قوليه، حيث اعتبر ذلك من النسخ في الحكم [١٣].

الحكمة من عدم بيان أمد الحكم قبل نسخه

لما كان تشريع الحكم المنسوخ موقتا وأمده محدودا من حيث تشريعه فقد يتساءل البعض عن سبب طرحه وصياغته بطريقة توهم استمراره وأبديته، وكأنّه غير مقيّد بزمان معيّن.
والجواب: هو أنّ بالإمكان أن تكون وراءه أسبابا عديدة، كالمحافظة على هيبة الحكم، وعدم تهاون المكلّفين في العمل به، وتساهلهم في تنفيذه.
كما يمكن أن يكون السبب هو امتحان المكلّفين في إطاعة الباري تعالى رغم عدم وجود إرادة جدية في طلبه منهم [١٤]، كما في قضية الأمر بذبح إسماعيل، والأمر بقتل بني إسرائيل أنفسهم.
كما يمكن أن يكون لأجل سهولة البيان [١٥]، وإحالة توضيحه إلى وقت آخر، كما هو مقتضى الطريقة العقلائية الجارية في بيان القوانين والأحكام في كل مرحلة بما يناسبها من أحكام على أساس المصالح والمفاسد التي تكتنفها وتحيط بها من دون الاستعجال في البيان [١٦].

امكان النسخ ووقوعه

المعروف بين المسلمين إمكان النسخ في أحكام الشريعة [١٧]؛ لعدم وجود ما يمنع منه عقلاً.
خلافا لطائفة من اليهود [١٨]، وهي الشمعثية أو الشمعونية [١٩]، بل نسبت المخالفة أيضا إلى المسيحيين [٢٠]، طعنا منهم في الدين، وتأكيدا على بقاء الديانتين اليهودية والنصرانية، مستندين في ذلك إلى بعض الشبهات التي طرحوها بأساليب مختلفة، كادعائهم بأنّ النسخ يستلزم أحد محذورين لا مجال للالتزام بأيٍ منهما:
أحدهما: انتفاء حكمة الناسخ وهو الباري تعالى.
والآخر: جهله تعالى وعدم إحاطته بالمصالح والمفاسد.
وكلاهما مستحيل في حقّه تعالى؛ لقيام الأحكام على [[المصالح والمفاسد[[ ـ كما هو المشهور بين العدلية ـ وهي لا تتناسب مع النسخ في الأحكام؛ لأنّها إمّا أن تكون باقية على ما هي عليها من الملاكات والمصالح، فنسخها يتنافى مع الحكمة الإلهية.
وإمّا ألاّ تكون لها ملاكات ومصالح واقعا، وإنّما تخيل الشارع وجودها فأخطأ كما يخطأ سائر المشرعين العاديين، فهو قبيح عليه تعالى؛ لاستلزامه الجهل والبداء المستحيلان في حقّه؛ لكونه محيطا بجميع الأحوال [٢١].
واُجيب عن ذلك: بأنّ الأحكام المجعولة في الشريعة على نوعين:
أحدهما: امتحانية لا يقصد بها البعث أو الزجر الحقيقيين، وهذه الأحكام لا مانع من نسخها؛ لأنّ كلاًّ من تشريعها ونسخها كانا قد نشآ عن مصلحة وحكمة، فليس هناك ما يخالف الحکمة؛ لأنّ الغرض من تشريعها هو الامتحان وقد حصل، ومع حصوله لا معنى لبقاء الحكم واستمراره، فليس في نسخ الحكم كشفا للخلاف حتّى يستحيل ذلك عليه تعالى.
وثانيهما: حقيقية يراد بها البعث أو الزجر الحقيقيين. ونسخ هذه الأحكام لا مانع منه أيضا؛ لابتنائها على انتهاء أمد الحكم بانتهاء المصلحة المقتضية له؛ لأنّ الحكم المجعول على طبقها مقيّد بحسب الواقع بذلك الزمان الخاصّ المعلوم عند اللّه‏ تعالى، والمجهول عندنا،
ولا استغراب في تأثير الخصوصيات الزمانية في تحقق المصالح والمفاسد وترتّب الأحكام عليها، كما في أوقات الصلاة والصيام والحجّ وغيرها من الواجبات التي يكون للزمان تأثير في ثبوتها وتوجيهها إلى المكلّفين، وإذا كان للزمان تأثير فيها فمن الطبيعي أن يكون له تأثير في زوالها ونسخها، فيشتمل الفعل على مصلحة في مدّة معينة، ولا يشتمل عليها في مدّة اُخرى، ولا يعقل من العالم الحكيم تعالى إصداره حكما مطلقا غير محدد بزمان،
رغم تأثّره بـ الزمان والظروف المؤدّية إلى تغيير المصالح والمفاسد التي كانت تبتني عليها هذه الأحكام [٢٢].
ولتقريب الفكرة أكثر لابأس بالاستعانة بأمثلة عرفية في حياتنا اليومية، فالطبيب يعالج مريضه ويرى أنّه بحاجة في مرحلة من مراحل مرضه إلى دواء معيّن إلى مدّة معينة يستبدله بعدها في فترات متفاوتة بأدوية اُخرى حتّى يستكمل المريض سائر مراحله من دون أن يحكم أحد بعبثية استبدال العلاج في جميع هذه المراحل؛ لكونه يمثل حالة طبيعية وموقفا مناسبا لمعالجة المريض وإنقاذه من مرضه [٢٣].
وبذلك يتّضح الردّ على ما أفاده أبو مسلم الإصفهاني [٢٤] ـ من علماء المعتزلة ـ الذي نفى امكان النسخ في القرآن مستدلاًّ بقوله تعالى: «لا يَأْتِـيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِـيمٍ حَمِـيدٍ» [٢٥].
فإنّ النسخ ليس من الباطل المستلزم لجهل الباري أو التشكيك في حكمته تعالى، ولو كان الحال، كما تصوّر أبو مسلم لما جاز الاعتقاد بالنسخ في القرآن بلا حاجة إلى التمسّك بالآية المباركة لإثباته [٢٦].
هذا بالنسبة إلى إمكان النسخ، وأمّا وقوعه فلا اشكال ولا خلاف فيه بين المسلمين في الجملة [٢٧] إلاّ من أبي مسلم الإصفهاني المعتزلي أيضا [٢٨].
ويدلّ عليه قوله تعالى: «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها» [٢٩]، والقدر المتيقّن منه في القرآن قوله تعالى: «أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِـيمُوا الصَّلاةَ ...» [٣٠]. حيث نسخ هذه الآية المباركة قوله تعالى: «يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذ لِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِـيمٌ» [٣١].
حيث أوجب تعالى الصدقة على كلّ من أراد التكلّم والنجوى مع النبي(ص)، فلمّا لم يتصدّق أحد للمناجاة مع النبي(ص) إلاّ علي بن أبي طالب(ع) جاءت الآية المتقدّمة لتنسخ هذه الآية وترفع حكمها عن عهدة المسلمين [٣٢].
نعم هناك آيات كثيرة وقع الكلام في نسخها، كما هو مذكور في محلّه بصورة مفصّلة في كتب التفسير.

النسخ في القوانين الوضعية

إنّ ما يميز النسخ في القوانين الوضعية العرفية عن الشرعية هو أنّ التعديلات الطارئة عليها غالبا ما تكون ناشئة من عدم إحاطة مقننيها بالمصالح والمفاسد التي من المفترض ابتنائها عليها، فتنكشف بمرور الزمان نواقصها ويتّضح لزوم نسخها وتغييرها وهذا هو النسخ بمعناه الحقيقي؛ بخلاف النسخ في الشرائع السماوية المبتنية على التغييرات المنظورة في الأحكام منذ تشريعها، فإنّه ليس نسخا حقيقيا، بل هو من باب المسامحة والمجاز.
وقد تؤخذ هذه التغييرات بنظر الاعتبار في الأحكام العرفية أيضا، فتلتقي من هذه الجهة مع الأحكام الشرعية.

ما يتحقّق به النسخ

يتحقّق النسخ تارة بالتصريح بلفظه، كأن يقال: نسخت ا لحكم الكذائي.
واُخرى: بذكر مرادفه، كأن يقال: رفعت عنكم الحكم الكذائي.
وثالثه: بذكر ما يستلزمه، كما لو جعل حكما منافيا للحكم الذي سبقه إمّا بالذات ـ كما لو أمر المولى بما نهى عنه سابقا، أو نهى عمّا أمر به قبله ـ وإمّا بالعرض والواسطة، كما لو أمر بالحجّ، ثُمّ نهى عن قطع المسافة إلى البيت، فإنّ لازم النهي عن قطع المسافة هو النهي عن الحجّ بالعرض والواسطة.
ولأجل، احراز ناسخية الدليل وتمييزه عن المنسوخ في القسم الأخير لابدّ من الاستعانة إمّا بالدليل القطعي كـ الإجماع و السنة المتواترة، أو بـ الأمارة الظنّية التي قام الدليل على حجّيّتها كـ خبر الواحد، وإنّما تثبت ناسخية الدليل بالطرق الظنّية ولا يثبت نفس النسخ بها؛ لأنّ تعيين الناسخ ـ بعد ثبوت النسخ ـ وتمييزه عن المنسوخ ليس على حدّ إثبات النسخ من حيث درجة الأهمّية. ولو لم نحصل على دليل لإحرازه وتمييزه عن المنسوخ فلا سبيل لإحرازه بأصالة التأخّر إذا كان تاريخ أحدهما معلوما والآخر مجهولاً؛ لأنّ إثباته بذلك يكون أصلاً مثبتا؛ لعدم ترتّب الحکم الشرعي على تأخّر الدليل الثابت بالأصل، بل على ناسخيته المترتّبة على التأخّر، وهذا النوع من الاستصحاب لا يكون حجّة؛ إذ لابدّ في المستصحب إمّا أن يكون حكما شرعيا، أو متعلّقا مباشرا للحكم، وهو هنا ليس كذلك.
ولابدّ مع عدم جريان الاستصحاب من الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط أو التخيير على اختلاف الموارد [٣٣]، وإن خالف بعضهم في جريان أصالة التخيير في هذا المجال؛ لاعتقاده باختصاصها بـ تعارض الأخبار [٣٤].

أقسام النسخ

ينقسم النسخ إلى أقسام ثلاثة، وهي: نسخ التلاوة، نسخ الحكم، ونسخ التلاوة والحكم معا.
أمّا نسخ التلاوة فهو: عبارة عن النسخ اللفظي للآية القرآنية ورفعه من القرآن مع الاحتفاظ بمضمونه الحكمي، كالآية التي نقل الجمهور عن عمر نسخ تلاوتها، وهي قوله: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من اللّه‏ واللّه‏ عزيز حكيم» [٣٥]، حيث ادّعى أنّ لفظ الآية وإن كان منسوخا من القرآن إلاّ أنّ حكمها لم ينسخ وقد عمل به المسلمون [٣٦].
وأمّا نسخ التلاوة والحكم فقد مثّلوا له بآية الرضاعة المروية عن عائشة، وهي: «وعشر رضعات يُحرِّمن» [٣٧] حيث ادّعي نسخها بخمس رضعات معلومات، غير مذكور لفظهنّ في القرآن.
وأمّا نسخ الحكم دون التلاوة، فهو الذي اتّفق على إمكانه ووقوعه المُسلمون إلاّ من شذّ منهم، وألّفوا كتبا متعددة في بيانه، ومثّلوا له بأمثلة عديدة كآية النجوى المتقدّمة التي نسخ حكمها وبقي لفظها.
وأمّا القسمان الأوّلان فقد ذهب أكثر علماء الجمهور [٣٨] إلى وقوعهما في القرآن، وخالف بعضهم في وقوعه في القسم الأوّل، وهو نسخ التلاوة [٣٩]. خلافا لعلماء الإمامية الذين رفضوا وقوع النسخ في القسمين الأوّلين معا رغم اعترافهم بإمكانهما من الناحية النظرية [٤٠]. نعم، يظهر من الشيخ الطوسي وقوع النسخ في القرآن بهما، إلاّ أنّ ذيل كلامه ربّما يوهم خلاف ذلك [٤١].
وقد استدلّ الإمامية على نفي الوقوع بأنّ النسخ المنقول في القسمين الأوّلين منقول بـ أخبار الآحاد التي لايصحّ التعويل عليها في إثباته؛ لأنّه يمسّ أهمّ مصدر من مصادر التشريع، ويترتّب عليه إزالة شيء من آياته وأحكامه، فلابدّ أن تكون وسيلة إثباته بدرجة عالية من الإثبات، كإثباته بـ الأخبار المتواترة الموجبة للعلم بالنسخ لدى جميع المسلمين الذين يتحسسون من كلّ زيادة أو نقيصة تطرأ على القرآن ويسهرون على حفظه وصيانته من أيّ انحراف، فلا يرتّبون أثرا إلاّ على هذا القبيل من وسائل الإثبات، وليست الأخبار الواردة في هذا المجال متواترة كما يدعي بعض علماء الجمهور؛ إذ لو كانت كذلك فلماذا لم يطلع عليها جميع المسلمين رغم اهتمامهم بأمثالها، فوصولها إلى البعض دون البعض دليل على عدم وقوع النسخ في القسمين الأوّلين[٤٢].
وقد يُقسّم النسخ أيضا إلى حقيقي ومجازي، والحقيقي هو الذي لم يعلم وقت حدوثه إلاّ بعد وقوعه، بخلاف المجازي الذي يعلم به من حين تشريع الحكم المنسوخ، بسبب تحديد أمده وزمانه بوقت ينتهي بعده.
و المتبادر من لفظ النسخ القسم الأوّل منه، ولذا سمّي حقيقيا، دون الثاني الذي يكون استعمال النسخ فيه مجازيا ويحتاج في تعينه إلى قرينة[٤٣].

النسخ في الشرائع السابقة

رغم إنكار بعض اليهود والنصارى إمكان النسخ ووقوعه في الشرائع السابقة إلاّ أنّ الواقع هو حدوثه فيها؛ لأنّ كل شريعة ناسخة لما قبلها، إمّا بنحو التتميم والتكميل أو بنحو الإزالة والتعويض بوضع أحكام اُخرى محلّها، وهناك شواهد متعددة على حدوث النسخ في هاتين الشريعتين نتعرّض لها كالتالي:
1 ـ حرمة التكسّب والأعمال الدنيوية يوم السبت في شريعة موسى(ع) رغم اعتراف اليهود بعدم ثبوت هذا الحكم في الشرائع السابقة [٤٤]، ممّا يعني نسخ إباحة الأعمال الدنيوية الثابتة في الشرائع السابقة.
2 ـ الأمر الصادر إليهم بقتل أنفسهم بسبب عبادة العجل، ثُمّ نسخ هذا الحكم والعدول عنه قبل امتثاله [٤٥].
3 ـ المنع من الحلف باللّه‏ تعالى في شريعة عيسى(ع)رغم ثبوته في شريعة موسى(ع) [٤٦].
4 ـ الأمر بالقصاص في شريعة موسى(ع) ونسخه في شريعة عيسى [٤٧].
5 ـ تحليل الطلاق في شريعة موسى(ع) [٤٨] ونسخه وتحريمه في شريعة عيسى(ع) [٤٩].
وبذلك يتّضح أنّ النسخ ليس بدعة جاء بها المسلمون، بل كان قبل ذلك في شرائع الماضين.

أحكام النسخ

1 ـ الحكم البديل بعد النسخ

وقع البحث بين الاُصوليين في الحکم الذي يمكن قيامه مقام الحكم المنسوخ بعد عروض النسخ عليه، حيث ذهب مشهور الإمامية إلى عدم دلالة النسخ على أيّ حكم من الأحكام الشرعية، فلو كان المنسوخ هو الوجوب مثلاً فسوف لن يحِلَّ محلّه أيّ حكم من الأحكام الأربعة الاُخرى[٥٠] كما يظهر ذلك من أكثر الحنفية [٥١]، وأكثر الشافعية الأقدمين [٥٢]، واختاره الغزالي [٥٣]، والتميمي [٥٤]، حيث أكدوا على أنّ الحال يعود بعد النسخ إلى ما كان عليه قبل الوجوب؛ لأنّ دلالته على واحد من الأحكام الاُخرى إما أن يكون عن طريق الدليل الناسخ، أو عن طريق الدليل المنسوخ، وكلاهما لا دلالة فيه على ذلك؛ إذ الناسخ لا دلالة فيه إلاّ رفع الوجوب، والمنسوخ لا دلالة فيه إلاّ على الحكم المنسوخ، فلن يبقى مبرر بعد ذلك لثبوت الإباحة أو أيّ حكم آخر غيرها[٥٥]، كـ الاستحباب أو الکراهة أو الحرمة؛ لأنّ فرص حلول كلّ واحدة من هذه الأحكام محلّ الوجوب متساوية، فلا يصحّ الأخذ بأيّ منها إلاّ بدليل معتبر[٥٦]. وخالف في ذلك بعض الإمامية[٥٧] وأكثر الجمهور[٥٨]، حيث ذهبوا إلى حلول الجواز محلّ الوجوب، وبذلوا محاولات عديدة لإثباته، وأهمّ تلك المحاولات ما قيل من أنّ الوجوب مركّب من جواز الفعل والمنع من الترك [٥٩]، والدليل الناسخ إنّما يرفع المنع من الترك دون جواز الفعل الذي هو باقٍ على حاله، ولم يرد دليل على رفعه [٦٠].
وبعبارة اُخرى: إنّ دليل الحكم قبل نسخه يدلّ على الوجوب بـ الدلالة المطابقية، وعلى الجواز بـ الدلالة التضمّنية، فإذا ارتفعت حجّيّته في دلالته المطابقية بالنسخ، بقيت دلالته التضمّنية وحجّيّتها على حالها دون مانع [٦١].
وأورد عليه: بأنّ ماهية الأمر بسيطة غير مركّبة من جزءين حتّى يكون جواز الفعل مدلولاً لها بالدلالة التضمّنية، ولو فرض صحّة هذا الكلام فإنّ الدلالة التضمّنية تابعة للدلالة المطابقية حدوثا وبقاءً، فتزول بزوالها وتبقى ببقائها [٦٢].
ثُمّ إنّه بناءً على نظرية الحكم البديل وافتراض كونه هو الجواز بالمعنى الأعمّ، فقد اختلف أصحاب هذه النظرية في تفسير هذا الجواز وتطبيقه على الإباحة أو الندب، فمنهم من اعتبره مشتركا بينهما وهو مختار أكثر الجمهور [٦٣]، مستدلّين له بأنّ ما حصل بعد النسخ هو زوال الحرج عن الفعل ـ المستفاد من الأمر ـ وزوال الحرج عن الترك، المستفاد من الناسخ.
وهذه الحالة كما يمكن تطبيقها على الندب يمكن تطبيقها على الإباحة على حدٍ سواء [٦٤].
ومنهم من فسّره بالندب خاصّة، وهو مختار بعض الإمامية [٦٥] وجماعة من الجمهور، كالقاضي في العدّة [٦٦]، وابن علي الأسنوي في تمهيده [٦٧]، و الجويني في التلخيص [٦٨]؛ لأنّ الندب نوع من الطلب الذي هو أحد جزئي الوجوب، بالإضافة إلى جزئه الآخر وهو حتمية الإتيان بالفعل، فإذا زالت الحتمية بقي أصل الطلب المنطبق على الندب على حاله [٦٩].
ومنهم من فسّره بالإباحة، كما هو مختار بعض الإمامية [٧٠]، والأسنوي الشافعي [٧١]، و الغزالي [٧٢]، وهو الظاهر من الرازي وأتباعه [٧٣]؛ لأنّ الإباحة تشترك مع الوجوب في رفع الحرج عن الفعل، فإذا زال الوجوب بقيت الإباحة على حالها [٧٤].
وينبغي الإشارة أخيرا إلى أنّه بناءً على المشهور من عدم ثبوت حكم بعد النسخ لابدّ من التمسّك بالأصل لتحديد الوظيفة العملية، وهذا الأصل هو إمّا البراءة الأصلية أو الإباحة أو التحريم، كما صرّح بذلك بعض علماء الجمهور [٧٥] وبعض الإمامية [٧٦].
وربما يدّعي البعض امكان التمسّك بـ استصحاب الجواز؛ لكونه متيقّن التحقّق قبل ذلك ضمن الوجوب ـ المركّب من جواز الفعل والمنع من الترك ـ فالجواز مشكوك البقاء بعد نسخ الوجوب؛ لاحتمال حدوثه بعد ذلك ضمن الاستحباب المستبطن لجواز الفعل مع عدم المنع من الترک [٧٧].
وأورد عليه: بأنّ الاستصحاب بهذه الطريقة يكون من قبيل استصحاب الكلّي من القسم الثالث؛ لأنّ احتمال الجواز بالمعنى الأعمّ إنّما هو بسبب احتمال حدوث أحد الأحكام الشرعية المتضمّنة له كالاستحباب؛ لاحتمال تقارن حدوثه مع زوال الوجوب المرتفع بالنسخ، وقد ثبت في محلّه عدم حجّيّة هذا النوع من الاستصحاب [٧٨] بسبب فقدان أحد ركنيه، وهو الاتّحاد الوجودي بين القضيتين المتيقّنة والمشكوكة [٧٩]؛ لأنّ الاستحباب يباين الوجوب وجودا بنظر العرف، فلا اتّحاد بينهما لكي يصحّ الاستصحاب في القضية المشكوكة.

2 ـ الأصل عند الشكّ في النسخ

إذا حصل شكّ في حدوث النسخ فالمعروف التمسّك بـ الاستصحاب لاثبات عدم النسخ [٨٠]، بل قيل: إنّ التمسّك به ممّا لا خلاف فيه [٨١]، بل من ضروريات الدين [٨٢] لليقين السابق بوجود أحكام الشريعة و الشك اللاحق بنسخها وزوالها، واتّحاد القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة.
إذاً فلا مانع من جريان استصحاب عدم النسخ.
إلاّ أنّ هناك من ناقش في جريانه، بسبب تشكيكه في اتّحاد القضيتين؛ لأنّ من ثبت الحكم في حقّهم في القضية الاُولى قد انعدموا، والموجودون لم يعلم توجّه الخطاب إليهم من أوّل الأمر؛ لاحتمال نسخه، فالشكّ بالنسبة للموجودين شكّ في الحدوث لا في البقاء؛ فلا تكون القضية المشكوكة موردا لجريان الاستصحاب[٨٣]. وقد رفض الكثير من الأعلام هذه المناقشة، حيث رأوا أنّها ناشئة من توهّم جعل الأحكام بنحو القضايا الخارجية التي يكون للأفراد دخل في ثبوتها، وهو توهّم مرفوض باعتقادهم؛ لأنّ الأحكام في الشريعة موضوعة بنحو القضايا الحقيقية التي لا تأثير للأفراد في تحقيقها، فليس الشك في قصور المقتضي، بل في وجود الرافع له، وهو النسخ، والأصل عدمه، فليست هناك مشكلة من جهة وحدة الموضوع في القضيتين؛ إذ الوحدة حاصلة بوحدة الطبيعة دون الإفراد[٨٤].
إلاّ أنّ هناك من اعتبر هذا الجواب غير كافٍ في ردّ الإشكال؛ لأنّ جعل الأحكام الشرعية بنحو القضايا الحقيقية لايمنع من اختصاصها بالمعاصرين، لأنّ معنى جعلها للطبيعة هو عدم دخل خصوصية الأفراد في تشريعها، فإذا شككنا في أنّ المحرّم هو مطلق الخمر مثلاً أو خصوص الخمر المأخوذ من العنب، كان الشك في حرمة الخمر المأخوذ من غير العنب شكّا في ثبوت التكليف لا في بقائه، ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب فيه، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ للشكّ في جعل الحكم لجميع المكلّفين أو اختصاصه بمدركي عصر النصّ، فيكون الشكّ لغير المدركين شكّا في ثبوت التكليف لا في بقائه.
ولا مجال لجريان الاستصحاب التعليقي ـ بافتراض ثبوت الحكم للمكلّفين إذا كانوا موجودين في ذلك الزمان ومع الشكّ في شمول الحكم لهم في الزمان اللاحق يحكم بشموله لهم بالاستصحاب ـ لأنّ هذا النوع من الاستصحاب ليس بحجّة كما هو ثابت في محلّه، فلا يصحّ التمسّك به لإثبات عدم النسخ، بل لابدّ من التمسّك بأدلّة اُخرى لإثباته، كـ عموم الدليل وإطلاقه الدالّين على استمرار الحكم وعدم نسخه، أو الاعتماد على دليل خارجي يثبت عدم النسخ، كقوله(ع): «حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة» [٨٥].
فما ذكره المحدّث الإسترآبادي من أنّ استصحاب عدم النسخ من ضروريات الدين [٨٦] ليس تامّا كما قيل [٨٧]، وإنّما التامّ هو أنّ عدم النسخ في حال الشكّ من ضروريات الدين لا استصحاب عدم النسخ في تلك الحال [٨٨].

3 ـ الدوران بين النسخ والتخصيص

لو دار الأمر بين كون الدليل ناسخا للعامّ أو مخصصا له فمقتضى القاعدة ـ كما قالوا ـ اعتباره مخصصا لا ناسخا له.
ويمكن تصوير ذلك على نحوين:
الأوّل: أن يكون الدوران بين النسخ و التخصيص في دليل واحد، كما لو ورد الخاصّ بعد العامّ، ودار الأمر بين كون الخاصّ ناسخا للعام أو مخصصا له، وإنّما يكون الخاصّ ناسخا إذا كان العامّ شاملاً في حكمه واقعا لجميع أفراده من أوّل الأمر فيأتي الخاصّ لينسخ بعضها، وأمّا إذا لم يكن كذلك، بأن كان العامّ غير شامل لجميع أفراده واقعا وإن كان ظاهره يوحي بشمولها، فيأتي الخاصّ ليخرجها بالتخصيص، ويكشف عن عدم شموله لأفراد العامّ.
الثاني: أن يكون الدوران المذكور بين دليلين، كما لو ورد العامّ بعد الخاصّ، ودار الأمر بين كون الخاصّ مخصصا للعامّ، أو العامّ ناسخا للخاصّ.
وفي كلتا الصورتين قالوا بتقديم التخصيص على النسخ؛ لأنّه أكثر منه عددا؛ إذ ما من عامّ إلاّ وقد خصّ.
ولما كانت الكثرة العددية لا توجب إلاّ الظنّ بتقديم التخصيص على النسخ ـ وهو ليس حجّة في التقديم ـ عدل صاحب الكفاية عن الاستدلال المذكور إلى الاستدلال بأنّ كثرة التخصيص موجبة لأقوائية ظهور الخاصّ في التخصيص، فتكون الأقوائية الظهورية هي السبب في التقديم دون الأقوائية العددية .
وقد استدلّ بعضهم أيضا على تقديم التخصيص على النسخ بأنّ المتفاهم العرفي من الخاصّ كونه بيانا للعامّ حتّى صورة تقدّمه زمانا على العامّ، كما لو قال المولى: لا تكرم زيدا، ثُمّ قال: أكرم العلماء، فإنّ قوله الأوّل: قرينة على المراد من قوله الثاني ومانعا من شمول العامّ لزيد؛ إذ ليس في التقدّم الزماني إلاّ تقدّم بيان الخاصّ عن وقت الحاجة، وهو غير قبيح أصلاً، بخلاف تأخير بيان الخاصّ عن وقت الحاجة بعد ورود العامّ، فإنّه قبيح إذا اُريد به التخصيص؛ ولذا اعتبره البعض في هذه الحالة ناسخا للعامّ وليس مخصصا له، في مقابل من اعتبره مخصصا مطلقا [٨٩].

4 ـ نسخ الكتاب بالسنّة والسنّة بالكتاب

لا خلاف في جواز نسخ الكتاب بالكتاب [٩٠] إلاّ من أبي مسلم ـ كما تقدّم ـ لأنّ آيات الكتاب يساوي بعضها بعضا من حيث وجوب العلم والعمل، فيجوز نسخ أحدها بالآخر، وبيان أحدها بصاحبه [٩١].
وكذا يجوز نسخ السنة بالسنّة المقطوع بها، وإنّما الخلاف في نسخ الكتاب بالسنّة القطعية كـ الأخبار المتواترة، حيث ذهب أصحاب أبي حنيفة جميعهم ومالك [٩٢] وجماعة من الإمامية [٩٣] إلى جواز ذلك. مستدلّين له أوّلاً: بأنّ السنّة القطعية مساوية مع الكتاب في درجة العلم و الحجية، فلا مانع من نسخها له [٩٤].
وثانيا: بأنّهما دليلان في الجملة، فيجب الجمع بينهما بنسخ أحدهما بالآخر؛ لامتناع العمل بالمتنافيين، وامتناع طرحهما معا؛ لعدم الموجب له، كما أنّ طرح أحدهما دون الآخر لا مرجح له [٩٥].
وخالف في ذلك الشافعي [٩٦] ومن تبعه [٩٧]، وهو مختار بعض الإمامية [٩٨]، حيث اعتبروا نسخ الكتاب بالسنّة من الباطل الذي لا يأتي القرآن من بين يديه ولا من خلفه [٩٩]، مستدلّين له بأدلّة عديدة [١٠٠]:
منها: بأنّ ذلك مخالف لقوله تعالى: «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها» [١٠١]؛ فإنّ السنّة ليست خيرا من القرآن، ولا مثله لكي تكون ناسخة له نسخ البدل. ومنها: إنّ قوله تعالى: «قُلْ ما يَكُونُ لِـى أَنْ أُبَـدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِـى» [١٠٢]. فيه دلالة على المنع من نسخ القرآن بالسنّة.
ومنها: الاستدلال بقوله تعالى: «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» [١٠٣]، فإنّ وظيفة النبي(ص) لا تتعدّى التبيين والتوضيح لما نزل من القرآن، والنسخ ليس منه لكي يدخل في حدود وظيفة النبي(ص).
ومنها: إنّ نسخ القرآن بالسنّة مخالف للنبوي المتّفق عليه بين الفريقين الدالّ على نفي كلّ خبر مخالف لكتاب اللّه‏ تعالى.
وأُجيب عن الأوّل: بأنّ السنّة لما كانت من اللّه‏ تعالى بواسطة النبي(ص)، فيمكن أن يكون ما تضمّنته من النسخ خيرا من الآية المنسوخة في القرآن أو مثلها؛ لأنّ كلاًّ منهما من عند اللّه‏ تعالى.
وبذلك يتّضح الجواب عن الثاني؛ لأنّ مصدر السنّة هو الباري تعالى؛ لأنّ النبي(ص) ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، ومن الطبيعي اعتبار الحكم الناشئ من السنّة حكما ناشئا من اللّه‏ تعالى، فلا يكون النسخ الحاصل من السنّة من تلقاء نفس النبي(ص) ـ كما حاول الدليل إثباته ـ بل من اللّه‏ تعالى.
واُجيب عن الثالث: بالمنع من عدم كون النسخ بيانا؛ لاشتماله على بيان المراد من الآية المنسوخة، وتمييزها عن غير المنسوخة.
وأمّا الدليل الرابع: فلم أعثر على من ردّ عليه في كتب الفقه والاُصول.
هذا إذا كانت السنّة قطعية، وأمّا إذا كانت ظنّية فقد اختار الإمامية [١٠٤] و الجمهور ـ إلاّ من شذّ منهم ـ عدم ناسخيتها [١٠٥]؛ لعدم مقاومة الدليل الظنّي للدليل القطعي [١٠٦].
وأمّا نسخ السنة بالكتاب وبـ السنّة المتواترة، فقد ذهب الإمامية [١٠٧] وأكثر علماء الجمهور [١٠٨] إلى جوازه مستدلّين له بنفس ما دلّ على جواز نسخ الكتاب بالسنّة [١٠٩].
وخالف في ذلك الشافعي في إحدى الروايتين عنه في كتابه (الرسالة) حيث قال: «وهكذا سنّة رسول اللّه‏ لا ينسخها إلاّ سنّة لرسول اللّه‏...» [١١٠].

5 ـ النسخ بعد انقطاع الوحي

وقع الكلام بين الأعلام في إمكان النسخ بعد انقطاع الوحي فصرّح بعض الجمهور[١١١] وجماعة من الإمامية بعدم إمكانه[١١٢]، بل ادّعي الإجماع عليه[١١٣]، لأنّ منشأ النسخ هو الوحي، وقد انقطع، لما ورد عن أمير المؤمنين(ع) بعد وفاة النبيّ(ص) إنّه قال: «بأبي أنت وأُمّي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء»[١١٤].
وخالف في ذلك جماعة من الإمامية مؤكّدين إمكانه، لأنّ النسخ ليس إلاّ انتهاء أمد الحكم، وقد ينتهي أمده بعد وفاة النبيّ(ص) لا قبله، فيخبر الأئمّة عليهم‏السلام عن انتهائه بعد ذلك، باعتبارهم مطلعين عليه عن طريق النبيّ(ص)الذي هو مهبط الوحي، فهم ليسوا إلاّ مخبرين عن انتهاء أمد الحكم، ولا دور لهم فيه سوى ذلك، فلا يرد إشكال عدم معقولية النسخ بعد انقطاع منشأه الذي هو الوحي[١١٥].

6 ـ الشروط اللازمة لتحقّق النسخ

هناك شروط لتحقّق النسخ بعضها متّفق عليه وبعضها مختلف فيه.[١١٦]
أمّا المتّفق عليه فمنها: لزوم كون الناسخ والمنسوخ شرعيين، فلا يتحقّق النسخ برافع أو مرفوع غير شرعي.
ومنها: أن يكون الدليل الدالّ على النسخ متأخّرا عن دليل المنسوخ، بحيث يكون واردا عليه مع فاصلة. ومنها: ألاّ يكون الحكم مقيّدا بوقت خاصّ، بل لابدّ من كونه مطلقا؛ إذ مع توقيته لا يكون ارتفاعه خارج الوقت بالنسخ بل بنفس دليله.
وأمّا الشروط المختلف فيها فهي عديدة:
منها: لزوم ورود الدليل الناسخ بعد وقت امتثال الدليل المنسوخ. ومنها: عدم كون الحكم المنسوخ ممّا يدخله الاستثناء و التخصيص؛ لإمكان صدق التخصيص والاستثناء عليه دون النسخ.
ومنها: أن يكون نسخ القرآن بالقرآن، والسنّة بالسنّة لا بالعكس.
ومنها: أن يكون الناسخ مقابلاً للمنسوخ مقابلة الأمر والنهي.
والمضيّق والموسّع، وغير ذلك من شروط مختلف في لزوم توفرها في تحقّق النسخ، وقد تقدّم البحث عن بعضها فيما سبق.

المصادر

  1. . القاموس المحيط: 252، مادّة: «نسخ»، لسان العرب 4: 3899، مادّة: «نسخ»، معجم مقاييس اللغة 5: 424، مادّة: «نسخ».
  2. . محاضرات في اُصول الفقه 4: 22 ـ 23 و5: 332، اصطلاحات الاُصول: 268.
  3. . العدّة 2: 5، البرهان في اُصول الفقه 2: 246.
  4. . كفاية الاُصول: 239. واُنظر: مباحث الاُصول بهجت 1: 280.
  5. . محاضرات في اُصول الفقه 4: 22 ـ 23 و5: 332، اصطلاحات الاُصول: 268.
  6. . شرح القاضي على مختصر المنتهى: 325، الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 98.
  7. . محاضرات في اُصول الفقه 5: 328 ـ 329.
  8. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 59.
  9. . البيان في تفسير القرآن: 306.
  10. . مصباح الاُصول 3: 417.
  11. . اُنظر: محاضرات في اُصول الفقه 5: 328 ـ 329.
  12. . التحبير شرح التحرير 6: 2993، محاضرات في اُصول الفقه 5: 328 ـ 329.
  13. . نقل عنه ذلك في المسودة: 197.
  14. . اُنظر: دروس في علم الاُصول 1: 356 ـ 357.
  15. . المحكم في اُصول الفقه 5: 273.
  16. . اُنظر: اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 58.
  17. . مفاتيح الاُصول: 246، محاضرات في اُصول الفقه 5: 329 ـ 330، روضة الناظر: 38، المسودة: 175، اُصول السرخسي 2: 53، وغيرها من المراجع.
  18. . مفاتيح الاُصول: 246.
  19. . اُنظر: شرح الكوكب المنير: 256، فواتح الرحموت 2: 55، نهاية السؤول 2: 555.
  20. . محاضرات في اُصول الفقه 5: 329 ـ 330.
  21. . نقل ذلك في محاضرات في اُصول الفقه 5: 329 ـ 330.
  22. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 58 ـ 59، محاضرات في اُصول الفقه 5: 330 ـ 331، البيان في تفسير القرآن (الخوئي).
  23. . علوم القرآن الحكيم: 197 ـ 198.
  24. . كتاب الغيبة الطوسي: 430.
  25. . فصلت: 42.
  26. . علوم القرآن: 203 ـ 204.
  27. . اصطلاحات الاُصول: 270.
  28. . وهو متكلّم ومفسّر وأديب كاتب توفّي سنة 322هـ. اُنظر: طبقات المفسّرين: 98.
  29. . البقرة: 106.
  30. . المجادلة: 13.
  31. . المجادلة: 12.
  32. . تفسير مجمع البيان 9: 469.
  33. . الفصول الغروية: 239.
  34. . نسبه إلى الفاضل المعاصر في الفصول الغروية: 239.
  35. . السنن الكبرى 8: 213، كنز العمال 5: 430.
  36. . المصدر السابق.
  37. . صحيح مسلم 2: 1075.
  38. . اللمع في اُصول الفقه: 126 ـ 127، اُصول السرخسي 2: 74، المستصفى 1: 145، المحصول 1: 547.
  39. . السنن الكبرى 8: 213، كنز العمال 5: 430.
  40. . الذريعة المرتضى 1: 429، مفاتيح الاُصول: 260.
  41. . العدّة الطوسي 2: 516 ـ 517.
  42. . الذريعة المرتضى 1: 429، مفاتيح الاُصول: 260.
  43. . دروس في علم الاُصول 1: 356 ـ 357.
  44. . سفر الخروج 16: 25 ـ 26 و20: 8 ـ 12 و31: 16 ـ 17 و35: 1 ـ 3، سفر اللاويين 23: 1 ـ 3، سفر التثنية 5: 12 ـ 15.
  45. . سفر الخروج 32: 21 ـ 29.
  46. . سفر العدد 30: 2، إنجيل متّى 5: 33 ـ 34.
  47. . سفر الخروج 21: 23 ـ 25.
  48. . سفر التثنية 14: 1 ـ 3.
  49. . إنجيل متّى 5: 31 ـ 32، إنجيل مرقس 10: 11 ـ 12.
  50. . بحوث في اُصول الفقه الهاشمي 2: 385.
  51. . اُصول السرخسي 1: 64 ـ 65.
  52. . تشنيف المسامع 1: 106 ـ 107.
  53. . المستصفى 1: 88.
  54. . المسودة: 16.
  55. . كفاية الاُصول: 139 ـ 140، محاضرات في اُصول الفقه 4: 22، منتقى الاُصول الحكيم 2: 481.
  56. . كفاية الاُصول: 139 ـ 140.
  57. . حيث يفهم ذلك من نسبة القول المتقدّم إلى المشهور أنّ هناك قولاً مخالفا في هذا المجال.
  58. . الإبهاج في شرح المنهاج 1: 126. ونقل عنهم أيضا في التحبير شرح التحرير: 1038.
  59. . كفاية الاُصول: 140.
  60. . نقل ذلك في محاضرات في اُصول الفقه 4: 22 ـ 23.
  61. . نقل ذلك في منتقى الاُصول الحكيم 2: 479.
  62. . اُنظر: بحوث في علم الاُصول 2: 387.
  63. . المسودة: 16، اُصول ابن مفلح 1: 249، القواعد ابن اللحام: 255، وحكاه أيضا عن الأكثر في الإبهاج 1: 206.
  64. . تشنيف المسامع 1: 106.
  65. . نقله في هداية المسترشدين 2: 637.
  66. . العدّة في الاُصول أبو يعلى 1: 249.
  67. . التمهيد الأسنوي: 100.
  68. . التلخيص الجويني 1: 384.
  69. . التحبير شرح التحرير 3: 1040.
  70. . نقله في هداية المسترشدين 2: 637.
  71. . التمهيد الأسنوي 1: 100.
  72. . المنخول: 119.
  73. . المحصول 1: 296.
  74. . التحبير في شرح التحرير 3: 1041 ـ 1042.
  75. . المصدر السابق: 1039.
  76. . هداية المشترشدين 2: 639 ـ 640.
  77. . نقله في محاضرات في اُصول الفقه 4: 24. منتقى الاُصول الحكيم 2: 481.
  78. . كفاية الاُصول: 140.
  79. . منتهى الدراية 3: 31.
  80. . الفوائد المدنية: 288، نهاية الأفكار 3: 255، فوائد الاُصول 4: 461.
  81. . فرائد الاُصول 3: 132.
  82. . الفوائد المدنية: 288.
  83. . قرب الإشكال الإسترآبادي في الفوائد المدنية: 289.
  84. . فرائد الاُصول 2: 131 ـ 132، دراسات في اُصول الفقه 4: 233.
  85. . الكافي 1: 58، كتاب العقل والجهل، باب البدع والرأي والمقائيس، ح 19.
  86. . الفوائد المدنية: 288.
  87. . مصباح الاُصول 3: 148 ـ 149.
  88. . المحكم في اُصول الفقه 5: 271.
  89. . مصباح الاُصول 3: 384 ـ 385.
  90. . ميزان الاُصول 2: 1005، الذريعة المرتضى 1: 455، التذكرة باُصول الفقه (المفيد): 43، الأحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 132، اللمع: 128، شرح المنهاج 1: 477، المعتمد 1: 390، الأحكام (ابن حزم) 1 ـ 4: 505، الاُصول (السرخسي) 2: 67، روضة الناظر: 44، المنخول: 292، إرشاد الفحول 2: 94.
  91. . عدّة الاُصول الطوسي 2: 537.
  92. . المعتمد 1: 390، اللمع: 128، شرح المنهاج 1: 477، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 135 ـ 138، روضة الناظر: 44، المستصفى 1: 146، المنخول: 292، إرشاد الفحول 1: 94.
  93. . الذريعة المرتضى 1: 455 ـ 456، ونسبه أيضا إلى سائر العلماء في العدّة (الطوسي) 2: 543، معالم الدين: 219، الفصول الغروية: 237، مفاتيح الاُصول: 265.
  94. . العدّة الطوسي 2: 544.
  95. . الفصول الغروية: 237.
  96. . الرسالة: 106، قال: (إنّ السنّة ليست ناسخة للكتاب وإنّما هي تبع للكتاب).
  97. . كأبي إسحاق الشيرازي، والحارث بن أسد المحاسبي، وعبداللّه‏ بن سعيد القلانسي، وأبي حامد الاسفراييني، وعبداللّه‏ البغدادي، وسهل بن أبي سهل الصعلوكي، والصيرفي، والخفّاف، و أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه اُنظر: المعتمد 1: 391، اللمع: 129، شرح المنهاج: 477، الأحكام (الآمدي 3 ـ 4: 135 ـ 138، روضة الناظر: 44، المستصفى 1: 146، المنخول: 292، إرشاد الفحول 1: 94.
  98. . التذكرة باُصول الفقه المفيد: 43، مختصر التذكرة: 43 ـ 44، حاشية الكفاية: 296 ـ 297.
  99. . التذكرة باُصول الفقه المفيد: 43، مختصر التذكرة: 43 ـ 44، حاشية الكفاية: 296 ـ 297.
  100. . التذكرة باُصول الفقه المفيد: 43، مختصر التذكرة: 43 ـ 44، حاشية الكفاية: 296 ـ 297.
  101. . البقرة: 106.
  102. . يونس: 15.
  103. . النحل: 44.
  104. . معالم الدين: 219.
  105. . نقل ذلك في الفصول الغروية: 237، واُنظر أيضا: الذريعة المرتضى 1: 470.
  106. . معالم الدين: 219.
  107. . نقل ذلك في الفصول الغروية: 237، واُنظر أيضا: الذريعة المرتضى 1: 470.
  108. . فإنّ جواز نسخ السنّة بالقرآن عقلاً ووقوعه شرعا هو مذهب جمهور الأشاعرة و المعتزلة و الأحناف و الحنابلة ومعظم الفقهاء، اُنظر: التبصرة: 272، اللمع: 128 ـ 129، المستصفى 1: 146، المنخول: 295، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 135، الذريعة 1: 470، الاُصول (السرخسي) 2: 67، الإبهاج في شرح المنهاج 2: 247، ميزان الاُصول 2: 1006، المعتمد 1: 391، روضة الناظر: 45، الإحكام (ابن حزم) 1 ـ 4: 505 ـ 508، إرشاد الفحول 2: 96.
  109. . الفصول الغروية: 237.
  110. . الرسالة: 108.
  111. . الواضح في اُصول الفقه 3: 11.
  112. . تعليقة على معالم الاُصول القزويني 2: 212، اُصول الاستنباط: 171، أنيس المجتهدين في علم الاُصول 2: 818.
  113. . غاية المسؤول في علم الاُصول الشهرستاني 1: 87، الهداية في الاُصول (الصافي الإصفهاني) 2: 375.
  114. . نهج البلاغة محمّد عبده 2: 126.
  115. . أجود التقريرات 4: 299، دراسات في علم الاُصول 2: 312 ـ 317.
  116. . الذريعة المرتضى 1: 416 ـ 420، العدّة (الطوسي) 2: 487 ـ 498، مفاتيح الاُصول: 252 ـ 254، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 106 ـ 114.