القياس

من ویکي‌وحدت

القياس: وهو في اصطلاح الأصوليين ما يُدعى في علم المنطق بقياس التمثيل. فلا يراد منه في علم الأصول التعريف الذي ورد من المنطقيين بأنه: «قول مؤلّف من قضايا متى سُلّمت لزم عنه لذاته قول آخر»؛ بل المراد به هنا اصطلاح الأصوليين الذي هو مساوق للتمثيل المنطقي. فالقياس علی هذا في اصطلاح الأصوليين هو: «الاستواء بين الفرع و الأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل» أو: «استنباط حكم واقعة لم يرد فيها نصّ عن حكم واقعة ورد فيها نصّ، لتساويهما في علّة الحکم و مناطه وملاكه»، كما إذا ورد عن الشارع تحريم الخمر لأجل اسكاره، واُريد إثبات الحرمة للنبيذ لأجل الإسكار الذي فيه، فإنّ الخمر هو الأصل، والنبيذ هو الفرع، والحكم هو الحرمة، والإسكار هي العلّة. وأما الاختلاف في التعريف يعود إلى النقاش في أنّ القياس دليل مستقلّ أو فعل من أفعال المجتهد، ولذلك اختلفوا في تعريفه.

تعريف القياس لغةً

قيس: اسم، وهو أيضاً مصدر قِستُ الشيء أقيسه قياساً، والقياس: مصدر قايستُه مقايسة وقياساً... ورجل قيّاس: نظّار في الاُمور[١] قيس رمح: أي قدر رمح، والقياس: تقدير الشيء بالشيء[٢].
قاس الشيء يقيسه قيساً وقياساً واقتاسه وقيّسه إذا قدّره على مثاله... والمقياس: المقدار[٣]. واقتاسه قدّره على مثاله فانقاس[٤].

تعريف القياس اصطلاحاً

اصطلاح القياس ممّا ورد في كلمات الاُصوليين والمنطقيين، ومع غضّ النظر عن تقدّم أحدهما عن الآخر في الاستخدام، فإنّه اصطلاح مستخدم في كلا العلمين مع اختلافات في استخدامه فيهما. عرّف في المنطق بعدّة تعاريف مثل: «القول الذي يستلزم قولاً آخر» أو «قول مؤلّف من قضايا متى سُلّمت لزم عنه لذاته قول آخر»[٥]. أو «الاستدلال غير المباشر الذي نصل فيه إلى النتيجة من مقدّمتين على الأقلّ»[٦].
لكنّ القياس بهذا التعريف الواسع الذي يشمل أصناف القياس غير مراد في كلمات الاُصوليين، ومراد الاُصوليين هو ما يُدعى في علم المنطق بقياس التمثيل. ولا تلازم بين هذين الصنفين من القياس، فقد يُنكر أحدهما ويثبّت الآخر[٧]، وعلى سبيل المثال أنكر ابن تيمية في كتابه (نقض المنطق) القياس المنطقي الأرسطي، لكنّه ثبّت قياس التمثيل[٨].
يورد الغزالي معنيين للقياس أحدهما باطل، وهو ذلك الذي يقابل التوقيف في الشرع، أي الذي يعني الرأي، والذي يقيس هو الذي يبدي رأيه في الشرعيات دون الأخذ بنظر الاعتبار القواعد والمبادئ الشرعية، والقياس في عبارة: «الشرع إمّا توقيف وإمّا قياس» يراد منه هذا القياس، أي الرأي[٩]. والآخر هو وجود أحكام يمكن تعقّلها في الشرع في قبال الأحكام التعبّدية المحضة. حيث أشار إلى هذا بقوله:
«أن يقال: الأحكام الشرعية تنقسم إلى تعبّدات وتحكّمات جامدة لا تُعقل معانيها ـ كرمي الأحجار إلى الجمرات في الحجّ ـ وإلى ما تُعقل معانيها ومقاصد الشرع منها كما يُعقل من استعمال الأحجار في الاستنجاء وأنّ المقصود منه تخفيف النجاسة، وكما يُعقل من صرف المال إلى الفقراء؛ إذ المقصود إزالة حاجاتهم وفاقتهم، وهذا توقيف، كما أنّ الرمي في الحجّ توقيف، ولكن ذلك توقيف مجرّد لا يقترن به فهم مقصود الشرع من ذلك التوقيف، وهذا يقترن به فهم مقصود معقول، فيسمّى هذا النوع ـ وهو أحد نوعي التوقيف ـ قياساً لما انقدح فيه من المعنى المعقول، ويخصص اسم الآخر باسم التوقيف...»[١٠].
والأخير هو الذي ركّز عليه أهل السنة واعتبروه حجّة.
كما ورد في الأخير اختلاف من حيث إمكانية تعريفه وحدّه، فينقل عدم إمكان حدّه لاشتماله على حقائق مختلفة مثل الحکم والفرع و الأصل و العلة، أي يستبطن مفاهيم مختلفة ومتنوّعة، ولذلك يتعذر تعريفه، وما ورد عن بعض الاُصوليين من تعاريف له فهي في الحقيقة رسوم للقياس وليست حدوداً [١١]. لكن يبدو أنّ هذا التبرير شامل لجميع المفاهيم الاُصولية وغير خاصّ بالقياس.
وقد وردت عدّة تعاريف له من هذا المنظور كالتعاريف التالية:
إلحاق واقعة لم يرد في حكمها نصّ ولا إجماع ثبت حكمها بأحدهما؛ لاشتراكهما في علّة الحکم التي لا تدرك بمجرّد معرفة اللغة[١٢].
حمل أحد المعلومين على الآخر في إيجاب بعض الأحكام لهما أو إسقاطه عنهما بأمر جمع بينهما من إثبات صفة وحكم لهما أو نفي ذلك عنهما [١٣].
تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علّة الحكم عند المجتهد[١٤].
إثبات حكم معلوم لمعلوم آخر لأجل اشتباههما في علّة الحكم عند المثبت[١٥]. وقريب منه التعريف الوارد عن المحقّق الحلّي[١٦]. حمل الشيء على غيره وإجراء حكمه عليه[١٧]. وقريب منه ما ورد عن نجل الشهيد الثاني[١٨].
الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل[١٩] . وقريب من هذا ورد عن السيّد الحكيم[٢٠].
إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علّة في الآخر بالرأي[٢١]. إثبات مثل حكم المقيس عليه للمقيس[٢٢].
الحكم على معلوم بمثل الحكم الثابت لمعلوم آخر لاشتراكهما في علّة الحكم[٢٣].
حمل فرع على أصل في بعض أحكامه بمعنى يجمع بينهما [٢٤]. إجراء حكم الأصل في الفرع الجامع بينهما، وهو علّة لثبوت الحكم في الأصل[٢٥].
هو الاجتهاد[٢٦].
استنباط حكم واقعة لم يرد فيها نصّ عن حكم واقعة ورد فيها نصّ، لتساويهما في علّة الحكم ومناطه وملاكه[٢٧].
والاختلاف يعود إلى النقاش في أنّ القياس دليل مستقلّ أو فعل من أفعال المجتهد، ولذلك اختلفوا في تعريفه[٢٨]. وعلى العموم، لا تخلو هذه التعاريف من النقاشات والردود، ولذلك سعى كلّ من تناول موضوع القياس لاختيار تعريف محدد رآه خالياً من الإشكالات[٢٩]. والتصوير المجمل الذي يحصل لمن يقرأ هذه التعاريف هو أنّ القياس تعدية حكم موضوع إلى موضوع آخر بسبب اتّحاد علّة أو حكمة أو مناط الحکم في كلا الموضوعين.

تسميات اُخرى للقياس

باعتبار أنّ آلية القياس كباقي الآليات في بداية القول والعمل بها لم تنقّح نظرياً ولم يحدّد معناها بالضبط فقد وردت عدّة تسميات للقياس وخاصّة من قبل القدماء من اُصوليي أهل السنة، فقد سمّي بمثل: الاستدلال والاجتهاد والرأي[٣٠]. وقد اعتبر الشافعي القياس والاجتهاد اسمين لمعنى واحد[٣١].

من تاريخ القول بالقياس

تعدّدت الآراء فيما يخصّ بداية العمل بالقياس[٣٢]، لكن بالإجمال يبدو أنّ القائلين بالقياس يرونه آلية كان الرسول قد دعا الصحابة إلى العمل بها، فقد فسّروا الروايات التي ورد فيها دعوة الرسول الصحابة إلى الاجتهاد بأنّها دعوة إلى القياس. وهذا ممّا يظهر من استدلالاتهم على حجّيّته، وسيأتي الكلام عن صحّة هذا التفسير عند الاستدلال على صحّته.
بل يدّعي البعض أنّ القياس كان ممّا يمارسه ويحكم وفقه بعض الصحابة و التابعين كذلك، حيث يقول ابن حجر: «قاس الصحابة فمن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار وباللّه‏ التوفيق، وتعقّب بعضهم الأولية التي ادّعاها ابن بطال بأنّ انكار القياس ثبت عن ابن مسعود من الصحابة ومن التابعين عن عامر الشعبي من فقهاء الكوفة...»[٣٣].
وقال الجصاص: «كما روي أنّ الشعبي وإبراهيم وأبا الضحى كانوا يجتمعون في المسجد يتذاكرون، فإذا جاءهم شيء ليس عندهم فيه رواية رموا إبراهيم بأبصارهم، فهذا يدلّ على أنّ إبراهيم كان في القياس أنفذ منهم، وكان الشعبي أحفظ للآثار، فلذلك كان لا يقيس، وهو يعني أنّ حفظ الآثار كان أغلب عليه من القياس، كما يقال: فلان صاحب آثار، وفلان صاحب قياس، وإن كانا جميعاً يقولان بالآثار والقياس...»[٣٤].
بل ادّعى الكثير من اُصوليي أهل السنة وغير الاُصوليين بـ إجماع الصحابة بالعمل بالقياس[٣٥]، يضيف البعض التابعين كذلك[٣٦]. ما يعني أنّه آلية كانت حاضرة ومستخدمة في عهد الصحابة من وجهة نظرهم.
وأورد بعضهم روايات عن الصحابة بعد وفاة الرسول(ص) تحكي عملهم بالقياس و استنباط الأحكام وفق الأشباه والنظائر، ومنها: الرسالة التي كتبها عمر إلى أبي موسى الأشعري، حيث ورد فيها: «اعرف الأشباه والنظائر وقس الاُمور برأيك»[٣٧]. ومنها: عن ابن مسعود: «اقض بالكتاب والسنّة إذا وجدتها، فإن لم تجد الحکم فيهما فاجتهد رأيك»[٣٨].
كما أنّ الحسن البصري ينقل اختلاف الصحابة في حكم قول الرجل لزوجته: «أنت عليّ حرام» ويذكر آراء مختلفة عن أبي بكر، وعمر، وعلي عليه‏السلام، وزيد، وابن مسعود، وابن عبّاس. ويستظهر من ذلك أنّ اختلافهم ناشئ عن قياس للمورد على أحد الموارد المنصوصة ولذلك اختلفوا، حيث يقول: «انّهم قالوا ذلك قياسا لأنّهم: إمّا أن يكونوا قالوا ذلك عن طريق أو لا عن طريق، ولو كانوا قالوا ذلك لا عن طريق لكانوا قد اتّفقوا على الخطأ؛ لأنّ من أعظم الخطأ أن يقال في دين اللّه‏ عزّ وجلّ لا عن طريق، فإن قالوا ذلك عن طريق، فامّا أن يكون نّصاً جليّاً أو غير جليّ أو قياساً أو استنباطاً، ولو كان في ذلك نصّ لاحتجّ به بعضهم ليقيم عذر نفسه وليردّ غيره عن خطئه»[٣٩].
وبرز أكثر استخدام آليات مثل القياس في عهد أئمة المذاهب الفقهية، فقد كان تشييدها كآلية اُصولية تدخل في عملية الاستنباط في ذلك الحين، حيث واجه أتباع المذاهب الإسلامية نقصاً في النصوص التي لا تفي بالمستجدات والتي تستدعي بيان رأي الإسلام فيها، فنشطت حركة لإبداع آليات تغطّي هذا النقص. فكان ذلك العهد عهداً لبروز آليات عديدة منها القياس.
يقول مصطفى جمال الدين: «وأعترف أنّنا لا نستطيع تحديد الزمن الذي اتّخذ فيه الرأي شكل القياس، وغيره من هذه المصطلحات الاّ بصورة تقريبية، فيخيل لي أنّه كان قبل إبراهيم النخعي (95 هـ ) رأياً شخصياً لا يتقيّد بنصّ، ثُمّ أخذ في زمنه وزمن حمّاد بن أبي سليمان (120 هـ ) شكل القياس، ثُمّ عاد فاختلط بالرأي الشخصي مرّة اُخرى باسم آخر وهو «الاستحسان» عند أبي حنيفة وأصحابه، و «الاستصلاح» عند مالك وأصحابه»[٤٠].
وبرغم أنّ ما قد يقال: بأنّ أبا حنيفة هو أوّل من قال بالقياس إلاّ أنّ من المسلّم به كون الشافعي هو أوّل من كتب في القياس في كتابه الرسالة، ولأجل ذلك يبدو من البعض قولهم بأنّ أوّل من قال بالقياس كأصل شرعي هو الشافعي[٤١].
تحدّث ابن خلدون عن التدوين في أصول الفقه والذي منه القياس، وقال: «أوّل من كتب فيه الشافعي رضي اللّه‏ تعالى عنه، أملى فيه رسالته المشهورة، تكلّم فيها في الأوامر و النواهي و البيان و الخبر و النسخ و حكم العلّة المنصوصة من القياس، ثُمّ كتب فقهاء الحنفية فيه وحقّقوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها»[٤٢].
ولهذا يمكن القول: بأنّ الذي قال به أوّلاً هو أبو حنيفة والذي كتب فيه أوّلاً هو الشافعي، وذلك لقرائن مثل ما ورد من توبيخ وهجوم على أبي حنيفة في عهده لقوله بالقياس، واعتبار قوله بمثابة فتنة الدجال التي تنبأت بها الروايات[٤٣]، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ أبا حنيفة تقدّم على الشافعي بسنوات كثيرة، فقد ولد عام 80 من الهجرة بينما ولد الشافعي عام 150 من الهجرة.
واستمرّ القول بالقياس منذ ذلك الحين من قبل أكثر مذاهب أهل السنة، بحيث أصبح اليوم القياس آلية تساوق الكتاب و السنة وإن جاءت في رتبة متأخّرة عنهما. وقد بلغ بالبعض مثل ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية أن اعتبرا كون الكثير من الأحكام في الأبواب الفقهية المختلفة في الفقه ناشئة عن قياس ونظر إلى النظائر، وقد ألّفا كتاباً تحت عنوان «القياس في الشرع الإسلامي وإثبات أنّه لم يرد في الإسلام نصّ يخالف القياس الصحيح» أوردا فيه الأحكام الثابتة بالقياس في أبواب الفقه.
وفيما يخصّ إنكاره ونفي حجّيّته، فإنّ هناك الكثير من الروايات المحكية عن الإمام الصادق(ع) المعاصر لأبي حنيفة والواردة عن طرق الشيعة تثبت رفضه للقياس واعتباره إيّاه آلية محرّمة[٤٤]، إلاّ أنّ مثل الزركشي يذهب إلى أنّ النظّام هو أوّل من خالفه ولحقه آخرون، حيث يقول: «وأمّا المنكرون للقياس فأوّل من باح بإنكاره النظّام وتابعه قوم من المعتزلة كجعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، ومحمّد بن عبد اللّه‏ الإسكافي وتابعهم من أهل السنة على نفيه في الأحكام داوود الظاهري»[٤٥]، وورد هذا عن ابن حجر كذلك[٤٦]. لكن يبدو أنّ الزركشي لم يطّلع عمّا ورد عن الإمام الصادق عن طرق الشيعة.
هذا في أصل القياس، وهناك نفي للقياس واختلافات قد تكون جزئية واردة فيه، مثل الاختلاف في اعتبار وعدم اعتبار العلّة المستنبطة التي هي ركن أساس في القياس، فقد ينقل في تاريخها أنّ الحنابلة قالوا بعدم اعتمادهم قياس مستنبط العلّة، إذ ورد: «ذكر القاضي في كتاب الروايتين والوجهين اختلافاً في المذهب في صحّة العلّة المستنبطة... فعلى قوله يكون القول ببعض القياس دون بعض، وقد أومأ أحمد إليه في رواية مهنا، وقد سأله: هل نقيس بالرأي؟ فقال: لا، هو أن يسمع الرجل الحديث فيقيس عليه، قال: معنى قوله لا يقيس بالرأي، يعني ما ثبت أصله بالرأي لا نقيس عليه»[٤٧]. وهذه الاختلافات لحقت الاختلافات في أصل القياس، باعتبار أنّ أحمد بن حنبل لحق أبا حنيفة، وهو من أعلام أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث.

أركان القياس

للقياس أربعة أركان يعتمدها، هي:
الأوّل: الأصل، وهو المقيس عليه المعلوم ثبوت الحکم له شرعاً.
الثاني: الفرع، وهو المقيس، المطلوب إثبات الحكم له شرعاً [٤٨].
وهذان التعريفان للأصل والفرع هما المعروفان عن جل الاُصوليين، لكن يعرفهما المتكلّمون بتعاريف اُخرى، وهي: الأصل هو اسم لدليل الحكم المقيس عليه، والفرع هو اسم لحكم المقيس، كما يعرفهما الرازي: بأنّ الأصل هو الحكم في محلّ الوفاق، وهو فرع في محلّ الخلاف، وكذلك العلّة فإنّها فرع في محلّ الوفاق وأصل في محلّ الخلاف[٤٩]. ويبدو أنّ هذه التسميات لم تلق إقبالاً من قبل باقي الاُصوليين.
الثالث: العلة، وهي الجهة المشتركة بين الأصل والفرع التي اقتضت ثبوت الحكم، وتسمّى جامعاً كذلك.
الرابع: الحكم، وهو نوع الحكم الذي ثبت أصل ويراد إثباته للفرع.
وكمثال على ذلك إذا ورد عن الشارع تحريم الخمر لأجل اسكاره، واُريد إثبات الحرمة للنبيذ لأجل الإسكار الذي فيه، فإنّ الخمر هو الأصل، والنبيذ هو الفرع، والحكم هو الحرمة، والإسكار هي العلّة[٥٠].

شروط أركان القياس

شروط القياس لا تخرج عن كونها شروطاً للأركان[٥١]، ولذلك لا نجد هناك من أورد شروطاً للقياس نفسه، بل لأركانه فحسب.

شروط الأصل

أورد البعض الشروط التالية للأصل:
1 ـ أن يكون حكم الأصل ثابتاً، ولا ينفع الأصل الذي لم يثبت حكمه أصلاً أو كان حكمه منسوخاً مثلاً.
2 ـ أن يكون الحكم ثابتاً للأصل بالدليل السمعي والشرعي، بحيث يثبت كونه حكماً شرعياً، وإذا كان ثابتاً عقلاً أو لغة فلا يمكن القياس عليه.
3 ـ ألاّ يكون الأصل فرعاً لأصل آخر، بل يكون ثبوت الحكم فيه بنصّ أو إجماع، وعلى فرض وجود الوصف والعلّة في الفرع فيقاس على أصل مستقلّ لا فرع لأصل آخر، وإلاّ تطول سلسلة القياسات التي قد يقل فيها وجوه الشبه.
4 ـ أن يكون دليل إثبات العلّة في الأصل مخصوصاً بالأصل لا يعم الفرع وإلاّ يكون الفرع بمثابة الأصل كذلك.
5 ـ أن يقوم دليل على جواز القياس عليه. نسب هذا الشرط إلى قوم ورد؛ باعتبار أنّ الصحابة قاسوا دون أن يكون لهم دليل.
6 ـ ألاّ يتغيّر حكم الأصل بالتعليل، أي ألاّ يؤدّي التعليل إلى تخصيص حكم الأصل أو تغييره.
7 ـ ألاّ يكون الأصل معدولاً به عن سنن القياس، أي خرج عن القياس، من قبيل: حكم جواز نكاح النبي بأكثر من أربعة، فإنّه حكم استثنائي خاصّ به وخارج عن القياس، فلا يمكن قياس فروع اُخرى عليه.
8 ـ أن يكون طريق إثبات علّة الحكم فيه طريقاً سمعياً؛ لأنّ تأثير الوصف من شؤون الشرع.
وقد اختلف في هذا الشرط، فأثبته الغزالي، ونفاه الآمدي وقال بكفاية وجود دليل ولا يشترط أن يكون سمعياً ومن القرآن أو السنة[٥٢].

شروط الحكم

لم يورد البعض شروطاً للحكم؛ لأنّ شروط الأصل في الواقع هي شروط لحكمه، إلاّ شرط ألاّ يكون الأصل فرعاً لأصل آخر[٥٣]. والذي أورد شرطاً أو شروطاً مستقلّة للحكم قال بأنّ شرط الحکم هو أن يكون شرعياً، فلا قياس في القضايا اللغوية والعقليات، فلا يثبت اسم الخمر للنبيذ ولا الزنا للواط؛ لأنّها اُمور لغوية سماعية، وكذلك لا يعتبر المكره قاتلاً ولا الشاهد ولا الشريك بالقياس إلى نفس القاتل، بل هذه اُمور عقلية تعرف بالبحث والعقل.
ولا قياس كذلك في الاُمور التعبّدية من قبيل إثبات صلاة سادسة أو صوم شوال؛ لأنّ اُموراً من هذا القبيل ينبغي أن تكون معلومة من الشرع[٥٤].

شروط الفرع


1 ـ أن تكون علّة الأصل موجودة في الفرع يقيناً، واختلف في ما إذا كان وجودها في الفرع مظنوناً، فجوّز البعض القياس ولم يجوّزه آخرون.
2 ـ ألاّ يتقدّم الفرع في الثبوت على الأصل، من قبيل اشتراط النيّة في الوضوء قياساً على اشتراطها في التيمم برغم أنّ التيمم متأخّر عن الوضوء. وناقش بعض في هذا الشرط من حيث إمكانية تقدّم المدلول، فحدوث العالم دليل على الصانع القديم.
3 ـ ألاّ يفارق حكم الفرع حكم الأصل في جنسيته ولا في زيادة ولا نقصان؛ لأنّ القياس تعدية للعلّة فلا ينبغي للحكم أن يختلف بمجرّد تعديته. وقد مثل لهذا الشرط بقياس الذمّي في ظهاره على المسلم في ظهاره، فإنّ الحكم المعدّى من الأصل (وهو الظهار) غير حكم الأصل (وهو الحرمة التي تنتهي بالكفّارة المتضمّنة للعبادة)؛ وذلك باعتبار عدم صحّة العبادة من الذمّي أصلاً؛ لعدم إيمانه، فالحرمة في الفرع مؤبدة.
4 ـ أن يكون الحكم في الفرع ممّا ثبتت جملته بالنصّ ولم يثبت تفصيله، من قبيل كون الشرع قد ورّث الجدّ جملة لذلك حكم الصحابة بتوريثه مع الاُخوة.
لكن ناقش البعض في هذا الشرط؛ لأنّ هناك موارد من القياس لم يرد فيها حكم بنحو الإجمال، مثل قياس: «أنت عليّ حرام» على الظهار والطلاق واليمين. ولم يرد حكم «أنت عليّ حرام» أصلاً لا على العموم ولا على الخصوص.
5 ـ ألاّ يكون الفرع منصوصاً عليه؛ لأنّ مجرى القياس هو ما لا نصّ فيه[٥٥].
وأضاف بعض شروطاً اُخرى، هي:
أ ـ أن يكون الفرع خالياً عن معارض راجح يقتضي نقيض ما اقتضته علّة القياس.
ب ـ أن يكون الحكم في الفرع مماثلاً لحكم الأصل في عينه مثل وجوب القصاص في النفس المشترك بين المثقل والمحدد أو جنسه كإثبات الولاية على الصغيرة في نكاحها قياساً على إثبات الولاية في مالها، والمشترك بينهما جنس الولاية لا عينها [٥٦].

شروط العلّة

هناك نقاشات وبحوث غير قليلة تدرج تحت عنوان العلّة، منها: هل هي ركن وشرط في القياس؟ باعتبار أنّ البعض اكتفى بوجود شبه بين الأصل والفرع. ومنها: ماهية العلّة وتعريفها، ومنها: فرقها عن الوصف، ومنها: أقسامها، ومنها: شروطها [٥٧]، ونحيل بحثها إلى محالها.

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ اجتهاد

عرّف الاجتهاد بعدّة تعاريف، مثل:
استفراغ أو بذل الوسع في تحصيل الظنّ بالحكم الشرعي[٥٨].
ملكة تحصيل الحجج على الحکم الشرعي أو الوظيفة العملية[٥٩].
تحصيل الحجج على الحكم الشرعي أو الوظيفة العملية[٦٠].
استخراج الحكم الشرعي الفرعي أو الحجّة عليه عن أدلّتها التفصيلية[٦١].
وعلى هذه التعاريف فالاجتهاد إمّا بذل الجهد، وهو معنى واسع لم يحدد إطار الجهد المبذول وفي النتيجة معناه واسع، وإمّا ملكة، وإمّا استخراج للحكم، والأخير يكون شبه مرادف أو قريباً من معنى الاستنباط. وبناءً على كونه يعني بذل الجهد، يكون القياس من مصاديق الاجتهاد، باعتبار ما فيه من بذل الجهد لبلوغ الأحكام الشرعية. وقد اعتبر الشافعي القياس والاجتهاد بمعنى واحد[٦٢]، وغيره كذلك ساوق بينهما [٦٣]، كما استخدمت الروايات الواردة عن طرق الشيعة مفردة الاجتهاد بمعنى القياس، ولذلك ذمّته[٦٤].
وبناء على كون الاجتهاد ملكة، فهو صفة للمجتهد ويباين معناه معنى القياس بالكامل.

2 ـ استدلال

للاستدلال عدّة تعاريف:
منها: طلب الحقّ من الأدلّة غير القطعية[٦٥].
ومنها: طلب الحكم بمعاني النصوص[٦٦].
ومنها: استخراج الحقّ وتمييزه من الباطل[٦٧].
وبناء على التعريف الأوّل فإنّ القياس من مصاديق الاستدلال باعتباره دليلاً غير قطعي.
وبناء على التعريف الثاني فإنّ القياس من مصاديق الاستدلال، لكونه يهدف إلى طلب الحكم من خلال معاني النصوص وكشف العلّة و الحکمة فيها وتعميمها إلى فروع وموارد اُخرى غير منصوص عليها.
أمّا بناء على التعريف الثالث فهو تعريف عامّ، ويشمل جميع الأدلّة التي يتوخّى منها استخراج الحقّ وتمييزه عن الباطل.

3 ـ استنباط

وردت عدّة تعاريف لـ الاستنباط:
منها: استخراج الحكم من فحوى النصوص[٦٨].
ومنها: استخراج العلّة أو الحكم إذا لم يكونا منصوصين بنوع من الاجتهاد والرأي[٦٩].
ومنها: استخراج الأحكام الشرعية الفرعية والفتاوى النظرية من أدلّتها الظاهرة والخفية واللُبيّة[٧٠].
وفرق القياس عن الاستنباط في أنّ الأوّل ناظر إلى نفس عملية اكتشاف التشابه والعلّة والمقايسة بين الأصل والفرع، بينما الاستنباط ناظر إلى عمل المجتهد في استخراج الحكم أو الفتوى النهائية من مجمل العمليات التي يقوم بها المجتهد لأجل استخراج الحكم والفتوى النهائية. وفي النهاية يكون القياس آلية من آليات الاستنباط التي يستخدمها المجتهد لغرض استخراج الحكم أو الفتوى.
ويذهب الغزالي إلى أنّ ألفاظاً مثل القياس والاستنباط والفكر والتدبّر والتفكّر وغيرها لا هي مترادفة ولا هي متباينة، وأعمّ هذه الالفاظ هو التفكّر، فمن نظر في نصّ ووقف على معنى معقول في النفس سمّي فعله استنباطاً ولم يسمّ قياساً، فاسم الاستنباط أعمّ من القياس، فكلّ قياس استنباط وليس كلّ استنباط قياساً [٧١].

4 ـ رأي

وردت تعاريف مختلفة للرأي، كالتعاريف التالية:
الحكم بالأصلح و الأحوط والأسلم في العاقبة[٧٢].
نظر المجتهد في الأدلّة الشرعية، فيقال: يرى المجتهد.
اجتهاد العالم بما يقابل الكتاب و السنة[٧٣].
بمعنى القياس و الاستحسان[٧٤].
الحكم في الدين بغير نصّ، بل بما يراه المفتي أحوط وأعدل في التحريم أو التحليل[٧٥].
اعتقاد إدراك صواب الحكم الذي لم ينصّ عليه[٧٦]. الإدراك القطعي أو الظنّي الحاصل للمجتهد من النظر في الأدلّة[٧٧].
ما استنبطه الفقيه من الأدلّة الشرعية[٧٨].
ومع غضّ النظر عن صحّة التعاريف أو سقمها، فإنّ الرأي ـ في رأي البعض ـ يساوق القياس وما شابه مثل الاستحسان. وبناء على بعض التعاريف، وهي التي تراه نظرا يصدر من قبل المجتهد فهو يساوق الاجتهاد في بعض تعاريفه. أمّا بناء على تلك التي تراه حكماً فهو مرحلة تتمّ بعد الاجتهاد وبعد استخدام آليات مثل القياس، فالحكم قد يصدر عن قياس وقد يصدر عن غير قياس.

أقسام القياس

قسّم القياس الشرعي باعتبارات مختلفة إلى أقسام عديدة، نورد مجملها هنا:

التقسيم الأول: باعتبار حجّيّته أو عدم حجّيّته قسّم إلى قطعي أو يقيني وإلى ظنّي

القياس القطعي

هو القياس الذي ثبتت حجّيّته قطعاً [٧٩]، مثّل له: بقياس الأولوية وقياس المنصوص العلّة[٨٠] وعرّف كذلك: ما لا يحتاج معه إلى التعرّض للعلّة الجامعة، بل يكتفى فيه بنفي الفارق المؤثّر في الحكم كإلغاء الفارق بين البول في الماء الراكد والبول في إناء وصبّه[٨١].

القياس الظنّي

هو القياس الذي لم تثبت حجّيّته، بل قد يقام الدليل على عدم حجّيّته[٨٢]. وعرّف كذلك: ما احتيج فيه إلى البحث عن العلّة الجامعة، كإلحاق الأرز بالبرّ في تحريم الربا بجامع الكيل[٨٣].
وقسّم ابن تيمية القياس إلى قسمين عامّين، وهما: الصحيح والفاسد، وقصد بالصحيح الذي وردت به الشريعة أي ورد نصّ فيه أو أيّدته الشريعة، والفاسد هو الذي جاء نصّ شرعي بخلافه[٨٤]. وهو تقسيم آخر باعتبار حجّيّة القياس أو عدم حجّيّته.
ويطلق الشيعة غالباً عنوان القياس الظنّي على مطلق القياس باستثناء الذي ثبتت حجّيّته مثل الأولوية ومنصوص العلّة، فإنّ بعضهم يطلق عليه قياساً، وبعضهم الآخر لا يطلق عليه قياساً. بينما يطلق أهل السنة هذا العنوان على مصاديق محدودة وأضيق دائرة؛ باعتبار أنّ جلّهم يعدون القياس حجّة إلاّ موارد محدودة منه.

التقسيم الثاني: من حيث قوّة العلّة في كلّ من الأصل والفرع قسّم إلى الأقسام التالية

قياس الأولوية

وهو القياس الذي تكون علّة الفرع فيه أقوى منها في الأصل، فيكون الفرع أولى بثبوت الحكم إليه من الأصل، من قبيل: «فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ»[٨٥]. فإنّ الإيذاء الذي هو علّة الحكم أولى في ثبوته في الضرب من التأفّف.
وقد اختلف في تسمية هذا النوع وفي اعتبار دلالته لفظية أو من باب القياس، ونقل الاختلاف هنا. فبعض من أهل السنة و الشيعة لم يعدّوه قياساً، بل اعتبروه ممّا يفهم من النصّ، وحجّيّته ليس من باب حجّيّة القياس، بل من باب حجّيّة الدلالات اللفظية والظواهر، حتّى لو لم نقل بحجّيّة القياس[٨٦]. ويثبت الحكم به عند غير الشافعية بمفهوم الموافقة (فحوى الخطاب) ويسمّيه الحنفية بـدلالة النصّ[٨٧]. لكنّ أكثر أهل السنة يعتبرونه من باب القياس، ويعدّه بعضهم من القياس الجلي[٨٨]. لكن يبدو أنّ الدارج لدى الشيعة هو استخدام مصطلح قياس الأولوية[٨٩]. وعند أهل السنة قياس الأولى[٩٠].

قياس المساوي

وهو القياس الذي تكون فيه العلّة بنفس القوة في الأصل والفرع، ومثاله: حرمة أكل أموال اليتامى بناءً على قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ اليَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِى‏بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِـيراً»[٩١]. وعلّة التحريم هي الاعتداء على أموال اليتامى وأكلها ظلماً، وقوة هذه العلّة مساوية لقوّتها في إحراق أموال اليتامى.

قياس الأدنى

وهو القياس الذي تكون قوة علّة الحکم في الفرع أدنى من قوتها في الأصل، كالإسكار الذي قد يعتبر علّة للحكم بحرمة الخمر، فإنّها موجودة بمستوى أدنى في النبيذ[٩٢].

التقسيم الثالث: من حيث وضوح التشابه بين الأصل والفرع يقسم إلى قياس الشبه، وقياس المعنى

قياس الشبه

قياس الشبه يطلق على القياس حيث يكون الفرع فيه مشابهاً لأصلين مختلفين حصل الاختلاف في الإلحاق بأحدهما. من قبيل: قتل العبد، فهل يلحق بالحر لكي يترتّب على قتله الدية أو يلحق بالمتاع لكي يترتّب على قتله القيمة، ووجه الشبه كونه إنساناً كباقي الأحرار فيلحق بهم، وباعتبار كونه يشترى ويُباع فيمكن أن يلحق بالمتاع.
ونقل الزركشي له تعريفين، هما: «ما أخذ حكم فرعه من شبه أصله» و«ما تجاذبه الاُصول فأخذ من كلّ أصل شبهاً» وينقل عن البعض تسميته بقياس الدلالة[٩٣].

قياس المعنی

أمّا قياس المعنى فهو القياس الذي يتطابق فيه الأصل مع الفرع بوضوح ولا يشكّ في إلحاق الفرع بالأصل فيه[٩٤]. وساوى البعض بين هذا القياس وقياس العلّة[٩٥].
وقد اختلفوا في هذين القسمين قليلاً، حيث قال البعض: قياس المعنى هو الذي ينقسم إلى جلي وخفي في التقسيم التالي[٩٦]. وقال بعض آخر: إنّ الجلي هو قياس المعنى، والخفي هو قياس الشبه[٩٧].

التقسيم الرابع: باعتبار قوّة تبادره إلى الذهن قسم إلى القسمين التاليين

القياس الجلي

وهو القياس الظاهر الذي يتبادر إليه الذهن وتسبق اليه الأفهام، بسبب ظهور العلّة. وكلّ مصاديق قياس الأولوية مثلاً تصلح لئن تكون مثالاً لهذا القياس.

القياس الخفي

وهو القياس الذي خفيت علّته لدقّتها وبعدها عن الذهن، وقد يسمّى هذا القياس بالاستحسان بالقياس.
ومثاله: من له دين حالّ على آخر من دراهم أو دنانير فسرق من المدين مثل دينه فتعتبر سرقته استيفاء لدينه لا سرقة، فلا تقطع يده[٩٨].

التقسيم الخامس: باعتبار التصريح أو عدم التصريح بالعلّة ينقسم إلى ثلاثة أقسام

قياس علّة

وهو القياس الذي صرّح فيه بالعلّة، مثلاً النبيذ مسكر، أي أنّ علّة تحريم الخمر مذكورة فيه.

قياس الدلالة

وهو القياس الذي لا تذكر فيه العلّة، لكن تذكر فيه صفة ملازمة للعلّة، من قبيل صفة الرائحة التي تفوح من الخمر.

القياس في معنى الأصل

وهو الذي يُدعى بـ إلغاء الفارق، وذلك برغم أنّه لم يصرّح بالعلّة من قبيل: إلغاء خصوصية رمضان في أحكام الصوم لتشمل الأحكام كلّ صيام حتّى خارج شهر رمضان[٩٩].

التقسيم السادس: تقسيمه باعتبار طريق اثبات العلّة المستنبطة

باعتبار أنّ طرق اثبات العلّة أقسام، فقد يكون الطريق هو المناسبة، فيدعى: قياس الإحالة، وقد يكون الطريق الشبه فيدعى قياس الشبه، وقد يكون الطريق السبر والتقسيم فيدعى: قياس السبر، وقد يكون الطريق الطرد والعكس فيدعى: قياس الاطراد[١٠٠].

التقسيم السابع: ينقسم باعتبار التأثير إلى مؤثّر وملائم

قياس المؤثر

يطلق المؤثر على القياس باعتبارين: أوّلهما: ما كانت العلّة الجامعة فيه منصوصة بالصريح أو الإيماء أو مجمعاً عليها. وثانيهما: ما أثّر عين الوصف الجامع في عين الحکم أو عينه في جنس الحكم أو أثّر جنسه في عين الحكم. ومثّل عليه بقوله: «من مسّ ذكره فليتوضّأ» فقيس عليه من مسّ ذكر غيره.

قياس الملائم

والملائم يطلق على القياس الذي أثّر جنس الوصف فيه في جنس الحكم. ومثال ذلك قوله: «يجب على الحائض قضاء الصلاة دون الصوم» والعلّة هنا هي الحرج بسبب المشقّة باعتبار كثرة وتعدّد الصلاة، وقد ظهر تأثير جنس المشقّة على الأحكام، فإنّ لجنس المشقّة تأثيراً على تخفيف الحكم، أمّا المشقّة الموجودة في الصلاة (وهي تكرار الصلاة) فلم يظهر تأثيرها في موضع آخر[١٠١].

حكم القياس

تاريخياً، وفي بداية طرح آلية القياس وإدراجها ضمن المصادر الشرعية ثبتت اختلافات غير قليلة تجاه القياس، بين مؤمن به وبين نافٍ له بالكلّية. وفيما بعد وحتّى التاريخ المعاصر فإنّ أكثر أهل السنة تعتقد بحجّيّة القياس، لكنّ هناك بعض المذاهب ما زالت نافية له، ومنها: الشيعة، فبرغم أنّها تعتقد بحجّيّة القياس في موارد محدودة وجزئية مثل: القياس منصوص العلّة[١٠٢] إلاّ أنّ بعضاً منهم يرى كون هكذا موارد خارجة عمّا يسمّى قياساً، وتدخل ضمن الدلالات اللفظية، أو كونها عملاً بالنصّ دون أن يتشكّل فرع وأصل، فقياس الأولوية يدخل ضمن دلالة الظاهر، وحجّيّة هكذا موارد من باب حجّيّة الظاهر[١٠٣]، وسمّاه بعض من أهل السنة مثل الحنفية استدلالاً وأخرجوه من القياس[١٠٤].
مع غضّ النظر عن هذا، فانّه يمكن إيراد توجّهين تجاه هذه الآلية، الأوّل: الموافقون له، والثاني: النافون له، ونورد أدلّة كلّ منهما. هذا برغم وجود آراء غير قليلة تندرج ضمن كلّ من هذين التوجهين، فالشيعة مثلاً تذهب إلى إمكانية التعبّد عقلاً، لكن عدم جوازه شرعاً؛ لكونه من الآليات الظنّية التي حجّيّتها ناقصة وتحتاج إلى متمّم لحجّيّتها يصدر من الشرع يسوّغ جواز العمل به[١٠٥]، ويبدو من بعض أخباريي الشيعة أنّهم ينفون حجّيّة القياس بالكلّية حتّى قياس الأولوية؛ تمسّكاً بظاهر بعض الروايات الواردة عن طريق الشيعة[١٠٦]، كما تندرج تحت التوجّه الثاني الكثير من الآراء الواردة عن أهل السنة التي نقلها بعض الاُصوليين، وتناولت تفاصيل حجّيّة هذه الآلية وسعة دائرتها أو ضيقها، من حيث شمولها لجميع الأبواب الفقهية أو عدم شمولها [١٠٧].

تحرير محلّ النزاع

من الواضح انقسام القياس إلى قطعي وظنّي، ولا نقاش في إمكانية التمسّك بالقياس القطعي دون خلاف، وهو من قبيل قياس الأولوية أو المنصوص العلّة. وإذا كان هناك نقاش فمن حيث تسميته قياساً أو عدم تسميته. وجل النقاش في حقيقته ناظر إلى القياس الظنّي، فهو موضوع النقاشات الكثيرة وأحياناً المطوّلة في هذا المجال[١٠٨]. والأخير هو محلّ النزاع.
من جانب آخر، تناول بعض وخاصة القدماء من الاُصوليين القياس من جهة جواز وعدم جواز استخدامه كآلية اُصولية لاستنباط الأحكام الشرعية، بحيث إذا ثبت عدم جوازه في الشرع، فإنّ بحث القياس منتفٍ من البداية. لكن يبدو أنّ مجمل الاُصوليين على أنّه جائز استخدامه عقلاً في المجال الشرعي، والاختلاف الأساس هنا هو الدليل على كونه حجّة من الناحية الشرعية وكونه موضع قبول الشارع، وليس أصل جواز استخدامه في الشريعة لاستنباط الأحكام من الناحية العقلية، فذلك جائز. ولذلك يكون محلّ النزاع هو الأخير (جوازه شرعاً)، أمّا الأوّل (جوازه عقلاً) فيبدو لا يوجد هناك من أحال استخدامه إلاّ نادراً، وإن نسب إلى بعض الشيعة، ولذلك لا يقع موضع البحث. ومحلّ النزاع هو فيما يعنون بجواز التعبّد بالقياس، أي الأدلّة التي تثبت حجّيّته من الناحية الشرعية[١٠٩].
هذا بينما ذهب بعض المعاصرين إلى أنّ القياس لا ينبغي أن يكون موضع النزاع؛ لكونه استفادة من الدليل لا نفس الدليل، أو هو نفس العملية الاجتهادية، والنقاش ينبغي أن ينصب على مستنده وهو العلّة أو طرق إدراكها، فإذا كان طريق إثبات العلّة التي اُنيط بها الحکم الشرعي يقينياً أو ظنّياً وقام الدليل على اعتباره، مثل: خبر الواحد، كان القياس معتبراً وإلاّ فلا، ويدخل في باب الظنون التي تحتاج لإثبات حجّيّتها إلى دليل شرعي[١١٠].

أدلّة الموافقين للقياس

أورد الموافقون للقياس عدّة أدلّة من القرآن والسنّة والعقل وضمّوا إليها الإجماع.

أوّلاً: من القرآن

منها: الآية الكريمة: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِـى الأَبْصارِ»[١١١]. وحكي عن ثعلب قوله: الاعتبار في اللغة هو ردّ حكم الشيء إلى نظيره، ومنه يسمّى الأصل الذي يردّ إليه النظائر: عبرة. أو أنّ الاعتبار من العبور، والقياس عبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع[١١٢].
يركّز نفاة القياس على أنّ الاعتبار الوارد في أدلّة المثبتين هو بمعنى الاتّعاظ لا القياس، وليس بمعنى العبور[١١٣]. لكن البعض يرى أنّ الاعتبار يستبطن معنى العبور حتّى لو كان بمعنى الاتّعاظ، فهو بمعنى العبور ممّا شوهد إلى ما لم يُشاهد، والكلام هنا هو في أنّ الاعتبار بالمسائل الكونية التي هي سنن اللّه‏ سبحانه هل هي من مقولة القياس أو لا صلة لها به؟ والتحقيق هو الثاني؛ وذلك لأنّ من شرائط العمل بالقياس هو ألاّ يكون الدليل الدالّ الذي دلّ على العلّة، متناولاً حكم الفرع لا بعمومه ولا بخصوصه، فإذا كان الدليل الدالّ على العلّة شاملاً للفرع والأصل في درجة واحدة غير أنّ أحد المصداقين كان ملموساً والآخر غير ملموس، فهذا خارج عن كونه قياساً. والآية بصدد بيان سنة اللّه‏ في الظالمين، وهي من قبيل الآيات التي تدعو إلى السير في الأرض للنظر في عاقبة الظالمين[١١٤].
ومنها: الآية الكريمة: «إِنَّ فِى ذ لِكَ لَعِبْرَةً لاُِولِى الأَبْصارِ»[١١٥]. والاعتبار هنا بمعنى التسوية في التقدير من قبيل قول الرجل: اعتبرت هذا الثوب بهذا الثوب. وهذا هو حدّ القياس[١١٦].
وشأن هذه الآية شأن سابقتها من حيث الردود الواردة على الاستدلال بها على القياس؛ باعتبارها تعتمد ذات المبدأ الذي اعتمد في الآية السابقة.
ويذهب الشيخ السبحاني إلى أنّه بأي نحو فسّر الاعتبار هنا فإنّ مراد الآية هو الاعتبار بالمسائل الكونية التي هي من سنن اللّه‏، ولا ربط لها بالقياس في القضايا الشرعية[١١٧].
ومنها: الآية الكريمة: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»[١١٨]. وذلك بتقرير أنّ معنى الاستنباط هو استخراج المعنى المنصوص بالرأي، وأنّ أولي الأمر هم العلماء، واستنباط المعنى من النصوص بالرأي لتعدية حكمه إلى نظائره، وهو عين القياس[١١٩].
ومنها: الآية الكريمة: «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِى شَى‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ»[١٢٠]. والمراد من الردّ هنا هو القياس من خلال التأمّل في نظائر المتنازع عليه في الكتاب والسنّة، ولا بدّ أنّ المتنازع عليه لم يكن منصوصاً عليه فيهما فيردّ إلى النظير بالرأي والقياس[١٢١].
ردّ الاستدلال بالآيتين الأخيرتين، حيث إنّ كلاًّ منهما تدعو إلى الردّ إلى الرسول بكون الآية غريبة عن القياس، والردّ إلى اللّه‏ والرسول غير القياس، ويصدق القياس على الردّ فيما إذا كان هناك تعليل وذكر للعلّة من قبل اللّه‏ والرسول لحكم عندئذٍ يصدق الردّ كقياس لما ورد في كلام المعصوم؛ لأنّ الرد يصدق امّا بالرجوع كما في الآية: «فَاسْأَلـُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»[١٢٢]. وامّا بالرجوع إلى الضابطة الواردة في كلام اللّه‏ أو الرسول، مع أنّ القياس المزبور ليس من قبيل النصّ على العلّة، بل احتمال كون المستنبط والمحتمل علّة. وعلى كلا المعنيين لا مجال لاعتبار القياس ردّاً. هذا مضافاً إلى أنّ الآية وردت في التخاصم والتحاكم لفض النزاع بدليل قوله في نفس الآية: «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِى شَى‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ»: والقياس هنا لا يفض نزاعاً ولا يقطع اختلافاً بل يرسّخه باعتبار اختلاف الفقهاء في هذا المجال[١٢٣].
ويذهب ابن حزم بأنّ الردّ إلى اللّه‏ يعني الردّ إلى القرآن والردّ إلى الرسول يعني اللجوء إلى السنّة لمعرفة المجهول من الأحكام[١٢٤].
وهناك آيات اُخرى استدلّ بها القائلون بالقياس وردت في قياس الحياة الآخرة على إعادة المخلوقات بعد نشأتها [١٢٥] أو غيرها [١٢٦].

ثانيا: من السنّة

استدلّ بكثير من الروايات على حجّيّة القياس:
منها: ما روي عن النبي(ص) أنّه قال لمعاذ حين وجهه إلى اليمن: بمَ تقضي؟ قال: بكتاب اللّه‏. قال: فإن لم تجد في كتاب اللّه‏؟ قال: بسنّة رسول اللّه‏(ص) قال: فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه‏؟ قال: أجتهد رأيي. قال: الحمد للّه‏ الذي وفّق رسول رسول اللّه‏ لما يرضى به رسوله[١٢٧].
وقد ساوق البعض مثل الشافعي بين الاجتهاد والقياس، حيث قال: «إنّهما اسمان لمعنى واحد»[١٢٨].
لكن يردّ الحديث من عدّة جهات:
من جهة السند، حيث إنّه بجميع طرقه ينتهي إلى الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة، عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص، ولم يحدّد الناس فيه. وقد عدّه البعض من الأحاديث الساقطة أو الموضوعة[١٢٩].
ومن جهة الدلالة، من حيث كون الاستدلال اعتمد على المرادفة بين الاجتهاد والقياس أو شمول الاجتهاد للقياس، وكلاهما ممنوعان؛ لكون الظاهر من الاجتهاد هو الاجتهاد في الكتاب والسنّة للتوصّل إلى حكم اللّه‏[١٣٠].
من جانب آخر، فإنّ مورد الحديث هو الشبهات الموضوعية وليس الحكمية، وهي موارد بالإمكان فض النزاع فيها من خلال قاعدة العدل والإنصاف، وهي لا علاقة لها بالقياس.
وعلى فرض دلالة الحديث على القياس فإنّ تجويزه في القضاء لا يبرّر تجويزه في الإفتاء؛ لكون الاستدلال بجواز القياس في القضاء على جوازه في الافتاء مبني على صحّة القياس، وصحّة القياس مبني على تجويزه في القضاء، فيلزم دور.
ويضاف إلى هذا أنّ منصب القضاء خطر جدّاً فمن المستبعد أن يوكّل الرسول هذا الأمر إلى إعمال الرأي دون أن يحدّد له ما يصونه عن الخطأ، مع أنّ للقياس شروطاً كثيرة أوردها القائلون به ولم يكن يعرف معشارها معاذ. وهذا يدلّ على أنّ المراد من الاجتهاد هو السعي لاستخراج الحكم من الكتاب والسنّة بالتأمّل فيهما لا إعمال الرأي، كما يكشف عن خصوصية في معاذ تمنعه من استعمال الرأي، وإلاّ لما خوّله هذه المهمّة، ويشهد على ذلك ما ورد في سيرته من أنّه كان يتوقّف عن إبداء الرأي حتّى يسأل الرسول[١٣١].
ومنها: ما رواه ابن ماجة عن ابن عبّاس، عن أخيه الفضل أنّ امرأة من خثعم قالت: يا رسول اللّه‏، إنّ فريضة اللّه‏ في الحجّ على عباده أدرَكت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يركب، أفأحجّ عنه؟ قال: نعم، فإنّه لو كان على أبيكِ دين قضيته[١٣٢].
فألحق الرسول هنا دين اللّه‏ بدين الآدمي الذي ينبغي قضاؤه، وهذا هو القياس ذاته. وقال السرخسي: «هذا تعليم المقايسة وبيان لطريق إعمال الرأي»[١٣٣].
ردّ هذا بعدّة اُمور:
أوّلاً: إنّ القياس الذي دعت إليه الرواية هو قياس الأولوية، وهو من الدلالات اللفظية النصّية ولا يدخل ضمن القياس الفقهي، وفق رأي بعض الاُصوليين.
ثانياً: الحديث تطبيق لقاعدة كلّية، وهي (وجوب أداء الحقّ ممّن عليه سواء كان من حقوق اللّه‏ أو حقوق الناس)، فالرواية إرشاد لتطبيق الكبرى على جزئياتها، ولا يدخل ضمن القياس[١٣٤].
ومنها: أخرج أبو داوود عن عمر بن الخطاب، قال: هششتُ فقبّلتُ وأنا صائم، فقلت: يا رسول اللّه‏، صنعتُ اليوم أمراً عظيماً ، قبّلتُ وأنا صائم . قال : أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس به ، قال: فمه[١٣٥].
وفي هذا الحديث أيضاً نوع تعليم المقايسة، حيث قاس القبلة على المضمضة من حيث إنّ كلاًّ منهما يكون طريقاً للشهوة أو شرب الماء، ولا تحصل بهما الشهوة ولا شرب الماء[١٣٦].
وأورد عليه عدّة إشكالات:
أوّلاً: إنّ الحديث يدلّ على بطلان القياس لا صحّته، حيث ظنّ عمر بطلان الصوم بالقبلة قياساً على الجماع، فذكّره رسول اللّه‏ بأنّ القياس هنا غير صحيح؛ لأنّ الأشياء المتقاربة لا تتساوى أحكامها.
ثانياً: الحديث كان في مقام إقناع المخاطب بالحكم لا استنباط الأحكام، ويكون المجتهد في مورد القياس فيه في مقام الاستنباط، بينما هنا أراد الرسول إقناع عمر بالحكم، وهو عدم الإبطال[١٣٧].
وهناك ردود كلّية عن مجمل الروايات التي استدلّ بها على حجّيّة القياس، هي:
أوّلاً: كون الروايات أحادية لا تفيد اليقين. والأصل في الظنّ الذي يفيده القياس كونه غير حجّة، وحجّيّته بحاجة إلى تتميم وجعل شرعي يسوّغ العمل بمثل هذا الظنّ، وهو ما يفتقد.
ثانياً: كون الأحاديث المزبورة ليست بصدد الاستدلال على الحكم الشرعي ولا استنباطه، بل بصدد رفع الاستبعاد والإرشاد إلى الحكم بأسهل الطرق، فمن المستبعد أن يكون الرسول(ص) قد استدلّ على الحكم بالقياس، فعلمه بالأحكام تمّ بالوحي لا بالاستنباط[١٣٨].
وغيرها الكثير من الروايات التي استدلّ بها أو يمكن أن يستدلّ بها على حجّيّة القياس[١٣٩]. ومن الطبيعي أن يناقشها المخالفون للقياس وينفون دلالتها عليه[١٤٠].
أمّا الروايات التي استدلّ بها على نفي حجّيّة القياس فقد همّ القائلون به بتأويلها أو حملها على محامل مختلفة دون القياس موضع البحث، ومجمل المحامل تذهب إلى أنّ الرأي الوارد في الروايات محمول على الرأي الباطل لا القياس[١٤١]، بل يدّعى أنّه ليس في الشريعة ما يخالف قياساً صحيحاً، لكن فيها ما يخالف القياس الفاسد وإن كان من الناس من لا يعلم فساده[١٤٢].

ثالثا: الإجماع

استدلّ الكثير من الاُصوليين بالإجماع على حجّيّة القياس، ونسب هذا الإجماع إلى الصحابة، حيث كانوا يعملون بالقياس[١٤٣].
لكن من الواضح كون ادّعاء الإجماع في غير محلّه؛ لكون الكثير من المذاهب والاُصوليين ذهب إلى عدم حجّيّته. ومخالفة القياس كانت حاضرة تاريخياً ومنذ أن قال أبو حنيفة بالقياس وما زالت المخالفة مستمرّة. وقد نقل الكثير من أقوال الصحابة والتابعين، إضافة إلى العلماء الذين لحقوهم.
منها: عن الشعبي: «إيّاكم والمقايسة»[١٤٤]. وقوله: «لئن أخذتم بالمقاييس لتحرمنّ الحلال ولتحلنّ الحرام»[١٤٥].
ومنها: عن مسروق: «أخاف وأخشى أن أقيس فتزل قدمي»[١٤٦].
ومنها: قول ابن سيرين: «أوّل من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلاّ بالمقاييس»[١٤٧]. وكثير من الكلمات التي وردت عن الصحابة والتابعين في مخالفة القياس[١٤٨].
من جانب آخر، فإنّ سكوت البعض لا يدلّ على اتّفاقهم وقبولهم لعمل الآخرين، فإنّ الصحابة لم يكونوا مجتمعين في مكان واحد، بحيث يطّلع أحدهم على رؤى الآخر، فبعضهم كان في المدينة وبعضهم في مكّة أو أماكن اُخرى، فلا يمكن ضمّ جميعهم حتّى اُولئك الذين لم ترد عنهم شيء ضمن الإجماع.
ويُضاف إلى هذا ما ثبت عن أهل البيت من مخالفتهم للقياس، وهو ما يُدعى بإجماع العترة الطاهرة، والروايات الواردة عنهم في هذا المجال غير قليل.
منها: عن أبي عبد اللّه‏(ع) قال: «إنّ السنّة لا تقاس، ألا ترى أنّ المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، يا أبان، إنّ السنّة إذا قيست محق الدين»[١٤٩].
ومنها: عن عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن موسى عليه‏السلام عن القياس فقال: «وما لكم وللقياس إنّ اللّه‏ لا يسأل كيف أحلّ وكيف حرّم»[١٥٠].
ومنها: عن أبي شيبة الخراساني قال: سمعت أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام يقول: «إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلاّ بعداً، وإنّ دين اللّه‏ لا يصاب بالمقاييس»[١٥١].
والكثير من الروايات الاُخرى تحمل ذات المضامين[١٥٢].

رابعا: من العقل

وردت في كلمات القائلين بالقياس عدّة مقولات واعتبارات يبدو منها استدلالاً عقلياً على حجّيّة القياس:
منها: أنّ النصوص التي وردت في حوادث معيّنه محدودة، بينما الحوادث غير محدودة ومتجددة في كلّ عصر، ومن جانب آخر فإنّ التأمّل في النصوص يفيدنا انسحابها في غير مواردها التي نصّ عليها، فمن المفروض أن يعمل قياس ما ثبت بالنصّ من الحوادث على غيرها ممّا لم يثبت فيها نصّ[١٥٣].
وردّ هذا الاستدلال بعدّة ردود:
الأوّل: عدم وفاء النصوص بكلّ مقتضيات التشريع لا يعني حجّيّة القياس بالخصوص، قد يكون هذا دليلاً على حجّيّة آلية اُخرى غير القياس، ولماذا التخصيص بالقياس.
الثاني: كون كلام المستدلّ مصادرة، فقد اعتبر الادّعاء دليلاً، من حيث اعتباره القياس المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجدّدة، بينما الكلام في هل القياس هو مصدر تشريع أو لا؟[١٥٤]
هناك ردود ونقاشات اُخرى في هذا الدليل[١٥٥].
ومنها: أنّ القياس يفيد الظنّ، وإذا ظنّنا بتحقّق الوصف الذي أوجب الحکم في الفرع لزم العمل وفق القياس لكي نتجنب ضرر المخالفة المحتملة لشريعة اللّه‏[١٥٦].
واجه هذا الاستدلال إشكالاً، هو أنّ في هذا الاستدلال خلطاً بين قاعدتين عقليتين مقبولتين، هما: قبح العقاب بلا بيان، ووجوب دفع الضرر المظنون، بل حتّى المحتمل. فالضرر المحتمل في المخالفة مرفوع بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، فباعتبار أنّ المورد ليس ممّا بيّنه الشارع للمكلّف فلا ينبغي له أن يعاقب العبد بسببه. هذا إذا كان الضرر اُخروياً، وإذا كان دنيوياً من باب تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، فهو ممّا لا يجب دفعه إلاّ إذا كان عظيماً لا يحتمل عندئذٍ يستقلّ العقل بلزوم دفعه.
وأمّا بالنسبة إلى القاعدة الثانية، حيث عدّ موارد القياس من مصاديقها، فموردها ما إذا قام الدليل على الحكم الكلّي وعلى وجود الموضوع لذلك الحكم، فيجب عندئذٍ دفع الضرر، لكنّ النقاش في ثبوت هذا الدليل وأنّ القياس هل يثبت أو لا يثبت، فعلى الفقيه أن ينقّح مصاديق القاعدتين لكيلا يخلط مواردهما، كما خلط القائلون بالقياس[١٥٧].
وهناك أدلة ومناقشات اُخرى في هذا المجال[١٥٨].

أدلّة النافين لحجّيّة القياس

وردت عن النافين لحجّيّة القياس عدّة أدلّة من القرآن والسنّة والإجماع والعقل:

أوّلاً: من القرآن

الآيات التي استدلّ بها النافون لحجّيّة القياس كثيرة:
منها: الآية الكريمة: «لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللّهِ وَرَسُولِهِ»[١٥٩]. والقياس تقديم بين يدي اللّه‏ ورسوله.
ومنها: الآية الكريمة: «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ»[١٦٠]. والقول بالقياس قول بالظنّ وليس بالعلم.
ومنها: الآية الكريمة: «وَلاتَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»[١٦١]. واتّباع نتائج القياس اتباع للظنّ لا العلم.
ومنها: الآية الكريمة: «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ»[١٦٢]. والحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل اللّه‏.
ومنها: الآية الكريمة: «وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِى كِتابٍ مُبِـينٍ»[١٦٣]. «ما فَرَّطْنا فِى الكِتابِ مِنْ شَى‏ءٍ»[١٦٤]. وهذه الآية تدلّ على وجود كلّ شيء يحتاجه الناس في الكتاب وكلّ ما ليس في الكتاب باطل، فالقياس كذلك.
ومنها: الآية الكريمة: «إِنَّ الظَّـنَّ لا يُغْنِـى مِنَ الحَقِّ شَيْئاً»[١٦٥]. وأقصى ما يفيده القياس هو الظنّ.
وآيات اُخرى كذلك استدلّ بها في هذا المضمار[١٦٦].
لكن لا يخلو الاستدلال بهذه الآيات من مناقشات، ففيما يخصّ آية التقدّم لا يدّعي القائلون بالقياس كونه تقدّماً، بل يدّعون ورود ما يدلّ على جواز التعبّد به.
ويردّ الاستدلال بآية ما لا تعلمون بأنّهم يدّعون العلم بالحكم وإن كان طريقه ظنّياً، لكنّه معتبر من قبل الشارع؛ باعتبار هناك ما يدلّ على جواز التعبّد به.
أمّا الآية التي تدلّ على أنّ كلّ شيء محصي في الكتاب فمردود الاستدلال بها بأنّ سياقها ورد في غير الأحكام، وحتّى لو كانت واردة في الأحكام فمن الواضح أنّ الكتاب لا يشمل جميع الأحكام الشرعية، ومراد الآية هو الدلالة على كلّ شيء بنحو مجمل لا تفصيلي.
ولو دلّت هذه الآيات على المدّعى لدلّت على منع العمل بالسنّة غير القطعية والإجماع والاستصحاب وغيرها [١٦٧].
ولأجل ذلك ورد عن السيّد المرتضى قوله: «وليس يجوز أن يعتمد في إبطال القياس على ظواهر من الكتاب تقتضي إبطال القول بغير علم مثل قوله تعالى: «وَلاتَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ »، «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ». لأنّ من ذهب إلى القياس يسند قوله إلى علم، وهو دليل العبادة بالقياس، وإنّما يجعل الطريق إلى هذا العلم الظنّ»[١٦٨].
ومن هذا الباب كذلك ورد قول البيضاوي في تفسيره: «وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ». كاتّخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات وفيه دليل على المنع من اتّباع الظنّ رأساً، وأمّا اتّباع المجتهد لما أدّى إليه ظنّ مستند إلى مدرك شرعي فوجوبه قطعي، والظنّ في طريقه، كما بيّناه في الكتب الاُصولية»[١٦٩]. ومثله ورد عن أبي السعود[١٧٠].
ومصبّ النقاش هنا هو أنّ القياس يفيد الظنّ، لكن ليس كلّ ظنّ حجّة، بل الحجّة منه هو ما ورد عن الشارع دليل على اعتباره حجّة، وهو ممّا لم يثبت عند القائلين بعدم حجّيّته، بل يوردون أدلّة من السنّة على عدم حجّيّته[١٧١].
كما يورد البعض آيات اُخرى وردت عن النافين لحجّيّة القياس، ويورد النقاشات الواردة فيها كذلك[١٧٢].

ثانيا: من السنّة

قوله(ص): «تعمل هذه الأُمة برهة بالكتاب وبرهة بالسنّة وبرهة بالقياس، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا»[١٧٣].
وقوله(ص): «تفترق اُمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم فتنة قوم يقيسون الاُمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام»[١٧٤].
وقوله(ص): «فقاسوا ما لم يكن بما قد كان فضلوا وأضلّوا»[١٧٥]. وقد صرّحت هذه الروايات بمفردة القياس ولامت الاُمّة بعد ما تنبأت عملها به.
لكن ينقل وقوع النقاش والنزاع بين أهل الحديث وأصحاب الرأي آنذاك، إذ يقال: بأنّ تلك الفترة قد كثر وضع الحديث من قبل الطرفين، وسعى كلّ طرف لوضع ما يدعم رؤواه في هذا النزاع، ولذلك نجد الروايات الواردة عن أهل السنة في هذا المجال متعارضة في الموضوع ذاته، فبعضها مؤيّدة للقياس واُخرى مخالفة له. وإذا تساوت من حيث المرجحات فلا بدّ من تساقطها، وفقاً لمبادئ التعارض إذا لم نجد ما يجمع بينهما جمعاً معتبراً [١٧٦].
أمّا الروايات الواردة عن طرق الشيعة فكثيرة، نورد بعضها هنا:
عن أبي الحسن موسى عليه‏السلام في حديث قال: «ما لكم وللقياس، إنّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس»[١٧٧].
عن أبي عبد اللّه‏(ع): «إنّ السنّة لا تقاس، ألا ترى أنّ المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، يا أبان، إنّ السنّة إذا قيست محق الدين»[١٧٨].
عن عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن موسى عليه‏السلامعن القياس فقال: «وما لكم وللقياس إنّ اللّه‏ لا يسأل كيف أحلّ وكيف حرّم»[١٧٩].
عن أبي شيبة الخراساني قال: سمعت أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلاميقول: «إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلاّ بعداً، وإنّ دين اللّه‏ لا يصاب بالمقاييس»[١٨٠].
كما أورد البعض آثاراً اُخرى وردت عن طريق أهل السنة استدلّ بها على نفي القياس، وأورد النقاشات الواردة فيها [١٨١].

ثالثا: إجماع الصحابة

لقد ورد عن بعض نقل إجماع الصحابة على عدم العمل بالقياس، وذمّهم له[١٨٢]، مع أنّه لم يرد إنكار وردع لهذا الذمّ من واحد منهم ما يدلّ على انعقاد الإجماع على فساد القياس.
والنصوص التالية هي بعض ممّا ورد عن الصحابة في ذّم القياس والتحذير من العمل به:
منها: عن أبي بكر: «أيّ سماء تظلني وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب اللّه‏ برأيي (أي بالقياس)»[١٨٣].
ومنها: عن عمر أنّه قال: «إيّاكم وأصحاب الرأي، فإنّهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا»[١٨٤].
ومنها: عن علي عليه‏السلام: «لو كان الدين يؤخذ قياساً لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره»[١٨٥].
ومنها: عن ابن عبّاس أنّه قال: «يذهب قرّاؤكم وصلحاؤكم ويتخذ الناس رؤساء جهالاً يقيسون الاُمور برأيهم». وهناك الكثير غيرها [١٨٦].

رابعا: إجماع العترة

ورد عن مذهب أهل البيت والإمام الباقر(ع) والصادق(ع) إنكارهم للقياس، مع أنّ إجماع العترة حجّة عند بعض أهل السنة[١٨٧] ويمكن الاستدلال على وجود هذا الإجماع بما ورد من روايات من طرق أهل البيت تنكر حجّيّة القياس وتوبّخ العمل به[١٨٨].

خامسا: من المعقول

تمسّك نفاة حجّيّة القياس بعدّة وجوه واعتبارات عقلية لإبطال حجّيّة القياس:
منها: أنّ العمل بالقياس يقتضي اتّباع الأمارات، وهذا يستلزم وقوع الاختلاف دون شكّ مع أنّ الاختلاف ممّا نهى اللّه‏ عنه بقوله: «وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُـكُمْ»[١٨٩].
ومنها: باستقراء الأحكام يبدو منها أنّها لم تعتمد القياس، فمثلاً فرض الغسل من المني دون الرجيع مع أنّ الأخير أنتن منه، وجعل التراب طهوراً مع أنّه يزيد الإنسان وساخة، ومن قبيل: أوجب على الحائض قضاء الصوم دون الصلاة مع أنّ الصلاة أعظم من الصوم، ومن هذه الاُمور الكثير.
ومنها: أنّ التشريع حقّ اللّه‏ والقياس يوجب التشريع، وذلك تصرّف في حقّه.
ومنها: لا مدخلية للعقل في إدراك الأحكام بخلاف الاُمور الدنيوية[١٩٠].

الاعتراضات

ممّا نوقش في باب القياس هو ما يمكن أن يعترض به على القياس ممّا يبدو خللاً يمكن أن يقدح به القياس، فإنّ من المسلّم به كون القياس ليس بمطلقه حجّة حتّى على رأي القائلين به، ومن الطبيعي أنّ بعض القياسات قد لا يرتضيها الفقهاء القائلون به. من هنا سعى الاُصوليون لعنونة وبحث الاعتراضات التي يمكن أن ترد على إجراء القياس في مورد ما، فاختلفوا في عددها وأقسامها وصحّة بعضها [١٩١].

القياس مظهر لحكم اللّه‏ لا مثبته

ممّا طرح تحت عنوان القياس في كتب قدماء الاُصوليين هو كون المستنبط بواسطة القياس مظهراً لحكم اللّه‏ أو كاشفاً عنه لا أنّه مثبت ومؤسّس له؟ ولأجل ذلك لا يمكن أن يقال: بأنّه قول اللّه‏ أو قول رسوله ولا حكم اللّه‏؛ لأنّ حكم اللّه‏ يطلق على المنصوص فقط. برغم أنّه قد ورد عن البعض قولهم بأنّ القياس دين اللّه‏ ودين رسوله[١٩٢]. لكن ناقش مثل الآمدي في التعبير الأخير، وقال: إن اُريد من دين اللّه‏ ما تعبّدنا به من الأحكام فليس القياس كذلك، وإن اُريد به شرعيته فهو من الدين[١٩٣].

مجاري القياس المختلف فيها

هناك اختلاف بين اُصوليي أهل السنة في بعض مجاري القياس، وهي:

1 ـ ثبوت أو عدم ثبوت اللغة بالقياس

من الاُمور التي ناقشها الاُصوليون هي جواز أو عدم جواز القياس في اللغة، وذلك من قبيل: قياس اللائط على الزاني باعتبار اشتراكهما في الإيلاج في الفرج المحرّم أو قياس النبيذ على الخمر باعتبار إسكارهما، وذلك لأجل أن يجرى حدّ الزنا على اللائط وحدّ الخمر على شارب النبيذ، وقد انقسم الاُصوليون في هذا المجال إلى طوائف[١٩٤]، أهمّها الطائفة القائلة بالجواز والطائفة التي لا تجيز:
الاُولى: جواز القياس، ونسب إلى بعض أصحاب الشافعي[١٩٥]، واستدلّوا عليه بعدّة أدلّة:
1. كون الاسم دائر مدار الصفة وجوداً وعدماً فيصدق الاسم أينما صدق الوصف.
2. سمّت العرب الفرس والإنسان على أفراد كانت موجودة آنذاك، وهي تنطبق على ما هو موجود في هذا الزمان، وذلك قياساً لها على التي كانت في ذلك الزمان.
3. قوله تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِـى الأَبْصارِ»[١٩٦]. عام يشمل القياس في اللغة وفي غيرها [١٩٧].
الثانية: عدم جواز القياس في اللغة. وهذا الرأي ينقل عن أكثر اُصوليي أهل السنة، بل أكثر أئمة العربية أنّه غير جائز[١٩٨]، كما ينقل عن بعض الشيعة فقد ذهب الوحيد البهبهاني إلى أنّ القياس في اللغة غير جائز اتّفاقاً [١٩٩]. ويبدو أنّ عدم تعرّض اُصوليي الشيعة لهذا الموضوع باعتبار وجهة نظرهم المخالفة للقياس أصلاً.
وقد رفض القائلون بالمنع أدلّة القائلين بجواز القياس بأنّ الأسماء واللغات عموماً ليس من شأن الشرع، بل هي شأن عرفي لغوي[٢٠٠]، وأضاف البعض بأنّ اللغة سواء كانت توقيفية أو اصطلاحية لا طريق لنا إليها إلاّ النقل[٢٠١].
وفيما يخصّ الأدلّة التي أوردها القائلون بالجواز فقد ردّت بالنحو التالي:
إنّ دوران الاسم مع الوصف وجوداً وعدماً لا يدلّ على كون الوصف علّة للاسم، بل قد يكون أمارة، وبناء على رأيهم ينبغي قياس العنب على الخمر، لاشتراكهما في شدّة المعتصر.
وفيما يخصّ التسمية عند العرب، فإنّه منقوض بتسمية العرب للرجل الطويل نخلة والفرس الأسود أدهم، والملّون بالبياض والسواد أبلق، ومع ذلك لم يسمّوا الفرس والجمل لطوله نخلة، ولم يسمّوا الحيوانات الملّونة بالأبيض والأسود أبلق.
هذا مضافاً إلى أنّ العرب منذ البداية قد وضعت الأسماء أجناس عامّة ولم تضعها للموارد المعيّنة.
وفيما يخصّ الآية فإنّ عموم الاعتبار مرفوض، ولا يدخل القياس في اللغة فيه، وإذا صحّ القياس الشرعي فجل وجود إجماع على صحّة العمل به[٢٠٢].
والطوائف والأقوال الاُخرى الواردة في هذا المجال هي:
ـ جواز القياس لإثبات الحقيقة ولا يجوز لإثبات المجاز، وهو رأي محكي دون إسناد إلى شخص أو طائفة[٢٠٣].
ـ وجواز ثبوت اللغة بالقياس لكنّه لم يقع.
ـ وجواز ثبوت اللغة بالقياس في الأسماء اللغوية دون الشرعية.
ـ وجواز ثبوت اللغة في المعاني الحقيقية دون المجازية.
ـ وجواز القياس في غير أسماء اللّه‏[٢٠٤].
وأورد الزركشي بعض أدلّتها وتفاصيلها [٢٠٥].
وهي آراء ذهب إليها اُصوليو أهل السنة، أمّا الشيعة فلم نأثر لهم رأياً إلاّ نادراً، وفي هذا المضمار يقول الميرزا التبريزي بعد نقله هذه الأقوال: «هذه الأقوال مذكورة في الكتب لا يهمنا نقلها بعد بطلان أصل القياس في مذهبنا»[٢٠٦].

2 ـ القياس في الاُمور العقلية

من المسائل التي وقعت موضع نقاش عند اُصوليي أهل السنة هي مسألة ما إذا أمكن جريان القياس الفقهي في العقليات أو الاُمور العقلية.
قال الزركشي: «الأكثرون منّا ومن المعتزلة ـ كما قال الاُستاذ أبو منصور وغيره ـ على جريان القياس العقلي في العقليات، أي العلوم العقلية، كقولنا في مسألة الرؤية: اللّه‏ موجود وكلّ موجود مرئي، فيكون مرئياً»[٢٠٧].
ذهب فخر الدين الرازي إلى أنّ أكثر المتكلّمين ذهبوا الى صحّة القياس في العقليات، واستدلّ على صحّته باُمور من قبيل: إذا قامت الدلالة على أنّ المؤثّر في الحکم هو الوصف الفلاني، وقامت دلالة على أنّ هذا الوصف حاصل في الفرع لزم القطع بالحكم في الفرع، وذلك فيما إذا ثبت أنّ الوصف علّة في الحكم، طبقاً للطرق التي ذكرها المتكلّمون في إثبات علّية شيء لآخر[٢٠٨].
وقد مثّل الغزالي على الموضوع بأن نقول: صانع العالم (وهو اللّه‏ تعالى) جسم؛ لأنّه فاعل، وكلّ فاعل جسم قياساً على صانعي الأشياء الاُخرى، من حيث كونهم أجساماً. أو من قبيل: كون اللّه‏ مرئياً أو مسموعاً؛ لأنّه موجود وكلّ موجود مسموع ومرئي، ثُمّ استدلّ على بطلانه في هذه الاُمور بعدّة أدلّة عقلية من قبيل: كونه ظنّياً وغير يقيني وأنّ الحكم إذا ثبت في شيء فلا دليل على ثبوته في شيء آخر؛ باعتبار المغايرة بينهما، وإذا ادّعي المماثلة المطلقة بينهما فتنفى المماثلة أصلاً ولا وجود للماثلة في الأعيان أصلاً، ولو جازت المماثلة لجاز وجود سوادين في محلّ واحد، ولجاز أن يقال في كلّ شخص: إنّه شخصان، بل عشرة أشخاص[٢٠٩].
والموضوع من المواضيع الكلامية، ولذلك نجد عدداً قليلاً من الاُصوليين تعرّض له وخاصّة الشيعة منهم. ويسمّى قياس الغائب على الشاهد[٢١٠].

3 ـ القياس في الأسباب

والمراد من القياس في الأسباب هو أن يثبت وصف ما سبباً لحكم فيقاس عليه وصف آخر، فيحكم عليه بكونه سبباً كذلك، وهو من قبيل: اعتبار الزنا سبباً للحدّ، فيقاس عليه اللواط في كونه سبباً للحدّ.
ذهب المشهور[٢١١] إلى منع القياس في الأسباب واستدلّوا على رأيهم بأنّ الحكمة المتوافرة في المقيس عليه التي كانت سبباً في الحكم غير متوافرة في الوصف الآخر، أو لا يقين لنا بتوافرها فيه؛ لكون الحكمة مجهولة وغير مضبوطة عندنا في المقيس عليه، مع أنّ الوصفين متغايران في المقيس والمقيس عليه؛ لكون معنى القياس هو الاشتراك في العلّة، وهو أمر لا نعلم ثبوته هنا.
واستدلّ الموافقون على القياس في الأسباب بأنّ القياس في الأسباب قد ثبت شرعاً، وهو من قبيل قياس المثقل على المحدد من حيث كونه سبباً للقصاص، وكذلك قياس اللواطة على الزنا في كونها سبباً للحدّ. ذهب إليه أبو الوفاء الحنبلي ونسبه إلى أصحاب الشافعي[٢١٢].
وردّ هذا الاستدلال بأنّ الأمثلة المزبورة خارجة عن محلّ النزاع؛ لكون السبب فيها متّحداً، والنزاع فيما إذا كان السبب في الأصل يغاير السبب في الفرع، ففي المثقل والمحدّد السبب واحد وهو القتل العمد والعدوان، والعلّة الزجر لحفظ النفس. وفي الزنا واللواطة السبب إيلاج فرج في فرج محرّم شرعاً، والعلّة هي الزجر لحفظ الأنساب[٢١٣].

4 ـ القياس في الكفّارات والحدود

اختلفوا أيضاً في جريان القياس في الحدود والكفّارات. فقد ذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز جريان القياس فيهما، بينما ذهب الشافعي إلى جواز جريانه فيهما [٢١٤] وينسب الباجي القول بجريان القياس هنا إلى عامّة أصحابه المالكيين وعامّة الشافعيين[٢١٥].
استدلّ الحنفية على رأيهم بأنّ الحدود والكفّارات تشتمل على أرقام توقيفية لا يمكن للعقل إدراك حكمتها، فالتعقّل فرع إدراك الحكمة، وهو منتفٍ هنا. وعليه، احتمال الخطأ في القياس هنا حاصل.
وردّ هذا بأنّه لا يُراد من القياس هنا مطلقه، بل القياس فيما يعقل لا ما لا يعقل، ولا خصوصية للكفّارات والحدود في ذلك. واحتمال الخطأ موجود دائماً إذا ثبتت الحكمة أو العلّة بمثل خبر الواحد؛ باعتباره ظنّياً وليس يقيناً، ولا يكشف عن العلّة بنحو اليقين، ما يعني وجود احتمال الخطأ.
واستدلّ القائلون بجريان القياس هنا باُمور:
أوّلاً: إنّ الأدلّة الدالّة على حجّيّة القياس شاملة له في هذه الحالة كذلك، وهي غير مقيّدة.
ثانياً: إنّ الصحابة حدّوا في الخمر بالقياس، وأنّه قد اُجري على شارب الخمر حدّ الافتراء؛ باعتبار أنّ الذي يشرب يسكر والذي يسكر يهذي، والذي يهذي يفتري. ورووا هذا عن الإمام علي عليه‏السلام، ويورد الرازي عن الشافعي عدّة موارد من هذا القبيل تمّ القياس فيها [٢١٦]، وكذلك فعل الزركشي[٢١٧].
ثالثاً: كون القياس يجري في غير الكفّارات والحدود لما يفيد من ظنّ، والظنّ حاصل في الحدود والكفّارات كذلك، فلا داعي لاستثنائهما عن القياس.
رابعاً: الأحكام متماثلة فإذا ثبتت بالقياس في موارد فتثبت به في الموارد الاُخرى كذلك[٢١٨].
أمّا الغزالي فقد اعتبر الذي يجري في الحدود والكفّارات هو ليس قياساً، بل تنقيحاً للمناط[٢١٩].

5 ـ القياس في موارد اُخرى

تناول الزركشي وغيره تفاصيل في مجال إجراء القياس في موارد اُخرى موضع اختلاف، وهي من قبيل: القياس في مثل الرخص، أي ما رخّص بفعله أو تركه شرعاً وأحداث الطهارة والجوابر في بعض أعمال الحجّ. وهي لبحث فقهي أقرب منه إلى بحث اُصولي لكونها بحوثاً في قضايا جزئية، وهكذا فعل بعضهم مثل النووي[٢٢٠].

التعارض بين الأقيسة

شأن القياس شأن باقي الأدلة العقلية والنقلية من حيث إمكانية أن تتعارض بعضها مع الآخر، بل قد يكون التعارض الحاصل بين الأقيسة أكثر؛ باعتبارها تخضع للفكر الإنساني وتصوّرات المجتهد[٢٢١]. وفي هذا المجال وردت عدّة أقوال، كما أورد أصوليو أهل السنة المرجّحات التي من خلالها يمكن ترجيح قياس على آخر. [٢٢٢].

= الهوامش

  1. . ترتيب جمهرة اللغة 3: 192، مادّة: «قيس».
  2. . كتاب مجمل اللغة: 583، مادّة: «قيس».
  3. . لسان العرب 3: 3365، مادّة: «قيس».
  4. . القاموس المحيط: 526، مادّة: «قيس».
  5. . المنطق المظفر 1 ـ 3: 201.
  6. . اُسس المنطق الشنيطي: 89.
  7. . اُنظر: المنطق المظفر 1 ـ 3: 266، واُصول الفقه (المظفر) 3 ـ 4: 188 ـ 193.
  8. . اُنظر: القياس أصلاً من اُصول الفقه: 47.
  9. . أساس القياس: 33 ـ 34 و103.
  10. . المصدر السابق: 104.
  11. . نبراس العقول: 14.
  12. . امتاع أهل العقول 1: 346.
  13. . التلخيص الجويني 3: 145، المنخول: 324، المحصول 2: 237، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 170.
  14. . المحصول 2: 239، المعتمد في اُصول الفقه 2: 443.
  15. . المحصول 2: 239.
  16. . معارج الاُصول: 182 ـ 183.
  17. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 166.
  18. . معالم الدين نجل الشهيد الثاني : 244.
  19. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 180.
  20. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 291.
  21. . ميزان الاُصول 2: 794.
  22. . الذريعة المرتضى 2: 669، العدّة (الطوسي) 2: 647.
  23. . معالم الدين الشهيد الثاني: 226.
  24. . اللمع: 198.
  25. . زبدة الاُصول البهائي: 107.
  26. . المستصفى: 2: 107.
  27. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 91.
  28. . التقريب بين القواعد الاُصولية: 159.
  29. . اُنظر: مباحث العلّة في القياس: 24 ـ 39.
  30. . البحر المحيط 5: 11، القياس أصلاً من اُصول الفقه: 182 ـ 186.
  31. . الرسالة: 477.
  32. . القياس حقيقته وحجّيّته: 43 ـ 54.
  33. . فتح الباري 13: 253.
  34. . الفصول في الاُصول 4: 68.
  35. . المعتمد في اُصول الفقه 2: 216، نهاية السول البيضاوي 4: 17، نبراس العقول: 93.
  36. . أحكام الفصول الباجي: 531.
  37. . الذريعة المرتضى 2: 710 و 778، العدّة (الطوسي) 2: 713، المستصفى 2: 115 ـ 116.
  38. . الذريعة المرتضى 2: 710.
  39. . المعتمد في اُصول الفقه 2: 216.
  40. . القياس حقيقته وحجّيّته: 102 ـ 103.
  41. . القياس أصلاً من اُصول الفقه: 44 ـ 45.
  42. . مقدّمة ابن خلدون: 420.
  43. . تاريخ بغداد 13: 394 ـ 451.
  44. . اُنظر: وسائل الشيعة 27: 35 ـ 62، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 6، عدم جواز القضاء والحکم بالرأي والاجتهاد والمقاييس.
  45. . البحر المحيط 5: 17.
  46. . فتح الباري 13: 252.
  47. . المسودة: 360 ـ 361، واُنظر: المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 2: 208 ـ 209.
  48. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 187.
  49. . المحصول الرازي 2: 243 ـ 244، نبراس العقول: 218 ـ 223.
  50. . الجامع لجوامع العلوم النراقي: 94، اُصول الفقه (المظفر) 3 ـ 4: 188، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 193، المستصفى 2: 106 و169.
  51. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 173.
  52. . اُنظر: المستصفى 2: 170 ـ 171، واُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 173 ـ 178، اُصول الفقه الإسلامي (عبد العزيز): 351 ـ 355.
  53. . امتاع أهل العقول 1: 357.
  54. . المستصفى 2: 176 ـ 177، اُصول الفقه الإسلامي عبد العزيز: 359 ـ 363.
  55. . المستصفى 2: 175 ـ 176، اُصول الفقه الإسلامي عبد العزيز: 357 ـ 358.
  56. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 219، امتاع أهل العقول 1: 363 ـ 364.
  57. . اُنظر: نهاية السول البيضاوي 4: 53 فما بعدها، البحر المحيط 5: 132 فما بعدها، أنيس المجتهدين: 492 فما بعدها، نبراس العقول: 224 فما بعدها.
  58. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 396، حقائق الاُصول (الحكيم) 2: 601، نهاية الوصول (الحلّي) 5: 167، المستصفى 2: 199.
  59. . كفاية الاُصول: 464، درر الفوائد الحائري 1 ـ 2: 691، مصباح الاُصول 3: 434.
  60. . الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد: 9، دروس في علم الاُصول 1: 62.
  61. . أنوار الاُصول 3: 534.
  62. . الرسالة: 477.
  63. . اُنظر: البحر المحيط 5: 14، القياس أصلاً من اُصول الفقه: 182 ـ 186.
  64. . اُنظر: وسائل الشيعة 27: 35 ـ 62، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 6، عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس.
  65. . التحبير شرح التحرير 8: 3739.
  66. . قواطع الأدلّة 4: 7.
  67. . المصدر السابق.
  68. . رسائل الشريف المرتضي 2: 262.
  69. . وهو تعريف متصيّد من المصادر التالية: اُصول السرخسي 1: 241، المستصفى 2: 150، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 193.
  70. . مقدّمة اُصول الاستنباط: 7، دروس في علم الاُصول 1: 62.
  71. . أساس القياس: 105 ـ 106.
  72. . الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 192.
  73. . تمكين الباحث من الحكم بالنصّ: 23.
  74. . المحصول 2: 265.
  75. . ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان: 4.
  76. . كتاب الحدود في الاُصول: 64.
  77. . منتهى الدراية المروج 10: 506.
  78. . نهاية النهاية 2: 54.
  79. . الجامع لجوامع العلوم النراقي: 97، أنوار الاُصول 2: 484، البحر المحيط 5: 63.
  80. . اُنظر: الجامع لجوامع العلوم النراقي: 97، جواهر الكلام 7: 404، اثنا عشر رسالة (المحقّق الداماد): 16.
  81. . مذكرة اُصول الفقه: 249.
  82. . أنوار الاُصول 2: 484، التحبير شرح التحرير 6: 2683، المحصول الرازي 2: 246، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 148، المنخول: 334.
  83. . مذكرة اُصول الفقه: 250 ـ 252.
  84. . القياس في الشرع الإسلامي: 3 ـ 4.
  85. . الإسراء: 23
  86. . هداية المسترشدين 2: 420، اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 202 ـ 204، الفصول في الاُصول (الجصاص) 4: 100، اللمع: 104، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 529، معالم الدين (الشهيد الثاني): 230.
  87. . اُصول السرخسي 1: 241 ـ 243، امتاع أهل العقول 1: 390.
  88. . البحر المحيط 4: 10.
  89. . الحدائق الناضرة 1: 60، و 3: 7، جواهر الكلام 6: 291، هداية المسترشدين 2: 420.
  90. . حواشي الشرواني 6: 258، بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1: 166، الفتاوى الكبري ابن تيمية 1: 130 و 336 و 6: 452.
  91. . النساء: 10.
  92. . امتاع أهل العقول 1: 398 ـ 390، اُصول الفقه عبد العزيز: 440.
  93. . البحر المحيط 5: 40.
  94. . الرسالة: 479، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 271، واُنظر: المنخول: 378 ـ 379، المستصفى 2: 159، اللمع: 209، الإحكام (ابن حزم) 5 ـ 8: 402، المنخول: 333.
  95. . البحر المحيط 5: 36
  96. . المنخول: 333.
  97. . المحصول 1: 437.
  98. . امتاع أهل العقول 1: 391، الفصول في الاُصول الجصاص 4: 100، اُصول الفقه الإسلامي (عبد العزيز): 440 ـ 441.
  99. . الإحكام الآمدي 3 ـ 24: 270 ، أنيس المجتهدين 1 : 438 ، المأمول بشرح نظم الورقات : 204 ـ 205 ، اُصول الفقه الإسلامي (عبد العزيز): 441.
  100. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 271، اُصول الفقه الإسلامي (عبد العزيز): 443.
  101. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 270، المستصفى 2: 151.
  102. . اُنظر: تهذيب الوصول إلى علم الاُصول: 247 ـ 248، أنيس المجتهدين 1: 453.
  103. . المسودة: 350، اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 202، اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 95.
  104. . المسودة: 351.
  105. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 92 ـ 93.
  106. . الفصول المهمّة في اُصول الأئمة 1: 531.
  107. . اُنظر: الذريعة 2: 675 ـ 680، العدّة الطوسي 2: 650 ـ 692، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 287 ـ 312، المحصول (الرازي) 5: 22 ـ 25، البحر المحيط 5: 16 ـ 20.
  108. . اُنظر: البحر المحيط 5: 28 و 63 ـ 64، جواهر الكلام 7: 404، اثنا عشر رسالة المحقّق الداماد: 16، الجامع لجوامع العلوم (النراقي): 97.
  109. . اُنظر: إحكام الفصول الباجي: 531 ـ 547، القياس حقيقته وحجّيّته: 222 ـ 233، اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 92 ـ 94.
  110. . القياس حقيقته وحجّيّته: 448 ـ 449.
  111. . الحشر: 2.
  112. . المحصول 2: 246 ـ 247، واُنظر: إحكام الاُصول الباجي: 553 ـ 554.
  113. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 290 ـ 291، الفصول الغروية: 383.
  114. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 126 ـ 128.
  115. . آل عمران: 13.
  116. . اُصول السرخسي 2: 125.
  117. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 126.
  118. . النساء: 83.
  119. . اُصول السرخسي 2: 128.
  120. . النساء: 59.
  121. . اُصول السرخسي 2: 129، الفصول في الاُصول الجصاص 4: 29.
  122. . الأنبياء: 7.
  123. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 122 ـ 124.
  124. . الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 419.
  125. . يس: 78 ـ 79.
  126. . اُنظر: الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 370 ـ 966، اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 128 ـ 132.
  127. . سنن أبي داوود 2: 162.
  128. . الرسالة: 477.
  129. . الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 417.
  130. . الذريعة المرتضى 2: 776.
  131. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 133 ـ 137، القياس حقيقته وحجّيّته: 72 ـ 75.
  132. . سنن ابن ماجة، 2: 971.
  133. . اُصول السرخسي 2: 130.
  134. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 138 ـ 140.
  135. . سنن أبي داوود 2: 311.
  136. . اُصول السرخسي 2: 130.
  137. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 140 ـ 141.
  138. . المصدر السابق: 142 ـ 143.
  139. . اُنظر: المحصول الرازي 2: 434، غاية المأمول في شرح ورقات الاُصول: 294 ـ 297، اُصول الفقه (عبد العزيز) 1: 338 ـ 340.
  140. . اُنظر: الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 409 ـ 420، اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 141 ـ 143.
  141. . اُنظر: الإحكام الآمدي 4: 308 ـ 309.
  142. . القياس في الشرع الإسلامي: 4.
  143. . المحصول 2: 262، المعتمد في اُصول الفقه 2: 216، نهاية السول البيضاوي 4: 17، نبراس العقول: 93.
  144. . سنن الدارمي 1: 47.
  145. . المصدر السابق: 65.
  146. . المصدر السابق.
  147. . المصدر السابق.
  148. . اُنظر: اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 158 ـ 159.
  149. . وسائل الشيعة 27: 41، أبواب صفات القاضي وما يقضي به، الباب 6، الحديث 10.
  150. . وسائل الشيعة 27: 43، أبواب صفات القاضي وما يقضي به، الباب 6، الحديث 15.
  151. . المصدر السابق: 43، أبواب صفات القاضي وما يقضي به، الباب 6، الحديث 18.
  152. . اُنظر: وسائل الشيعة 27: 44 ـ 45، أبواب صفات القاضي وما يقضي به، الباب 6.
  153. . البحر المحيط 5: 25، اُصول الفقه عبد العزيز: 340 ـ 342.
  154. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 147 ـ 14.
  155. . اُنظر: القياس حقيقته وحجّيّته: 350 ـ 352.
  156. . المحصول 2: 288.
  157. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه: 148 150، واُنظر: القياس حقيقته وحجّيّته: 352 ـ 353.
  158. . اُنظر: القياس حقيقته وحجّيّته: 353 ـ 354 و 420 ـ 429.
  159. . الحجرات: 1.
  160. . البقرة: 169، الأعراف: 33.
  161. . الإسراء: 36.
  162. . المائدة: 49.
  163. . الأنعام: 59.
  164. . الأنعام: 38.
  165. . يونس: 36، النجم: 28.
  166. . اُنظر : المحصول 2 : 290 ـ 291 ، القياس حقيقته وحجّيّته : 431 ـ 432.
  167. . القياس حقيقته وحجّيّته: 433 ـ 435.
  168. . الذريعة المرتضى 2: 698.
  169. . تفسير البيضاوي 1: 446.
  170. . تفسير أبي السعود 1: 188.
  171. . بحوث في الفقه المعاصر 3: 308 ـ 310.
  172. . اُنظر: أحكام الاُصول الباجي: 603 ـ 608.
  173. . المستصفى 2: 127، المحصول الرازي 5: 104.
  174. . المستدرك النيسابوري 4: 477.
  175. . اُصول السرخسي 2: 120.
  176. . اُنظر: المحصول 2: 291، القياس حقيقته وحجّيّته: 435.
  177. . وسائل الشيعة 27: 38، أبواب صفات القاضي وما يقتضي به، الباب 6، ح 3.
  178. . المصدر السابق: 43، أبواب صفات القاضي وما يقتضي به، الباب 6، ح 10.
  179. . المصدر السابق: 43، أبواب صفات القاضي وما يقتضي به، الباب 6، ح 15.
  180. . المصدر السابق: 43، أبواب صفات القاضي وما يقتضي به، الباب 6، ح 18.
  181. . أحكام الاُصول الباجي: 608 ـ 616.
  182. . اُنظر: المحصول الرازي 2: 292.
  183. . شعب الإيمان البيهقي 2: 424.
  184. . كنز العمال 10: 269.
  185. . سنن أبي داوود 1: 44.
  186. . الذريعة المرتضى 2: 736 ـ 738، العدّة (الطوسي) 2: 689 ـ 690، الفصول في الاُصول (الجصاص) 4: 65، المستصفى 2: 118 ـ 119.
  187. . اُنظر: المحصول الرازي 2: 292، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 206، المستصفى 1: 219، منتهى الوصول: 57، شفاء غليل السائل: 85.
  188. . اُنظر: وسائل الشيعة ج 27 باب صفات القاضي.
  189. . الأنفال: 46.
  190. . المحصول 2: 292 ـ 294.
  191. . اُنظر: المحصول 2: 290 ـ 294، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 324، إرشاد الفحول 2: 194.
  192. . البحر المحيط 5: 14.
  193. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 323.
  194. . أوثق الوسائل: 104.
  195. . ميزان الاُصول 2: 911.
  196. . الحشر: 2.
  197. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 52، الواضح في اُصول الفقه 3: 51.
  198. . نبراس العقول: 204.
  199. . مصابيح الظلام 3: 193، و 4: 314.
  200. . البحر المحيط 2: 25.
  201. . إرشاد الفحول 1: 97.
  202. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 50 ـ 53.
  203. . نبراس العقول: 204.
  204. . أوثق الوسائل: 104.
  205. . البحر المحيط 2: 25 ـ 27.
  206. . أوثق الوسائل: 104.
  207. . البحر المحيط 5: 63.
  208. . المحصول الرازي 2: 414 ـ 416.
  209. . اُنظر: أساس القياس: 13 ـ 31.
  210. . نبراس العقول: 215.
  211. . المحصول 2: 421 ـ 422.
  212. . الواضح في اُصول الفقه 3: 51.
  213. . اُنظر: البحر المحيط 5: 66 ـ 70، إرشاد الفحول 2: 192.
  214. . المحصول 2: 424.
  215. . اُنظر: إحكام الفصول الباجي: 632 ـ 633.
  216. . المحصول 2: 224.
  217. . البحر المحيط 5: 53 ـ 54.
  218. . اُنظر : إرشاد الفحول 2 : 193 ، الجامع لجوامع العلوم النراقي : 127 ـ 129.
  219. . المستصفى 2: 109، واُنظر: البحر المحيط 5: 56
  220. . اُنظر: البحر المحيط 5: 51 ـ 62، المجموع النووي 11: 25 ـ 26 و80 ـ 81، حواشي الشرواني 1: 334 و 4: 274، 6: 108، المسودة: 357 ـ 358.
  221. التعارض والترجيح عند الاُصوليين: 380 ـ 381
  222. اُنظر: روضة الناضر: 208، البرهان 2: 205 ـ 246، ميزان الاُصول 2: 1028 ـ 1031