الفروع المتّفق عليها

من ویکي‌وحدت

الفروع المتّفق عليها الفروع التي اتّفق عليها الفريقان السنّي والشيعي على نحو القاسم المشترك والجهة العامّة، وإن حصل وجود اختلاف في الفروع الفقهية ممّا قد تكون أكثر من الاتّفاق فيما بينهما، إلّاأنّها تؤوّل إلى التفريعات، وليست إلى الفرعيات العامّة، ومثالها :

الفروع المتفقه بین اهل السنّه و الشیعه

وحدة الصلاة

في قوله تعالى : (وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ) (سورة البقرة : 43). وإنّ تعداد الفرائض ممّا اتّفق عليه جمهور المسلمين، فصلاة الصبح ركعتين، وصلاة الظهرين ثمان ركعات، وللمغرب ثلاث ركعات، وللعشاء أربع ركعات.

الرجوع إلى قبلة واحدة

حيث تعمّ جميع المسلمين، كما ورد في قوله تعالى : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا) (سورة البقرة : 144). وقد ألزم جميع المسلمين أن يتوجّهوا إلى القبلة في الصلاة، فمن كان في البيت يكون توجّهه إلى عين الكعبة، ومن كان خارجاً عنها تكفي الجهة.

الصوم

وهو أن يصوم جميع المسلمين شهراً واحداً، وقد أناطه الكتاب في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (سورة البقرة : 185)، وقوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضٰانَ اَلَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ اَلْقُرْآنُ) (سورة البقرة : 85)، فتجد عامّة المسلمين تصوم الشهر، ولا يختلف فيه اثنان، ويكون ذلك من موارد ممّا اتّفق عليه.

الزكاة

فقد أوجب الشارع المقدّس الزكاة، وذلك لما ورد في قوله تعالى : (وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ) (سورة البقرة :43)، فقد أُخذ الحكم على نحو القضية الحقيقية للموجودين وللمعدومين ولكافّة المسلمين.

الحجّ

وهذا ما تدلّ عليه الآية الكريمة : (وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (سورة آل عمران : 97)، فإنّ الحكم عامّ لكافّة المسلمين إذا حصل كلّ مكلّف على الزاد والراحلة والقدرة فيجب عليه الحجّ،
أمّا خصوصيات الحجّ من حيث فروعه فموكول إلى المذاهب وإن كانت من حيث الأركان فيه واحدة، كالوقوف بعرفات، والوقوف في المشعر، والمبيت في ليالي التشريق في منى، وأداء مناسكها من الرمي والحلق أو التقصير، فجميع المسلمين يؤدّون هذه المناسك من غير اختلاف.

المعاملات

فإنّها ترتبط بالتعاقد فيما بين فرد وفرد أو بين مجتمع ومجتمع آخر أو بين فرد ومجتمع أو بالعكس
وقد دلّت عليه النصوص القرآنية كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (سورة المائدة : 1). والعقد اسم جنس لما يقع على المعاملة البيعية أو النكاح كما في قوله تعالىٰ : (وَ لاٰ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ اَلنِّكٰاحِ) (سورة البقرة : 235). ويطلق العقد على الأيمان، وذلك في قوله تعالى : (بِمٰا عَقَّدْتُمُ اَلْأَيْمٰانَ) (سورة المائدة : 89)، وعليه يكون مفاد التعاقد ممّا جرى عليه البناء العقلائي في الالتزام به وترتّب الأثر عليه،
وهو من الأُمور المتّفق عليها عند جميع الملل والأديان.

الالتزام بالمعاهدات

وذلك يستدلّ عليه بقوله تعالى : (وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ اَلْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلاً ) (سورة الإسراء : 34). وإنّ مفاد العهد الموثّق الذي يلزم مراعاته عهداً. وذكر الراغب الأصفهاني : أنّ العهد : حفظ الشيء ومراعاته، وينعقد العهد فيما بين الطرفين. وقد ورد عن علي عليه السلام، عنه صلى الله عليه و آله : «لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده».
ويتّضح أنّ المعاهدة ممّا توجب الالتزام، ولا يجوز نقضها، كما في قوله تعالى : (أَ وَ كُلَّمٰا عٰاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) (سورة البقرة : 100)، وإن كان هناك اتّجاه باختصاص المعاهدة بمن يدخل من الكفّار عهد المسلمين وكذلك ذو العهد بما ورد في الحديث عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله : «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعىٰ بذمّتهم أدناهم... وهم يدٌ على مَن سواهم. لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده»،
فإذا أخذنا المعاهدة بما لها من الحكم العامّ فمورد الاتّفاق فيما بين المسلمين، وإن حصل الاختلاف ففي القيود من حيث الأجزاء والشرائط وملاحظة الموانع.

الطلاق

وهو من الأُمور الإيقاعية التي تتحقّق من طرف واحد، ورد : «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، وهو قانون عامّ فيما بين المسلمين، يثبت بصيغة خاصّة
كلفظ : زوجتي طالق، ونحوه. وأصل الطلاق من التخلية من الوثاق، قال تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (سورة الطلاق : 1)، وقوله تعالى : (وَ اَلْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) (سورة البقرة : 228)، وقوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلاٰ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) (سورة البقرة : 23)، وقوله تعالى : (اَلطَّلاٰقُ مَرَّتٰانِ) (سورة البقرة : 229)، وقوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا) (سورة البقرة : 230). كلّ ذلك ممّا يثبت أنّ الحكم في ناحية الطلاق أمر تشريعي قائم فيما بين الزوجين،
واختلاف الفقهاء في بعض الموارد لا يوجب ذلك خروجاً عن وجود التقاء فيما بين الطرفين، فإنّ الإمامية تشترط إجراء الطلاق بشاهدين عادلين على نحو الشرط الواقعي،
في حين يرى فقهاء السنّة عدم الاشتراط، وإنّما يرون اشتراط الإشهاد في الزواج دون الطلاق، ولكن إذا لاحظنا كبروية الطلاق بما أنّه مشروع لرفع العسر والحرج عن المرأة والرجل فإنّ ذلك يحقّق حالة رفع المشكلة الاجتماعية الأُسرية،
ويكشف ذلك عن البعد الفكري الذي منحه الإسلام لكلّ من الزوجين في تخلية سربهما والرجوع إلى الحرّية في تشكيل بناء أُسرة جديدة تشملها الرحمة والمحبّة، وهذا بخلاف بعض الأديان التي تحتكر حرّية المرأة تحت مظلّة إرادة الرجل، فلا يمكنها الانطلاق إلّابظروف حرجة.

الميراث

فهو حكم قانوني عامّ قد نصّ على مشروعيته القرآن الكريم من فريدة قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ) (سورة النساء : 11)،
و : (فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثٰا مٰا تَرَكَ وَ إِنْ كٰانَتْ وٰاحِدَةً فَلَهَا اَلنِّصْفُ وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ اَلثُّلُثُ فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ اَلسُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ لاٰ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً) (سورة النساء : 11)،
وقوله تعالى : (وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ اَلرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاٰلَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي اَلثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضٰارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (سورة النساء : 12).
فإنّ مثل هذا النصّ القرآني دالّ على مشروعية الميراث فيما بين الطبقة الأُولىٰ والثانية والثالثة، وهذا مورد اتّفاق فيما بين المسلمين، وبذلك لا بدّ من الالتزام بمثل هذه المقرّرات القانونية الشرعية العامّة.
وأمّا الاختلاف في بعض موارد الميراث مثل التعصيب الذي سار عليه الفقه السنّي فإنّ ذلك لا يؤثّر في القاعدة الكلّية في الميراث الذي هو مورد اتّفاق الجميع.
ومن خلال هذا العرض نتوصّل إلى نتيجة التقريب في ناحية الفروع بالإرجاع إلى الضوابط العامّة والأُصول الكلّية التي هي مورد اتّفاق الجميع،
ولكن ذلك لا يوجب أن يترك المذهب خصوصياته، سواء كانت في الجانب الأُصولي أم الفرعي الفقهي إذا بُني على أُصول موضوعة وقواعد محكمة بحيث تخضع للقواعد العلمية الصحيحة.