العالمية

من ویکي‌وحدت

العالمية يبدو ولأوّل وهلة أنّ «العالمية» الإسلامية تعني من الناحية الواقعية : أن تكون الرسالة في خطابها ومضمونها العقائدي والاجتماعي والسياسي مضموناً لا يخصّ جماعة من الناس دون أُخرى، ولا منطقة من الأرض دون غيرها، وهذا ما تكفّلت به العقيدة الإلهية والشريعة الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه و آله.
والعالمية هي : تعبير أيضاً عن مرحلة تكاملية نظرية وعملية في مسير الرسالة الإلهية، وكانت تمثّل هذه «المرحلة» الهدف الأسمى لمسيرة الرسالات الإلهية، وقد بشّرت الرسالات الإلهية بهذه المرحلة التكاملية في آخر مسيرة هذه الرسالات
(اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ اَلرَّسُولَ اَلنَّبِيَّ اَلْأُمِّيَّ اَلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ اَلطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اَلْخَبٰائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ اَلْأَغْلاٰلَ اَلَّتِي كٰانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اِتَّبَعُوا اَلنُّورَ اَلَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) (سورة الأعراف : 157).
فالعالمية في مضمونها الإسلامي الخاصّ تعبير عن مرحلة تاريخية خارجية جديدة وصلت فيها مسيرة الرسالات الإلهية إلى تجسيد العالمية نظرياً وعملياً، وقد واكب هذا التطوّر في المسيرة منهاج وتفصيل تشريعي، يُلبّي متطلّبات هذه المرحلة، ويفي بحاجاتها، ويحقّق أهدافها.
وبنود تحقيق العالمية في الوسط الإسلامي تتجلّىٰ أوّلاً في الفكر والثقافة والواقع في المجالات الثلاثة الآتية :
أوّلاً : وصل ماضي الأُمّة بحاضرها، والتخلّي عن أحقاد التاريخ السابق، وترك استمرار عقدة الخلاف في صفوف الجماعة، وإطفاء نيران الخلاف، والبعد عن إشاعتها أو تلقينها للناشئة، ولأنّ كلّ خطوة نحو الوحدة والتقارب والتقدّم والوقوف صفّاً واحداً أمام تحدّيات الأعداء والمخاطر المشتركة إنّما تبدأ من واقع الحاضر، لا من أخطاء وموروثات الماضي، فكلّ إنسان أو فئة يسأل أو يحاكم على ما قدّم من خير أو شرّ.
ثانياً : ألّاينحاز العالم الإسلامي بجميع شعوبه وحكّامه في جانب من جوانب السياسة والاقتصاد والاجتماع ونحو ذلك نحو اتّجاه معيّن يغاير اتّجاه الإسلام وشرعه ومنطلقاته، ويتنافىٰ مع المصلحة الإسلامية العليا،
ويعدّ خرق هذا الاتّجاه إمّا خيانة للّٰه‌والرسول ولمصالح الأُمّة جمعاء، وإمّا عصبية مذهبية أو طائفية بغيضة تلتقي مع العصبية الجاهلية في نتائجها وثمراتها وإن خالفتها في دوافعها وأسبابها.
ثالثاً : أن تتقارب الطوائف الإسلامية، بحيث تدرس بتجرّد وموضوعية وإنصاف ما لدى الطائفة الأُخرى
لأنّ الإسلام كلٌّ لا يتجزّأ، ولأنّ إزالة النعرة غير الطبيعية التي خلّفتها أحداث التاريخ ضرورة حتمية. وإذا تعذّر الوفاق على بعض الجزئيات فتترك لكلّ جانب أو طائفة،
على ألّاتعكّر صفو العلاقات الأخوية الإسلامية الصافية غير المتأثّرة بحزازات الماضي وآلامه ومآسيه،
أي: أنّ الخطأ يجب ألّايستمرّ، وألّا يعوق تحقيق اللقاء المشترك أو الاتّحاد أو الوحدة، ولأنّ محو الفروق الطائفية يجب أن يكون غاية مقصودة في ذاتها ؛ لأنّ أسباب الخلاف قد زالت، ومن الخطأ التمسّك بالاختلاف الطائفي مع زوال أسبابه وعدم الجدوى في إثارته، على حدّ تعبير الإمام محمّد أبي زهرة.
هذا، والدين يكون عالمياً بعدم اختصاصه بجنس من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقه في إقليم خاصّ أو بيئة معيّنة.
ويكون غالباً بامتداد هدايته أزماناً طويلة تتجاوز العصر الذي بدأت فيه، بمعنى : أن يكون الدين صالحاً لكلّ جنس، ولكلّ جيل، ولكلّ زمان ومكان.
وبمعنى آخر : يكون الدين عالمياً إذا كان شريعة الإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن العوامل والفوارق العارضة التي لا تدخل في ماهية الإنسان كإنسان، وبدون ذلك لا يتحقّق معنى العالمية في أيّ دين.
أمّا الخصائص التي يجب أن يشتمل عليها الدين ليكون عالمياً وصالحاً لكلّ زمان ومكان فهي ثلاث :
أوّلها : إيفاؤه بحاجة الإنسانية جميعاً فيما يصون وحدتها ويرعى إنسانيتها ويحمي أفرادها في العاجل والآجل.
ثانيها : تشريعاته التي تضمن قيم الإنسانية كلّها في محيط واحد، لا تترع معه إلى عصبية دم، أو اختلاف لون، أو فرقة جنس.
ثالثها : اتّساقه مع حقائق الكون وخصائص الوجود، بحيث لا يتعارض مع ما يثبت من حقائق العلم، أو يختلف مع منطق الفكر.
وكذلك لا يكون الدين عالمياً إلّاإذا صحب الإنسان في جميع أزمانه المتطوّرة وعصوره المتلاحقة، أي: يكون خالداً، لا يعتريه نسخ أو زوال، ولا عقم ولا جمود، موفياً بجميع مطالب الإنسان المتنوّعة المتجدّدة في كلّ الميادين التي يزاول فيها الإنسان بعقله الواسع نشاطه الكامل. ولا يوجد دين من الأديان السماوية فيه هذه المواصفات التي تجعله عالمياً إلّادين الإسلام.