الركود الحضاري

من ویکي‌وحدت

الركود الحضاري حالة من الضمور والتخلّف في المجال الحضاري التي تصيب بعض الأُمّم، ولهذه الحالة دورها في فرض التشرذم والتشتّت بين أفراد تلك الأُمّم. ومن مظاهر ذلك :
1 - المحافظة على الوضع القائم، وهذه حالة نفسية تصيب كلّ المجتمعات الساكنة ؛ لأنّها تفقد الرؤية المستقبلية، فتحاول أن تتشبّث بالوضع القائم ظنّاً منها أنّه يبلور كلّ عزّتها وكرامتها : (إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُقْتَدُونَ)، (سورة الزخرف : 23)، والفكر الديني المصدوم بهذه الوقفة الحضارية يبرّر هذه الأوضاع القائمة، ويحوّلها إلى دين ويجعل منها خطوطاً حمراء لايمكن تجاوزها، ومقدّسات لايمكن التعرّض إليها ومناقشتها.
2 - قد تنبثق في هذا الجوّ المتخلّف حركة تريد إصلاح الواقع، لكنّ القليل من هذه الحركات تستطيع أن تشدّ نظرها إلى المستقبل، فتركة هذه الحالة المتخلّفة تترك أثرها حتّى على كثير من الإصلاحيّين وأمثالهم، وأجفانهم - كما يقول المفكّر الجزائري المعروف مالك بن نبي - مثقلة بنوم عميق، فيبحثون عن مناهج الماضين في الإصلاح دون التفكير بالحاضر والمستقبل، وباسم الإصلاح والسلفية والعودة إلى نقاء عصر الرسالة الأوّل يكفّرون هذا وذاك، ويقدّمون وصفات للعلاج تزيد في الطين بلّة، وتعقّد ظاهرة التخلّف، وتفوّت الفرص على دعاة الإصلاح الحقيقيّين.
3 - في ظروف التخلّف الحضاري تضمر روح الحياة في المجتمع، فتصبح أعضاؤه غير مترابطة عضوياً ؛ لأنّ الترابط العضوي إنّما يكون في الجسد الحيّ الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى. من هنا تسود حالة التمزّق في مجتمعات السكون الحضاري، ويسود الصراع العشائري، متّخذاً صفة الطائفية تارة، أو صفة الإقليمية، أو القومية، أو أيّ اسم آخر، المهمّ أن يكون هناك تمزّق يؤدّي إلى حالة قهرية من الصراع والتراشق والقطيعة.
4 - ولعلّ أهمّ ما يميّز المجتمعات الراكدة حضارياً هو موقفها من التيّارات الوافدة عليه من الخارج، وهو موقف يتراوح بين الإفراط والتفريط، إمّا أن يكون الموقف هو الرفض الكامل لكلّ هذه التيّارات جملة باعتبارها تتعارض مع الأُسس القائمة في المجتمع، وإمّا الانبهار بهذه التيّارات والشعور بالهزيمة تجاهها والدعوة إلى الأخذ بها جملة باعتبارها الوسيلة الوحيدة للسير في ركب الحضارة.