الحجية

من ویکي‌وحدت

الحجية: وهو الاحتجاج، أي احتجاج العبد علی مولاه، فالحجية صفة للدليل الذي يصحّ أن يحتجَّ به العبد على مولاه. وهذا اصطلاح أصولي ينبغي أن نبحث حول المسائل التي لها ارتباط بهذا الموضوع.

تعريف الحجية لغةً

الحجّ: القصد ... والحجّة: البرهان، وقيل: الحجّة ما دُفع به الخصم... واحتجَّ بالشيء: اتّخذه حجّة. قال الأزهري: إنَّما سمّيت حجّة؛ لأنَّها تُحجّ، أي تُقصد؛ لأنَّ القصد لها وإليها [١].

تعريف الحجية اصطلاحاً

يمكن تقسيم التعاريف الواردة للحجّية إلى التوجّهات التالية:
1 ـ التعاريف التي نظرت إلى جانب الاحتجاج وركّزت عليه، من قبيل: كون الشيء، ممّا يصحّ أن يحتجَّ به العبد على مولاه [٢].
كون الشيء بحيث يصحّ الاحتجاج به [٣].
2 ـ التعاريف التي نظرت إلى جانب الآثار التي تترتّب على الحجّية، أي التنجيز والتعذير، من قبيل: كون الشيء منجزا للواقع، بحيث لو خالفه المكلّف مع قيامه عليه يكون مستحقّا للعقوبة [٤].
تنجيز الواقع على المكلّف [٥].
المنجزية المستلزمة لاستحقاق العقاب بالمخالفة، والمعذرية المستلزمة للأمان منه مع الموافقة ولو مع الخطأ وعدم الوصول للواقع [٦].
المجموع من المنجّزية والمعذّرية [٧].
3 ـ التعاريف التي نظرت إلى أحد الأدوار الذي تلعبه الحجّية، وهو الوسطية وتنزيل ما ليس بعلم منزلة العلم، من قبيل:
جعل غير العلم علما بـ التعبد، [٨] ويُراد من ذلك أنّ مثل الظنّ الحاصل بواسطة أمارة ليس علما، كما هو واضح، لكنَّ الشارع قد يجعله علما تعبُّدا لا حقيقة، ويأمر باعتباره.
الوسطية في الإثبات، [٩] أي كون الشيء غير مثبت بنحو جزمي، والحجيّة تتوسّط لتنزّله منزلة المثبت جزما. فالأمارة مثلاً غير تامّة الكشف عن الحكم الشرعي لكونها غير جزميّة، لكنّ الشارع يتوسّط من خلال أمره باعتبارها دليلاً على المطلوب، فتكون حجّة شرعا.
الملاحظ أنَّ بعض التعاريف ترادف بين الحجة والحجّيّة، من قبيل: «كون الشيء بحيث يصحّ الاحتجاج به» كما أنّا نشهد عمليا المرادفة في استعمال المصطلحين من قبل البعض [١٠].
لكنّ بعضها الآخر تتعرّض إلى بعض صفات الحجة، وهي صفة المنجّزيّة والمعذّريّة، أي أنّ البحث في حجيّة دليل هو البحث في دليليّته أو صلاحيته ليكون منجِّزا ومعذِّرا، أي دليلاً وحجّة شرعا. والمعنى الأخير هو الأكثر استخداما لدى متأخّري الشيعة، كما أنَّ موارد استخدام مفردة الحجّة تختلف أحيانا عن موارد استخدام الحجيّة، فتناولوا الكلام عن القطع والظنّ تحت عنوان: (حجّيّة القطع) و (حجّيّة الظنّ)، لاتحت عنوان (حجّة القطع) أو (حجّة الظنّ) بينما يشتركان في مثل: (حجّة الإجماع) و (حجّيّة العقل).

أحکام الحجية

1 ـ حجيّة القطع والظنّ

ناقش الأصوليون موضوع الحجيّة عمدة في موردين، هما: القطع والظنّ.
فقد تدارسوا الظنّ على العموم. وناقشوا ما إذا كان الشارع قد منح الظنّ الحجّيّة بنحو مطلق أو في موارد خاصّة وتنزيله منزلة العلم أم لا؟ والأكثر بنى على تنزيل الشارع الظنَّ في موارد خاصّة، مثل خبر الواحد، منزلة العلم.
وتعدّدت الآراء في كيفية اعتبار الشارع هذا الظنّ علما وتنزيله منزلة العلم. (احتمال، أمارة، انسداد باب العلم، ظنّ، خبر)
كما ناقشوا موضوع حجّيّة القطع واليقين، وذكر جلّ من تعرّض إلى هذا الموضوع من الأصوليين أنَّ حجيّة القطع ذاتية، منبعثة من طبيعة ذاته ولا تحتاج إلى جعل من الشارع ولا صدور أمر منه باتّباعه، ولا يمكن ورود مؤمِّن وترخيص من المولى في مخالفته، كما أنَّه لا فرق في ذلك بين العلم التفصيلي والإجمالي [١١].
واختلفوا في كيفية الاستدلال على ذاتية الحجّية بالنسبة إلى القطع. وهناك أكثر من طريقة للاستدلال: منها: إنَّ القول بعدم الذاتية يستلزم الدور أو التسلسل؛ باعتبار أنَّ التبعيّة للقطع لايوجب التنجّز بوجوده الواقعي، بل لا بدّ فيه من العلم، وهذا العلم كالسابق يحتاج في التنجّز إلى علم آخر وهكذا، فإن رجع إلى الأوّل كان دورا، وإن لم يرجع فهو تسلسل [١٢].
ومنها: إنَّ الضرورة والفطرة هما الدليل على ذاتية حجيّة القطع [١٣].
ومنها: إنَّ العقل هو الذي يحكم بلزوم متابعة القطع [١٤]. ولخّص السيّد الخوئي الأقوال الواردة في تبرير حجّية القطع بما يلي:
1 ـ إنَّ حجّيته ثابتة ببناء العقلاء وإبقاءً للنوع وحفظا للنظام، فهي من القضايا المشهورة، وقد أمضى الشارع هذا البناء.
2 ـ حجّيته ناشئة من إلزام العقل بذلك.
3 ـ كون الحجّية من اللوازم العقلية للقطع.
وقد ناقش في الأوّلين واختار الثالث [١٥].
وذهب بعض إلى عدم حجّية القطع بنحو مطلق، وأنَّ حجّيته مشروطة بعدم ورود منع من الشارع. لكن رُدَّ هذا بأنَّ الحجّية من اللوازم والآثار الذاتية للقطع، وليس للشارع دور في تثبيتها أو منعها [١٦].
كما ذهب السيّد مصطفى الخميني إلى أنَّ حجّية القطع غير ذاتية؛ لكونها من الاعتبارات العقلائية، لذلك يمكن للشارع إسقاطها؛ ولأجل هذا تحتاج حجّية القطع إلى إمضاء من الشارع وتأييد منه [١٧].
ونسب إلى الأخبارية عدم حجّية القطع الحاصلمن المقدّمات العقلية، والحجّية تنحصر في القطع الناشئ عن الكتاب والسنّة؛ وذلك لما قامت عليه الأدلّة السمعية من المنع من العمل بـ الملازمة بين ما حكم به العقل وحكم به الشرع، حيث ورد أنَّ الإنسان لو أقام ليله وصام دهره ولم يكن بدلالة ولي اللّه‏ لاتقبل له صلاة ولا صوم [١٨].
وقد يعود كلامهم إلى أنَّ الأحكام الواقعية ـ من وجهة نظرهم ـ مقيّدة بالوصول عن طريق السماع فقط. ويُذكر في ردّهم أنَّ مثل هذه الروايات أفادت معنى الردع عن الرجوع إلى غير أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام وليست في مقام مدخلية الأدلّة النقلية والسماعية في لزوم امتثال ما يقطع به المكلَّف [١٩].

2 ـ آثار الحجّية

ذكر للحجّية سواء كانت ذاتية، كما هو الحال في العلم، أو مجعولة، كما هو الحال في الأمارات، أثران، هما المنجزية، أي تنجيز مؤدّى الحجّة عند تطابقه مع الواقع، والمعذرية، أي تعذير المكلّف عند مخالفة مؤدّى الحجّة مع الواقع المطلوب من الشارع. وهذا هو المعنى الالتزامي لكون دليلاً ما حجّة شرعية يجوز العمل وفقه، هذا مع أنّه تذكر آثار اُخرى للحجّية من قبيل: جواز الإخبار والإسناد و الإفتاء وما شابه ذلك من آثار، مع مناقشات دارت في هذا المجال [٢٠].

الهوامش

  1. . لسان العرب 1: 745، تاج العروس 3: 316، مادّة «حجج».
  2. . بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5: 177.
  3. . نهاية الدراية في شرح الكفاية 3: 126.
  4. . الرسائل الخميني 1: 71.
  5. . لمحات الاُصول: 434.
  6. . المحكم في اُصول الفقه 3: 17.
  7. . دروس في علم الاُصول 2: 45.
  8. . مصباح الاُصول 2: 239.
  9. . أجود التقريرات 3: 147 و 3: 211، فوائد الاُصول 3: 106، تهذيب الاُصول 2: 84 ـ 85 .
  10. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 25 ـ 35.
  11. . فرائد الاُصول 1: 29، اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 22 ـ 28، دروس في علم الاُصول 2: 45 ـ 49.
  12. . درر الفوائد 2: 325.
  13. . الفصول الغروية: 344.
  14. . مقالات الاُصول 2: 10.
  15. . مصباح الاُصول 2: 16.
  16. . فرائد الاُصول 1: 67، نهاية الأفكار 3: 173، وقاية الأذهان: 450 ـ 451.
  17. . تحريرات في الاُصول 2: 301، 5: 9 ـ 10 و 6: 25 ـ 31.
  18. . اُنظر: دعائم الإسلام 1: 53، مستدرك الوسائل، أبواب مقدّمة العبادات 1: 174 ح 62.
  19. . وسيلة الوصول إلى حقائق الاُصول: 462، منتهى الاُصول 2: 48 ـ 49، مصباح الاُصول 2: 55 ـ 60، منتقى الاُصول 4: 109 ـ 111.
  20. . تحريرات في الاُصول 6: 267 ـ 274.