الترک

من ویکي‌وحدت

الترك: يبحث عن هذا الاصطلاح في باب الضد من علم أصول الفقه، لأنّ الترک ضد الفعل والفعل أمر وجودي ومتعلّقٌ للتکليف، فيبحث عن ترک التکليف وآثاره في علم الأصول. ثم إنّه لايخفی أنّ الترک أمرٌ مقدورٌ لأنّ المکلّف قادر على الترک بمعنی استمرار عدم الفعل، فمن هنا صلح أن يكون العدم أثراً للقدرة.

تعريف الترک لغةً

الترك من (تَرَك): وَدْعُ الشيء وتخليته[١]، والترك عند العرب تخليف الشيء في مكانه والانصراف عنه، ولهذا يسمّون بيضة النعامة «تريكة» لأنّ النعامة تضعها وتنصرف عنها، وأيضا «التريكة»: الروضة التي يغفلها الناس فلا يرعونها[٢].
فالترك في اللغة: هو عدم فعل المقدور سواء كان مقصودا أو لا[٣] وأمّا ما لايقدر عليه فلايسمّى تركا، ولذا لايقال: ترك فلان خلق الأجسام.

تعريف الترک اصطلاحاً

جرى الأصوليون في معنى الترك على اصطلاح أهل الكلام. وقد ذكر المتكلّمون عدّة أقوال في معنى الترك[٤] نورد بعضها:
1 ـ هو عدم فعل المقدور مع القصد، فلايقال: ترك النائم الكتابة، ولذلك يتعلّق به المدح والذمّ والثواب والعقاب، لمكان اعتبار القصد فيه.
2 ـ هو انصراف القلب عن الفعل وكفّ النفس عن ارتياده، وهو بذلك من أفعال القلوب.
3 ـ هو فعل الضدّ، وليس عدم الفعل؛ لأنّ فعل الضدّ مقدور بخلاف عدم الفعل، فإنّه مستمرّ أزلي فلايصلح أثرا للقدرة الحادثة. واشترط أصحاب هذا القول أن يكون كلا الضدّين مقدورا حتّى يكون ارتكاب أحدهما تركا للآخر فلايقال: ترك بقعوده الصعود إلى السماء.
ذكر ذلك صاحب المواقف، واعترض الشارح: بأنّ دوام استمرار العدم مقدور؛ لأنّه قادر على أن يفعل فيزول استمرار عدمه، فمن هنا صلح أن يكون العدم أثرا للقدرة[٥].
ولما كان الترك غير المقصود ليس موضعا للقدرة ولايتعلّق به المدح والذم فهو لايدلّ على جواز ولا كراهة ولا تحريم، فليس هو مراد الأصوليين من الترك، بل المراد خصوص الترك المقصود.
ويعبرون عنه بالكفّ أو الإمساك أو الإقناع[٦].

حقيقة الترك

وقع الكلام بين الأصوليين في حقيقة الترك، وهل الترك فعل من الأفعال أو لا؟
ذهب كثير منهم[٧] إلى أنّ (الترك المقصود) وهو الكف فعل من الأفعال وهو عندهم (فعل نفسي).
قال الشهيد الثاني: «الكفّ فعل النفس، وهو أمر وجودي وليس عدميا»[٨].
وقال الخميني: «الكف هو فعل النفس وحبس القُوى»[٩].
وينسب إلى بعض أنّ الكف انتفاء محض[١٠]، وهو خلاف الوجدان. وينصب الكلام هنا في تروك النبي(ص) وبيان مدى حجّيتها.

أقسام تروک النبي(ص)

لتروك النبي(ص) أقسام توازي أقسام الفعل، وذلك لما تقدّم من أنّ الترك فعل من الأفعال، لذا تنقسم أفعاله(ص) كالتالي:

القسم الأول: الترك بداعي الجبلة البشرية

لا خلاف بين الأصوليين في أنّ التروك التي تقتضيها الجبلة البشرية تدلّ على الاباحة بالنسبة إليه(ص) وإلى أمته[١١]، واختلف فيها إذا وقعت ضمن العبادة[١٢].

القسم الثاني: الترك الذي قام الدليل على اختصاصه به(ص)

وهو تركه لما حرم عليه خاصّة، كتركه أكل الصدقة لتحريم الصدقة الواجبة عليه[١٣]، لقوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «إنّا أهل بيت لاتحلّ لنا الصدقة»[١٤].

==القسم الثالث: الترك بيانا أو امتثالاً==[١٥]،
ومثاله: ما روي من تركه(ص) الإحلال من العمرة مع صحابته، حيث قال: «إنّي لبّدت رأسي وقلّدت هديي، فلا أحل حتّى أنحر» وقال: «لايحلّ منّي حرام حتّى يبلغ الهدي محلّه»، ومن الترك امتثالاً تركه(ص) الصلاة على المنافقين لما نزل قوله تعالى: «ولاتصلّ على أحدٍ منهم مات أبدا».

حكم الترک

الترك وسيلة لبيان الأحكام

ذكر الأصوليون الترك في باب التأسّي بالنبي(ص) وأتباعه في أقواله وأفعاله، فذهبوا إلى أنّ ترك النبي(ص) يدلّ على الحكم الشرعي، كما أنّ قوله وفعله(ص) يدلاّن عليه.
يقول العلامة الحلي في مقام بيان التأسّي بالنبي(ص): «التأسّي بالنبي قد يكون في فعله وقد يكون في تركه... وأمّا في الترك فبأنّ نترك مثل الذي ترك الوجه على الذي ترك لأجل أنّه ترك فاتّحاد الصورة لابدّ منه لتحقّق التأسّي؛ فإنّه لو صلّى وصمنا لم نكن متأسين به»[١٦].
ويقول في أقسام بيانات الحكم الشرعي: «وأمّا الترك فيدلّ على نفي وجوب الفعل»[١٧].
ومثله قال في وجوب الاتّباع، وأنّه كما يجب اتّباعه في القول والفعل كذا يجب اتّباعه في الترك أيضا[١٨].
وقال أيضا: «الترك إمّا مختصّ به، ... أو متعلّق بغيره، وكلّ من هذه إمّا واجب، أو ندب أو مباح لامتناع صدور المعصية عنه»[١٩].
ويقول الشاطبي: «(المطلوب تركه) بيانه بالترك، أو القول الذي يساعده الترك إن كان حراما وإن كان مكروها، فكذلك إن كان مجهول الحكم وإن كان مظنّة لاعتقاد التحريم وترجح بيانه بالفعل تعيّن الفعل على أقلّ ما يمكن وأقربه، وإن كان مظنّة لاعتقاد الطلب، أو مظنّة لئن يثابر على فعله فبيانه بالترك جملة إن لم يكن له أصل أو كان له أصل في الإباحة»[٢٠].
وفرق عبد الجبّار بين الفعل والترك في وجوب التأسّي فذهب إلى أنّ الفعل إذا وقع منه(ص) يتأسّى به فيه على كلّ حال، وأمّا الترك فإنّما يتأسّى به إذا علم أنّه من باب الشرع، وفيما عدا ذلك فهو بمنزلة الأكل والشرب من أفعال الجبلّة فهو خارج عن نطاق التكليف ولاتقتضيه طريقة التأسّي. ووجّه هذا القول: بأنّه أراد من الترك الذي لا أسوة فيه الترك الجبلّي غير الاختياري[٢١].

لمصادر

  1. . العين 5: 336، لسان العرب 1: 428 مادة ترك.
  2. . الفروق اللغوية: 124، أنظر: معجم مقاييس اللغة 1: 345 ـ 346، لسان العرب 1: 428 مادة ترك.
  3. . المواقف 2: 162.
  4. . المواقف 2: 162 ـ 163.
  5. . المواقف 2: 162 ـ 163.
  6. . أفعال الرسول 2: 45 ـ 46.
  7. . جمع الجوامع وشرحه 1: 214، الموافقات 1: 12، 4: 58، شرح مختصر المنتهى 2: 13، 14، أصول السرخسي 1: 80، الروضة البهية 2: 91.
  8. . الروضة البهية 2: 91.
  9. . تحريرات في الأصول 3: 155.
  10. . أنظر: شرح جمع الجوامع 1: 215.
  11. . أنظر: نهاية الوصول العلامة الحلّي 2: 533، المغني (ابن قدامة) 1: 131 ـ 132، الموافقات 4: 60، إرشاد الفحول 1: 165.
  12. . أنظر: أضواء البيان 4: 300 ـ 301.
  13. . تذكرة الفقهاء 5 : 270، المجموع 6 : 239 ـ 240، إرشاد الفحول 1 : 166.
  14. . وسائل الشيعة 9: 270، أبواب المستحقّين للزكاة الباب 29، ح6، أنظر صحيح مسلم كتاب الزكاة 2: 751 ح 161، باب تحريم الزكاة على رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله.
  15. . أفعال الرسول 2: 54 أنظر: نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 2: 533.
  16. . نهاية الوصول 2: 528. أنظر: رسائل المرتضى 2: 265، معارج الأصول: 117.
  17. . نهاية الوصول 2: 432.
  18. . نهاية الوصول الحلّي 2: 531.
  19. . نهاية الوصول 2: 562 .
  20. . الموافقات 3: 320، 341، أنظر: إرشاد الفحول 1: 184.
  21. . أنظر: أفعال الرسول 2: 55 ـ 57.