التأسّي

من ویکي‌وحدت

التأسّي: والمراد به التأسّي لـ أفعال الرسول، وهو إتيان الفعل الذي فعله النبي(ص)، قال الله تعالی: «لَقَد کانَ َلَکُم فِي رَسُولِ اللّهِ أُسوَةٌ حَسَنةٌ»[١] والتأسّي تارة في الفعل واخری في الترک، وظاهر ذلك أنّ التأسّي إنّما يكون متعلّقه الفعل أو الترك ولايشمل القول، فالذي يمتثل قول غيره يقال له: متّبع، ولايقال له: متأسٍ. والبحث الأصولي في هذا المقال هو أنّه هل يجب التأسّي للرسول(ص) أو لا؟ وسنقول أنّ التأسّي به مرّة يكون واجبا، ومرّة يكون مستحبّا، وثالثة يكون مباحا، بحسب ما هو المفهوم من فعله وتركه(ص).

تعريف التأسّي لغةً

التأسي هو الاقتداء، ويقال: ائتسِ به، أي اقتدِ به وكن مثله، وفلان يتأسّى بفلان، أي يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدي به[٢].

تعريف التأسّي اصطلاحا

هو إيقاع الفعل على الوجه الذي أوقعه[٣]. أي أوقعه الآخر مثل الرسول(ص) بأن يأتي بالفعل على الوجه الذي وقع عليه وأُتي به، فإن كان واجبا فواجب، وإن كان مستحبّا فمستحبّ. ذكر الآمدي: إنّ التأسّي بالفعل هو «أن تفعل مثل فعله على وجهه من أجل فعله»[٤]. فقيّده بكونه: «مثل فعله» لأنّه لاتأسّي مع اختلاف صورة الفعل كما هو واضح، وقيّده بكونه: «على وجهه» فإنّه لبيان المشاركة في غرض الفعل ونيّته، فلاتأسّي مع اختلاف وجه الفعل بأن كان أحدهما واجبا والآخر مستحبّا وإن اشتركا في الصورة. وقيّده بكونه: «من أجل فعله» فإنّه لو لم يكن لذلك لا معنى للتأسّي. أمّا التأسي في الترك فهو: «ترك أحد الشخصين مثل ما ترك الآخر من الأفعال على وجهه وصفته من أجل أنّه ترك»[٥]. وحال القيود حال القيود المأخوذة في التأسّي بالفعل. ومثله ما ذكره المحقّق الحلّي في تعريفه للتأسّي في الفعل والتأسي في الترك[٦]. وظاهر ذلك أنّ التأسّي إنّما يكون متعلّقه الفعل أو الترك ولايشمل القول، فالذي يمتثل قول غيره يقال له: متّبع، ولايقال له: متأسٍ، كما أنّ مرادهم من التأسّي هو التأسّي به(ص) في فعله وتركه.

الألفاظ ذات الصلة

اتّباع

وهو المتابعة في القول والفعل والترك، فاتّباع القول هو امتثاله على الوجه الذي اقتضاه، واتّباع الفعل والترك هو التأسّي عينه[٧]. وظاهر الأمر عندهم أنّ التأسّي يختصّ بالفعل والترك ولايشمل القول، بينما الاتّباع يشمل القول والفعل والترك. ويبدو من الطباطبائي أنّ الفرق بين الاتّباع وبين التأسّي هو أنّ الاوّل مطلق المجارات وإن لم يأت به على الوجه الذي أتى به، بينما التأسّي هو الإتيان بالفعل أو القول على الوجه الذي أتى به[٨]. وذهب السبكي إلى أنّهما بمعنى واحد[٩].

الموافقة

هي المشاركة في صورة ما يشتركان فيه سواء كان في عقيدة أو في فعل[١٠]. فالموافقة أعمّ من التأسّي؛ لأنّها تصدق سواء كانت من أجل فعل ذلك الآخر أم لا من أجله، بل مجرّد اتفاق الموافقة، بينما التأسّي لايحصل إلاّ إذا كان الفعل أو الترك من أجل فعل أو ترك المتأسّى به.

حكم التأسّي

استُدلّ لأصل وجوب التأسّي به(ص) بمجموعة من الآيات القرآنية كقوله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه‏ِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللّه‏َ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ»[١١]، وقوله تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا»[١٢]، وقوله تعالى: «إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّه‏َ فَاتَّبِعُونِي»[١٣]، وقوله تعالى: «فَآمِنُواْ بِاللّه‏ِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّه‏ِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ»[١٤]، وقوله تعالى: «أَطِيعُواْ اللّه‏َ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ»[١٥]. وغير ذلك من الآيات التي تحث على التأسّي به(ص)والاقتداء به. والتأسّي به مرّة يكون واجبا، ومرّة يكون مستحبّا، وثالثة يكون مباحا، بحسب ما هو المفهوم من فعله وتركه(ص). هذا فيما إذا علم وجه الفعل أو الترك الذي وقع عليه، فلا خلاف بينهم في أنّ ما علم جهته من الوجوب والندب والإباحة يجب التأسّي فيه، فإن كان علم وجوبه يكون التأسّي به واجبا، وإن علم استحبابه يكون التأسّي به مستحبّا، وإن علم إباحته يكون التأسّي به مباحا[١٦]. أمّا إذا لم يعلم جهة الفعل أو الترك، فقد وقع خلاف في ذلك في مقدار دلالة فعله أو تركه(ص) على رجحان الفعل أو الترك. هذا ويذهب الشيعة الإمامية إلى أنّ حكم التأسّي بالإمام هو حكم التأسّي به(ص)، ولا فرق في ذلك من ناحية تشريعية[١٧].

المصادر

  1. . الأحزاب: 21.
  2. . لسان العرب 1: 100 مادة «أسا».
  3. . إرشاد الفحول 1: 171.
  4. . الإحكام 1 ـ 2: 147.
  5. . المصدر السابق.
  6. . معارج الأصول: 117.
  7. . الإحكام الآمدي 1ـ2: 147، معارج الأصول: 117.
  8. . مفاتيح الأصول: 280.
  9. . الإبهاج في شرح المنهاج 2: 270.
  10. . معارج الأصول: 117.
  11. . الأحزاب: 21.
  12. . الحشر: 7.
  13. . آل عمران: 31.
  14. . الأعراف: 158.
  15. . النساء: 59.
  16. . أنيس المجتهدين 1: 307.
  17. . أصول الفقه المظفر 3ـ4: 64.