الانحلال

من ویکي‌وحدت

الانحلال: هو تنجّز أحد الأطراف في العلم الاجمالي بمنجّز آخر غير العلم الاجمالي من علمٍ تفصيليٍ أو أمارةٍ أو اصلٍ. مثلاً حينما يعلم المکلف اجمالاً بنجاسة هذا الماء أو ذاک فإذا اتفق العلم التفصيلي بنجاسة أحد الطرفين فعندئذٍ انحلّ العلم الاجمالی إلی علم تفصيليٍ بهذا والشک البدوي بالنسبة إلی الآخر. فهذا العلم التفصيلي منجّزٌ بالنسبة إلی طرفه. وربما کان المنجّز غير العلم التفصيلي کـ الأمارة أو الأصل.

تعريف الانحلال لغةً

الانحلال يأتي بمعنى الإنفكاك بعد الابرام، يقال: حلّ العقدة يحلُّها حلاًّ أي فَتَحها ونقضها فانحلّت[١]

تعريف الانحلال اصطلاحاً

هو سراية العلم من الجامع إلى الفرد[٢]، أو هو سقوط العلم الاجمالي عن المنجزية بتنجُّز التكليف المعلوم بالاجمال بنفسه في خصوص بعض الأطراف[٣].
والملاحظ على التعريفين المذكورين أنّهما ناظران إلى موجب واحد من موجبات انحلال العلم الاجمالي وهو تنجّز أحد الأطراف في العلم الاجمالي بمنجّز آخر غير العلم الاجمالي من علم وجداني أو أمارة أو اصل، ولايشملان الموجبات الأخرى للانحلال كالاضطرار إلى بعض الأطراف وانحلال العلم الاجمالي به وكخروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء وانحلال العلم الاجمالي به، فإنّه في الموجب الأول يتحول العلم بالجامع ويسري إلى العلم بالفرد الذي تنجّز بمنجّز آخر، بينما في الموجبِين الآخرين للانحلال، معنى الانحلال فيهما هو زوال العلم بالجامع وفقدان مؤثريته في تنجيز ما أضطر إليه وما خرج عن محل الابتلاء مما يمهِّد إلى جريان الأصل المؤمِّن في الاطراف الأخرى في الشبهة المحصورة.
والبحث في الانحلال من البحوث المتعلقة بالعلم الاجمالي ابتدعها أصوليو الإمامية المتأخرون.

موجبات الانحلال

تذكر ثلاثة موجبات لانحلال العلم الاجمالي:

الموجب الأول: تنجّز أحد أطراف العلم الاجمالي بمنجّز آخر

ويبدو أنه لا خلاف في إنحلال العلم الاجمالي مع وجود منجّز آخر في الجملة، لكن الخلاف وقع فيما هو نوع الإنحلال الحاصل والبيان النظري لانحلال وتفكك العلم الاجمالي وسرايته من الجامع المردد إلى الفرد المعين. وللكلام حول ذلك لابدّ من البحث في الانواع المتصورة للانحلال المذكور:

النوع الأول: الانحلال الحقيقي

وهو زوال العلم بالجامع وجدانا بسبب تعلق العلم بأحد الاطراف تعيينا[٤].
كما لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الانائين ثم حصل علم تفصيلي وجداني بنجاسة الاناء المعيّن فهنا العلم بالجامع المردد بين فردين أو أكثر سوف ينحل إلى العلم بنجاسة الفرد المعين والشك في نجاسة الآخر. وهذا النوع من الانحلال يؤدي إلى هدم الركن الثاني من أركان العلم الاجمالي وهو وقوف العلم على الجامع وعدم سرايته إلى الفرد[٥].
وقد وقع الخلاف في قبول هذا النوع من الانحلال أو ردّه.
ولمعرفة موقع النزاع لابدّ من ذكر صور ثلاث يمكن أن يقع فيها الانحلال:
الصورة الأولى: ما إذا كان العلم التفصيلي بالفرد ناظرا إلى تعيين نفس المعلوم بالاجمال، كما إذا علمنا بوجود قطرة دم في أحد الانائين وعلمنا تفصيلاً بوجود تلك القطرة في اناء معين منهما.
وفي هذه الصورة لا اشكال في الانحلال وكونها خارجة عن محل النزاع[٦].
الصورة الثانية: ما إذا لم يكن العلم التفصيلي بالفرد ناظرا إلى تعيين نفس المعلوم بالاجمال ويكون للمعلوم الاجمالي علامة وخصوصية غير محرزة التواجد في الفرد المعلوم تفصيلاً، كما إذا علم إجمالاً بوجود انسان طويل في المسجد وعلم تفصيلاً بوجود زيد فيه لكن لم يحرز تواجد خصوصية الطول فيه. وفي هذه الصورة لا إشكال في عدم الانحلال وكونها خارجة عن محل النزاع[٧].
الصورة الثالثة: ما إذا لم يكن العلم التفصيلي بالفرد ناظرا إلى تعيين نفس المعلوم بالاجمال، ولم يكن للمعلوم بالاجمال علامة وخصوصية توجب عدم إنطباق الفرد المعلوم تفصيلاً عليه، كما إذا عُلم بموت زيد أو عمرو وعلم تفصيلاً بموت زيد.
وهذه الصورة هي محل النزاع وقد وقع فيها أقوال ثلاثة:

القول الأول: الانحلال

وهو إختيار النائيني[٨]، والخوئي[٩]، والخميني[١٠]، واستظهره الحكيم من الخراساني [١١] ، وهو ظاهر الإصفهاني[١٢]. وذهب إليه السيّد الصدر في الحلقات[١٣].
ويمكن أن يُستدلّ له بعدّة أدلّة:
الأوّل: قياس المقام على الأقلّ والأكثر الاستقلاليين، فكما أ نّه إذا علم بوجوب قضاء الصوم وتردد بين كونه يوما واحدا أو يومين مقتضى البراءة فيه عدم وجوب صوم أزيد من يوم، فالتردد المذكور بوجوب الصوم انحل إلى وجوب صوم واحد وشكّ بدوي في الزائد فتجري البراءة عنه، كذلك الأمر في المقام فإنّ العلم الاجمالي ينحل إلى العلم بنجاسة أحد الإناءين تعيينا وجريان البراءة عن الطرف الآخر[١٤].
الثاني: أنّ العلم الاجمالي له أركان منها: احتمال انطباق الجامع على جميع الأفراد، ومع وجود العلم التفصيلي بأحد الأفراد ينهدم الركن المذكور؛ إذ يتحوّل احتمال الانطباق على جميع الأفراد إلى الانطباق على فرد واحد فقط ويجري الأصل المؤمِّن في الطرف الآخر بلا معارض[١٥].
الثالث: أ نّه بوجود العلم التفصيلي مع العلم الاجمالي، يستحيل بقاء العلم الاجمالي معه للزوم اجتماع المثلين على موضوع واحد حيث إنّ الفرد الذي تعيّن بالعلم التفصيلي ينطبق عليه كلا العلمين الإجمالي والتفصيلي، والمعروف أنّ المتنجِّز لا يتنجَّز[١٦].
الرابع: أنّ العلم الاجمالي له لازم وهو قضية منفصلة مفادها أنّ المعلوم الإجمالي إن كان موجودا في هذا الفرد فلايكون موجودا في الفرد الآخر، وإن كان موجودا في الفرد الآخر فلايكون موجودا في هذا الفرد، فالنجاسة إن كانت موجودة في الإناء الأحمر فلاتكون موجودة في الإناء الأصفر، وإن كانت موجودة في الإناء الأصفر فلاتكون موجودة في الإناء الأحمر، وهذه القضية المنفصلة سوف لاتكون صادقة مع وجود العلم التفصيلي؛ لأ نّه في الإناء المعلوم تفصيلاً سوف يكون نجسا سواء كان الإناء الآخر نجسا أو لا [١٧].

القول الثاني: عدم الانحلال

وهو اختيار العراقي[١٨]، والروحاني[١٩]، والجزائري المروّج[٢٠].
ويمكن أن يُستدلّ له بعدّة أدلّة:
الأوّل: الوجدان شاهد بوجود علمين أحدهما إجمالي والآخر تفصيلي ولا مانع من ثبوت ومنجزية العلمين معا بلا انحلال[٢١].
الثاني: أنّ العلم الاجمالي له لازم وهو احتمال انطباق الجامع على كلّ الأفراد، وهذا اللازم موجود حتّى مع وجود العلم التفصيلي، فإنّ احتمال انطباق العلم الاجمالي على الطرف الآخر غير المعلوم تفصيلاً باقٍ وهو كافٍ في منجزيته[٢٢].
الثالث: أنّ الانحلال ثابت بلا إشكال فيما إذا كان العلم التفصيلي بالفرد ناظرا ومعينا للمعلوم بالإجمال، وأمّا في المقام و هو ما إذا كان العلم التفصيلي بالفرد غير ناظر ولا معيّن للمعلوم بـ الإجمال، فلو قيل: بالانحلال فيه للزم عدم الفرق بينهما مع أنّ الوجدان شاهد بالفرق، وهذا ليس إلاّ الانحلال في الأوّل وعدم الانحلال في الثاني[٢٣].

القول الثالث: التفصيل بين حالتين

الحالة الأولى: ما إذا كان سبب العلم الاجمالي هو رؤية وقوع النجاسة في أحد الإناءين لا على التعيين. ففي هذه الحالة العلم التفصيلي بوقوع النجاسة في إناء معين لايوجب انطباق العلم الاجمالي عليه لاحتمال أن يكون منشأ وسبب العلم التفصيلي هو نجاسة أخرى ومجرّد احتمال الانطباق لايوجب الانحلال.
الحالة الثانية: ما إذا كان سبب العلم الاجمالي هو مجرّد الاستبعاد عقلاً لعدم نجاسة أحد الإناءين كما لو كانا في معرض استعمال الكافر، فإنّه من المستبعد عقلاً أن يمرّ زمان طويل من دون أن يستعمل أحدهما، فإذا علم تفصيلاً باستعماله لأحدهما المعين فهنا الاستبعاد المذكور الذي ولّد العلم الاجمالي سوف ينطبق تماما على العلم التفصيلي وينحل به؛ لأنّ العلم الاجمالي وجد بسبب الاستبعاد عقلاً، وهذا الاستبعاد يكفي فيه العلم بنجاسة أحدهما المعين.
وهذا التفصيل للسيّد محمّد باقر الصدر[٢٤].

النوع الثاني: الانحلال التعبّدي

وهو زوال العلم بالجامع تعبّدا بسبب قيام الأمارة أو الأصل على تنجيز أحد الأطراف تعيينا [٢٥].
ويظهر من السيّد الخوئي اختياره[٢٦].
وقد أشكل جماعة على وجود الانحلال التعبّدي، باعتبار أنّ الانحلال وسريان العلم من الجامع إلى الفرد أثر تكويني من آثار العلم الوجداني ولايمكن ترتُّبه على العلم التعبّدي، ودليل حجّية الأمارة وإن كان ينزل الأمارة منزلة العلم في الآثار والأحكام، لكن لايثبت لها الآثار التكوينية للعلم والتي منها الانحلال[٢٧].
وفائدة هذا الانحلال هو انهدام الركن الثاني من أركان العلم الاجمالي، وهو وقوف العلم على الجامع وعدم سرايته إلى الفرد، ومع تسليمه لا حاجة إلى إجراء الأصل المؤمّن في الطرف الآخر غير المنجّز.

النوع الثالث: الانحلال الحكمي

وهو انتفاء أثر العلم الاجمالي، وهو المنجزيّة، مع ثبوته بنفسه وعدم زواله[٢٨].
وقد عبّر عنه السيّد محمّد باقر الصدر بـ «نتيجة الانحلال» وهي: جريان الأصل الترخيصي في الطرف الذي لاتوجد فيه أمارة أو أصل منجّز بلا معارض[٢٩]. وفائدة هذا الانحلال هو انهدام الركن الثالث من أركان منجزية العلم الاجمالي، فإنّه مع تنجّز أحد الأطراف بالعلم أو الأمارة أو الأصل سوف يمهد ذلك إلى إجراء الأصل المؤمن في الطرف الآخر غير المنجّز بلا معارض بناء على الصيغة الأولى للركن الثالث، وهي أن يكون كلا الطرفين مشمولاً في نفسه لدليل الأصل المؤمّن كما هو مختار النائيني[٣٠]. أو أنّ العلم الاجمالي سوف يكون غير صالح لتنجيز ما تنجّز بناء على الصياغة الثانية للركن الثالث، وهي صلاحية العلم الاجمالي لتنجيز متعلّقه على جميع التقادير كما هو مختار العراقي[٣١].
وهذا النوع من الانحلال هو مورد قبول كلّ من أنكر الانحلال الحقيقي أو التعبّدي.
وأنكر النائيني تصنيف الانحلال إلى أنواع ثلاثة، وقال: إنّ الانحلال دائما يكون حقيقيا باعتبار أ نّه واحد في جميع الموارد، غاية الأمر أنّ المحقّق للانحلال يختلف فتارة يكون بواسطة العلم الوجداني، وأخرى بواسطة الأمارة أو ألأصل، والاختلاف في المحقِّق لايوجب الاختلاف في حقيقة الانحلال[٣٢].

شروط الانحلال الحقيقي والانحلال الحكمي

يشترط في الانحلال الحقيقي أن يكون المعلوم تفصيلاً والمعلوم إجمالاً متّحدين زمانا ولايشترط تعاصر العلمين، فلو علم اجمالاً بنجاسة أحد الإناءين، ثُمّ علم تفصيلاً بنجاسة إناء معين، فهنا لا مانع من الانحلال وعدم تنجيز العلم الاجمالي في وجوب الاحتياط[٣٣].
ويشترط في الانحلال الحكمي شروط ثلاثة[٣٤]:
الشرط الأوّل: ألاّ يقل المقدار المنجّز بـ الأمارة أو الأصل عن مقدار المعلوم بالإجمال.
الشرط الثاني: ألاّ يكون المنجّز الشرعي من أمارة أو أصل ناظرا إلى تكليف مغاير لما هو المعلوم بالاجمال، كما إذا علم إجمالاً بحرمة شرب أحد الإناءين بسبب نجاسته، وقام المنجّز الشرعي على حرمة أحد الإناءين بسبب الغصب.
الشرط الثالث: ألاّ يكون المنجّز الشرعي متأخّرا عن حدوث العلم الاجمالي.

انحلال العلم الاجمالي الكبير بالعلم الاجمالي الصغير

والمقصود بالانحلال هنا هو سراية العلم بجامع العلم الاجمالي الكبير إلى جامع العلم الاجمالي الصغير، ويكون الجامع في العلم الاجمالي الكبير غير منجّز لتمام أطرافه، بل منجّز فقط لأطراف العلم الاجمالي الصغير.
كما لو علم إجمالاً بحرمة خمس شياه من قطيع غنم يبلغ عدده عشرين، ثُمّ علم إجمالاً بأنّ تلك الخمسة المشتبهة هي في ضمن عشرة متميزة كأن تكون ذات لون أبيض، فالعلم الاجمالي بحرمة خمس شياه من بين العشرين قد تحوَّل وانحلَّ إلى حرمة الخمسة المذكورة من بين عشرة فقط.
وفي هذه الحالة يقال بانحلال العلم الاجمالي الكبير بسبب العلم الاجمالي الصغير، وأنّ العلم الاجمالي الكبير فقد منجزيته لتمام الأطراف واقتصرت منجزيته على أطراف العلم الاجمالي الصغير فقط[٣٥].
والانحلال هنا يفرض تارة حقيقيا، واخرى حكميا.

الموجب الثاني: الاضطرار إلى ارتكاب بعض اطراف العلم الاجمالي

ذكر بأن الاضطرار من موجبات إنحلال العلم الاجمالي وزوال العلم بالجامع، والبحث فيه يقع في مقامين:

المقام الأول: فيما إذا كان الاضطرار لأحدها المعين

كما إذا علم إجمالاً بنجاسة الماء أو الحليب وكان المكلّف مضطراً إلى شرب الماء، فهنا الاضطرار يمكن أن يقع بصور متعددة:

الصورة الأولى: كون الاضطرار حادثا بعد التكليف وبعد العلم

وذكر في حكم هذه الصورة قولان:

=القول الأول: التنجيز وعدم الانحلال=

وهو اختيار الأنصاري[٣٦]، والنائيني[٣٧]، والعراقي[٣٨] والخوئي[٣٩]، والحكيم[٤٠]، ومحمّد باقر الصدر[٤١].
باعتبار أن التكليف تنجّز بالعلم الاجمالي الحاصل أولاً والاضطرار لايقتضي إلاّ الترخيص فيما أضطر إليه بملاك الاضطرار وهو لاينفي التكليف عما عداه ما لم يُضطر إليه[٤٢].

=القول الثاني: عدم التنجيز والانحلال=

وهو اختيار الخراساني[٤٣].
باعتبار أن المنجّز للتكليف هو العلم الاجمالي، ويدور عليه التكليف حدوثا وبقاءا، وبعد الاضطرار إلى أحد الطرفين لايبقى علم بالتكليف بقاءا فينحل العلم الاجمالي[٤٤].

الصورة الثانية: كون الاضطرار حادثا قبل التكليف وقبل العلم به

وفي هذه الصورة لا اشكال في إنحلال العلم الاجمالي وعدم تنجيزه[٤٥].
باعتبار أنّ الاضطرار الحادث قبل التكليف وقبل العلم الاجمالي يمنع عن انعقاده؛ لأن احتمال وقوع النجاسة في الطرف المضطر إليه لايوجب تنجّز التكليف، واحتمال وقوعها في الطرف الآخر يجري فيه الأصل المؤمن بلا معارض[٤٦].

الصورة الثالثة: كون الاضطرار حادثا بعد التكليف وقبل العلم

وفي هذه الصورة يقال بالانحلال وعدم منجزيّة العلم الاجمالي[٤٧].
باعتبار أن المانع من جريان الأصل المؤمن في الاطراف هو العلم الفعلي بالتكليف لا التكليف بواقعيته، والعلم الاجمالي في الطرف المضطر إليه لا أثر له، وفي الطرف الآخر لايوجب حدوث التكليف؛ لأن الأصل المؤمِّن يجري فيه بلا معارض[٤٨].

الصورة الرابعة: كون الاضطرار مقارنا للعلم الاجمالي

وهنا يقال بالانحلال وعدم منجزية العلم الاجمالي[٤٩].
باعتبار أنّ العلم الاجمالي المقارن للاضطرار لايوجب التنجيز باعتبار أ نّه لا أثر له في الطرف المضطر إليه، والطرف الآخر يجري فيه الأصل المؤمن بلا معارض[٥٠].

المقام الثاني: فيما إذا كان الاضطرار لأحدهما غير المعين

كما إذا علم اجمالاً بنجاسة الماء أو الحليب وكان المكلّف مضطرا إلى شرب أحدهما غير المعين. وفي هذا المقام يوجد قولان:

القول الأول: التنجيز وعدم الانحلال

وهو اختيار الأنصاري[٥١] ، والنائيني[٥٢]، والعراقي[٥٣]، والخوئي[٥٤]، ولا فرق في ذلك بين كون الاضطرار حاصلاً قبل العلم أو بعده.
باعتبار أن الاضطرار الرافع للتكليف لم يتعلّق بالفرد وإنّما تعلّق بالجامع، فالاطراف باقية على حرمتها ولا وجه لرفع اليد عنها لأجل الاضطرار إلى الجامع[٥٥].

القول الثاني: عدم التنجيز والانحلال

وهو إختيار الخراساني[٥٦]. باعتبار أن الترخيص في بعض الاطراف لاجل الاضطرار لايجامع التكليف الفعلي على كل تقدير الذي هو أحد اركان العلم الاجمالي؛ لأن العلم الاجمالي لا أثر له في الطرف المضطر إليه، والطرف الآخر يكون مجرى للأصل المؤمن بلا معارض[٥٧].

الموجب الثالث: خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

كما لو علم اجمالاً بنجاسة إمّا الاناء الذي هو في متداول المكلّف أو الاناء الذي هو خارج عن متداوله كأن يكون موجودا في دولة أخرى لايمكنه الوصول إليها عادةً، فإنّ مثل هذا العلم الاجمالي لايولّد تكليفا في الطرف الذي هو خارج عن محل الابتلاء لعبثية مثل هذا التكليف، أما الطرف الآخر فيمكن اجراء الأصل المؤمن فيه بلا معارض فينحل العلم الاجمالي المذكور ويفقد تأثيره في تنجيز متعلقه[٥٨].

الهوامش

  1. . الصحاح 4: 1672، لسان العرب 1: 922 مادة «حلل».
  2. . أنظر: دروس في علم الأصول 2: 385.
  3. . المحكم في أصول الفقه 4: 318.
  4. . أنظر: بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 239.
  5. . دروس في علم الأصول 2: 385.
  6. . أنظر: نهاية الأفكار 3: 248، تهذيب الأصول الخميني 2: 205، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 5: 239.
  7. . أنظر: بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 239.
  8. . فوائد الأصول 4: 39، أجود التقريرات 3: 425.
  9. . مصباح الأصول 2: 304 ـ 306.
  10. . تهذيب الأصول 2: 206، انوار الهداية 2: 89 ـ 90.
  11. . حقائق الأصول 2: 243.
  12. . نهاية الدراية 4: 114 ـ 115.
  13. . دروس في علم الأصول 2: 386.
  14. . أنظر: حقائق الأصول 2: 244، منتهى الدراية 6: 297، بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 240.
  15. . هذا الوجه أستفيد من كلمات المحقّق النائيني في فوائد الأصول 4: 39 ـ 44. وأنظر: بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 240، منتقى الأصول 5: 91.
  16. . هذا الوجه أستفيد من كلمات المحقّق الإصفهاني في نهاية الدراية 4: 118 ـ 119 وأنظر: حقائق الأصول 2: 244، منتقى الأصول 5: 96 ـ 97، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 5: 241 ـ 242.
  17. . أنظر: بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 242، انوار الهداية 2: 90.
  18. . نهاية الأفكار 3: 249 ـ 250.
  19. . منتقى الأصول 5: 92.
  20. . منتهى الدراية 6: 298.
  21. . أنظر: المصدر السابق.
  22. . أنظر: نهاية الأفكار 3: 250.
  23. . أنظر: بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 244.
  24. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 247.
  25. . أنظر: المصدر السابق: 251.
  26. . مصباح الأصول 2: 307 ـ 308.
  27. . أنظر : بحوث في علم الأصول الهاشمي 5 : 251، منتقى الأصول 5 : 91 ـ 92.
  28. . منتقى الأصول 4: 357.
  29. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 252.
  30. . أنظر: دروس في علم الأصول 2: 397.
  31. . أنظر: دروس في علم الأصول 2: 397.
  32. . أنظر: فوائد الأصول 4: 44، أجود التقريرات 3: 428.
  33. . أنظر: بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 250 ـ 251، دروس في علم الأصول 2: 396.
  34. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 252 ـ 253.
  35. . أنظر: نهاية الأفكار 3: 248، مصباح الأصول 2: 305، منتقى الأصول 4: 487، منتهى الدراية 6: 295.
  36. . فرائد الأصول 2: 245.
  37. . فوائد الأصول 4: 95 ـ 96.
  38. . نهاية الأفكار 3: 350.
  39. . مصباح الأصول 2: 383 ـ 384.
  40. . الأصول العامة للفقه المقارن: 516.
  41. . أنظر: دروس في علم الأصول 2: 393 ـ 395.
  42. . أنظر: فو ائد الأصول 4: 95 ـ 96.
  43. . كفاية الأصول: 360.
  44. . أنظر: مصباح الأصول 2: 382 ـ 383.
  45. . أنظر: فرائد الأصول 2: 245، كفاية الأصول: 360، فوائد الأصول 4: 93، نهاية الأفكار 3: 350، مصباح الأصول 2: 385، منتقى الأصول 5: 103.
  46. . أنظر: مصباح الأصول 2: 385.
  47. . أنظر: فوائد الأصول 4: 94، مصباح الأصول 2: 386، منتقى الأصول 5: 104.
  48. . أنظر: مصباح الأصول 2: 386.
  49. . أنظر: فرائد الأصول 2: 245، فوائد الأصول 4: 95.
  50. . أنظر: فوائد الأصول 4: 95.
  51. . فرائد الأصول 2: 245.
  52. . فوائد الأصول 4: 98.
  53. . نهاية الأفكار 3: 350 ـ 351.
  54. . مصباح الأصول 2: 388.
  55. . أنظر: مصباح الأصول 2: 388 ـ 389.
  56. . كفاية الأصول: 360.
  57. . المصدر السابق. وأنظر: مصباح الأصول 2: 388.
  58. . أنظر: الأصول العامة في الفقه المقارن: 515.