الاطراد

من ویکي‌وحدت

الاطّراد: وهو التتابع، والمقصود هنا هو استعمال اللفظ بحيث اتسع معناه علی جميع مصاديقه ولايختصّ بمقام دون آخر. كلفظ «رجل» باعتبار أنه صحّ إطلاقه في كلّ مورد تحقّق فيه الرجولية. وأما السؤال الأساسي في هذا البحث هو هل کان الاطّراد طريقاً وعلامةً للمعنی الحقيقي أو لا؟

تعريف الاطّراد لغةً

الاطّراد: من الطرد بمعنى: التتابع والاستقامة[١]، وعلى هذا قولهم: اطّرد الحد معناه تتابعت أفراده وجرى مجرى واحدا كجري الأنهار. [٢]

تعريف الاطّراد اصطلاحاً

ذكر له تعريفان:
الأوّل: هو استعمال اللفظ في المعنى المفروض بحسب المقامات بحيث لايختصّ جوازه بمقام دون آخر وصورة دون أخرى، ويصحّ إطلاقه على مصاديق ذلك المعنى إذا كان كليا من غير اختصاص له ببعضها. [٣]
كلما أطلق لفظ (رجل) باعتبار معنى خاصّ على مورد صحّ إطلاقه في كلّ مورد تحقّق فيه الرجولية. [٤]
ومثّل له الغزالي بقول: عالم والذي معناه ذو علم، الصادق على كلّ ذي علم، فيصحّ إطلاقه على جميع مصاديق ذلك المعنى. [٥]
الثاني: هو شيوع استعمال اللفظ في المعنى من دون اختصاص بمقام دون مقام كلفظ «الإنسان» و«زيد» فإنّ استعمالهما في معنيهما لايختصّ بمورد بخلاف استعمال «رقبة» في الذات فإنّه يصحّ. [٦]
ويمتاز هذا التعريف عن التعريف الأوّل بأنّه يضيف صفة «الشيوع» الذي يفترق بها الاستعمال في المعنى الحقيقي عن الاستعمال في المعنى المجازي الأمر الذي لم ينهض به التعريف الأوّل كما سيأتي توضيحه.

حكم الاطّراد

ناقش الأصوليون الاطّراد من جهتين:


الجهة الأولى: كون الاطّراد علامة على الحقيقة

وفيها قولان:

القول الأوّل: القول بالعلامية

واستدلّ عليه بعدة أدلّة:
1 ـ ما ذكره الغزالي[٧] ويظهر من الشيخ الطوسي[٨] وحاصله: دعوى أنّ الاطّراد من اللوازم المساوية للحقيقة، لتحقّق الاطّراد في التطبيق بلحاظ الحيثية التي أطلق من أجلها اللفظ وتوضيح ذلك: أنّه مع تحقّق الوضع للمعنى لاشكّ في صحّة إطلاق اللفظ عليه في جميع الموارد التي تتحقّق فيها الطبيعة إذ قولنا:
«عالم» لمّا عني به «ذو علم» صادق على كلّ ذي علم، بينما في موارد عدم تحقّق الوضع تتوقّف صحّة الاستعمال على وجود العلاقة المصححة التي يعتبر فيها عدم إباء العرف وعدم استهجانه وهو يختلف من مورد إلى آخر وليس له قاعدة مطّردة، ولذا نرى صحة التجوّز في قولنا: «واسَأل القَرْيَةَ» بخلاف قولنا: «واسأل البساط»، وفي قولنا: «اعتق رقبة» بخلاف قولنا: «جاء رقبة» وغير ذلك من الأمثلة ممّا يكشف أنّ الاطّراد من اللوازم المساوية للحقيقة ويدلّ عليها من باب دلالة اللازم المساوي على ملزومه.
2 ـ ما ذكره المحقّق العراقي[٩] من أنّ الاطّراد علامة على الحقيقة لكونه طريقا إلى التبادر الحاقّي الذي هو طريق إلى الحقيقة من قبيل: السراج على السراج، وتوضيحه: بأن يطلق اللفظ مرارا متعددة وفي أوضاع وحالات مختلفة وينسبق منه في جميع ذلك معنى واحد، فإنّ هذا الاطّراد دليل الحقيقة؛ لأنّه يُقطع عادة بأنّ الانسباق المذكور كان من نفس اللفظ وحاقه لا من جهة قرينة مخفية أو مناسبة طبيعية، فلا إشكال في كون الاطّراد علامة على الحقيقة ولو باعتبار كونه طريقا على الطريق. ويرد عليه أنّ الاطراد المذكور ليس علامة مستقلة عن علامة التبادر على الوضع ولا يتعدّى دور الاطّراد في البيان المذكور كونه مشخصا لصغرى علامية التبادر ويحقّق كون التبادر حاقّيا ومستندا إلى الوضع. [١٠]
3 ـ دعوى تحقّق الاطّراد في استعمال اللفظ في المعاني الحقيقية في جميع المقامات والأحوال مع انضمام القرينة وبدونه ولا اطّراد في المعاني المجازية على النحو المذكور، وهي طريقة عملية لتعليم اللغات الأجنبية واستكشاف حقائقها العرفية وبها يتعلّم الأطفال اللغات والألفاظ غالبا، ذهب إلى ذلك الإصفهاني[١١] وتبنّاه السيّد الخوئي[١٢]، وذكر في بيانه: أنّ من ينتقل من بلد إلى بلد ويرى أهله يستعملون الألفاظ في معانٍ وفي موارد مختلفة مع إلغاء جميع ما يحتمل كونه قرينة على إرادة المجاز فلا ريب سيكتشف من ذلك أنّ تلك المعاني هي المعاني الحقيقية التي وضعت لها تلك الألفاظ؛ لأنّ جواز الاستعمال معلول لأمرين إما الوضع أو القرينة وحيث انتفت القرينة بالاطّراد فلاشكّ يكون مستندا إلى الوضع، ومعلوم أنّ المجاز ليس كذلك؛ لأنّه لايصحّ الاستعمال فيه إلاّ مع القرينة الصارفة.
ويرد عليه: أنّ المجازية تجتمع مع اطّراد الاستعمال في موارد مختلفة مع إلغاء ما يحتمل كونه قرينة أيضا. [١٣]
4 ـ وهو تعديل للدليل الثالث ذهب إليه السيّد محمّد باقر الصدر[١٤] مدعيا اطّراد الاستعمال من دون قرينة لا بمعنى الاستدلال بصحّة الاستعمال مطردا على نفي المجازية ـ كما في الدليل الثالث ـ بل الاستدلال بشيوع الاستعمال في معنى على أنّه المعنى الحقيقي، وذكر في توضيحه: أنّ الأمر يدور بين أن تكون جميع تلك الاستعمالات الكثيرة مجازا من دون قرينة أو تكون حقيقة، والمجاز بلا قرينة وإن كان استعمالاً صحيحا وواقعا خارجا، ولكنّه لاشكّ في عدم كونه مطردا وشائعا ليشكل اتجاها نوعيا في الاستعمالات، فيكون الاطّراد بهذا المعنى نافيا للمجازية وعلامة على الحقيقة.

القول الثاني: عدم علامية الاطّراد على الحقيقة

اعترض جماعة من الأصوليين[١٥] على علامية الاطّراد على الحقيقة بأن الاطّراد في التطبيق ـ بلحاظ الحيثية التي أطلق من أجلها اللفظ ـ حاصل في المعاني المجازية أيضا باعتبار القرينة الخاصّة سيما إذا كانت العلاقة في غاية الوضوح وكانت المشابهة في أبرز الصفات كما في استعمال الأسد في الرجل الشجاع، فإنّه يطّرد استعماله فيه بالقيد المذكور. وأضاف الرازي في سياق اعتراضه على الغزالي أنّه إن أراد استعمال اللفظ في غير موضع نصّ الواضع لكونه مشاركا للمنصوص عليه في المعنى، فيردّ عليه:
أوّلاً: أنّ هذا هو القياس ولا قياس في اللغات كما ذهب إليه الغزالي نفسه.
ثانيا: لو سلم جواز القياس في اللغة، فإنّنا نرفض دعوى اطّراد الحقيقة في كثير من الموارد:
منها: أن يمنع منه العقل، كلفظ «الدليل» عند من يقول أنّه حقيقة في فاعل الدلالة، فإنّه لما كثر استعماله في نفس الدلالة لم يحسن استعماله في حقّ اللّه‏ تعالى إلاّ مقيدا.
ومنها: أن يمنع منه السمع كتسمية اللّه‏ تعالى بـ «الفاضل» و«السخي»، فإنّها ممنوعة شرعا مع حصول الحقيقة فيه.
ومنها: أن تمنع منه اللغة كامتناع استعمال «الأبلق» في غير الفرس. [١٦]
ويلاحظ أنّ هذا النقض مردود بما ذكره الشيخ الطوسي من الفرق بين الحقيقة والمجاز في عدم الاطّراد بأنّ عدم اطّراد الحقيقة إنّما يكون لوجود المانع وعدم اطّراد المجاز لعدم المقتضي وهو العلاقة مع استعمال أهل اللغة، ولذا ذهب الشيخ الطوسي إلى أنّ الاطّراد بلا مانع لازم للحقيقة. [١٧]
لكن يبقى أصل الاعتراض قائما وإن كانت إضافة الرازي غير تامّة.

الجهة الثانية: كون عدم الاطّراد علامة على المجاز

لا تلازم بين القول بأنّ الاطّراد علامة للحقيقة والقول بأنّ عدم الاطّراد علامة على المجاز، فقد يُلتزم بالعلامية في الثاني دون الأوّل كما سيتّضح من استعراض الأقوال والأدلّة.
دليل المؤيدين: الاستدلال بكون عدم الاطّراد من اللوازم المساوية للمجاز، وتوضيحه: ذهب جماعة من الأصوليين[١٨] إلى أنّ عدم الاطّراد دليل المجاز واستدلّوا له بعدم جواز استعماله في محلّ مع وجود سبب الاستعمال المسوّغ لاستعماله له في محلّ آخر، فيجوز الاستعمال في مثل: «اسَأل القَرْيَةَ» ولا يجوز: «اسأل الدابة» ويجوز التجوّز بالنخلة للإنسان الطويل دون غيره ممّا فيه طول. [١٩]
دليل المعارضين: ذهب بعض الأصوليين[٢٠] إلى أنّ الحقيقة أيضا لا تطرد في بعض الموارد، كالسخي والفاضل فإنّهما لايطلقان على اللّه‏ سبحانه مع وجودهما فيه على نحو الكمال، وكذا القارورة لاتطلق على غير الزجاجة ممّا يوجد فيه معنى الاستقرار كـ (الدن). [٢١]

ثمرة البحث في علامية الاطّراد وعدمها

وقع الكلام في ترتيب الأثر وعدمه على البحث في علامات الحقيقة بما فيها علامة الاطّراد، فنسب إلى البعض عدم ترتيب الثمرة على تشخيص المعنى الحقيقي لدوران الحجّية مدار الظهور الفعلي سواء كان هو المعنى الحقيقي أو المجازي. [٢٢]

المصادر

  1. العين 7: 410، لسان العرب 3: 2368، الصحاح 2: 502، مجمع البحرين 3: 92 مادة «طرد».
  2. المصباح المنير: 370 مادة «طرد».
  3. هداية المسترشدين 1: 260.
  4. تهذيب الأصول السبزواري 1: 22.
  5. المستصفى 1: 278.
  6. منتهى الدراية 1 : 107 ، وأنظر : بحوث في علم الأصول الهاشمي 1 : 170.
  7. المستصفى 1: 278.
  8. العدّة في أصول الفقه 1: 30، 38.
  9. نهاية الأفكار 1 ـ 2: 68.
  10. بحوث في علم الأصول الهاشمي 1: 170.
  11. هداية المسترشدين 1: 262.
  12. محاضرات في أصول الفقه 1: 124.
  13. بحوث في علم الأصول الهاشمي 1: 170.
  14. المصدر السابق: 171.
  15. منهم: الرازي في المحصول 1: 149 ـ 150، والآمدي في الإحكام 1ـ2: 30، والبهائي في زبدة الأصول: 57، والقمّي في القوانين المحكمة: 10ـ11، والخراساني في كفاية الأصول: 20، والمظفر في أصول الفقه 1 ـ 2: 72، والسبزواري في تهذيب الأصول 1: 22 ـ 23.
  16. المحصول 1: 149 ـ 150.
  17. العدّة في أصول الفقه 1: 30، 38، وأنظر: الحاشية الخليلية 1: 144.
  18. الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 30، زبدة الأصول (البهائي): 57، إرشاد الفحول 1: 134، تهذيب الأصول (السبزواري) 1: 22.
  19. إرشاد الفحول 1: 134.
  20. المحصول 1: 149 ـ 150.
  21. إرشاد الفحول 1: 134، القوانين المحكمة: 11.
  22. أنظر: زبدة الأصول الروحاني 1: 71.