الاشتراك اللفظي والمعنوي

من ویکي‌وحدت

الاشتراك اللفظي والمعنوي: الاشتراک بمعنی اتحاد اللفظ وتعدد المعنی، وبما أنّ في لسان الدليل ألفاظاً مشترکةً يتوقف فهمها علی تعيين المعنی، يهمّ للفقيه أن يعرف هذا الاصطلاح الأصولي حتی يمکن له استنباط الأحکام الشرعية.

تعريف الاشتراک لغةً

الاشتراك: مأخوذ من اشترك إذا اختلط. يقال: اشترك الرجلان، وشارك أحدهما الآخر، أي بمعنى: اختلطا، والاشتراك المخالطة. [١]

تعريف الاشتراک اصطلاحاً

الاشتراك: هو اتّحاد اللفظ وتعدد المعنى. والمشترك: هو اللفظ الدالّ على معنيين مختلفين فأكثر، كلفظة «عين» الموضوعة للباصرة والجارية، و«قُرْء» الموضوعة للطهر والحيض. [٢]
ويعبّر عن الاشتراك بهذا المعنى بـ الاشتراك اللفظي في مقابل الاشتراك المعنوي الذي يعني: التقاء أفراد متعددة في معنى كلّي واحد وضع اللفظ له، كالإنسان الموضوع للحيوان الناطق الجامع بين سائر أفراده ومصاديقه، كزيد وعمرو وبكر التي تستعمل في الإنسان استعمالاً حقيقيا؛ لاشتراكها في ذلك المعنى[٣]، فيقال: زيد إنسان، وعمرو إنسان، وبكر إنسان.
وبذلك يتّضح أنّ ليس للاشتراك المعنوي إلاّ وضعا واحدا، وهو وضع اللفظ لمعنى كلّي، بخلاف الاشتراك اللفظي الذي يتعدّد فيه الوضع بعدد المعنى الذي يراد وضع اللفظ له. [٤]
يعبّر عن الاشتراك المعنوي بالكلّي الجامع بين أفراده. [٥]

جريان الاشتراك في الأسماء والأفعال والحروف

يجري الاشتراك اللفظي في جميع أقسام الكلمة، فهو كما يجري في الأسماء كالعين والقرء في المثالين الآنفين كذلك يجري في الأفعال، كـ «عسعس» الموضوعة للإقبال والإدبار، وكـ «عسى» الموضوعة للترجي والإشفاق، وكذلك يجري في الحروف، كحرف «الباء» الموضوعة للتبعيض والإلصاق والزيادة والاستعانة والسببية، وكـ «على» الموضوعة للإلزام والتعليل والظرفية والشرطية وغيرها من المعاني[٦]
بل ذكر بعضهم: إنّ جميع الحروف مشتركة، ومعانيها متعددة. [٧]

الأقوال في إمکان الاشتراک اللفظي ووقوعه

لا إشكال في إمكان الاشتراك المعنوي ووقوعه في اللغة، وإنّما الإشكال في الاشتراك اللفظي، فالمشهور عند الإمامية[٨] والجمهور[٩] إمكانه ووقوعه، بل ذهب بعضهم. [١٠] إلى وجوبه، خلافا لآخرين حيث ذهبوا إلى امتناعه مطلقا[١١]، وآخرون إلى امتناعه في القرآن دون غيره[١٢]، وجماعة إلى امتناعه في الحديث أيضا[١٣]، بينما خصّ بعضهم الامتناع بالمعنيين الضدين أو المتناقضين.[١٤]
فالأقوال فيه ستّة:

القول الأول في وقوع الاشتراک اللفظي

أمّا القول الأوّل، فقد استدلوا له بالأدلّة التالية:
أ ـ هو أنّ الاشتراك واقع في اللغة، كما نقل ذلك في كثير من الألفاظ، كـ «المولى» الموضوع للسيد والعبد، وكـ «العين» الموضوعة للباكية والجارية[١٥]، وكذلك مادة «هلال»[١٦] ومادة «أرض».[١٧]
ب ـ التبادر وانسباق معنيين أو أكثر من لفظ واحد، وهو علامة كونه حقيقة فيها. [١٨]
ج ـ عدم صحّة سلب المعاني المتعددة من لفظها المشترك، فلا يقال: الذهب والفضة ـ مثلاً ـ ليسا بعين، والطهر والحيض ليسا بقرء، وهو أيضا علامة كونه حقيقة فيها. [١٩]
فالقول بإمكان الاشتراك هو المشهور بين الأصوليين، إلاّ أنّ من يأخذ بهذا القول عليه أن يتبنى مسبقا النظرية القائلة: بأنّ حقيقة الوضع عبارة عن الاعتبار سواء أكان بمعنى اعتبار الملازمة بين اللفظ والمعنى أو اعتبار اللفظ للمعنى، أو اعتبار جعل اللفظ ووضعه على المعنى، على اختلاف تصويرهم للاعتبار في هذا المجال، فإنّه في هذه الحالة يتيسّر تصور إمكان الاشتراك، إذ لا مؤنة في الاعتبار، فكما يمكن اعتبار اللفظ موضوعا لمعنى معيّن يمكن اعتباره موضوعا لمعانٍ متعددة، بخلافه على مسلك التعهد الذي يفسّر الوضع بأنّه عبارة عن: التزام الواضع بأن لا يقصد من اللفظ إلاّ معنى معيّن لايتعدّاه إلى غيره، فإنّه على هذا المسلك قد يقال بامتناع الاشتراك؛ لتضمّن اللفظ المشترك رفضا للتعهد المذكور؛ لما فيه من قصد معانٍ متعددة وضع اللفظ لها. [٢٠] إلاّ أنّ بإمكان أصحاب هذا المسلك التخلّص من هذه المشكلة بتعديل صورة التعهد بالتزام الواضع بألاّ يتكلّم بلفظ إلاّ إذا أراد تفهيم معناه أو أحد معنييه أو معانيه المتعددة، فيتمّ بذلك العمل بمسلك التعهد مع الالتزام بالاشتراك والإقرار به. [٢١]

القول الثاني في وقوع الاشتراک اللفظي

أما القول الثاني: وهو القول بوجوب الاشتراك، فقد استدلّوا له بتناهي الألفاظ، وعدم تناهي المعاني، فإنّه لأجل إيجاد توازن بين الألفاظ والمعاني لابدَّ من الاستعانة بالألفاظ المشتركة لوضع أكبر عدد ممكن من المعاني تحتها، لكيلا يبقى معنى بدون لفظ، ممّا يعني ضرورة تحقّق الاشتراك ووجوب الالتزام به في اللغة[٢٢]. واُورد عليه:
أوّلاً: بأنّ عدم التناهي يمكن تصوّره في الألفاظ أيضا؛ لأنّها وإن كانت ترجع في مادّتها إلى ثمانية وعشرين حرفا إلاّ أنّها قابلة للتأليف والتوسعة إلى ما لا نهاية من الألفاظ المختلفة الهيئات والتراكيب، عن طريق التقديم والتأخير، والزيادة والنقصان، والحركات والسكنات، فهي نظير الأعداد المحدودة من الواحد إلى العشرة القابلة للتأليف والتكثير إلى ما لا نهاية من الأعداد. [٢٣]
ثانيا: إنّ وضع الألفاظ المشتركة بإزاء المعاني غير المتناهية غير معقول أيضا؛ لاستلزامه أوضاعا غير متناهية، وهي مستحيلة من واضعٍ متناه كالإنسان، ولو فرض واضعها اللّه‏ تعالى غير المتناهي، فهو لايضع الألفاظ إلاّ بقدر حاجة الإنسان إليها، فلو وضع الألفاظ للمعاني غير المتناهية كان ذلك عبثا لايليق بحكمته تعالى. [٢٤]

القول الثالث في وقوع الاشتراک اللفظي

أمّا القول الثالث: وهو القول بالامتناع مطلقا، فقد استدلّوا له بالأدلّة التالية:
أ ـ إنّ الاشتراك يتنافى مع حكمة الوضع التي هي التفهيم والتفهّم؛ لاستلزامه الإجمال في المراد من الكلام، وعدم وضوح المقصود منه، ممّا يعني امتناع الاشتراك وعدم إمكان الالتزام به في اللغة؛ لعدم مطابقته لحكمة الوضع. [٢٥]
وأمّا الألفاظ التي اُدعي اشتراكها في عدّة معاني، كلفظ العين فقد حاولوا التخلّص منها، بالتأكيد على أنّها ليست حقيقة إلاّ في أحد معانيها، وأمّا سائر معانيها فدلالتها عليها بالمجاز، فتكون دلالة العين مثلاً على الباصرة بنحو الحقيقة، وعلى الجارية وسائر معانيها الاُخرى بنحو المجاز. [٢٦] واُورد عليه:
أوّلاً: بأنّه لا منافاة بين حكمة الوضع والاشتراك؛ لإمكان التعرّف على مراد المتكلّم عن طريق القرائن الحافة بكلامه. [٢٧]
ثانيا: إنّ الحكمة قد تقتضي الإجمال في الكلام أحيانا، إمّا لشدّ السامع وجرّه إلى البيان بعد الإجمال[٢٨]، وإمّا لإخفاء المقصود من الكلام بصورة كليّة، فلا ضرورة لحصر الحكمة بالتفهيم والتفهّم. [٢٩]
ثالثا: إنّ مجرّد الإجمال في المشترك لايبرر القول بامتناعه، فإنّ أسماء الأجناس لا دلالة فيها على أحوال مسمّياتها لا نفيا ولا إثباتا، والأسماء المشتقة لا دلالة فيها على تعيّن الموصوفات بها مع أنّه لم يشكّ أحد في أنّها موضوعة لتلك المعاني. [٣٠]
وأمّا محاولة توجيه الألفاظ المشتركة بحملها على أحد المعاني بنحو الحقيقة وعلى الباقي بنحو المجاز، فيمكن الردّ عليه بما تقدّم من تبادر جميعها من ألفاظها، وعدم صحّة سلبها عنها.
ب ـ إنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ مرآة للمعنى وفانيا فيه، ولايمكن أن يكون شيء واحد مرآة لشيئين وفانيا فيهما مرّتين. [٣١]
واُورد عليه: بأنّ حقيقة الوضع ليس كما ذكر، بل هي عبارة عن جعل اللفظ للمعنى وتسمية المعنى به، وأمّا فناء اللفظ في المعنى فهو أمر غير معقول. [٣٢]
ج ـ إنّ الوضع عبارة عن جعل الملازمة الذهنية بين اللفظ والمعنى، وهو لايتناسب مع الاشتراك المستلزم لعدّة انتقالات ذهنية مستقلة من اللفظ إلى عدّة معاني دفعة واحدة، وهو محال. [٣٣]
واُورد عليه: بأنّه إن كان المراد بالاستقلال عدم الانتقال إلى المعاني الاُخرى، فإنّا لا نسلّم أن يكون لازم الوضع ذلك، وإن كان المراد بالاستقلال ما يقابل الانتقال الضمني كدلالة الاثنين على الواحد ضمنا، فالاستقلال بهذا المعنى محقّق في الألفاظ المشتركة، وهو ليس بمحال؛ لدلالة الألفاظ على كلّ واحد من معانيها بصورة مستقلة عن الآخر، فليس هو أمرا محالاً. [٣٤]

القول الرابع في وقوع الاشتراک اللفظي

وأمّا القول الرابع: وهو استحالة الاشتراك في القرآن دون غيره، فقد استدلّوا له باستلزامه الإجمال أو التطويل بذكر القرائن والتوضيحات، وكلاهما لايليق بكلامه تعالى، ممّا يعني استحالة الاشتراك في القرآن. واُورد عليه:
أوّلاً: عدم استلزام الاشتراك تطويلاً في الكلام دائما؛ لإمكان أن تكون القرائن واردة في سياق آخر، فتدلّ على المراد بـ الدلالة الالتزامية. [٣٥]
ثانيا: نمنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى، لإمكان تعلّق الغرض أحيانا بعدم البيان. [٣٦]
مع أنّ في القرآن «آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ»[٣٧] حيث فُسر المتشابه بالمجمل[٣٨]، فكيف يستبعد الإجمال والاشتراك من القرآن؟![٣٩] ثالثا: إنّ الاشتراك واقع في القرآن، كما في «الصريم» و«عسعس»[٤٠] في قوله تعالى: «فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ»[٤١]، وقوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ»[٤٢]، مع أنّهما من الألفاظ المشتركة؛ لأنّ الصريم، يعني الليل والنهار، وأصبحت كالصريم أي كالليل في سوادها بسبب الاحتراق، وكالنهار في بياضها بسبب اليبوسة أو الآفة التي أصابت الخضار. [٤٣] وأمّا عسعس فهو وإن كان المقصود منه في الآية هو إدبار الليل[٤٤] إلاّ أنّه يطلق لغة على الإقبال والإدبار. [٤٥]

القول الخامس في وقوع الاشتراک اللفظي

أمّا القول الخامس: وهو امتناع الاشتراك في الحديث دون غيره، فقد استدلّوا له بأدلة قريبة من أدلّة امتناعه في القرآن، ولذا احتمل البعض أن يكون أصحاب هذا القول هم أنفسهم القائلون بامتناع الاشتراك في القرآن[٤٦]، ولذا يمكن الردّ عليهم بنفس ما اُورد على القائلين باستحالته في القرآن.

القول السادس في وقوع الاشتراک اللفظي

وأمّا القول السادس: وهو امتناع الاشتراك في المتناقضين، فقد استدلّوا له بأنّ الاشتراك فيهما يؤدّي إلى ترديد السامع بين أمرين متنافيين حكم العقل بعدم أحدهما. [٤٧]
وجوابه يعرف ممّا تقدّم؛ لأنّ في الإجمال فوائد لايمكن تحصيلها بالبيان. على أنّ الاشتراك بين الشيء ونقيضه واقع في اللغة، كما في «عسعس» الموضوعة للإقبال والإدبار، كما تقدّم. [٤٨]
ثم إنّ الاشتراك يمثّل حالة طارئة تعرض على اللفظ. [٤٩]، فهو بمنزلة الخاص الوارد على العام ليخصصه.

الآثار الشرعية المترتبة على الاشتراك

لا إشكال في صحّة الأخذ بأحد المعاني المشتركة إذا قامت قرينة على كونه مرادا للمتكلّم، إنّما الإشكال فيما إذا لم تكن هناك قرينة عليه؛ لتساوي احتمال إرادة أيّ واحد من معانيه المتعددة، كما تقتضي ذلك ماهية التعريف[٥٠]، ممّا يسبب إجمالاً في النصّ الذي ذهب الأصوليون من الإمامية إلى التمسّك فيه بالبراءة من التكليف إذا أدّى إلى الشكّ في التكليف لا بالمكلّف به[٥١]، خلافا للأخباريين منهم حيث فصّلوا بين الشبهات التحريمية فأوجبوا الاحتیاط، وبين الشبهات الوجوبية فتمسّكوا فيها بالبراءة. [٥٢]
وأمّا علماء الجمهور فقد اكتفوا بالقول بأنّ المشترك إن فقد القرينة على المراد فهو مجمل لايمكن حمله على أحد معانيه التي وضع لها، ممّا يعني تمسّكهم في مثل هذه الحالة إمّا بـ أصالة البراءة دون الاحتياط؛ لأنّ مقتضى الاحتياط هو الأخذ بجميع المعاني التي وضع اللفظ لها، وهو ما صرّحوا بنفيه[٥٣]. وإمّا بطرق اُخرى كالقياس و الاستحسان.

منشأ الاشتراك

ذكر الأصوليون نظريتين في منشأ الاشتراك، حيث ذهب جماعة إلى أنّه من وضع واضع واحد[٥٤]، وذهب آخرون إلى أنّ منشأه في الغالب اختلاط اللغات وانصهار بعضها في بعض[٥٥]؛ لأنّ اللغة الواحدة كانت موزعة على مجتمعات صغيرة بعدد الوحدات البدائية التي تنتمي إليها كالقبيلة مثلاً، فتضع قبيلة لفظا لمعنى، وتضع اُخرى نفس هذا اللفظ لمعنى آخر، فعندما انصهرت القبائل والمجاميع واندمجت حياة بعضهم ببعض ظهر الاشتراك[٥٦]، ومن هنا يقال: إنّ هذا اللفظ في لغة تميم، يراد به كذا، وفي لغة الحجاز كذا، وفيلغة حِمْيَر كذا... وهكذا. [٥٧] وعلى كلا النظريتين، قد يكون بالوضع التعييني، وذلك بوضع الواضع اللفظ لكلا المعنيين دفعة واحدة، وقد يكون بالوضع التعيُّني الناشئ من كثرة الاستعمال. [٥٨]

الأصل عند الشكّ في الاشتراك

إذا شككنا في وضع لفظ لعدّة معاني فالأصل عدمه، ولولا هذا الأصل لما أمكن التخاطب بالألفاظ إلاّ مع القرينة[٥٩]، ولما أمكن الاستدلال بأيّ نصّ من النصوص الشرعية عند الشكّ في وضع لفظه لمعان اُخرى غير المعنى المفهوم منه. [٦٠]
وقد تقول: إنّ الأصل الاشتراك عند الشكّ فيه؛ لغلبة وجوده وتفوّقه على الألفاظ المختصّة؛ لشهادة النحاة على أنّ الحروف كلّها مشتركة، والأفعال في غالبها كذلك؛ لأنّ الماضي مشترك بين الفعل والدعاء، والمضارع مشترك بين الحال والاستقبال، وأمّا الأسماء فالاشتراك فيها كثير أيضا، فإذا ضممنا الاشتراك فيها إلى الاشتراك في الأفعال والحروف كان الاشتراك هو الحالة الغالبة في اللغة، فلابدّ أن يكون موافقا له عند الشكّ في وجوده.
والجواب: هو أنّ أغلب الألفاظ أسماء، والاشتراك فيها قليل، فالغالب في اللغة عدم الاشتراك، فلابدّ أن يكون عدم الاشتراك هو الأصل دون الاشتراك. [٦١]

تعارض الاشتراك مع حالات اللفظ الأخرى

قد يتعارض الاشتراك مع حالات أخرى للفظ كالمجاز والنقل والإضمار، وقد وقع البحث في ترجيح الاشتراك عليها أو ترجيحها على الاشتراك، وذلك يعرف من البحوث التالية:
1 ـ تعارض الاشتراك مع المجاز، كما في موارد الاستحباب الذي وقع الكلام في دلالة صيغة الأمر عليه بنحو المجاز أم بنحو الحقيقة المشتركة بينه وبين الوجوب حيث ذهب المشهور[٦٢] إلى أنّ دلالتها عليه بنحو المجاز لكونه أولى من الاشتراك[٦٣]؛ إمّا لأنّ حملها على الاشتراك يؤدّي إلى إجمال اللفظ وعدم وضوح المقصود منه، بخلاف حملها على المجاز الذي يكون المقصود منه واضحا لا إجمال فيه، وإمّا لكثرة الاستعمال في المجاز وغلبة استعمال اللفظ فيه، خلافا للاشتراك الذي قلّما يلجأ إليه المتكلّم في سائر استعمالاته[٦٤] وفي مقابل المشهور ذهب بعض إلى تقديم الاشتراك على المجاز[٦٥]؛ لكونه أبعد عن الخطأ وإن استلزم إجمالاً في المقصود منه عند فقدان القرينة على أحد معانيه المشتركة. [٦٦]
2 ـ تعارض الاشتراك مع النقل، كما لو شككنا في الصلاة الموضوعة لغة للدعاء هل نقلت إلى الصلاة ذات الأعمال والأركان مع هجران وضعها للدعاء أم أنّها مشتركة بينها وبين الدعاء؛ لعدم تحقّق الهجران، حيث قدّموا الاشتراك على النقل؛ لحاجة النقل إلى النسخ مع أنّه لا دليل عليه. [٦٧]
3 ـ تعارض الاشتراك مع الإضمار، حيث قدموا الإضمار عليه؛ لتوقّف استعمال المضمر على معلومية مرجعه، فلابدّ من بيانه كي لايبقى مجملاً بخلاف الاشتراك الذي لايحتاج في استعماله إلى وضوح المقصود منه فيبقى مجملاً، فيقدّم واضح المقصود على غيره. [٦٨]
4 ـ تعارض الاشتراك مع التخصيص، حيث رجّحوا التخصيص عليه؛ لتقدّمه على المجاز، فمن الأولى أن يتقدّم على الاشتراك. [٦٩] لكن كثيرا من الأصوليين رفضوا هذه الترجيحات في معالجة تعارض أحوال اللفظ؛ لاستنادها إلى وجوه استحسانية لا دليل على اعتبارها إلاّ إذا أدّت إلى ظهور في اللفظ، فيكون الترجيح حينئذٍ للظهور لا للوجوه الاستحسانية. [٧٠]

المصادر

  1. لسان العرب 2: 2022 مادة «شرك».
  2. شرح تنقيح الفصول: 29، البحر المحيط 2: 122، شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع 1: 462، إرشاد الفحول 1: 108، الفصول الغروية: 31، تهذيب الأصول السبزواري 1: 34.
  3. أنظر: القوانين المحكمة: 101، فوائد الأصول 1ـ2: 500، دروس في أصول فقه الامامية: 2: 68.
  4. دروس في أصول فقه الإمامية 2: 69ـ70، أصول الفقه الإسلامي أحمد محمود الشافعي: 349.
  5. دروس في أصول فقه الإمامية 2: 68.
  6. أنظر: التحبير شرح التحرير 1: 349ـ350.
  7. البحر المحيط 2: 125.
  8. العدّة في أصول الفقه الطوسي 1: 51، معارج الأصول: 53، مبادئ الوصول: 68، معالم الدين: 38، الفصول الغروية: 31، كفاية الأصول: 35، نهاية الأفكار 1ـ2: 102، أصول الفقه (المظفر) 1ـ2: 77.
  9. التمهيد في أصول الفقه 1: 88، الواضح في أصول الفقه 1: 52، المحصول الرازي 1: 98ـ99، كشف الأسرار (البخاري) 1: 103، الإبهاج في شرح المنهاج 1: 251.
  10. اُنظر: التحبير شرح التحرير 1: 356، هداية المسترشدين 1: 497.
  11. نُسب إلى الباقلاني وثعلب والأبهري والبلخي. أنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1: 250، البحر المحيط 2: 122.
  12. ذهب إليه ابن داود الظاهري وجماعة، كما نقل ذلك عنهم في البحر المحيط 2: 122، والتحبير شرح التحرير 1: 352.
  13. أنظر: التحبير شرح التحرير 1: 365.
  14. المحصول الرازي 1: 100.
  15. أنظر: الصحاح 6: 2170، مادة «عين».
  16. معجم مفردات ألفاظ القرآن: 576، مادة «هلال».
  17. القاموس المحيط: 587، مادة «أرض».
  18. أنظر: عناية الأصول 1: 104.
  19. أنظر: عناية الأصول 1: 105.
  20. محاضرات في أصول الفقه 1: 202، بحوث في علم الأصول الهاشمي 1: 116.
  21. محاضرات في أصول الفقه 1: 202، بحوث في علم الأصول الهاشمي 1: 116.
  22. أنظر: المحصول الرازي 1: 97، عناية الأصول 1: 107.
  23. محاضرات في أصول الفقه 1: 199ـ200.
  24. كفاية الأصول: 35، عناية الأصول 1: 107ـ109.
  25. أنظر: ما نقله في المحصول الرازي 1: 98، التحصيل من المحصول 1: 218، الإبهاج في شرح المنهاج 1: 250.
  26. التفسير الكبير 29: 37 ـ 38. وأنظر أيضا: ما نقله عنهم ابن مفلح في أصول الفقه 1: 64.
  27. كفاية الأصول: 35.
  28. الإبهاج في شرح المنهاج 1: 251، البحر المحيط 2: 124.
  29. كفاية الأصول: 35.
  30. المحصول الرازي 1: 98.
  31. ذكره العراقي في بدائع الأفكار 1: 144.
  32. مناهج الوصول 1: 177، 184.
  33. تشريح الأصول: 47.
  34. مناهج الوصول 1: 178ـ189.
  35. كفاية الأصول: 35.
  36. المصدر السابق.
  37. آل عمران: 7.
  38. أنظر: محاضرات في أصول الفقه 1: 203.
  39. كفاية الأصول: 35، محاضرات في أصول الفقه 1: 203.
  40. التحبير شرح التحرير 1: 355.
  41. القلم: 20.
  42. التكوير: 17.
  43. مجمع البيان 10: 101، تفسير الصافي 7: 263.
  44. مجمع البيان 10: 315.
  45. الصحاح 3: 949، مادة «عسعس»، النهاية في غريب الحديث والأثر 3: 911، مادة «عسعس».
  46. التحصيل من المحصول 1: 219، التحبير شرح التحرير 1: 356.
  47. التحصيل من المحصول 1: 213، الإبهاج في شرح المنهاج 1: 255.
  48. البحر المحيط 2: 123.
  49. أنظر: أصول السرخسي 1: 16.
  50. أصول السرخسي 1: 163.
  51. فرائد الأصول 2: 114، فوائد الأصول 3: 388، نهاية الأفكار 3: 262.
  52. الفوائد الطوسية: 518.
  53. أنظر: المحصول الرازي 1: 108، البحر المحيط 2: 126.
  54. البحر المحيط 2: 124، الفصول الغروية: 31.
  55. قيّده بذلك الرازي في المحصول 1: 101.
  56. نقل ذلك في البحر المحيط 2: 124، أصول الفقه المظفر 1ـ2: 77، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 1: 114.
  57. أصول الفقه المظفر 1ـ2: 77ـ78.
  58. البحر المحيط 2: 124، الفصول الغروية: 31، تحريرات في الأصول 1: 286.
  59. أنظر: معارج الأصول: 53.
  60. مبادئ الوصول: 69.
  61. البحر المحيط 2: 125.
  62. هداية المسترشدين: 1: 292.
  63. المحصول الرازي 1: 154.
  64. هداية المسترشدين 1: 295ـ296.
  65. نقل هذا القول في الوافية: 61.
  66. القوانين المحكمة: 13.
  67. المحصول الرازي 1: 152، القوانين المحكمة: 13.
  68. المحصول الرازي 1: 155 ـ 156.
  69. هداية المسترشدين 1: 304.
  70. كفاية الأصول: 20، محاضرات في أصول الفقه 1: 125، منتقى الأصول 1: 181.