الإمام زين العابدين

من ویکي‌وحدت

الإمام زين العابدين: وهو حفيد رسول الله (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) ورابع الأئمة الإمامية. ومن أشهر ألقابه: زين العابدين، وبه كان يُعرف. لقد نشأ زين العابدين في بيت النبوة، وكان (عليه السّلام) على صلة وثيقة بالاحداث التي وقع في أيام يزيد بن معاوية وبعده، فقاد (عليه السّلام) موكب الثائرين ضد الفساد والطغيان، وكان زين العابدين في ذلك الموكب الحسيني الثائر، ورأى بأُم عينيه حيث أقعده المرض في تلك الأيام عن القتال مصارع أبيه وإخوته، وأعمامه، وأنصارهم على صعيد كربلاء، وشهد تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت بحقّهم. وبدافع هذا الشعور، انطلقت الثورات، فكانت ثورة المدينة، وثورة التوابين بالكوفة، وتوالت الثورات حتى زعزعت أركان الحكم الأُموي، وأسقطته في نهاية المطاف. ولجأ زين العابدين (عليه السّلام) إلى أسلوب آخر لِاصلاح المجتمع، وهو أسلوب الدعاء، فترك لنا ثروة زاخرة من الأدعية المعروفة بـ الصحيفة السجادية. وللِامام (عليه السّلام) أيضاً «رسالة الحقوق»، التي تشتمل على خمسين مادة، بيّن فيها حقّ اللَّه تعالى، وحق الوالد، وحق الولد، وحق المعلم، وحق اللسان، وحق السمع، وغيرها من الحقوق. كما أنّه أسّس مدرسة للفقه و الحديث، وقد أُحصي أكثر من مائة وستين من التابعين والموالي ممن كانوا ينهلون من معينه، ويروون عنه. وروي عن الزهري، قال: ما رأيت أحداً كان أفقه منه. قال الذهبي في وصف زين العابدين (عليه السّلام): كان له جلالة عجيبة، وحقّ له واللَّه ذلك، فقد كان أهلًا للِامامة العظمى لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهّه، وكمال عقله.

الإمام السجاد زين العابدين (38 ــ 94ق)

وهو علي ابن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، رابع أئمة أهل البيت الطاهر، أبو محمد القرشي، الهاشمي، العلوي. ولد بالمدينة المنورة في الخامس من شعبان، وقيل غير ذلك، سنة ثمان وثلاثين وقيل سبع وثلاثين، وكان له من العمر حين قام بأعباء الإمامة بعد استشهاد أبيه الحسين (عليه السّلام) اثنان وعشرون عاماً أو ثلاثة وعشرون. [١]

ألقابه

ومن ألقابه: زين العابدين، والسّجاد، وذو الثفنات، وأشهرها زين العابدين، وبه كان يُعرف.
قال أبو الزبير: كنّا عند جابر، فدخل عليه علي بن الحسين، فقال: كنت عند رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم)، فدخل عليه الحسين بن عليّ، فضمه إليه، وقبّله، وأقعده إلى جنبه، ثم قال: يولد لابني هذا ابن يقال له علي، إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ من بُطنان العرش: ليقم سيد العابدين، فيقوم هو.
وجاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي إن رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) سمّاه بهذا الاسم.
وجاء في تسميته بذي الثفنات عن الباقر (عليه السّلام) قال: «كان لَابي في موضع سجوده آثار ثابتة يقطعها في كل سنة من طول سجوده، وكثرته».

نشأته ودوره في واقعة کربلاء

لقد نشأ زين العابدين في بيت النبوة، الذي توالت عليه المصائب، والنكبات، وكان (عليه السّلام) على صلة وثيقة بالاحداث التي أعقبت تربع يزيد بن معاوية على كرسي الحكم، والذي اعتبر تحدّياً للِاسلام وإهانة للمسلمين، ممّا دعا الإمام الحسين إلى الثورة لمواجهة الخطر، فقاد (عليه السّلام) موكب الثائرين ضد الفساد والطغيان، وكان زين العابدين في ذلك الموكب الحسيني الثائر، ورأى بأُم عينيه حيث أقعده المرض في تلك الأيام عن القتال مصارع أبيه وإخوته، وأعمامه، وأنصارهم على صعيد كربلاء، وشهد تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت بحقّهم.
إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) سجّل موقفاً بطولياً، بإراقة دمه، ودماء أهل بيته، وأصحابه، من أجل إحياء مفاهيم الرسالة، وإيقاظ إرادة الأُمّة، فجاءت الثورة دامية، باعتبارها الأسلوب الانجع في تحريك الإرادة المهزومة، وإيقاظ الضمائر الميتة.
ويأتي دور زين العابدين لِاكمال عملية التغيير الثورية، فاتخذ المواقف التي تملأ النفوس غضباً مقدّساً على الحكم الظالم، ولم يترك مناسبة دون أن يذكَّر بالمصائب التي حلَّت بأهل البيت، حملة الإسلام المخلصين، ممّا أدّى إلى تحفيز وإلهاب الشعور بالاثم الذي أحسّه المسلمون عقب مقتل الحسين - عليه السّلام، لتقاعسهم عن نصرته، وموقفهم المتخاذل منه.
وبدافع هذا الشعور، انطلقت الثورات، فكانت ثورة المدينة، وثورة التوابين بالكوفة، وتوالت الثورات حتى زعزعت أركان الحكم الأُموي، وأسقطته في نهاية المطاف.

دوره لإصلاح المجتمع بأسلوب الدعاء

ولجأ زين العابدين (عليه السّلام) إلى أسلوب آخر لِاصلاح المجتمع، وهو أسلوب الدعاء، فترك لنا ثروة زاخرة من الأدعية المعروفة بـ الصحيفة السجادية، التي عالجت مختلف أدواء النفس البشرية، وتضمنت حلاً لكثير من المشاكل الاجتماعية، وزخرت بالعديد من الأساليب التربوية، كل ذلك في أسلوب رائع يشدّ الانسان إلى خالقه، ويعمّق ارتباطه الروحي به.

الصحيفة السجادية في نظر الشيخ الطنطاوي

وقد أرسل أحد الاعلام نسخة من الصحيفة مع رسالة إلى العلامة الشيخ الطنطاوي (المتوفى عام 1358هـ) صاحب التفسير المعروف، فكتب في جواب رسالته: «ومن الشقاوة إنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيّم الخالد في مواريث النبوة، و أهل البيت، وإنّي كلَّما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق».

أشعار محمود البغدادي حول الصحيفة السجادية

قال محمود البغدادي:
وصحيفة كانت طليعة ثورةٍ ؛ كبری، ودربَ سياسةٍ وحلولِ
وصحيفة كانت لآل محمّدٍ ؛ إنجيلهم، لله من إنجيلِ
وصحيفة ملءَ الهدايةِ صاغها ؛ ظلُّ النبوّة لانتشالِ الجيلِ
كالشمس في إعطائها والسيف في ؛ ضرباته لملفّق ودخيلِ
كالروض إلَّا أنّها قد أورقت ؛ حرًّا وقرّا دونما تعطيلِ.[٢]

رسالته المسماة بـ رسالة الحقوق

وللِامام (عليه السّلام) أيضاً «رسالة الحقوق»، التي تشتمل على خمسين مادة، بيّن فيها حقّ اللَّه تعالى، وحق الوالد، وحق الولد، وحق المعلم، وحق اللسان، وحق السمع، وغيرها من الحقوق.

مدرسته الفقهية ورواته

كما أنّه أسّس مدرسة للفقه والحديث، وقد أُحصي أكثر من مائة وستين من التابعين والموالي ممن كانوا ينهلون من معينه، ويروون عنه.
حدث عنه: سعيد بن المسيب، و سعيد بن جبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبو الزناد، ويحيى بن أم الطويل، و عمرو بن دينار، والزهري، و زيد بن أسلم، و يحيى بن سعيد الأنصاري، وطائفة.
روي عن الزهري، قال: ما رأيت أحداً كان أفقه منه.

خصائصه العبادية والأخلاقية والاجتماعية

وذُكر أنّ رجلًا قال لابن المسيّب: ما رأيت أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت أورع منه.
وكان (عليه السّلام) إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له، فقال: «تدرون بين يدي من أقوم، ومن أُناجي».
عن أبي حازم الأعرج، قال: ما رأيت هاشمياً أفضل منه.
وعن أبي حمزة الثمالي، قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره، فيتصدق به، ويقول: «إنّ صدقة السر تطفئ غضب الرب عزّ وجلّ».
وعن عمرو بن دينار، قال: دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل محمد يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: عليّ دينٌ، قال(ع): وكم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار. قال: فهو عليَّ.
وعن يزيد بن عياض، قال: أصاب الزهري دماً خطأ، فخرج، وترك أهله، وضرب فسطاطاً، وقال: لا يظلَّني سقف بيت، فمرّ به علي بن الحسين (عليه السّلام)، فقال: «يا ابن شهاب، قنوطك أشد من ذنبك، فاتق اللَّه، واستغفره، وابعث إلى أهله بـ الدية، وارجع إلى أهلك»، فكان الزهري يقول: علي بن الحسين أعظم الناس عليّ منّة.
قال الذهبي في وصف زين العابدين (عليه السّلام): كان له جلالة عجيبة، وحقّ له واللَّه ذلك، فقد كان أهلًا للِامامة العظمى لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهّه، وكمال عقله.
وقال الحافظ أبو نعيم: فمن هذه الطبقة [أي طبقة تابعي المدينة] علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، زين العابدين، ومنار المتقين، وكان عابداً وفياً، وجواداً حفياً.
وقال الشيخ محمد أبو زهرة: فعلي زين العابدين كان إمام المدينة نبلًا وعلماً، وقال: كان ملء الابصار والقلوب في بلاد الحجاز كلَّها، والذي كانت الجموع تنزاح بين يديه، من غير سلطان، ولا حكم إلَّا الشرف والفضيلة وكريم الخصال.[٣]

مهابته عند الناس

قال علماء السير: حج هشام بن عبد الملك، ولم يل الخلافة بعد، فطاف بالبيت، فجهد أن يصل إلى الحجر فيستلمه، فلم يقدر عليه، فنصب له منبر، وجلس عليه ينظر إلى الناس، فأقبل علي بن الحسين، فطاف بالبيت، فلما بلغ إلى الحجر، تنحّى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ ! فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً، فقال الفرزدق: ولكنني أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ؛ والبيتُ يعرفه والحلُّ والحرمُ
هذا ابن خير عباد اللَّه كلهمُ ؛ هذا التقيُّ النقيّ الطاهر العلمُ
إذا رأته قريشٌ قال قائلها ؛ إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ
يُنمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ؛ عن نيلها عرَبُ الإسلام والعجمُ
يكاد يمسكه عرفان راحته ؛ ركن الحطيم إذا ما جاء يستلمُ
يغضي حياءً ويُغضى من مهابته ؛ فما يكلَّمُ إلَّا حين يبتسمُ
هذا ابن فاطمة إنْ كنتَ جاهله ؛ بجدِّه أنبياء اللَّه قد ختموا
من معشر حبّهم دين وبغضُهُمُ ؛ كفر وقربُهُم منجًى ومعتصمُ
إنْ عدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم ؛ أو قيل مَن خيرُ أهلِ الأرض قيل همُ
إلى آخر القصيدة التي تبلغ نحواً من ثلاثين بيتاً كما في رواية ابن الجوزي، والسبكي في طبقات الشافعية.

دعاؤه لأهل الثفور

وممّا جاء في أدعية الصحيفة السجادية، دعاؤه لَاهل الثغور، نقتطف منه ما يلي: «اللَّهم صلّ على محمّد وآل محمّد، وحصِّن ثغور المسلمين بعزَّتك، وأيِّد حُماتها بقوتك، وأسْبغ عطاياهم من جِدَتك، اللَّهم صلّ على محمّد وآله، وكثّر عدّتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألَّف جمعهم، ودبّر أمرهم، وواتِر بينِ ميَرِهم، وتوحّد بكفاية مؤنِهِم، واعضدهم بالنصر، وأعنْهم بالصبر، والطف لهم في المكر..، وأنْسِهم عند لقائهم العدو ذكرَ دنياهم الخدّاعة الغرور، وامحُ عن قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنة نصبَ أعينهم، ولوّح منها لَابصارهم ما أعددت فيها من مساكن الخلد، ومنازل الكرامة..
وقال (عليه السّلام) في حق الولد: «فإن تعلم أنّه منك، ومضاف إليك، في عاجل الدنيا، بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه».
وفي حق الناصح قال (عليه السّلام): «أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت اللَّه عزّ وجلّ، وإن لم يوفّق رحمته، ولم تتهمه».

وفاته

توفي زين العابدين (عليه السّلام) في الخامس والعشرين من شهر محرم، وقيل غير ذلك سنة أربع وتسعين، وقيل: خمس وتسعين، ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة إلى جوار عمه الإمام الحسن بن علي - عليهما السّلام.

الهوامش

  1. الطبقات الكبرى لابن سعد 5- 211، المحبّر 450، التأريخ الكبير 6- 266، المعارف 125، المعرفة و التاريخ 1- 360، تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) لابن أبي الثلج 77 و 103 و 137، مروج الذهب 3- 369 برقم 2120، مشاهير علماء الامصار 104 برقم 423، الكافي للكليني 2 494- 491، الاغاني 15- 325، الإرشاد للمفيد 253 261، حلية الاولياء 3- 133، الرجال للطوسي 81، طبقات الفقهاء للشيرازي 63، اعلام الورى بأعلام الهدى 256 264، تهذيب الكمال 20- 383، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4- 129، المنتظم لابن الجوزي 6- 326، الكامل في التأريخ 4- 82، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي 291، تهذيب الاسماء و اللغات 1- 343، وفيات الاعيان 3- 266، كشف الغمة في معرفة الأَئمّة 2- 285، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 17- 230، تاريخ الإسلام (سنة 100) 81 352، سير أعلام النبلاء 4- 386، تذكرة الحفاظ 1- 74، فوات الوفيات 4- 332، مرآة الجنان 1- 189، البداية و النهاية 1- 534، فتح الباري 14- 412، تهذيب التهذيب 7- 304، النجوم الزاهرة 1- 229، الفصول المهمة 201، طبقات الحفاظ 37 برقم 69، بحار الانوار الجزء 46، شذرات الذهب 1- 104، نور الابصار للشبلنجي، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 499، سيرة الأَئمّة الاثني عشر 2- 117، حياة الامام زين العابدين لباقر شريف القرشي ج 1 و 2، قاموس الرجال 11- 29.
  2. محمود البغدادي، النظرية السياسية لدى الامام زين العابدين- عليه السّلام-: 379.
  3. تاريخ المذاهب الإسلامية: 639 و 642.