الإلهام

من ویکي‌وحدت

الإلهام: اختلف الأصوليون في أنّ الإلهام هل يمكن أن يقع دليلاً على الحكم الشرعي كسائر الأدلة التي تذكر في أصول الفقه أم أنه شئ باطل لا حقيقة له؟ وسنتعرض في هذا المقال أن الإلهام منه حق ومنه باطل، فاللازم تشخيص الحق منه عن الباطل.

تعريف الإلهام لغةً

الإلهام هو التلقين، يقال: ألهمه اللّه‏ خيرا، أي لقّنه إيّاه، والإلهام ما يلقى في الروع[١].

تعريف الإلهام اصطلاحاً

ما حرّك القلب بعلم يدعوك إلى العمل به من غير إستدلال بآية ولا نظر في حجة[٢]. أو هو ما يلقى في القلب بطريق الفيض فلايجب اسناده واستناده إلى المعرفة بالنظر في الأدلة[٣]. أو هو إيقاع شئ في القلب يثلج له الصدر يخص به اللّه‏ تعالى بعضَ أصفيائه[٤]. وقريب منه تعريف ابن الهمام له[٥]. ويذكر أنّ من علاماته أن ينشرح له الصدر ولايعارضه معارض آخر[٦].

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ وحي

الوحي يكون بواسطة مشافهة المَلَك، بينما الإلهام لايكون بواسطة المَلَك بل بالقائه تعالى في الروع[٧]. وغيرها من الفروق[٨].

2 ـ تحرّي

وهو العمل بشهادة القلب وحكمه عند عدم سائر الادلة الشرعية والعقلية بنوع نظر واستدلال بالأحوال[٩]. الفرق بين الالهام والتحرّي، أن الإلهام لايكون إلاّ من قبله تعالى في حق الورع التقي لا في حق الفاسق، بينما التحرّي في حق الكل[١٠].

أقسام الإلهام

يمكن تقسيم الالهام إلى قسمين[١١]:

القسم الأول: ما يكون حقا

وهو الذي يكون وحيا خفيا في حق الأنبياء، وإرشادا وهداية في حقّ غير الأنبياء.

القسم الثاني: ما يكون باطلاً

وهو الذي يكون وسوسة من الشيطان وهوى النفس.

حجية الإلهام

اختلف الأصوليون في أنّ الإلهام هل يمكن أن يقع دليلاً على الحكم الشرعي كسائر الأدلة التي تذكر في أصول الفقه أم أنه شئ باطل لا حقيقة له؟ فقد وقع البحث في مقامين:

المقام الأول: في أنّ الالهام هل يمكن أن يكون دليلاً وحجّة أو لا؟

لا خلاف بين المسلمين في أنّ إلهام الرسول(ص) حجّة عليه وعلى غيره من الأمّة ويعامل معاملة الوحي[١٢]، وكذا لا خلاف عند الشيعة الإمامية في حجّية إلهام الإمام(ع)[١٣]، وإنّما الخلاف واقع في إلهام غيرهم من الأولياء والصالحين، هل يكون حجة أو لا؟ وذلك باعتبار أن الفقه ومعرفة الاحكام الشرعية إنما يتم بواسطة مزاولة الفقيه ظواهر الحجج الشرعية واطلاقاتها وليس على اساس الالهام أو الكاشفة[١٤]. أقوال عديدة ذكرت في ذلك:

القول الأول: عدم الحجّية مطلقا بالنسبة إلى المُلهَم وغيره

وهو ما اختاره ابن حزم[١٥] والسرخسي[١٦] وعلاء الدين البخاري[١٧] وابن الهمام[١٨]. وأستدلّ له بعدة أدلّة:
الأول: أنّ الإلهام مجرد دعوى، والدعوى يمكن أن تقابل بمثلها وتعارضها[١٩].
الثاني: أنّ اعتماد الإلهام يوجب اختلال الأمور وعدم إمكان التمييز بين الحقّ والباطل والصحيح والفاسد[٢٠].
الثالث: أن أدلة الشرع مبينة على الظهور وانه يقف عليها كل واحد، بينما الإلهام لايطلع ولايقف عليه غير صاحبه[٢١].
الرابع: أنّ العلوم لو كانت تثبت بالإلهام لم يكن للمبادئ النظرية ولا سائر الطرق معنى[٢٢].
الخامس: الاستدلال بمجموعة من الآيات التي تطالب بإقامة الحجّة والبرهان، فإنّه لو كان الالهام دليلاً في نفسه لما صحت المطالبة بذلك[٢٣].

القول الثاني: الحجيّة مطلقا بالنسبة إلى المُلهَم وغيره

ونُسِب إلى قوم من الصوفية وإلى الشيعة[٢٤]. وفي نسبته إلى الشيعة نظر؛ لأ نّهم لايقولون بحجيته مطلقا بل حجيته في حقّ الإمام(ع) خاصة، فالامام يدرك الحكم الواقعي عن طريق الإلهام كما أن النبي(ص) يدركه عن طريق الوحي[٢٥]. ويظهر من أبي زيد الدبوسي اختياره[٢٦]. وأُستدلّ له بعدّة أدلّة:
الأول: الاستدلال بمجموعة من الآيات القرآنية التي ورد فيها الإلهام صريحا أو تلميحا، فإنّه لو لم يكن الالهام حجة ودليلاً في نفسه لا معنى لأن تذكره الآيات القرآنية[٢٧].
الثاني: الاستدلال بمجموعة من الأحاديث التي ورد فيها ذكر الإلهام تلميحا[٢٨].
الثالث: قيام الإجماع على أن من اشتبهت عليه القبلة وصلّى بالتحرّي إلى جهة معيّنة فإنّ صلاته مجزية وإن خالفت جهة الكعبة واقعا، وليس ذلك إلاّ لكون الإلهام الواقع في القلب حجة[٢٩].

القول الثالث: حجيته في حقّ المُلهَم دون غيره

وهو ما اختاره ابن الصلاح[٣٠] والرازي[٣١] وابن الصبّاغ والسهروردي[٣٢] والسمرقندي[٣٣] ، ونُسِب إلى عامّة العلماء[٣٤].

القول الرابع: التفصيل

بين الإلهام الذي ينطبق على أصول الشرع فيكون معتبرا وبين الذي لاينطبق عليها فلايكون معتبرا. وهو الذي اختاره أبو المظفر السمعاني[٣٥].

المقام الثاني: في إنعقاد الإجماع بالالهام

وقع البحث في أنه هل من الممكن أن ينعقد الاجماع من توفيق والهام للأمة أو لا؟ قولان في ذلك.

القول الأول: عدم الإنعقاد

وهو ما ذهب إليه أكثر أهل السنّة باعتبار أن الاجماع عندهم لابدّ من كشفه عن مستند ودليل يمكن أن تستند إليه الأمة في اجماعها ولايجوز لها ان تجتمع على حكم بدون مستند ودليل، والالهام لايصلح أن يكون مستندا ولا دليلاً[٣٦]. وهو أيضا رأي الشيعة باعتبار أن الاجماع لابد من كشفه عن قول الحجة والمعصوم(ع) ولا دخل للتبخيت والإلهام بذلك[٣٧].

القول الثاني: الانعقاد

وهو قول نسب إلى جماعة شاذة من أهل السنّة، وهم القائلون بجواز إنعقاد الاجماع لا عن مستند ودليل[٣٨].

الهوامش

  1. لسان العرب 4: 3618 مادة «لهم».
  2. تقويم الأدلة: 392.
  3. رياض السالكين 1: 318.
  4. جمع الجوامع حاشية العلاّمة البناني 2: 550.
  5. التحرير التقرير والتحبير 3: 393.
  6. فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1: 196.
  7. أنظر: تيسير التحرير 4: 184، شرح فصوص الحكم: 111، رياض السالكين 1: 318.
  8. شرح فصوص الحكم القيصري: 111، رياض السالكين 1: 318.
  9. ميزان الأصول 2: 958.
  10. المصدر السابق: 957 ـ 958.
  11. ميزان الأصول 2: 952.
  12. أنظر: أصول السرخسي 2: 95، تيسير التحرير 4: 184، التقرير والتحبير 3: 393.
  13. أنظر: وسيلة الوصول 1: 468، أصول الفقه المظفر 3ـ4: 65، حقائق الأصول 1: 543، دروس في أصول فقه الإمامية 1: 198، رياض السالكين 1: 318.
  14. دراسات في المكاسب المحرمة 1: 388.
  15. الاحكام 1ـ4: 20.
  16. أصول السرخسي 2: 185.
  17. كشف الأسرار 3: 385.
  18. التحرير التقرير والتحبير 3: 394.
  19. كشف الأسرار البخاري 3: 385.
  20. أنظر: الإحكام ابن حزم 1ـ4: 20، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 139.
  21. أنظر: كشف الأسرار البخاري 3: 385.
  22. أنظر: البحر المحيط 6: 103.
  23. أنظر: تقويم الادلة 393 ـ 395، ميزان الأصول 2: 955.
  24. أنظر: تيسير التحرير 4: 185، فواتح الرحموت 2: 371.
  25. رياض السالكين 1: 318، دروس في أصول فقه الامامية 1: 198.
  26. تقويم الادلة: 393.
  27. أنظر: تقويم الادلة: 392، ميزان الأصول 2: 953 ـ 954، البحر المحيط 6: 104.
  28. أنظر: تقويم الادلة: 392 ـ 393، ميزان الأصول 2: 954، البحر المحيط 6: 105.
  29. أنظر: تقويم الادلة: 393، ميزان الأصول 2: 954.
  30. فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1: 196.
  31. التفسير الكبير 4: 109.
  32. أنظر: تيسير التحرير 4: 185.
  33. ميزان الأصول 2: 957.
  34. تيسير التحرير 4: 185.
  35. قواطع الادلة 5: 132.
  36. أنظر: الإحكام الآمدي 1ـ2: 221، تيسير التحرير 3: 254 ـ 255.
  37. نهاية الوصول العلامة الحلي 3: 248.
  38. أنظر: الإحكام الآمدي 1ـ2: 221.