الإطلاق

من ویکي‌وحدت

الإطلاق: اصطلاحٌ أصوليٌ يراد به معنی الشايع في جنسه، مثل المفرد المحلّی باللام کلفظ البيع في: «أحلّ الله البيع»، لأن البيع في هذه الآية شامل لجميع الأقسام التي شايعة في جنس البيع، کبيع النقد والنسيئة أو بيع الصرف والسلم وهکذا، وأما الأقسام غير الشايعة فلا تعرّض للآية لها کبيع المباراة والمراماة مثلاً. ومن هذه الناحية يظهر الفرق بين الإطلاق والعموم، لأن العموم مثل الجمع المحلّی باللام کلفظ العقود في: «أوفوا بالعقود» يشمل الفرد الشايع والنادر بينما الإطلاق يشمل الفرد الشايع فقط.

تعريف الإطلاق لغةً

الإطلاق في اللغة: الإرسال، وهو في كلّ شيء بحسبه، فإطلاق الدابة: إرسالها وفكّ عنانها[١]، وإطلاق القول: إرساله من دون قيد أو شرط[٢]، كما في قولك: «أكرم زيدا» من دون تقييده بالعدالة مثلاً. [٣]

تعريف الإطلاق اصطلاحاً

فهو وإن كان لايختلف ظاهرا عن معناه اللغوي[٤]، إلاّ أنّ الأصوليين اختلفوا في تحديد المطلق، فعرّفه الأكثر بالمعنى الشائع في جنسه. [٥]
وعرّفه آخر بـ النكرة في سياق الإثبات. [٦]
وثالث: بما تناول واحدا غير معيّن. [٧]
ورابع: بعدم لحاظ الخصوصية الزائدة في الطبيعة. [٨]
وخامس: بالماهية الخالية من القيد. [٩]
ومهما يكن المقصود من الإطلاق فقد ادّعى بعضهم اختصاصه بالأقوال دون الأفعال. [١٠]
وكثيرا ما يستخدم الإطلاق ويراد به الاستعمال في الكلام، فيقال: اُطلق اللفظ على المعنى الكذائي، أي استعمله فيه، إلاّ أنّ الإطلاق بهذا المعنى لا علاقة له بالإطلاق الاصطلاحي.
لم يهتمّ علماء الجمهور بأكثر مسائل الإطلاق وإنّما ركّزوا على تعريفه والحالات المختلفة في تقديم الدليل المقيد على الدليل المطلق وتركوا في المقابل أمورا اُخرى كثيرة لا تقلّ أهمّية عن تلك، كأقسام الإطلاق وألفاظه و مقدّمات الحكمة وغير ذلك من مسائل اهتمّ بها علماء الإمامية ونقّحوا بحوثها اعتقادا منهم بدورها المهمّ في بحث الإطلاق.

العلاقة بين الإطلاق والتقييد

بحث الأصوليون في العلاقة بين الإطلاق والتقييد مرّة في مرحلة الثبوت والواقع، واُخرى في مرحلة الإثبات والدلالة، فذكروا في مرحلة الثبوت ثلاث نظريات نحاول فيما يلي التعرّض لها:

النظرية الأولى

وهي أنّ العلاقة بين الإطلاق والتقييد علاقة التناقض؛ لأنّ التقييد فيه لحاظ قيد في الطبيعة الصالحة للانطباق على جميع أفرادها، ليحددها في حدود الأفراد الداخلة في القيد، وأمّا الإطلاق فليس فيه هذا اللحاظ، فالعلاقة بينهما علاقة الوجود والعدم، وهي عبارة اُخرى عن علاقة التناقض.
ويتحتّم على أساس هذه النظرية الأخذ إمّا بالإطلاق أو بالتقييد، إذ لا ثالث بين اللحاظ وعدمه، كما لا ثالث بين الوجود والعدم. [١١]

النظرية الثانية

هي أنّ بينهما علاقة التضاد؛ لأنّ في التقييد لحاظ القيد، وفي الإطلاق لحاظ عدمه، فهما لحاظان وجوديان متضادان؛ لأنّ الصفات والخصوصيات إمّا أن يكون وجودها ملحوظا في الطبيعة فيتحقّق التقييد؛ وإمّا أن يكون عدمها ملحوظا فيها فيتحقّق الإطلاق. [١٢]
وعليه يمكن تصوّر حالة متوسطة بين اللحاظين المذكورين، وهي المعبّر عنها بحالة الإهمال وعدم لحاظ الوجود أو العدم. [١٣]
وقد نفى بعضهم إمكان تصوّر حالة متوسّطة في حقّ المشرّع الحكيم الملتفت لحدود موضوع الحكم ومتعلّقه سعة وضيقا، وإن أمكن تصوّره في المشرّع العادي. [١٤]

النظرية الثالثة

هي أنّ العلاقة بينهما علاقة الملكة وعدمها؛ لأنّ الإطلاق عبارة عن عدم لحاظ قيد في مورد يمكن لحاظه فيه، فهما كالبصر والعمى، فكما لايصدق العمى على الجدار لعدم قابليته على الإبصار، كذلك لايصدق الإطلاق على ما كان غير قابل للتقييد. [١٥]
ولازم هذه النظرية إمكان تصوّر حالة متوسّطة ينتفي فيها الإطلاق والتقييد معا. [١٦]
واُورد عليه:
أوّلاً: بأنّ الإطلاق الثبوتي الواقعي لايشترط فيه أن تكون الماهية قابلة للتقييد؛ لأنّ سعة الماهية وانطباقها على تمام أفرادها أمر ذاتي لها ما لم تثبت إضافة القيد في مقام اللحاظ. نعم، الإطلاق الإثباتي في مقام الدلالة الثابت بـ مقدّمات الحكمة منوط بقابلية المورد على التقييد. [١٧]
وثانيا: بأنّ الإهمال في واقع الأحكام مستحيل في حقّ المشرّع الحكيم؛ لاستلزامه الجهل بمتعلّق حكمه أو موضوعه سعة وضيقا، وبالتالي إلى تردّده فيه، وهو غير معقول، فلابدّ أن يكون الحكم الصادر من قبل المولى ـ الملتفت إلى جميع ظروفه وملابساته ـ إمّا مطلقا بإطلاق موضوعه أو متعلّقه، وإمّا مقيّدا بتقييدهما، ولا ثالث بينهما. [١٨]
ولعلّه إلى ذلك أشار الشيخ الأنصاري من أنّه إذا استحال التقييد وجب الإطلاق. [١٩] هذا كلّه في مرحلة الثبوت.
وأمّا في مرحلة الإثبات فلا إشكال في أنّ التقابل هو تقابل الملكة وعدمها، بمعنى أنّ الإطلاق هو عدم ذكر قيد في مورد يمكن ذكره فيه، وإلاّ فلو كان هناك مانع من البيان أو مصلحة في عدم البيان، فلاينعقد حينئذٍ للكلام إطلاق[٢٠]؛ وذلك من قبيل قوله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ»[٢١]، فإنّها في مقام تشريع صلاة القصر، وقد اُهملت المسافة التي يجب فيها القصر في الصلاة، فلايصحّ التمسّك حينئذٍ بالإطلاق لإثبات مشروعية القصر في السفر من دون تقييده بمسافة معيّنة. [٢٢]

الألفاظ ذات الصلة

لفظ العموم

لمّا كان الإطلاق قريب الدلالة من العموم فقد اعتاد الأصوليون التعرّض لبحوثه بعد بحث العام مباشرة، بل جعله البيضاوي من تفريعاته وتوابعه. [٢٣] ولأجل التمييز بين هذين المصطلحين ذكر الأصوليون نقطتين فاصلتين بينهما:
الاُولى: أنّ دلالة اللفظ على الإطلاق بـ مقدّمات الحكمة[٢٤]، بخلاف دلالته على العموم فهي بذات اللفظ دون توسيط مقدّمات الحكمة؛ لأنّها إنّما يستعان بها لإزالة الإهمال والإجمال عن الشمول لسائر الأفراد، فإذا كان اللفظ بنفسه دالاًّ على الشمول فلايبقى بعد ذلك مبرّر لتلك المقدّمات. وبعبارة اُخرى: دلالة المطلق على الإطلاق دلالة عقلية مستفادة من مقدّمات الحكمة بعكس دلالة العام على العموم فإنّها دلالة لفظية. [٢٥]
والثانية: أنّ موضوع الحكم في العام أفراد الطبيعة، وفي الإطلاق نفس الطبيعة بها، وإنّما استفيدت كثرة الموضوع من تطبيق الماهية على سائر أفرادها كتطبيق الرقبة على الكافرة والمؤمنة. [٢٦]

الإطلاق في هيئات الجمل والمفردات

رغم أنّ تمثيل البعض للإطلاق بـ اسم الجنس وعَلَمه يوهم اختصاصه بالمفاهيم المفردة إلاّ أنّ الواقع شموله لهيئات الجمل أيضا، كما يظهر ذلك من تطبيقاته وموارد استعماله[٢٧]، بل صرح جماعة بشموله لها. [٢٨]
ومعنى إطلاقها عدم تقييدها بما يخالف ظاهرها وإن لم يستلزم ذلك توسعة في مفهومها، بل قد يستلزم تضييقه في كثير من الأحيان، كما في إطلاق الطلب في الجمل الإنشائية، فإنّه يقتضي الوجوب العيني دون الكفائي والتعييني دون التخييري، والنفسي دون الغيري. [٢٩] وكما في إطلاق العقود، القاضي بوجوب كون الثمن والمثمن من نقد البلد إلاّ مع اشتراطه بذلك. [٣٠]
وكذا في إطلاق الجمل الشرطية القاضي بتوقّف الجزاء على تحقّق شرطه. [٣١]، وغير ذلك من إطلاقات في الهيئات التركيبية التي يستفاد منها في كثير من الأحيان التضييق دون التوسعة خلافا للإطلاق في المفاهيم الإفرادية الدالّ دائما على التوسعة دون التضييق.
وليست هناك ضابطة يمكن من خلالها تحديد مدلول إطلاق الجمل لاختلافها باختلاف مناسباتها، ممّا دعا الأصوليين إلى الاهتمام بالمفاهيم الإفرادية وترك مفاهيم الجمل التركيبية. [٣٢]

ألفاظ الإطلاق

للإطلاق ألفاظ متعددة ذكروا منها اسم الجنس وعلمه، و المفرد المحلّى باللام والجمع المحلّى به، والنكرة. وفيما يلي توضيح لكلّ واحد منها على حدّة:

1 ـ اسم الجنس

وهو الاسم الدالّ على الطبيعة المشتركة المقومة لسائر أفرادها، والتي تصدق مع الواحد والكثير[٣٣]، كرجل وامرأة، وحيوان وإنسان، وسواد وبياض.
وقد وقع البحث بين الأصوليين في دلالة اسم الجنس على الإطلاق، وأنّه بالوضع أم بمقدّمات الحكمة، حيث ذهب المشهور[٣٤] إلى أنّه بالوضع؛ لاعتقادهم بأنّه موضوع للماهية المطلقة التي لوحظ فيها التجرّد عن تمام القيود، فتكون الطبيعة مقيدة بالإطلاق وموضوعة له لغة، فلا حاجة لإثباته إلى مقدّمات الحكمة.
بينما ذهب المتأخّرون إلى أنّ اسم الجنس موضوع للماهية المهملة المجردة عن كلّ لحاظ حتّى لحاظ التجرّد عن القيود، فيكون موضوعا لذات الطبيعة التي يعرض عليه الإطلاق كعروض التقييد عليها، فكما يحتاج التقييد إلى دليل كذلك يحتاج الإطلاق إلى مقدّمات الحكمة.
واستدلّوا لهذه النظرية بأنّه لو كان الملحوظ في الماهية تقيّدها بالإطلاق وإلغاء الخصوصيات للزم المجاز من استعمالها في كلّ خصوصية تخالف تجرّدها وإطلاقها، كاستعمال لفظ الإنسان في الإنسان العالم، فإنّ استعماله يكون حينئذٍ في غير ما وضع له، وهو ما يرفضه الوجدان الحاكم بعدم وجود عناية زائدة على الماهية دالّة على مجازية الاستعمال. [٣٥]

2 ـ اسم العلم

وهو اسم موضوع لماهية لوحظ فيها التعيّن والحضور الذهني، الذي يميزها عن سائر الماهيات كاُسامة الذي هو اسم علم لجنس الأسد، كما أنّ الأسد اسم لجنسه، فالفرق بين علم الجنس واسمه: أنّ علم الجنس موضوع لماهية الأسد الحاضرة في الذهن، ولأجله صار معرفة، بخلاف اسم الجنس، فإنّه موضوع للماهية المبهمة.
ومن هنا احتاج اسم الجنس إلى الألف واللام لكي يكون بها معرفة، بخلاف علم الجنس فهو معرفة ليس بحاجة إلى الألف واللام لكي يكون بها معرفة[٣٦]، إلاّ أنّ هناك من رفض هذا الفرق، معتبرا أنّ علم الجنس كاسم الجنس وضع للماهية المبهمة، وإنّما حصل الفرق بينهما لتعامل اللغويين معه معاملة المعرفة، رغم أنّه ليس كذلك واقعا، فهو كطلحة الذي يتعامل معه معاملة المؤنث رغم كونه مذكراً واقعاً، ومجرّد تعامل اللغويين مع اسم الجنس معاملة المعرفة لايقلب ماهيته المبهمة إلى معرفة. [٣٧]

3 ـ النكرة

عرّف بعضهم النكرة: بالفرد المردّد في جنسه. [٣٨]
لكنّ المحقّق الخراساني رفض التردد المذكور مدعيا أنّ الفرد الذي تنطبق عليه النكرة لايمكن أن يكون مردّدا بين نفسه وغيره حتّى في النكرات ذات المفاهيم الكلّية الصالحة للانطباق على كثيرين، كرجل في جملة: «إيتني برجل» فإنّ الرجل وإن كان مفهومه كليا إلاّ أنّه لاينطبق إلاّ على المتلبس بصفة الرجولة في الأفراد، وليس هناك تردّد بينه وبين غيره ممّن ليس له هذه الصفة. [٣٩]

4 ـ المفرد المحلّى باللام

وهو على أقسام:
منه: المحلّى بـ لام الجنس، كالرجل والمرأة في قولهم: الرجل خير من المرأة. [٤٠]
ومنه: المحلّى بـ لام الاستغراق كالإنسان في قوله تعالى: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ الاْءِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ»[٤١] و...[٤٢]
ومنه: المعرّف بـ لام العهد الذهني المشار به إلى فرد ما حاضر في الذهن، كالسوق في قول المولى: ادخل السوق. [٤٣]
ومنه: المعرّف بـ لام العهد الذكري المشار به إلى فرد مذكور سابقا، كما في قوله تعالى: «كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ»[٤٤] و...[٤٥]
ومنه المعرّف بـ لام العهد الخارجي الحاضر المشار إليه في الخارج عند التخاطب، كقول المولى: «افتح الباب».[٤٦]

مقدّمات الحكمة

إذا كانت هناك قرينة خاصّة على إرادة الإطلاق أو التقييد فلابدّ من الأخذ بها، وإلاّ فالوسيلة الوحيدة لإثبات الإطلاق القرينة العامة المعبر عنها بـ «مقدّمات الحكمة»[٤٧]، حتّى في مثل اسم الجنس ونحوه بناءً على وضعه للطبيعة المهملة.[٤٨] وقد تسمّى هذه القرينة العامة بـ «قرينة الحكمة» أيضا. [٤٩]
وهذا الاصطلاح لم يكن متداولاً إلى أوائل القرن الثالث عشر الهجري حيث بادر المحقّق الخراساني[٥٠] إلى استعماله، وتبعه فيه سائر من تأخر عنه من علماء الإمامية، خلافا لعلماء الجمهور الذين لم يستعملوه في كلماتهم ولم يتعرّضوا له في أبحاثهم، وإن أشاروا إلى بعض مقدّماته كالقرينة الصارفة التي هي من مقدّمات الحكمة. [٥١]
وأيّا مّا كان فقد اختلف المتأخّرون من أصوليي الإمامية في تحديد هذه المقدّمات وإن لم يتفقوا على مقدمية ولو مقدّمة واحدة منها، كما سيتّضح ذلك من خلال استعراضنا لكلّ واحدة منها على حدّة، وذلك كما يلي:

المقدّمة الاُولى

أن يكون المتكلّم في مقام بيان تمام ما يريده لا في مقام الإجمال أو الإهمال[٥٢]، فيُتمسّك بالإطلاق في الجهة التي هو في مقام بيانها، وتترك الجهة التي لم يكن في مقام بيانها حتّى ولو كانتا في كلام واحد، كما في قوله تعالى: «فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ»[٥٣]، فإنّه وإن كان مطلقا من جهة حلية أكل الصيد، لكون المقام مقام بيانها، إلاّ أنّه من جهة طهارة موضع الإمساك بأسنانها، لم يكن في مقام بيانها، فلايحكم بطهارتها لمجرّد السكوت عنها. [٥٤]
هذا هو المشهور في المقدّمة الاُولى، وخالف في ذلك الشيخ عبدالكريم الحائري مدعيا عدم الحاجة إلى مقام البيان؛ لإمكان استفادة الإطلاق من ظهور الكلام مباشرة عند تجرّده من أي قيد أو شرط، فإنّ من قال: جئني برجل، كان كلامه ظاهرا في إرادة طبيعة الرجل، فتسري إرادته إلى سائر أفرادها، وهذا هو معنى الإطلاق فلا حاجة إلى مقام البيان لنفي الإجمال أو الإهمال عن الكلام. [٥٥]
واُورد عليه: بأنّ هذا الظهور لو لم يكن مستفادا من اللغة، فلابدّ أن يكون مستفادا من كون المتكلّم في مقام البيان، ويعود في حقيقته إلى حكم العرف، وأنّ ما جعل موضوعا لحكم يكون مطلوبا بما هو كذلك لدى المتكلّم، ولايكون كذلك إلاّ إذا كان المتكلّم في مقام البيان. [٥٦]
ثُمّ إنّه لكي يكون المتكلّم في مقام البيان لابدّ أن يكون متمكنا من البيان، فلا إطلاق مع عدم التمكّن منه؛ لوضوح أنّ مراده لو كان مقيدا لما تمكن من بيانه وإظهاره، فلا دلالة فيه على الاطلاق. [٥٧]

التمسّك بالإطلاق بعد المقيد المنفصل

قد يظهر من كلام الشيخ الأنصاري عدم جواز التمسّك بالإطلاق لنفي سائر القيود عند الظفر بمقيّد منفصل، لكشفه حينئذٍ عن عدم كون المتكلّم في مقام بيان تمام ما له دخل في المراد. [٥٨]
واُورد عليه: بأنّه مخالف لـ السيرة العقلائية في التمسّك بالإطلاق في الحالة المذكورة، مع أنّ المقصود من البيان هنا البيان الظاهري الذي يكون الغرض منه وضع قانون تنتفي بواسطته القيود المحتملة عند الشكّ في وجودها، وليس الهدف منه البيان الواقعي الجدي حتّى يكون القيد المنفصل كاشفا عن عدم كون المتكلّم في مقام البيان. [٥٩]

حكم الشكّ في كون المتكلّم في مقام البيان

بناءً على المشهور من لزوم المقدّمة المذكورة لو شككنا في كون المتكلّم في مقام البيان، فقد ذهب الأكثر إلى اعتباره في هذا المقام؛ لقيام السيرة العقلائية والمحاورات العرفية على التمسّك بالإطلاق. [٦٠]
لكن هناك من فصّل بين ما إذا كان الشكّ في كون المتكلّم في مقام بيان تشريع الأحكام، كما في قوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»[٦١]، فإنّه يجوز حينئذٍ التمسّك بأصالة الإطلاق واعتبار المتكلّم في مقام البيان لنفي القيود المحتملة في الكلام، وبين ما إذا كان الشكّ من جهة سعة الإرادة وضيقها، كما لو علمنا أنّه في مقام بيان جهة وشككنا في كونه في مقام بيان جهة أخرى، كما في قوله تعالى: «فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ»[٦٢]، حيث نعلم أنّه تعالى في مقام بيان حلية أكل الصيد وعدم حاجته إلى ذبح حتّى ولو كان الإمساك من غير موضع الذبح، لكنّنا شككنا في كونه في مقام بيان جهة أخرى، وهي طهارة محلّ الإمساك أو نجاسته، فإنّه في مثل هذه الحالة لا يصحّ التمسّك بالإطلاق لنفي هذه الجهة؛ لعدم قيام السيرة على حمل كلام المتكلّم على أنّه في مقام بيانها[٦٣]؛ لأنّ العقلاء إنّما يتمسّكون بأصالة الإطلاق لإخراج الكلام عن اللغوية، أمّا بعد انتفائها عن طريق التمسّك بأصالة الإطلاق لإثبات الحلّية فلن يبقى بعد ذلك مبرر للتمسّك به في الجهة الاُخرى المشكوكة، بل نحتاج لإثبات الإطلاق فيها إلى دليل. [٦٤]

المقدّمة الثانية

هي عدم وجود قرينة متّصلة أو منفصلة لتعيين المراد؛ لأنّ المتّصلة تمنع من ظهور الكلام في الإطلاق، والمنفصلة تكشف عن عدم مطابقة الإرادة الاستعمالية في الإطلاق لـ الإرادة الجدية في التقييد[٦٥]، فلو أطلق المتكلّم كلامه وكان في مقام البيان، ولم يأت بقرينة متّصلة أو منفصلة على خلافه انعقد لهذا الكلام ظهور في الإطلاق؛ لقيام السيرة العقلائية القطعية عليه. [٦٦] إلاّ أنّ هناك من رفض اعتبار عدم القرينة من مقدّمات الحكمة؛ لأنّها إنّما تحقّق موضوع الإطلاق وهو الشكّ في المراد؛ إذ مع وجود القرينة يتعيّن المراد ولا يبقى مجال للشكّ ليتمسّك بـ أصالة الإطلاق[٦٧]، فهو ليس ككون المتكلّم في مقام البيان الذي لا يؤثر وجوده أو عدمه في الشكّ في المراد، فإنّ المتكلّم سواء كان في مقام البيان أو لم يكن يبقى الشكّ في المراد الذي هو موضوع لأصالة الإطلاق.

المقدّمة الثالثة

هي عدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب وقد تبنى هذه المقدّمة المحقّق الخراساني[٦٨] وتبعه فيها المحقّق العراقي[٦٩]، حيث أكدا على أنّ اليقين بشمول المطلق لفرد من أفراده في مقام التخاطب يمنع من شموله لبقية أفراده، كما لو سأل الراوي عن حكم وقوع نجاسة في بئر معينة، فأجابه الإمام عليه‏السلام: بأنّ: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء...» [٧٠]؛ فإنّ المستفاد من مقام التخاطب أنّ البئر التي سأل الراوي عن حكمها متيقنة الشمول للنصّ المذكور، وأمّا الآبار الأخرى فهي مشكوكة الشمول ولا تكون داخلة في إطلاق هذا النصّ؛ لمانعية القدر المتيقن المستفاد من مقام التخاطب عن الشمول.
نعم، لا يمنع من التمسّك بالإطلاق ـ بناءً على هذه النظرية ـ وجود قدر متيقن خارجي؛ إذ لا يخلو مطلق منه، كما لو أمر المولى بإكرام العالم فإنّ القدر المتيقن منه العالم الهاشمي الورع التقي.
ومن هذا القبيل أيضا قوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»، فإنّ القدر المتيقن منه إيقاعه بصيغة عربية ماضوية؛ لعدم احتمال خروجه عن النصّ المذكور[٧١]؛ فإنّ هذا القدر المتيقن لا يمنع من التمسّك بالإطلاق في الموارد المشكوكة.
لكنّ المشهور عدم مانعية القدر المتيقن من انعقاد الإطلاق حتّى فيما كان منه في مقام التخاطب[٧٢]؛ لعدم زوال ظهور المطلق في إطلاقه وشموله لسائر أفراده؛ فإنّ من سأل عن حكم مجالسة زيد الفاسق مثلاً، فاُجيب بعدم جواز مجالسة الفاسق، لم يفهم منه انحصار عدم جواز المجالسة بزيد، لمجرّد كونه قدرا متيقنا في مقام التخاطب. [٧٣]
نعم، لو أدّى القدر المتيقن إلى انصراف المطلق عن سائر الأفراد واختصاصه بالمتيقن منها لم يصحّ التمسّك حينئذٍ بالإطلاق؛ لكونه حينئذٍ بمثابة القرينة المعينة للمراد[٧٤]، وذلك يرجع إلى المقدّمة الثانية من مقدّمات الإطلاق المتقدّمة، فلا يكون عدم وجود القدر المتيقن حينئذٍ مقدمة برأسه، بل تابعا لتلك المقدّمة. [٧٥]
وممّا تقدم من مناقشات في مقدّمية بعض المقدّمات يتّضح السبب في عدم الاتفاق على عددها حتّى ذهب بعضهم إلى أنّها مقدّمة واحدة، كـ الشيخ عبدالكريم الحائري و الإمام الخميني وإن اختلفا في تعيينها، فذهب الأوّل إلى أنّها عدم القرينة على المراد[٧٦]، وذهب الثاني أنّها كون المتكلّم في مقام البيان. [٧٧]

تأثير الانصراف في تحقّق الإطلاق

المشهور أنّ انصراف اللفظ إلى بعض مصاديقه يمنع من التمسّك بالإطلاق كما في المسح في آيتي التيمم والوضوء المنصرفتين إلى المسح بباطن اليد[٧٨]. إذا كان ناشئا من ظهور لفظي بسبب كثرة الاستعمال أو شيوع إرادة المعنى منه أو وجود مناسبات عرفية توجب صرف اللفظ إليه وتقييده به[٧٩]؛ لأنّه يكون حينئذٍ بمثابة القرينة[٨٠]، أو المقيّد المانع من انعقاده[٨١]، وهو يرجع حينئذٍ إلى المقدّمة الثانية من مقدّمات الإطلاق، وهي عدم وجود قرينة معيّنة للمراد. [٨٢]
وأمّا إذا كان ناشئا من غلبة الوجود الخارجي، كما في ماء دجلة والفرات اللذين ينصرف إليهما لفظ الماء بمجرّد سماع أهل العراق له، فإنّه لا يحول دون التمسّك بالإطلاق، إذ لا يتعدّى كونه انصرافا بدويا سرعان ما يتبدّد بمراجعة المرتكزات اللغوية. [٨٣]

أقسام الإطلاق

أقسام الإطلاق كما يلي:

1 ـ الإطلاق اللفظي

وهو الإطلاق المستفاد من عدم تقييد اللفظ بقيد يرجع إلى موضوع الحكم أو متعلّقه، ويسمّى أيضا: بالإطلاق الحكمي؛ لاستناده إلى قرينة الحكمة في نفي القيود المحتملة. [٨٤]

2 ـ الإطلاق المقامي

هو نفي شيء لو فرض ثبوته لكان مطلوبا آخر مستقلاً لاعلاقة له بمتعلّق الكلام، كا لو قال عليه‏السلام: ألا اُعلّمكم وضوء رسول اللّه(ص)، ثُمّ ذكر أنّه غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين، فإنّ المستفاد من إطلاقه المقامي عدم جزئية المضمضة التي لو فرض ثبوتها لكانت مطلوبا آخر غير غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، فهي ليست قيدا أو شرطا محتملاً في هذه الأجزاء حتّى يصحّ نفيها عنها بالإطلاق اللفظي والقرينة العامة، فلابدّ من قرينة خاصّة تثبت عدم جزئية المضمضة للوضوء، كقرينة الحصر للأجزاء المستفادة من دليل الوضوء. [٨٥]
و الإطلاق المقامي إنّما يتمسّك به إذا كان المتكلّم في مقام بيان تمام ماله دخل في ماهية المأمور به، فتنتفي القيود المؤثرة في تحقّقها كالمضمضة في المثال المذكور.
بخلاف الإطلاق اللفظي الذي يكون المتكلّم في مقام بيان ما يعتبر في الشيء الخارج عن ماهيته من خصوصيات وقيود لازمة في المأمور به المذكور في الكلام، كما لو كان في مقام بيان ما يعتبر في العالم الواجب إكرامه، فيتمسّك بالإطلاق لنفي احتمال تقييده بالإيمان مثلاً. [٨٦]
ويبدو أنّ هذا المصطلح لم يكن متداولاً قبل المحقّق الإصفهاني[٨٧] والمحقّق العراقي[٨٨]، وإنّما هما أوّل من استعمله في مواطن متعددة من الأصول والفقه.

3 ـ الإطلاق البدلي والشمولي (الاستيعابي)

الإطلاق الشمولي

هو ما كان الحكم فيه منصبا على الطبيعة بمطلق وجودها لتكون مستوعبة لسائر أفرادها، كما في قوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ» الشامل لكلّ بيع.

الإطلاق البدلي

هو ما كان الحكم فيه منصبا على الطبيعة بصرف وجودها فيكتفى منها بأيّ فرد من أفرادها على نحو البدل، كما في قول المولى: «اعتق رقبة مؤمنة» الذي يكفي في امتثاله عتق رقبة مؤمنة واحدة على نحو البدل. وقد يكون حكم واحد شموليا بلحاظ موضوعه بدليا بلحاظ متعلّقه، كما في «أكرم العالم» فإنّه شمولي بلحاظ موضوعه ـ وهو العالم ـ الشامل لجميع أفراده، وبدلي بلحاظ متعلّقه وهو الإكرام، إذ يحصل فيه الامتثال بأيّ فرد من أفراده على نحو البدل.
وقد يكونان معا شموليين كما لو كان الموضوع والمتعلّق واحدا، كالكذب المحرم شرعا بجميع أفراده ومصاديقه. [٨٩]
والسؤال هنا في السبب الذي صار الإطلاق به مرّة شموليا وأخرى بدليا، مع أنّهما لا يختلفان في مقدّمات الحكمة التي انعقدا بها؟
وقد بذلت عدّة محاولات للإجابة على هذا السؤال وهي كما يلي:
المحاولة الأولى: للمحقّق الخراساني ومن تبعه حيث أفادوا بأنّه لابدّ من استفادة الشمولية أو البدلية من قرينة عقلية أو عرفية تختلف باختلاف مواردها، ففي مورد الأحكام التكليفية التحريمية مثلاً يكون الإطلاق فيها شموليا؛ لعدم معقولية البدلية فيها لاستلزامها اللغوية، كما في حرمة الكذب، فإنّ الكذّاب مهما يكن كذّابا لا يتمكّن من ارتكاب جميع أنواع الكذب وأفراده، فيبقى بعضها غير مرتكب، فلا يكون تحريمه بنحو البدل مفيدا؛ لأنّ ترك ارتكاب بعضها قهري، فيكون النهي في هذه الصورة تحصيلاً لأمرٍ حاصل، ولأجل التخلّص من هذا المحذور لابدّ من اعتبار التحريم شموليا مستوعبا لسائر أفراد الكذب.
وأمّا الأحكام التكليفية الوجوبية كالأمر بالصلاة مثلاً، فالشمولية فيها غير محتملة؛ إذ لا يعقل وجوب الإتيان بجميع أفراد الصلاة؛ لعدم القدرة عليها، فتتعين البدلية في إطلاقها.
وأمّا في الأحكام الوضعية في مثل «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»[٩٠]، و «تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ»[٩١]، و «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»[٩٢] فالإطلاق فيها شمولي؛ لأنّ جوازها في فرد ما من البيع أو التجارة بنحو البدل يعدّ أمرا عبثيا، بخلاف الإطلاق في «بع دارك» فإنّه بدلي وليس شموليا مستوعبا لبيع الدار من كلّ واحد واحد من الناس؛ لعدم قابلية بيع الدار إلاّ من شخص واحد. [٩٣]
المحاولة الثانية: وهي محاولة إثبات دلالة الإطلاق على البدلية دون الشمولية؛ لأنّ ذلك هو مقتضى كون الطبيعة ـ الجامعة بين القليل والكثير ـ موضوعا للحكم؛ إذ هي كما تتحقّق بجميع أفرادها تتحقّق بفرد واحد منها، فإذا وجب الإتيان بالطبيعة فلا يجب إلاّ بفرد واحد منها لتحقّقها به، وما زاد عليه يحتاج إلى دليل، ممّا يعني أنّ الأصل في الإطلاق البدلية دون الشمولية. [٩٤]
المحاولة الثالثة: وهي تختلف تماما عن النظرية السابقة، ومفادها اقتضاء الإطلاق الشمولية دون البدلية؛ لأنّ الطبيعة الملحوظة في الإطلاق ليست بما هي هي، بل بما هي موجودة في أفرادها خارجا فتكون نسبتها إليهم نسبة الآباء إلى الأبناء؛ لصدقها عليهم بالتساوي، ممّا يعني أنّ الأصل في الإطلاق الشمولية دون البدلية. [٩٥]
المحاولة الرابعة: لـ الشهيد محمّد باقر الصدر قدس‏سره الذي حاول التعرف على منشأ البدلية والشمولية من خلال تفسير الشمولية والبدلية، فإن فسرناهما على أساس الامتثال وسعة الأفراد وضيقها مع افتراض وحدة الحكم بحيث يكون الامتثال في البدلية بفرد من أفراد الطبيعة، وفي الشمولية بسائر أفرادها، كان الإطلاق في النواهي شموليا، وفي الأوامر بدليا.
وهذا التفسير للشمولية والبدلية لا يصحّ اعتباره من شؤون الإطلاق و مقدّمات الحكمة؛ لاستفادته من قرينة عقلية مفادها أنّ الطبيعة توجد بوجود واحد، ولاتنعدم إلاّ بانعدام سائر أفرادها.
وأمّا إذا فسرناهما بانحلال الحكم إلى أحكام متعددة بعدد أفراد الطبيعة، فبالانحلال يؤدّي إلى الشمولية، وبعدم الانحلال يؤدّي إلى البدلية، وحينئذٍ لابدّ من التفصيل بين الموضوع والمتعلّق، فيكون الإطلاق في الموضوع شموليا، وفي المتعلّق بدليا، كما في قول المولى: «أكرم العالم» حيث يكون الإطلاق في موضوعه ـ وهو العالم ـ شموليا يعمّ سائر أفراد العالم وأصنافه، ويكون في متعلّقه ـ وهو الإكرام ـ بدليا يكتفى فيه بفرد من أفراده.
والسرّ في الشمولية في الموضوع لحاظه في القضية المذكورة مقدّر الوجود ممّا يجعله صالحا للانطباق على جميع أفراده فيؤدّي إلى الشمولية.
وأمّا سرّ البدلية في المتعلّق فعدم لحاظه مقدّر الوجود والتحقّق؛ لأنّ افتراضه كذلك يتنافى مع مطلوبية تحقّقه خارجا.
ويستثنى من هذه القاعدة في الموضوع وروده منوناً في لسان الدليل؛ إذ يصير بذلك بدليا ويخرج عن الشمولية، لدلالة التنوين على الوحدة.
وأمّا في المتعلّق فيستثنى من القاعدة وقوعه مورداً للنواهي، لما يفهمه العرف من انحلال المفسدة في الحرمة إلى سائر أفراد متعلّقها، فلا تسقط بترك بعض أفراده وارتكاب بعض، كما في حرمة الخمر الذي لا تزول حرمته بالامتناع عن بعض الخمور، وارتكاب بعض آخر. [٩٦]

4 ـ الإطلاق الأفرادي والأحوالي

الإطلاق الأفرادي: هو الإطلاق الدالّ على إرادة جميع أفراده[٩٧]، إمّا بنحو البدل فيكون الإطلاق بدليا، وإمّا بنحو الشمول فيكون الإطلاق شموليا. [٩٨]
وبذلك يتّضح أنّ العلاقة بين الإطلاق الأفرادي من جهة، والشمولي والبدلي من جهة أخرى، هي العموم والخصوص المطلق.
ويقابل الإطلاق الأفرادي الإطلاق الأحوالي الدالّ على عدم اختصاص الحكم بحالة من حالات المعنى دون حالة كما في الحكم بإكرام زيد غير المختصّ بحالة من حالاته. [٩٩]

5 ـ الإطلاق اللحاظي ونتيجة الإطلاق

الإطلاق اللحاظي: هو الإطلاق الذي تمّ ملاحظته في نفس الكلام. ويقابله نتيجة الإطلاق الذي لا يمكن لحاظه في الكلام بصورة مباشرة بسبب بعض الموانع كاستحالة أخذ القيد في المأمور به؛ لكونه من الصفات اللاحقة بالأمر، فإنّ استحالة التقييد يؤدّي إلى استحالة الإطلاق كما تقدّم، فلابدّ لتحصيل الإطلاق من توسيط دليل لنفي القيد المحتمل، ويسمّى هذا الدليل بمتمّم الجعل، ويسمّى الاطلاق الحاصل من طريقه بنتيجة الإطلاق[١٠٠] التي عبّروا عنها أيضا بالإطلاق الذاتي والملاكي. [١٠١] وبذلك يتّضح أنّ نتيجة الإطلاق تحتاج إلى دليل لإثباتها، بخلاف الإطلاق اللحاظي الذي يكفي في إثباته عدم المانع من انعقاده.
وهناك من رفض الأخذ بهذا المصطلح؛ لاعتقاده بأنّ الإطلاق لا يعني أكثر من جعل الطبيعة موضوعا أو متعلّقا لحكم معيّن من دون تقييدها بأي لحاظ حتّى لحاظ الإطلاق؛ لاستلزام تقييدها مجازية استعمال اللفظ في المقيّد[١٠٢]، كما تقدم.

6 ـ الإطلاق الإثباتي والثبوتي

الإطلاق الإثباتي: هو الإطلاق المستفاد من إبراز الدليل ودلالته، وهو كاشف عن الإطلاق الثبوتي الواقعي[١٠٣]، كما أنّ التقييد في مقام الإثبات كاشف عن التقييد في مقام الثبوت. [١٠٤]

7 ـ الإطلاق الزماني

وهو الإطلاق الدالّ على عدم تقييد موضوع الحكم أو متعلّقه بزمان دون زمان.
وقد ذكر المحقّق العراقي أنّ الإطلاق الأزماني تابع للإطلاق الأفرادي، فإذا انهدم الأفرادي انهدم الأزماني بتبعه؛ لتوقّفه عليه توقّف الحكم على موضوعه، فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع. بخلاف الإطلاق الأزماني، فإنّ انهدامه لايؤدّي إلى انهدام الأفرادي؛ لعدم توقّفه عليه. [١٠٥]

8 ـ الإطلاق المكاني

وهو الإطلاق الدالّ على عدم تقييد موضوع الحكم أو متعلّقه بمكان دون مكان. [١٠٦]

المصادر

  1. العين 5: 101، لسان العرب 3: 2405 مادة «طلق».
  2. المصباح المنير: 376 مادة «طلق».
  3. أنظر : أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 225، دروس في علم الأصول 1 : 243.
  4. فوائد الأصول 1ـ2: 562، محاضرات في أصول الفقه 5: 344.
  5. نسبه إلى الأكثر في القوانين المحكمة: 157، وأنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 5، شرح مختصر المنتهى 3: 96، حاشية التفتازاني 3: 96، معالم الدين: 150، زبدة الأصول (البهائي): 143.
  6. الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 5.
  7. المختصر في أصول الفقه: 125، التحبير شرح التحرير 6: 2711.
  8. دروس في علم الأصول 1: 240.
  9. جمع الجوامع 2: 66.
  10. جواهر الكلام 14: 72، التنقيح في شرح العروة الوثقى 8: 206.
  11. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 410 ـ 411.
  12. محاضرات في أصول الفقه 2: 177 ـ 178.
  13. دروس في علم الأصول 2: 104.
  14. محاضرات في أصول الفقه 2: 177.
  15. فوائد الأصول 1ـ2: 566، أجود التقريرات 2: 416 ـ 417.
  16. دروس في علم الأصول 2: 104.
  17. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 410.
  18. محاضرات في أصول الفقه 2: 177 ـ 178.
  19. مطارح الأنظار 1: 302 وأنظر: محاضرات في أصول الفقه 2: 178.
  20. أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 117، محاضرات في أصول الفقه 2: 172 ـ 173، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 3: 427.
  21. النساء: 101.
  22. محاضرات في أصول الفقه 2: 178 ـ 179.
  23. منهاج الوصول: 60 وأنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 2: 199.
  24. القوانين المحكمة: 109.
  25. أجود التقريرات 2: 415، تهذيب الأصول الخميني 1: 238.
  26. تهذيب الأصول الخميني 1: 462، أنظر: المحصول (الرازي) 1: 355 ـ 356.
  27. المستصفى 1: 303، كفاية الأصول: 195، اجود التقريرات 2: 419، محاضرات في أصول الفقه 5 : 385، زبدة الأصول الروحاني 2: 245.
  28. فوائد الأصول 1 ـ 2: 563، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 226.
  29. فوائد الأصول 1 ـ 2: 563.
  30. المصدر السابق.
  31. المصدر السابق.
  32. أنظر: فوائد الأصول 1 ـ 2: 563، أجود التقريرات 2: 414، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 226.
  33. أنظر: الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 48، الرسائل التسع (المحققّ الحلّي): 137 ـ 138، القوانين المحكمة: 95.
  34. نُسِبَ إلى المشهور في الحاشية الخليلية 1: 148، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 227، منتقى الأصول 3: 408، زبدة الأصول (الروحاني) 2: 383.
  35. هداية المسترشدين 3: 160 ـ 161، كفاية الأصول: 243 ـ 244، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 235، محاضرات في أصول الفقه 5: 347، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 3: 409.
  36. شرح الرضي على الكافية 3: 245 ـ 246، القوانين المحكمة: 97.
  37. كفاية الأصول: 244.
  38. منتهى الدراية 3: 704.
  39. كفاية الأصول: 246.
  40. كفاية الأصول: 244، منتهى الدراية 3: 694.
  41. العصر: 1 ـ 2.
  42. اللمع: 69، القوانين المحكمة: 97، منتهى الدراية 3: 694، شرح ابن عقيل 1: 178.
  43. منتهى الدراية 3: 694 ـ 695.
  44. المزمل: 15 ـ 16.
  45. منتهى الدراية 3: 695.
  46. حقائق الأصول 1: 551، منتهى الدراية 3: 695.
  47. محاضرات في أصول الفقه 5: 364.
  48. منتقى الأصول 3: 427.
  49. كفاية الأصول: 249.
  50. كفاية الأصول: 71، 106، 249، حاشية كتاب المكاسب: 87.
  51. أنظر: حواشي الشرواني 8: 91، حيث قال: «فيحمل اللفظ عند الإطلاق على ما دلّت عليه القرينة». أنظر: بدائع الصنائع 4: 288، 408، كشاف القناع 3: 174.
  52. كفاية الأصول: 247، فوائد الأصول 1 ـ 2: 573، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 567 ، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 238، أنظر: هداية المسترشدين 2 : 552.
  53. المائدة: 4.
  54. أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 239، محاضرات في أصول الفقه 5: 366 ـ 367.
  55. درر الفوائد 1 ـ 2: 234.
  56. مناهج الوصول 2: 326.
  57. أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 121، محاضرات في أصول الفقه 5 : 366.
  58. مطارح الأنظار 2: 256 ـ 257.
  59. كفاية الأصول: 248، تهذيب الأصول الخميني 1: 534 ـ 535.
  60. كفاية الأصول: 248، فوائد الأصول 1 ـ 2: 574، الحاشية على كفاية الأصول 1: 597 ـ 598، نهاية الأصول 1 ـ 2: 385 ـ 386، تحريرات في الأصول 5: 436.
  61. البقرة: 275.
  62. المائدة: 4.
  63. محاضرات في أصول الفقه 5: 366 ـ 367.
  64. اجود التقريرات 2: 430 ـ 431، محاضرات في أصول الفقه 5: 368 ـ 369.
  65. كفاية الأصول: 247، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 567، وأنظر: حواشي الشرواني 8: 91، كشاف القناع 3: 174.
  66. محاضرات في أصول الفقه 5: 369 ـ 370.
  67. أنظر: تهذيب الأصول الخميني 2: 533، مناهج الوصول 2: 326 ـ 327.
  68. كفاية الأصول: 247، وانظر: أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 240.
  69. نهاية الأفكار 1 ـ 2: 567، 574.
  70. وسائل الشيعة 1: 141 كتاب الطهارة، باب 3 من أبواب الماء المطلق ح12.
  71. كفاية الأصول: 247، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 574 ـ 575.
  72. فوائد الأصول 1 ـ 2: 575، درر الفوائد الحائري 1 ـ 2: 235، مناهج الوصول 2: 327 ـ 328، محاضرات في أصول الفقه 5: 370.
  73. محاضرات في أصول الفقه 5: 371 ـ 372.
  74. محاضرات في أصول الفقه 5: 372.
  75. منتهى الدراية 3: 717.
  76. درر الفوائد 1 ـ 2: 234.
  77. مناهج الوصول 2: 325 ـ 327.
  78. أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 242.
  79. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.
  80. كفاية الأصول: 249.
  81. أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 243.
  82. مناهج الوصول 2: 326.
  83. أجود التقريرات 2: 435، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 243.
  84. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.
  85. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432 وأنظر: حقائق الأصول 1: 176.
  86. أنظر: عناية الأصول 1: 80 ـ 81.
  87. نهاية الدراية 1: 94، حاشية كتاب المكاسب 1: 91.
  88. مقالات الأصول 1: 462 و2: 110، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 100، 199، تعليقة على العروة الوثقى: 16.
  89. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 428.
  90. البقرة: 275.
  91. النساء: 29.
  92. المائدة: 1.
  93. أنظر: كفاية الأصول: 252، فوائد الأصول 1 ـ 2: 562، نهاية الأصول 1 ـ 2: 386 ـ 387، محاضرات في أصول الفقه 4: 109 ـ 110.
  94. نقل هذه النظرية في نهاية الأفكار 1 ـ 2: 405 ـ 406.
  95. نقل ذلك عن المحقّق الإصفهاني في بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 429. أنظر: نهاية الأفكار 1 ـ 2: 568 ـ 569.
  96. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 430 ـ 431.
  97. دروس في علم الأصول 1: 243.
  98. المصدر السابق.
  99. المصدر نفسه.
  100. فوائد الأصول 1 ـ 2: 159، 162.
  101. منتقى الأصول 2: 408 ـ 409.
  102. تهذيب الأصول الخميني 1: 324 ـ 325.
  103. محاضرات في أصول الفقه 5: 385.
  104. مصباح الأصول 1 ق 2: 618.
  105. نهاية الأفكار 3: 239.
  106. هذا ما استفدناه من موارد استعماله.