الإجمال

من ویکي‌وحدت

الإجمال أو «إجمال الأدلة» إصطلاحٌ في علم أصول الفقه یرتبط بدلالة الألفاظ لاستنباط الأحکام الشرعیة. لأن الأدلة اللفظیة ربما تکون غیر واضحة من حیث الدلالة، فلها أحکامٌ و لفقهاء الشيعة والسنة فیها آراء نبحثها في هذا المجال. وجدیر بالذکر أنّ الأصولیین لم يحصر دراستهم للإجمال بالمجمل من الألفاظ، بل ناقشوه في موارد أخرى كذلك، من قبيل أفعال الصحابة والمعصومين وتقاريرهم المجملة أو العلم الإجمالي، فتتوزع بحوث هذا الموضوع في عدة مداخل وقد أشرنا باختزال إلى بعضٍ هنا، ولم نحصر المقال بالبحوث اللفظية.

تعریف الإجمال لغةً

الإجمال: إفعال من الجَملْ، بمعنى الجمع، يقال: جمل الشيء وأجمله، أي: جمعه من غير تفصيل. [١] ومنه قوله تعالى: «لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً»[٢] أي: مجتمعا، لا نجوما متفرقة، كالآية والسورة. [٣]

وكذا قولهم «العلم الإجمالي»[٤]؛ لتعلق العلم فيه بالجامع بما فيه من الدمج والإجمال، وكذا اللفظ المجمل؛ لاحتماله الوجوه والمعاني المختلفة. [٥] وقد يأتي بمعنى الاتّئاد والاعتدال أيضا، فيقال: أجمل في الطلب، أي: اعتدل ولم يفرط، ومنه قول الشاعر: الرزق مقسوم فأجمل في الطلب. [٦]

تعریف الإجمال اصطلاحاً

عُرّف المُجمَل في لسان جماعة: «بما لم تتّضح دلالته».[٧] وظاهر التعريف أنّ المجمل يكون له دلالة ولكنها غير واضحة، فلا يشمل ما ليس له دلالة ـ وهو المهمل ـ وقد صرّح به المرداوي. [٨]

كما أنّ المراد من الدلالة ليست هي الدلالة العقلية، مثل دلالة أثر القدم على المرور، ودلالة الصوت على المصوّت؛ لأنّ الكلام هنا في مداليل الألفاظ والأفعال ومفاهيمها وضعا أو عرفا، لا في لوازمها، بل صريح بعضهم أ نّه خصوص الدلالة اللفظية الوضعية؛ لأ نّها المعهود في باب الألفاظ. [٩] وكيف كان فقد أورد على هذا التعريف، بأنّ وضوح الدلالة وعدمه للمخاطب تابع لعلمه بالوضع وعدمه، وليس كلّ مجهول كذلك «مجملاً» في الاصطلاح كما لايخفى. [١٠]

فالصحيح تعريفه بعدم وضوح المراد لا الدلالة، ولذلك عدل إليه جماعة كالغزالي، إذ قال: «والمجمل: هو اللفظ الصالح لأحد معنيين، الذي لايتعيّن معناه لا بوضع اللغة، ولا بعرف الاستعمال».[١١] وقريب منه تعريف أبي الحسين البصري[١٢]، والمرتضى[١٣]، وأبي يعلى[١٤]، وأبي محمد الجوزي[١٥]، وابن اللحام[١٦]، والمرداوي[١٧]، له. وقال الآخوند الخراساني: «فما ليس له ظهور مجمل، وان علم بقرينة خارجيّة ما أريد منه، كما أنّ ما له ظهور مبيّن، وإن علم بالقرينة الخارجيّة أ نّه ما أريد ظهوره، وأ نّه مؤوّل».[١٨] وقال السيد الخوئى: «المجمل: اسم لما يكون معناه مشتبها وغير ظاهر فيه، والمبيّن: اسم لما يكون معناه واضحا وغير مشتبه».[١٩] ثمّ الظاهر من هذه التعاريف ـ بل هو كالصريح في بعضها ـ أنّ المجمل اصطلاح في ما لايفهم المراد منه، فإذا كان لفظ ـ مثلاً ـ كذلك، ولكن قد اتّضح المراد منه ببعض البيانات والقرائن الخارجيّة، فإنّ ذلك لايخرجه عن الإجمال، كما أنّ اللفظ اذا كان متضح المعنى في نفسه، ولكن علم من الخارج عدم إرادة ظاهره، فلا يخرج بذلك عن البيان في نفسه. كما أنّ الواضح أنّ الإجمال صفة للّفظ، فإنّه إذا كان واضح المعنى في نفسه فهو مبيّن، وإن كان غير واضح المعنى في نفسه فهو مجمل، فلا يختلف ذلك باختلاف الأفراد والأحوال من حيث العلم بالوضع وعدمه ـ كما يظهر من بعض الأصوليين ـ [٢٠]، ضرورة عدم توقف اجمال اللفظ وعدمه على علم الأشخاص وعدمه، وإلاّ لكان القرآن مجملاً بالنسبة إلى الأعجمي غير العارف باللغة العربيّة، ولايمكن القول به. [٢١] ثمّ إنّه قد يكون الكلام الواحد بالنسبة لبعض المعنى مبيّنا وبالنسبة لبعضها مجملاً، وذلك كاللفظ الصالح لإرادة الإطلاق منه، كقوله تعالى: «أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ»[٢٢] فإنّه بالنسبة لإيجاب أصل الصلاة على المكلّفين مبيّن؛ لأ نّه بصدد البيان من هذه الجهة، وأمّا بالنسبة لقيود الصلاة فمجمل وغير قابل للاستناد إليه؛ لوضوح عدم كون الآية بصدد البيان من هذه الجهة، فهى مبيّنة بالنسبة لأصل الحكم، ومجملة بالنسبة لقيوده وتفاصيله. [٢٣] وسيجى‏ء له زيادة توضيح في أسباب الإجمال.

الالفاظ ذات الصلة

1. المهمل

المهمل من الإهمال بمعنى ترك الشيء سدىً[٢٤]، وقد يسند إلى اللفظ، فيقال: لفظ مهمل، والفرق بينه وبين المجمل: أنّ المجمل هو اللفظ أو الفعل الذي يحتاج إلى بيان في حق السامع؛ لعدم ظهوره في معنى من المعاني، مع كونه معلوما لدى المتكلم، فهو لفظ مستعمل، بخلاف المهمل الذي لم يوضع لمعنى أصلاً، فيكون بذلك خارجا عن مقام الاستعمال، ويقال له: اللفظ غير المستعمل. [٢٥]

2. المتشابه

وهو من الاشتباه بمعنى الالتباس[٢٦]، يقال: اشتبهت الأمور وتشابهت، أي: التبست ولم تتميّز. والمتشابه من الكلام مقابل المحكم، قال اللّه‏ تعالى: «مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ».[٢٧] وفسّره الشيخ الطوسي قدس‏سره: بما لايعلم المراد بظاهره، حتى يقترن به ما يدلّ على المراد منه. [٢٨]

وفسّره السيد المرتضى: بما يحتمل تأويلين مشتبهين احتمالاً شديدا، وظاهره يوضع لما يمنع منه العقل. [٢٩] والأقوال في تفسير المتشابه كثيرة، وقد أنهاها بعضهم إلى أكثر من عشرة أقوال ـ وإن كانت لا تخلو من التداخل والتكرار ـ . [٣٠]

3. المشترک

المشترك قسمان: معنوي، ولفظي. فالمعنوي: ما يكون له بحسب الوضع معنىً واحد كلّى ، وله أفراد متعددة، وهي إمّا مختلفة المراتب أو متحدة المراتب ، فالأول مشكّك ، و الثاني متواطئ. [٣١] وهذا النحو من الاشتراك ليس من الإجمال في شيء؛ لأنّ الكلّي يصدق على جميع أفراده ويدلّ على الجميع، كدلالة الإنسان على جميع أفراده، ودلالة السواد على جميع مراتبه، نعم لو استعمل في بعض أفراده بالخصوص من دون قرينة معيّنة فهو من الإجمال. [٣٢]

وأمّا المشترك اللفظي ـ الذي هو المراد من لفظ «المشترك» عند الإطلاق ـ فهو ما اتّحد لفظه وتعدّد معناه بحسب الوضع، بحيث يكون اللفظ حقيقةً في كلٍّ منها. [٣٣] وأمّا إذا تعدّد المعنى بغير الوضع، فهو من الحقيقة والمجاز، كما إذا كان اللفظ موضوعا لِمعنى واحد ثمّ استعمل فيمعنى آخر بالمناسبة وبالقرينة. والاشتراك هذا مِمّا يُحتاج معه إلى البيان، ونصب القرينة على المراد، فهو من أفراد المتشابه كما صرّح به المرداوي، حيث قال: «الأصح إنّ المحكم ما اتضح معناه والمتشابه عكسه؛ لاشتراكٍ أو إجمالٍ أو ظهور تشبيهٍ كصفات اللّه‏ تعالى».[٣٤] بل من المجمل على ما مرّ من تفسير المجمل باللفظ الذي لا يدلّ على المراد بنفسه ومن غير بيان، أو ما يتردد بين محتملين فأكثر؛ لأنّ المشترك حاله كذلك، وقد صرّح به بعض الباحثين المعاصرين في علم الأصول[٣٥]، وحكى الزركشي التمثيل للمجمل به عن جماعة أيضا. [٣٦]

4. محکم

المحكم مقابل المتشابه، وقد مرّ اختلاف الكلمات في تعريف المتشابه فكذلك مقابله. والذي ينبغي ذكره هنا أنّ المحكم بما له من المعنى مقابل المجمل والمتشابه قطعا، وقد يجعل من أقسامه النصّ والظاهر. [٣٧]

أقسام الإجمال

ينقسم الإجمال باعتبارات مختلفة إلى أقسام، نتعرض لها ضمن التقسيمات التالية:

1 ـ الإجمال إمّا في قول أو فعل أو تقرير

وتوضيحه أ نّه لا شك أنّ للأفعال ـ كالألفاظ ـ دخلاً في إفادة المعاني، وهي أيضا مختلفة من هذه الجهة، فبعضها نصّ وبعضها ظاهر وبعضها مجمل، فالإجمال كما يطرء الألفاظ يطرء الأفعال أيضا. [٣٨] وهذا لا خلاف فيه، فَما كان من الفعل ظاهرا في معنى يلحق باللفظ الظاهر في حكمه ـ وهو وجوب الاتّباع ـ وما كان منه مجملاً يجرى عليه حكم اللفظ المجمل. نعم، قد يقع الكلام في الاصطلاح، وأنّ هذا العنوان المتداول هل يشمل الفعل أيضا مطابقة، بحيث يكون المجمل مشتركا معنويا بين الفعل والقول، أو أ نّه يختص بالقول، والفعل إنّما يجرى مجراه في الحكم؟ علما بأنّ هذا الخلاف والنزاع لايترتب عليه أثر عملي. وكيف كان فظاهر تعريف عدةٍ له: «بما لم يتضح دلالته» وغيره مِمّا اعتمد فيه على «الموصول» عموم الاصطلاح؛ لأ نّه أعمّ من القول والفعل، بل به صرّح بعضهم كالمرداوي، إذ قال: إنّ المجمل يتناول القول والفعل والمشترك والمتواطئ»[٣٩] وصرّح بذلك المظفر أيضا. [٤٠] نعم، الظاهر من عدة منهم الخصوص؛ لتعبيرهم عنه (باللفظ ...)، كالسيد المرتضى[٤١]، والغزالي[٤٢]، والمحقّق الخراساني[٤٣]، وغيرهم. بل الشيخ الأنصاري فسّر «الموصول» الظاهر في العموم ـ كما مرّ ـ باللفظ، قائلاً: «عرّفه جماعة اصطلاحا بأ نّه ما لم يتضّح دلالته، والمراد بالموصول اللفظ الموضوع فلا يرد النقض بالمهمل، وتقسيم المجمل إلى الفعل والقول لايدلّ على جريان الاصطلاح عليه كما لايخفى».[٤٤] وأمّا التقرير الذي حقيقته إمضاء الشيء وإبراز الرضا به، فهو أيضا إمّا قول أو فعل أو سكوت قائم مقام أحدهما، وهو دليل وبيان في بعض المقامات، وقد يسقط عن الإفادة والبيانيّة، وللظروف والمقامات دخل في ذلك. [٤٥] نعم التقرير من المعصوم الذي هو أحد الحجج الشرعية في قبال قوله وفعله ينحصر في سكوته، وكأ نّه اصطلاح فيه.

2 ـ الإجمال إمّا في مفرد أو في مركبّ

كما يجرى الإجمال في مفردات الجملة من اسم أو فعل أو حرف، كذلك قد يجرى في المركّب منها، مع كون أجزائها ـ بما هي أجزاء ومفردات ـ واضحة المعنى وضعا وعرفا. وذلك كما في موارد تعقب الاستثناء لجمل متعددّة، حيث إنّ الإجمال إنّما يكون فيالهيئة المركبة من المستثنى والمستثنى منه لا الأجزاء، وقد يمثّل له بقوله تعالى: «أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ»[٤٦]، فإنّه مردّد بين الزوج والولي[٤٧]، وقوله(ص): «لا صلاة إلاّ بطهور»[٤٨]؛ لتردده بين نفى الجنس ونفى الكمال والصحة[٤٩]، وبقوله تعالى: «وَافْعَلُوا الْخَيْرَ»[٥٠]؛ لتردده بين إرادة الوجوب وبعض الخير، أو الندب وجميع الخير[٥١]

3 ـ الإجمال إمّا بالذات أو بالعرض

المجمل بالذات ما يكون إجماله في نفس اللفظ، بأن يكون في نفسه مبهما غير معلوم المراد عند المخاطبين، وذلك كالمشترك اللفظي، بناءً على عدم جواز استعماله في أكثر من معنى. والمجمل بالعرض ما كان إجماله عرضيا، كما في موارد احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة، ومثاله العام المخصّص بمتصلٍ مجملٍ، حيث يسرى إجماله إلى العام ويمنع من انعقاد ظهور له في العموم، فهو إجمال عارض على اللفظ من خارجه، بخلاف الإجمال بالذات. [٥٢]

4 ـ الإجمال إمّا حقيقيٌ أو حكميٌ

الإجمال إذا كان وصفا مباشرا وحقيقيا للّفظ فهو إجمال حقيقي، سواء أكان منشأه إبهام اللفظ في نفسه، او كان عارضا عليه من خارج، فالإجمال الحقيقي هو ما إذا كان اللفظ غير ظاهر في المراد الاستعمالي، أي لم يكن له ظهور في معنى. وفي قبال ذلك ما إذا لم يكن الإجمال وصفا مباشرا للفظ، بأن كان له ظهور إلاّ أ نّه لمكان العلم بعدم إرادة ظهوره يكون بحكم المجمل، فالمراد الاستعمالي منه معلوم، ولكن المراد الجدى منه غير معلوم، فهو حقيقة مبيّن لعدم انثلام ظهوره، وحكما مجملاً، وبتعبير آخر يترتّب عليه نتيجة الإجمال وحكمه ـ وهو عدم الحجّية في ما هو ظاهر فيه ـ لا نفس الإجمال. ومثاله العام المخصّص بمنفصل مردّد بين المتباينين، مثل قول المولى: «أكرم كلّ فقير» وقوله منفصلاً: «لا تكرم زيدا الفقير» فإنّ إجمال المخصّص لا يوجب انثلام ظهور العام «أكرم كلّ فقير» في ظهوره، إلاّ أ نّه يسقطه عن الحجّية والمرجعية في الحكم بوجوب الإكرام بالنسبة إلى أ يّهما. أو الخبران المتعارضان حيث يعلم بكذب أحدهما ـ بناءً على التساقط ـ فلا يمكن الاستناد إلى أي واحدٍ منهما، وإن كان الظهور في كلٍّ منهما محفوظا. وبالتأمّل في التقسيمين السابقين يتضح أنّ بالإمكان جعلهما تقسيما واحدا ثلاثيا: وذلك بأن يقال: الإجمال إمّا حقيقي أو حكمي، والحقيقي إمّا بالذات أو بالعرض. والحاصل أنّ الأقسام ثلاثة: إجمال بالذات، وإجمال بالعرض، وإجمال حكمي. [٥٣] ثمّ إنّ الإجمال الحكمي الذي صار قسيما ومقابلاً للعرضي ـ بمقتضى ما مرّ ـ قد يطلق عليه الإجمال بالعرض[٥٤]؛ وذلك لمكان عرضيّة نفس هذا الوصف، أي الإجمال الحكمي؛ لوضوح أنّ الإجمال الحكمي وإن لَمْ يكن إجمالاً للّفظ حقيقةً، إلاّ أ نّه إذا أريد توصيفه به ـ ولو مسامحة ـ فهو أمر عارض ناشئ من خارج اللفظ قطعا.

أحکام الإجمال

ويقع البحث في أمور:

الأمر الأول: أسباب الإجمال

للإجمال بأقسامه من الحقيقي والحكمي، أو الذاتي والعرضي مناشئ عديدة، نتعرض لأهمها فيما يلى: وهي: الاول: كون اللفظ مبهما في نفسه كاللفظ المشترك الخالي عن القرينة، بناءً على عدم جواز استعماله في أكثر من معنى[٥٥]. وهذا واضح لمكان ترددّه في المعنى، فيكون مجملاً غير مبيّن.

والاشتراك كما يكون في اللفظ المفرد من اسم (كالعين)، أو فعل (كعسعس)، أو حرف كـ (مِن) في قوله تعالى: «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ ... مِّنْهُ»[٥٦] المردّد بين الابتداء والتبعيض، كذلك يكون في المركّب، كما قوله تعالى: «أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ»[٥٧]؛ لتردّد من بيده عقدة النكاح بين الزوج والولي. [٥٨] الثاني: احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة، بحيث يكون من الجائز اعتماد المتكلم عليه في تفهيم مراده، ولم يكن بحدِّ الظهور، ولم يعلم أنّ المتكلم قد اعتمد عليه أم لا. [٥٩]
وذلك كموارد وقوع الاستثناء بعد جمل متعددة متعاطفة بعضها على بعض، وكذلك وقوع وصف أو شرط أو غاية ونحوها بعدها، ورجوع الضمير إلى جزء المعنى السابق، ووقوع الأمر عقيب الحظر أو توهمه. فإنّ ذلك قد يوجب الإجمال. الثالث: تعقّب الخطاب بقيد مجمل: وذلك كالمخصّص الوارد على العام، فإنّه إذا كان مجملاً فقد يوجب إجمال العامّ حقيقةً أو حكما. [٦٠] ومن أمثلة الاجمال الحقيقي ـ ولو بالعرض ـ قول «أكرم الفقراء إلاّ الفُسّاق منهم» وقد تردّد الفاسق بين خصوص المرتكب للكبيرة والأعمّ منه ومن الصغيرة، فإنّ ذلك يوجب عدم انعقاد ظهور للعام في العموم، فهو بالنسبة لمرتكب الصغيرة مجمل وغير قابل للاستناد إلى عمومه. وكذلك قوله تعالى: «أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ»[٦١] بناءً على إجمال الاستثناء هنا. [٦٢] وكذلك الكلام فيما إذا كان تردّد المخصّص بين المتباينين. ومن أمثلة الاجمال الحكمي قول المولى: «أكرم الفقراء» ثمّ قوله منفصلاً: «لا تكرم زيدا»، وكان زيد مردّدا بين شخصين، فعندئذٍ يصير العامّ مجملاً غير قابل للاستناد بالنسبة إلى من يسمى بزيد، لمكان تعارض أصل العموم في كلّ منهما بالآخر فيتساقطان. [٦٣] وقد مثّل علاء الدين السمرقندي بأن يقول لنا النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في قوله تعالى: «فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ»[٦٤] «لا تقتلوا بعض المشركين»، فصار النص مجملاً لايعرف المراد به؛ لأ نّه لا مشرك إلاّ وقد تناوله قوله تعالى: «فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ»، وتناوله قوله عليه‏السلام : «لاتقتلوا بعض المشركين»، قال: وليس بأن يدخل تحت أحدهما بأولى من أن يدخل تحت الآخر، فيحتاج إلى البيان. [٦٥]
نعم، إذا كان أمره دائرا بين الأقل والأكثر فيجوز الاستناد إلى عموم العام لاجراء حكمه على المشكوك. الرابع: وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب: فقد يقال بإجمال الخطاب المطلق مع وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب ـ بأي سبب من أسبابه كوقوعه مورد السؤال، أو كونه الفرد المأنوس لكثرة إرادته من المطلق ـ فحينئذٍ لايمكن التمسّك بإطلاق الخطاب بالنسبة لغير الفرد المتيقّن، مثل ماورد في موثقة ابن بكير قال: سأل زرارة أباعبداللّه‏ عليه‏السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فخرج كتابا زعم أ نّه إملاء رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يُصلّى في غيره ممّا أحلّ اللّه‏ أكله»و[٦٦] واستدلّ للإجمال بأنّ كثرة إرادة المقيّد من المطلق لدى الإطلاق ـ ولو بدالّ آخر ـ أو وقوعه في مورد السؤال يجعله بحيث يجوز للمتكلم الاكتفاء بها عن تقييد الخطاب، ولاتعدّ ذلك منه خروجا عن موازين المحاورة في باب التفهيم والتفهّم، ولايحكم عليه بلزوم تقييد الخطاب عند إرادته المقيّد. [٦٧]
وفي هذا الحال لايصح إسناد الإطلاق إلى هذا الكلام الخالي عن القيد؛ لصحة اتكاله في القيد إلى القدر المتيقّن في مقام التخاطب، وهذا معنى إجمال الخطاب بالنسبة إليه. بل هناك من حكم بالإجمال حتى فيما إذا كان هناك قدر متيقّن بحسب الخارج ـ دون مقام التخاطب ـ ككثرة تحقق فرد خاص أو نوع خاص في الخارج. وذلك مثل أن يكون عادة المخاطبين تناول طعام خاص، فورد خطاب بتحريم الطعام، فالمنسوب إلى أبي حنيفة أ نّه حكم بأنّ العادة توجب تنزيل العموم على المعتاد[٦٨] واستدلّ له بالقياس بموارد استعمال العام في فرد معيّن أو صنف خاص بالعادة كما في استعمال لفظ الدابّة في خصوص ذوات الأربع عادةً فتحمل هي عليه.
وقد أجيب عن الأوّل: بأنّ وجود القدر المتيقّن إن كان بحيث يعدّ كالقرينة المتّصلة الموجبة لانصراف الإطلاق إليه وظهوره فيه في مقام الاستعمال، فهو حجة فيه؛ من باب انعقاد ظهور الكلام في القدر المتيقّن وعدم دلالته على غيره، وفي الحقيقة هذا خارج من باب القدر المتيقّن في مقام التخاطب. وأمّا إذا لم يكن بهذه المثابة، فمجرد وجود القدر المتيقّن لايمنع من الأخذ بإطلاق المطلق؛ لفرض ظهوره في الإطلاق وعدم انصرافه إلى مورد معيّن. [٦٩] ومعه يكون استعمال المطلق وإرادة المقيّد من دون تقييده في الخطاب خروجا عن موازين المحاورة أيضا. كما أجيب عن الثاني: بوجود الفرق بين مثال الطعام ومثال الدابّة، فإنّ الثاني من باب العادة في مقام الاستعمال والتفهيم والتفهّم، بخلاف الأوّل فإنّه عادةً بحسب مقام الخارج والتحقق، وهذا لا ربط له بمقام الاستعمال. والعادة لو قيل بسببيّتها للظهور الانصرافي، فإنّما هي في العادة بحسب مقام الاستعمال لا غير. [٧٠] الخامس: فقد القرائن الحالية والمقالية والارتكازات الموجودة حال صدور الخطاب، سواء حصل ذلك بمرور الزمان، أو تعمّد من الخائن، أو غفلة من الراوي أو الناسخ، كما قد يتفق ذلك في موارد النقل بالمعنى وتقطيع الروايات. فإنّ القرائن والارتكازات إذا علم بوجودها حال صدور الخطاب، واحتمل اتكال المتكلم عليها في بيان مراداته، فإنّ فقدها قد يوجب إجمال الخطاب، ولا يمكن التمسّك بظهوره عرفا؛ لكونها بمثابة القرائن المتصلة المفقودة. نعم، مجرّد احتمال وجود قرائن قد اتكل عليها المتكلم وإفتقادها لايضرّ بحجّية الخطاب في ما يظهر فيه؛ لاندفاع غفلة الراوي في نقلها بأصالة عدم الغفلة عند العقلاء. [٧١] واندفاع تعمّد الراوي والناسخ باعتبار وثاقتهما. نعم، مع عدم إحراز الوثاقة واحتمال التعمّد لا وجه للتمسّك بأصالة الظهور، فاحتمال وجود القرينة المتصلة ـ ومنها الارتكازات في مثل هذه الحالة ـ يوجب الإجمال. [٧٢] كما أنّ التقطيع إنّما يضرّ بالأخذ بالظهور إذا كان من العامي غير العارف بالأحكام، وأمّا إذا كان من العلماء العارفين الملاحظين في تقطيعاتهم عدم الإخلال بالكلام وعدم سقوط القرائن الموجودة ـ كما هو كذلك في رواياتنا ـ فلا. [٧٣]

السادس: العلم من الخارج بعدم إرادة المعنى الحقيقي أو الظاهر علما بيِّنا يعدّ كالقرينة المتصلة، مع عدم وجود ما يعيّن المراد منه[٧٤]، كما في موارد العلم بعدم إرادة المعنى الحقيقي وتعدّد المجازات، مع عدم مرجّح في البين، فإنّ ذلك يوجب الإجمال، وقد يمثّل لذلك ببعض الآيات الظاهرة في الجبر، أو التجسيم للّه‏ تعالى كقوله: «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ»[٧٥]، وقوله: «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى»[٧٦]، وقوله: «إفْعَلُوا الْخَيْرَ»[٧٧] ـ بناءً على إرادة الوجوب منه؛ لاستحالة وجوب جميع الخيرات وبعض غير معيّن ـ فحينئذٍ إن دلت قرينة من عقل أو نقل على المراد فهو، وإلاّ كان من المتشابهات التي وجب التوقف دونها وإيكال الأمر فيها إلى أهله، كما ورد الأمر به في بعض الأخبار: «فردّوا إلينا علمه»[٧٨]، وهو من المجمل أو في حكمه.

ومن مصاديق أيضا العام والمطلق إذا علم بعدم إرادة العموم أو الاطلاق منه للعلم بخروج بعض أصنافه علما بينا فانَّ ذلك يعدُّ كالقرينة المتصلة ويمنع من انعقاد ظهور للكلام. نعم، إذا كان غير بيِّن فيعتبر كقرينة منفصلة. السابع: امتناع شمول دليلٍ من عموم أو إطلاق لموردين لمكان التنافي بينهما، فإنّ ذلك يوجب الإجمال في الجملة ـ أي بالنسبة لهما ـ لا مطلقا.

مثاله امتناع شمول أدلّة حجّية الأمارات للخبرين المتعارضين؛ لأداء التعبّد بهما إلى التعبّد بالضدين أو المتناقضين، وهذا قبيح من الحكيم؛ لأنّ التعبّد بهما معا غير ممكن، وبأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح، فيعرض عليها [أي على أدلة حجّية الأمارات والأخبار] الإجمال بالنسبة إلى مورد التعارض إجمالاً حكميا، أي أ نّها غير حجّة فيهما وغير قابل للاستناد.

وكذلك الكلام في أدلّة حجّية الأصول من العمومات والإطلاقات، كقوله عليه‏السلام: «كلّ شيء لك طاهر»[٧٩] وقوله عليه‏السلام : «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشّك»[٨٠] فإنّها قد تؤدى إلى التعارض؛ لأداءهما إلى التعبّد بالمتنافيين كما في موارد توارد الحالتين على شيء واحد من الطهارة والنجاسة أو الحدث، ولم يعلم بالمتأخر منهما، فإنّ استصحاب الطهارة هنا يعارض استصحاب النجاسة أو الحدث، ولايمكن التعبّد بهما معا؛ للتنافي، وترجيح أحدهما المعيّن ترجيح بلا دليل، فيعرض على عموم أدلة الاستصحاب بالنسبة إليهما الإجمال، أي يكون غير قابل للاستناد، وهو في حكم المجمل. ومن ذلك أيضا موارد العلم الاجمالي بعدم شمول الخطاب الواحد لموضوعين، حيث يوجب التعارض بالعرض بين الاصول المؤمِّنة الجارية في الاطراف.

الثامن: اجتماع الخطابين العامين أو المطلقين المتنافيين بحسب المدلول في محل معيّن، كخطاب «أكرم العالم أو العلماء»، وخطاب «لا تكرم الفاسق أو الفسّاق»، فإنّهما لمكان تنافيهما يتعارضان في المجمع (أي العالم الفاسق)، ويتساقطان عن الحجّية وقابلية الاستناد، فيعرض لهما الإجمال حكما ـ أي في الحجّية ـ بالنسبة للمجمع، فيجب التوقف فيه؛ بناءً على عدم الترجيح، أو التخيير بالأخبار العلاجيّة الواردة في تعارض الأمارات. [٨١]

التاسع: اختلاف النقلين لرواية واحدة بالزيادة والنقيصة المغيّرة للمعنى، فإنّ ذلك يوجب الإجمال في الرواية. ومثال ذلك مسألة جواز المسح على الحائل في التيمّم، فقد يستدل له برواية الوشاء المرويّة بطريق الشيخ الطوسي المشتملة على السؤال في من على يده أو يديه دواء أيمسح عليه؟ قال عليه‏السلام: «نعم». حيث أورد عليه بأنّ نفس الرواية نُقلت بطريق الصدوق وفيها زيادة كلمة «في الوضوء» قبل قوله: «أيمسح»؛ وعليه يكون مفاد الرواية جواز المسح على الخُفّ في خصوص الوضوء، وحيث إنّ الرواية واحدة؛ لوحدة السند في الطريقين فيردَّدُ أمرُها بين الزيادة والنقيصة المغيّرة للمعنى، فتصير بحكم المجمل لا محالة، ولا يمكن الاعتماد عليه في الحكم بكفاية المسح على الحائل مطلقا حتى في التيمّم. نعم، ذهب بعضهم في مثل ذلك إلى أصالة عدم الزيادة[٨٢]، فكأنّ بهذا الأصل الموضوعي عندهم يُحرَز عدم صدور القيد الزائد ـ أي قوله : في الوضوء ـ من الإمام، فيثبت به عموم الرواية، وعدم اختصاصها بالوضوء.

الأمر الثاني: الإجمال في القرآن والسنّة

أ ـ الإجمال في القرآن

لا إشكال في جريان الإجمال بالعرض في القرآن، بناءً على ما هو الصحيح من جواز تخصيص الكتاب بالسنّة، بمعنى سريان الإجمال إلى إطلاق أو عموم أو ظهور آية من آيات الأحكام، نتيجة إجمال المخصّص أو القرينة المنفصلة الواردة في السنّة الشريفة. كما يجري فيه الإجمال بمعنى عدم الإطلاق، من جهة عدم كونه في مقام التفصيل، بل في مقام تشريع أصل الحكم كما يقال ذلك بالنسبة لمثل قوله تعالى: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ»، وقوله تعالى: «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»[٨٣]، وغيرها من الآيات التي ليست بمقام التعرض لتفصيل الحكم، وكم لها من نظير.

وأيضا يجري فيه الإجمال بمعنى التشابه بالمعنى الذي فسّرناه ـ وهو أن يكون للفظ ظهور غير مراد ـ بل ذلك واقع قطعا، كما هو صريح قوله تعالى: «وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ». وأمّا الإجمال بالذات بمعنى الإبهام وعدم اتضاح مدلول اللفظ ومراده في نفسها، فقد يقال بعدم جريانه مطلقا في القرآن؛ وذلك لأنّ الكلام إن لم يقصد به الإفهام كان عبثا، وهو غير لائق بالحكيم، وإن قصد به الإفهام، فإن قرن بالمجمل ما يبيّنه كان تطويلاً من غير فائدة؛ لأنّ التنصيص على المعنى أسهل وأدخل في الفصاحة من ذكر المجمل ثمّ تعقيبه بالبيان، وإن لم يقترن به ما يبيّنه كان من إرادة الإفهام بما لايدلّ على المراد، ومخلاًّ بالتفاهم، وهو محال من الحكيم. [٨٤]

وهذا البيان نظير ما ذكره بعضهم من استحالة وقوع المشترك في القرآن لذلك الوجه. [٨٥] وأجيب: أوّلاً: بوقوع المجمل في القرآن في الجملة، وهو أدلّ دليل على إمكانه، وذلك كالقُرء المردّد في المعنى بين الضدين ـ الحيض والطهر ـ عند أهل اللغة والتفسير، ولا مبيّن له في الكتاب، ولولا الروايات الواردة من أئمّة أهل البيت عليهم‏السلام في تعيين المراد منه لبقي مجملاً، وكعسعس الموضوع للإقبال والإدبار. [٨٦]

وثانيا: بمنع كونه مخلاًّ بالحكمة؛ لتعلق الغرض بالإجمال أحيانا، وإلاّ لما وقع المشتبه في كلامه أيضا، وقد أخبر في كتابه الكريم بوقوعه فيه كما مرّت الآية. وقد يكون الغرض من الإجمال بل الإهمال اضطرار المكلّفين إلى الرجوع إلى أهل الذكر والراسخين في العلم ـ وهم المعصومون من أهل البيت عليهم‏السلام ـ أو استعدادهم للامتثال بذكر الإجمال أولاً ثمّ الإتيان بالمبيّن أو اجتهادهم في طلب البيان. [٨٧] وهي كلّها أغراض عقلائية لا تقبح على الحكيم تعالى.

قال السيد الخوئي: «... لمنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى، فإنّ الغرض قد يتعلق بالإجمال والإهمال، كما أخبر هو تعالى بوقوعه في كلامه... «واخر متشابهات» فالمتشابه هو المجمل، وقد وقع في القرآن في غير مورد، ولا مانع منه أصلاً إذا تعلق الغرض به، ودعت الحاجة إلى الإتيان بذلك، وباب القرينة واسع».[٨٨] وقال الشوكاني: «فلا يخفاك أنّ المشترك موجود في هذه اللغة العربية، لاينكر ذلك إلاّ مكابر، كالقرء، فإنّه مشترك بين الطهر والحيض، مستعمل فيهما من غير ترجيح وهو معنى الاشتراك». ثمّ قال: «ومثل القرء، العين... وكذا الجون... وكذا عسعس مشترك بين أقبل وأدبر، وكما هو واقع في لغة العرب بالاستقراء، فهو أيضا واقع في الكتاب والسنّة، فلا اعتبار بقول من قال: إنّه غير واقع في الكتاب فقط، او غير واقع فيهما، لا في اللغة».[٨٩] وقال الآمدي: «إذا عرف وقوع الاشتراك لغةً، فهو أيضا واقع في كلام اللّه‏ تعالى، والدليل عليه قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ»، فإنّه مشترك بين إقبال الليل وإدباره، وهما ضدّان».[٩٠] فالذي ينبغي القول به هو: إنّ الإجمال تارةً يكون بحيث يعدّ نقصا في البيان وتكلّما بما لاينبغي صدوره من الحكيم، وأخرى يكون بما ليس لذلك. وما ثبت وقوعه في الكتاب العزيز من الاشتراك يكون من قبيل الثاني، فإنّ قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ»وكذا قوله: «يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ»ونحوهما، وإن كانت غير مبيّنة من بعض الجهات إلاّ أ نّها ليست من اللّغو والمهمل الذي يُعَدّ نقصا في البيان البليغ، بل قد يكون استعمال المشترك بنفسه من بلاغة الكلام إذا كان باب القرينة مفتوح؛ لكونه أوقع في النفس من ذكره ابتداءً مبينّا. [٩١] قال الآمدي الذي مرّ تصريحه بوقوع المشترك في الكتاب: «القرآن لايتصور اشتماله على ما لا معنى له في نفسه؛ لكونه هذيانا ونقصا يتعالى كلام الربّ عنه».[٩٢] واستدَلّ له بكونه تكليفا بما لايطاق، وإخراجا للقرآن عن كونه بيانا للناس. [٩٣] وقال الزركشي: «لايجوز أن يرد في القرآن ما ليس له معنى أصلاً؛ لأ نّه مهمل والبارى سبحانه منزّه عنه» إلى أن قال: «وأمّا الحروف التّى في أوائل السور، فقد اختلفوا فيها على نيف وثلاثين قولاً، فقيل: إنّها أسماء السور، وقيل: ذكرها اللّه‏ لجمع دواعي العرب إلى الاستماع و...». [٩٤] وأمّا القول بأنّ القرآن ورد ليكون بيانا استنادا إلى قوله تعالى: «تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»[٩٥]، فالجواب عنه: بأنّ هذه الآية وأمثالها إنّما هي ناظرة إلى أنّ القرآن غير ناقص في إفادة مراده من الأحكام وغيرها، لا أ نّه لايشتمل على لفظ مجمل أو مشترك أحيانا، ولو كان المراد منه قد بيّن في آيات أخرى، أو كان غرض الحكيم تعالى قد تعلّق بعدم إيضاحه إيكالاً توضيحه إلى الراسخين في العلم، وقد مرّ أنّ البيان البليغ قد يكون بالإجمال ثمّ التفصيل. أو يقال: إنّ مفاد الآية إنّما تشمل الوقائع والأحكام التي قد تعلق الغرض ببيانها مفصّلاً ومضمونها أ نّه لا نقص في الكتاب العزيز في هذا الغرض، وأمّا ما تعلق غرضه تعالى بإخفائه لبعض المصالح فلا تنافيه الآية. مضافا إلى أنّ الآية لو كانت بصدد نفى مطلق الإجمال فمقتضاها نفي المتشابه أيضا؛ لأنّ المتشابه وإن كان له ظهور، إلاّ أ نّه في حكم المجمل كما مرّ، والمتشابه في الكتاب موجود بنص القرآن.

ب ـ الإجمال في السنّة

وأمّا الإجمال في السّنة، فقد نسب إلى داود الظاهري لزوم انتفائه عنها أيضا، مستدلاً بما مرّ في إجمال القرآن: من أنّ الإجمال بدون البيان لايفيد، ومعه تطويل، ولايقع في كلام البلغاء فضلاً عن سيد الأنبياء. [٩٦] إلاّ أ نّه بما ذكر من جريانه في القرآن اتّضح حال السنّة أيضا، وأنّ أمثال البيانات السابقة لا تكفي في الحكم بلزوم انتفاء المجمل والمشترك والمتشابه عنها؛ لما مرّ من أنّ الأغراض العقلائيه قد تدعو إليه. مضافا إلى وجود خصوصيات في السنّة ـ دون القرآن ـ تقتضي بنفسها وجود الإجمال فيها، كصدور السنّة على نحو التدريج، والاتكال في بيان الأحكام فيها على القرائن المنفصلة المتأخرة بحسب الزمان، وكونها في أغلب الأحيان على شكل إجابات عن الأسئلة، التي يكون الجواب عنها في أكثر الأحيان خاليا عن الإطلاق والشمول، ومبتنيا على الارتكازات والقرائن الحالية الموجودة بين السائل والمجيب. مضافا إلى احتمال عروض الغفلة في نقل السنّة بجميع حذافيرها، خصوصا بناءً على جواز النقل بالمعنى، والتقطيع الحاصل من الراوي، فإنّه قد يوجب انفصال القرائن عن الكلام. وكيف كان فلم يوافق داود أحد من العلماء، قال بعضهم: «لا نعلم أحدا قال به غيره، فالحجّة عليه من الكتاب والسنّة لا يُحصى ولا يُعَدّ، وإنكاره مكابرة».[٩٧] وقد أجيب عليه أيضا: بأنّ الكلام إذا ورد مجملاً ثمّ بيّن وفُصِّل كان أوقع في النفس، فلا يبعد عن كلام الحكيم. [٩٨]

الأمر الثالث: الإجمال في حكم العقل

ربّما يقال بإمكان تطرق الإجمال إلى الأحكام العقلية، كقبح الظلم والتكليف بما لايطاق والإضرار بالنفس والغير ونحوها، وذلك بتطرق الإجمال إلى موضوعه، ولذلك قيل بإمكان جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية، كما إذا أدرك العقل قبح تكليف شخص لعجزه، ثمّ تغيّر بعض القيود والشرائط الحاصلة حين الحكم، بحيث حصل الالتباس فيما له الدخل في الحكم وما ليس له، وبالتالي حصل الشك في بقاء الحكم السابق، فيستصحب. [٩٩] ولكن صريح الشيخ الأنصاري وبعض من تبعه عدم إمكانه؛ لعدم تصور الإجمال في موضوع حكم العقل، وذلك لأنّ العقل لايستقل بحكم ـ حدوثا أو بقاءً ـ إلاّ بعد إحراز موضوعه بجميع حدوده وما له الدخل فيه، فما دام لا إحراز له، لا حكم له، ومع افتقاد بعض القيود الدخيلة لا حكم له قطعا، لا أ نّه يشك في بقاء الحكم للشك في بقاء موضوعه. وذلك لأنّ القضايا العقلية إمّا ضرورية لايحتاج العقل في حكمه إلى أزيد من تصور موضوعه بجميع ما له الدخل في موضوعيته له، وإمّا نظرية تنتهى إلى ضرورية، فلا موقع للإجمال في موضوع حكم العقل، والعجزُ عن تمييز الموضوع بحدوده ليس إلاّ للجهل بالمناط الذي يقع وسطا في إثبات الحكم للموضوع، فمع عدم إحراز المناط لا حكم للعقل يقينا[١٠٠]؛ لانتفاء موضوعه قطعا، وللتفصيل انظر مباحث استصحاب حكم العقل.

الأمر الرابع: ما وقع الخلاف في إجماله

هناك العديد من الآيات والروايات قد يدّعى إجمالها، ونحن نتعرض لبعض ما كان منها كقاعدة عامّة، تاركين لما ادُّعِي إجماله لخصوصية المورد:

1 ـ التحليل والتحريم الوارد على الأعيان

وذلك كما في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ»[١٠١]، وقوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ»[١٠٢]، وقوله: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»[١٠٣]، بناءً على عدم مصدريّة البيع والربا ـ كما هو كذلك عرفا ـ فقد نسب إلى عدّة من العلماء كأبي يعلى، وأبي الفرج المقدسي، والكرخي، وأبي عبداللّه‏ البصري[١٠٤] أنّ دخول الفعل على العين يوجب الإجمال. توضيح ذلك: أنّ التحليل والتحريم قد يردان على الأفعال، كقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ»[١٠٥]، وقوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ»[١٠٦]، وقوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً»[١٠٧]، وقد يردان على الأعيان كالآيات السابقة. ولا إشكال في وضوح المراد من القسم الأوّل كحرمة الرفث والكتمان؛ لأ نّهما فعلان يقعان تحت قدرة الإنسان فيجوز الأمر بهما والنهى عنهما. وأمّا القسم الثاني، فقد يدّعى فيه الإجمال محتجّا: أنّ العين بما هي عين لا تقع تحت قدرة الإنسان، وإنّما يقع تحت قدرة الإنسان أفعاله، فلابدّ من التزام تقدير فعل من أفعال المكلّفين، ليصح ورود التحريم والتحليل على الأعيان بواسطته، وهو غير معيّن، فيكون مردّدا بين أفعال كثيرة، وليس بعضها أولى من بعض، وذلك يوجب الإجمال. [١٠٨] ولكن الجمهور من أهل السنّة[١٠٩] ذهبوا إلى عدم الإجمال، بل لعلّ الظاهر من جزم الشيخ الطوسي[١١٠] والعلاّمة الحلّي[١١١] بالعدم أ نّه ممّا لا خلاف فيه بين الإماميّة، فإنّهم التزموا بأنّ المقدّر في هذه الموارد إنّما هو الفعل المناسب، وما هو المقصود عرفا، ففي المأكولات يحرم الأكل، وفي المشروبات الشرب، وفي الملبوسات اللبس، وهكذا. [١١٢] فالمقدّر في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ» هو الوط‏ء أو النظر عن شهوة. أو التزموا بالعموم ـ فيما لم يكن هناك معهود ينصرف إليه التحريم ـ ولعلّ منه استدلال الشيخ الطوسي بقوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» على حرمة بيع جلد الميتة وعلى نجاسته حتى بعد الدباغة[١١٣]، ولعلّ هذا مراد قولهم: «حذف المتعلق يفيد العموم»[١١٤]، وقد استدلّ أيضا الشيخ الأنصاري بقوله عليه‏السلام: «أولى الناس بالميّت أولاهم بميراثه» على أولوية الولي بجميع أمور الميّت من غسل وصلاة وكفن ودفن. [١١٥] كما استدلّ بعضهم بقوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «لايحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه»[١١٦] على حرمة كلّ فعل له مساس بمال الغير. [١١٧] وقد يستفاد إرادة العموم من الخارج من رواية أو غيرها، كما روي أ نّه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قال: «لعن اللّه‏ اليهود، حرّمت عليهم الشحوم فحملوها وباعوها».[١١٨] فدلّ على أنّ تحريم الشحوم يشمل أنواع التصرف فيه، ولاينحصر في الأكل، وإلاّ لم يتوجه إليهم الذمّ في البيع. [١١٩] نعم، إذا لم يكن هناك منصرف ولا دليل من الخارج على العموم ولا على تعيين المحذوف، لانجرّ ذلك إلى إجمال المراد. هذا وقد يجاب عن الشبهة المزبورة: بأنّ الحرمة لابدّ وأن تقع على العين ليدلّ على اتّصاف العين به، وأمّا إذا ورد على الفعل فلا يستفاد منه حرمة العين ولا الفعل المناسب. قال السرخسي: «ألا ترى أنّ شرب عصير الغير وأكل مال الغير فعلٌ حرام، ولم يكن ذلك دليلاً على حرمة العين ولزوم هذا الوصف للعين».[١٢٠] ورجوع هذا الجواب إلى لزوم الإضمار في قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «لا يحلّ مال امرئ مسلم...» لأنّ الإضمار مخلّ بالغرض وهو تحريم العين. لكنه جواب غير صحيح؛ وذلك لأنّ مفاد هذا الكلام على التقديرين ـ تقدير ورود التحريم على العين او على الفعل، وهو الأكل ـ واحد، ضرورة أنّ حرمة العين في هذا الكلام إنّما يراد بها حرمة أكلها والتصرف فيها لا حرمة ذاتها، فيتحد المراد في حالتي الإظهار والإضمار، فلا فرق بين القولين «يحرم عصير الغير» و«يحرم أكل عصير الصغير»، فما ذكره من عدم إفادة ذلك تحريم العين ذاتا لا معنى محصّل له.

2 ـ حديث الرفع

وهو ما روي عن النبي(ص) بطرق مختلفة في رفع بعض الأشياء عن أمّته، وللحديث صور مختلفة: فمنها: قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».[١٢١] ومنها: «إنّ اللّه‏ تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».[١٢٢] ومنها: «إنّ اللّه‏ تجاوز عن أمتي كلّ شيء حدثت به نفسها ما لم تكلّم به أو تعمل».[١٢٣] ومنها: «وضع عن أمتي تسع خصال: الخطأ، والنسيان، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه ، و ما استكرهوا عليه ، و الطيرة، والوسوسة في التفكر في الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد».[١٢٤] وقد يدّعى إجمال هذا الحديث بتقريب: إنّ الوضع والرفع بمعناه الحقيقي لهذه الأمور أو بعضها غير صادق ضرورةَ وقوع الخطأ والنسيان والاضطرار بالوجدان، فلابدّ من لحاظ مقدّر يكون الرفع والوضع بحسبه، وهو مردّد بين أمور، ولا معيّن في البين، وهذا معنى الإجمال. [١٢٥] ولكن أجيب عنه بعدم الإجمال؛ وذلك لعدم تردّد المحذوف، ومعلوميته بعرف الاستعمال، فإنّ الفقهاء وإن اختلفوا في ما هو المقدّر على اختلاف استظهاراتهم من الحديث، إلاّ أ نّهم لم يعاملوا معه معاملة المجمل الذي لايجوز الاستناد إليه بوجه. [١٢٦] فقد يقال: إنّ المحذوف هو خصوص المؤاخذة والعقاب، لا جميع الأحكام حتى مثل الضمان والقضاء. [١٢٧] واستدلّ له الشوكاني[١٢٨] بأ نّه المفهوم عرفا، بل جعل الشيخ الأنصاري[١٢٩] رفع المؤاخذة في الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما اضطروا إليه من المسلّمات، ثمّ حكم به في الباقي بمقتضى وحدة السياق الظاهر في كون الرفع في الجميع على نسق واحد. وقد يقال: إنّ المقدّر هو خصوص الأحكام الشرعية دون العقاب؛ لأنّ العقاب مرفوع عقلاً بلا احتياج إلى رفع من الشارع، وحمل الكلام على ما يفيد أولى من حمله على ما لايفيد. [١٣٠] ونسب إلى الشافعي أنّ المقدّر هو الحكم بعمومه، أي جميع أحكام الدنيا والآخرة[١٣١] ـ والذي قد يعبّر عنه برفع جميع الآثار ـ واستُدلّ له بأ نّه أقرب اعتبارا إلى المعنى الحقيقي[١٣٢]، ولعلّ المراد أ نّه أقرب المجازات. وقد يقال: بعدم الحاجة إلى التقدير أصلاً؛ وذلك لأنّ التقدير إنّما يحتاج إليه إذا توقّف تصحيح الكلام عليه، كما إذا كان الكلام إخبارا عن أمر خارجيّ، أو كان الرفع تكوينيّا، وأمّا إذا كان الرفع رفعا تشريعيّا فيصح الكلام بلا تقدير؛ إذ يصحّ حينئذٍ جعل الرفع منصبّا على نفس هذه الأشياء بلحاظ وجودها في عالم التشريع بالنحو المناسب من وجود موضوع الحكم ومتعلقه في هذا العالم، فشرب الخمر المضطر إليه مثلاً أو الصادر عن خطأ يرفع وجوده التشريعي بما هو متعلق للحرمة في هذا العالم. [١٣٣] وكيف كان، فالناظر إلى كلماتهم في حديث الرفع يجد أ نّهم قد استدلوا به في مقامات مختلفة ولم يجعلوه من المجملات التي لايجوز الاستناد إليها، وإن اختلفوا في المعنى الظاهر فيه. ونظير ذلك في الفقه يتفق كثيرا، فإنّهم يختلفون في الحكم المستفاد من رواية بحسب اختلافهم في الاستظهار منها، وليس ذلك من الإجمال في شيء. نعم من لم يترجّح عنده أحد الوجوه السابقة وبقى متردّدا في المراد منه كان الحديث عنده من المجمل. فالإجمال إنّما هو عند من لايقدر على الاستظهار لا مطلقا. وهذا مراد من جعل الإجمال أحد وجوه المسألة. [١٣٤]

3 ـ نفي الذات

وذلك كما في «لا صلاة إلاّ بطهور»[١٣٥]، و«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»[١٣٦]، و«لا نكاح إلاّ بولي»[١٣٧]، و«لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»[١٣٨]، ونحوها. فالمحكي عن القاضي أبي بكر الباقلاني وأبي عبداللّه‏ البصري إجمالها. [١٣٩] واستدلّ له بأنّ نفي الذات على حقيقته غير صادق في جميع الصور والتراكيب، نعم يصحّ على بعض الوجوه، كما في قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» بناءً على القول بوضع الصلاة للصحيحة لا للاعمّ، وإلاّ فلابدّ من إضمار شيء، وهو غير معلوم، فإنّه يدور أمره بين الصحّة والإجزاء والكمال وغيرها، وليس في اللفظ ما يعيّنه، ولايمكن إرادة جميعها في عبارة واحدة ـ إمّا لاستحالتها، أو لكونها خلاف الظهور العرفي ـ فلابدّ من القول بالإجمال. [١٤٠] وقد يقال في وجه الإجمال: بأنّ مدخول النفي يدور أمره بين أن يكون له حكم واحد كقولك: (لا شهادة لقاذف) أي: لا شهادة مقبولة له، فتكون هي المضمرة لا محالة، وبين أن يكون له أكثر من حكم ولايمكن الجميع فيردّد أمره بين أحدها، وينجرّ ذلك إلى الإجمال في المراد. [١٤١] ولكن عند المشهور لا إجمال في أمثال هذه العبارات. [١٤٢] وقد أجيب عن البيان المزبور: بأنّ الشارع لايخلو أن يكون له عرف في هذه الامور ـ من الصلاة وغيرها ـ المعبّر عنه بالحقيقة الشرعية، أو عدمها فإن كان له عرف كذلك فالنفي المزبور أيضا يكون نفيّا بلحاظ عُرفه، ونفيُ الحقيقة الشرعية ممكن. وأمّا إذا لم يكن له عرف فإنّما يوجب ذلك الإجمال إذا لم يكن له ظهور بعرف الاستعمال، وهذه التعابير ظاهرة في العرف في نفي الفائدة أو الكمال أوالصحّة، ويختلف ذلك باختلاف المقامات والقرائن المقاميّة وغيرها، فقد يكون هو الصحّة وقد يكون هو الكمال. [١٤٣] ومع عدمها فيكون المراد نفي الصحّة؛ لأ نّه أقرب المجازات إلى المعنى اللغوي، فيكون ظاهرا فيه وليس ذلك إثباتا للّغة بالترجيح، بل إثبات له بكثرة التعارف الموجب للظهور[١٤٤]، فالعلماء وإن اختلفوا في بيان ما هو الظاهر فيه ـ لاختلافهم في ثبوت الحقيقة الشرعية أو العرفية أو ظهور الشيء في أقرب المجازات وعدمه ـ إلاّ أنّ الكلّ متفقون على ظهوره في معنىً، وهذا غير الإجمال ـ كما لايخفى ـ[١٤٥] وقلّما يتفق الوفاق في الاستظهارات خصوصا في ظهور المركبات، ولكن لم يجعل ذلك أحدٌ من العلماء دليل الإجمال. نعم، بالنسبة لخصوص من لايقرّ بالحقيقة الشرعيّة، ولا العرفية، ولا الانصراف إلى أقرب المجازات ولا غيرها ممّا يوجب الظهور، فهو عنده مجمل لامحالة.

4 ـ العام بعد ورود التخصيص

وقع الكلام بينهم في أنّ العام بعد ورود التخصيص عليه هل هو حجّة في الباقي، أم لا؟ مثلاً إذا قال المولى: (أكرم جيراني) ثمّ قال: (لا تكرم الفسّاق منهم) فهل يكون العام المزبور حجّة في غير الفسّاق، وقابلاً للاستناد إليه إذا شُك في وجوب إكرام بعضهم لبعض الجهات ، أم لا ؟ فإذا قلنا بحجّية العام في الباقي فهو، وإلاّ فلا يمكن التمسّك به في موارد الشك، وهذا هو الإجمال الحكمي وبالعرض. والمنسوب إلى عيسى بن أبان وأبي ثور إنكار حجّيته مطلقا، وإلى الكرخي التفصيل بين ما إذا كان التخصيص بمتّصل كالشرط والصفة والاستثناء فيكون حجّة، وما إذا كان بمنفصل فلا يكون حجّة، وقد يقال بعكس ذلك، كما قد يقال بحجّيته في أقل الجمع، وقيل فيه غير ذلك. [١٤٦] ولكن التحقيق عدم الإجمال، وأنّ بالتخصيص لا يسقط العامّ عن الحجّية بالنسبة للباقي، وهذا ما نسبه الآمدي إلى الفقهاء[١٤٧]، وقال الشيخ جمال الدين: «لا أعرف في ذلك من الأصحاب مخالفا».[١٤٨] وهذا النزاع يبتني في الحقيقة على نزاع آخر، وهو أن العام بعد التخصيص هل هو مجاز في الباقي أم لا؟

الأمر الخامس: الوظيفة تجاه الدليل المجمل

لابدّ لكلّ مكلّف من تعيين موقفه عملاً واعتقادا مع إجمال الدليل، ونحاول ذكره ضمن ما يلي:

1 ـ التوقف عن الإفتاء بالدليل المجمل

لايجوز للفقيه الاستناد في مقام الإفتاء إلى ما ليس له دلالة وظهور ذاتا، أو يكون له ظهور ولكنه غير حجّة ـ وهو الذي عبّرنا عنه بالمجمل حكما ـ وذلك لفرض عدم الدلالة. وكذلك المتشابه الذي له ظهور غير مراد؛ لفرض العلم بعدم إرادة ظاهره، لايجوز معه العمل بالخطاب والاستناد إليه في مقام الإفتاء، بل يجب التوقف عن الفتوى مطلقا مع انحصار الدليل في هذا الخطاب المجمل. [١٤٩] والدليل عليه الأدلة المانعة عن الإفتاء بغير علم من الآيات والروايات، كقوله تعالى: «قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ»[١٥٠]، وقوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ»[١٥١]، وغيرها ممّا ورد في هذا المضمون، وكقوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء».[١٥٢] وقوله: «من أفتى بِفُتيا من غير ثبتٍ فإنّما إثمه على من أفتاه»[١٥٣]، والثبت هو التثبّت والفحص لكسب العلم ليكون الفتوى عن حجّة. وقول أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام: «القضاة أربعة، ثلاثة في النار وواحد في الجنّة، رجل قضى بجور وهو يعلم، فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لايعلم، فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو لايعلم، فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم، فهو في الجنّة».[١٥٤] وقد يستدل للمقام بأنّ الإقدام على ما لا دليل عليه تعرّض للخطأ، وهو مخالف لتعظيم أحكامه تعالى، ويدل على قلّة المبالاة في الدين وذلك لايجوز. [١٥٥] هذا كلّه بالنسبة للدليل المجمل في مقدار إجماله، وأمّا الدليل إذا كان غير مجمل من بعض الجهات ـ وإن كان مجملاً من جهات أخرى ـ فيجوز الاستناد إليه والفتوى به في مقدار دلالته، وليس ذلك من الاستناد إلى المجمل. وكذلك كاللفظ المطلق إذا لم يكن بصدد البيان من جميع الجهات، بل من بعض الجهات، فإنّه يجوز الاستناد إليه بالنسبة لما كان بصدد بيانه. وكذلك الإجماع والسيرة فإنّهما دليلان يستند إليهما لإثبات أصل الحكم، وأمّا بالنسبة لخصوصيات الحكم فلا يمكن الأخذ بهما؛ لفرض عدم الإطلاق فيهما، فإنّهما من الادلّة اللبيّة غير اللفظيّة التي ليس لها لسان يُؤَخذُ بإطلاقه، بل يجب الفتوى بمقتضاهما في القدر المتيقن ثبوتهما فيه لا أكثر. [١٥٦]

2 ـ جواز الرجوع إلى الأدلة العقلية والنقليّة الثابتة لمقام الشك

وهذا إنّما يتفق عند فقد الدليل الخاص أو العام الخالي عن الإجمال والمعارض. [١٥٧] وهي عبارة عن الأصول العملية المبيِّنة للوظيفة العمليّة ـ دون الواقع ـ من الاحتياط والبراءة والتخيير والاستصحاب، وكذلك أصالة الحلّ والإباحة فيما إذا كان الشك فيهما، وأصالة الطهارة عند الشك في الطهارة. أو القياس والاستحسان ونحوهما ـ عند القائلين بها ـ لأنّ هذه الأدلة إنّما يرجع إليها عند فقد النص أو إجماله كما صرّح به غير واحد. [١٥٨]

3 ـ الالتزام والاعتقاد بالواقع

لا خلاف بينهم في وجوب الاعتقاد بالواقع حال الشك فيما لابدّ فيه من الاعتقاد، كالتوحيد ونفى الجسمية عن اللّه‏ تعالى وعلمه، ونبوة النبي الخاتم محمّد بن عبداللّه‏ صلى‏الله‏ عليه‏ و‏آله، وغيرها من أصول الدين، التي يكون للاعتقاد بها دخل في أصل الإيمان والإسلام، فيجب الاعتقاد بها على التفصيل للعالم بالحال، وبما هو الواقع على الإجمال في حال الفحص، ثمّ إذا ظفر بدليل قاطع فيجب الاعتقاد بمضمونه، وإلاّ فيجب الاعتقاد بما هو الواقع، فمثلاً من لايعلم أنّ اللّه‏ تعالى هل يمكن أنّ يكون جسما أو يكون له مكان أم لا؟ وهل يمكن له الحلول أم لا؟ فإنّ هذا الشاك يجب أن يكون حال فحصه معتقدا بما هو الواقع، ثمّ إذا ظفر بدليل قاطع على نفيه يعتقد به، وإلاّ فهو على اعتقاده الإجمالي. وكذلك الكلام في فروع الدين، فيجب الاعتقاد تفصيلاً بما ثبت منها قطعيا، كأصل الصلاة والحج، وإجمالاً بالنسبة لما كان الدليل عليه غير واضح الدلالة أو مبتلى بالمعارض، فيجب الاعتقاد بما هو الواقع على كلّ حال؛ لأ نّه من لوازم الإيمان بما جاء به النبيّ(ص). [١٥٩] نعم، وقع الكلام بينهم في لزوم الاعتقاد التفصيلي، والموافقة الالتزامية بما ثبت بدليل معتبر غير علمي، وكذا في لزوم الموافقة الالتزامية على نحو الإجمال في موارد العلم الإجمالي بأحد الأمرين ، بمعنى عدم جواز الالتزام بما يخالف الاحتمالين ، ولو تمسّكا ببعض الأصول العمليّة، وذلك كما اذا علم المكلّف بأنّ صلاة الجمعة إمّا واجبة أو محرّمة، وكان مقتضى الأصل العملي عدمهما، فهل يجوز الالتزام بالإباحة وعدم الحرمة وعدم الوجوب بمقتضى الأصل العملي المزبور، أم لا؟ وبعبارة أخرى: هل تحرم المخالفة القطعية للعلم الإجمالي في مقام الالتزام والاعتقاد، كما تحرم مخالفته القطعية في مقام العمل، فيجب عندئذٍ الاعتقاد والالتزام بما هو الواقع، أو ينحصر الحرمة بالمخالفة العمليّة؟ وهذا بحث تعرض له الأصوليون[١٦٠]، وذهب بعضهم إلى عدم وجوب الموافقة الالتزامية هنا، وبعضهم إلى الوجوب على نحو الإجمال بالالتزام بما هو الواقع.

4 ـ الامتثال الإجمالي

وهو الامتثال الذي يعلم بعده المكلّف ـ علما إجماليا ـ بتحقق مصداق المأمور به في الخارج وإن كان لايعلم حين العمل أنّ ما يفعله مصداق للمأمور به أم لا؟ وهو المسمّى بالاحتياط، وفي قباله الامتثال التفصيلى وهو الذي يعلم المكلّف حين العمل أنّ ما يفعله مصداق للمأمور به، سواء كان بتكرار العمل أو بفعله مع ما يحتمل دخله من الاجزاء والشرائط. ولا إشكال في جواز الاحتياط والامتثال الإجمالي مع عدم التمكُّن من التفصيلي علما أو ظنا معتبرا؛ لانحصار الامتثال وأداء الوظيفة عندئذٍ فيه. وأمّا مع التمكن من الامتثال التفصيلي، فلا إشكال أيضا في جواز الاحتياط والامتثال الإجمالي في التوصليات؛ ضرورة أنّ الغرض من الأمر بها إنّما هو تحققها في الخارج كيفما اتفق، وهو حاصل بالاحتياط قطعا، وذلك كتطيهر الثوب المتنجس بمائين مشتبهين أحدهما مضاف. وكذلك الكلام في المعاملات بالمعنى الأخص من العقود والايقاعات، فإنّه يجوز تكرار صيغة البيع أو النكاح أو الطلاق بالعربية وغيرها، أو مع قيد آخر وخاليا عنه، لتحقق النكاح والبيع على الوجه الصحيح عند اللّه‏. وإنّما الكلام والإشكال في العبادات، حيث استشكل في جواز الامتثال الإجمالي فيها مع التمكن من التفصيلي، بل المنسوب إلى المشهور بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد[١٦١]، بل قد يحكى عليه الإجماع، خصوصا فيما يستلزم الاحتياط التكرار. [١٦٢] وقد يستدلّ لعدم الجواز بإخلال الاحتياط بالقربة المعتبرة في العبادة بتقريب: أنّ القربة إنّما هي إتيان العمل بقصد أمره، ومع جهل الأمر لايمكن قصده وفي موارد الاحتياط إنّما يأتي المكلّف العمل بداعي احتمال أمره لا بداعي نفس الأمر. [١٦٣] واُجيب عنه: بأنّ القربة يكفى فيها حصول العبادة مضافا إلى اللّه‏ تعالى، وهذا المعنى موجود في موارد الامتثال الإجمالي بالاحتياط؛ لأنّ المكلّف إنّما يكرّر العمل بداعي تحقق ما هو المأمور به للمولى، ففى الحقيقة يكون الداعي هو الأمر المتعلق بالواقع، ولا دليل على اعتبار أكثر من هذا المعنى في العبادة. [١٦٤] كما قد يستدلّ للبطلان باختلال القصد المعتبر في العبادة مع الامتثال الإجمالى، والمراد من قصد الوجه هو اتيان العمل على وجهه من الوجوب والاستحباب، وفي الامتثال الإجمالي حيث لايعلم المكلّف بمصداقية ما يفعله للأمر الوجوبي أو الاستحبابي، فلا يتمكن من قصده على وجهه. [١٦٥] وهذا الوجه ـ كما ترى ـ إنّما يجري مع التمكن من الامتثال التفصيلي وإتيان العمل على وجهه، وأمّا مع عدم إمكانه، فلا وجه للبطلان؛ لانحصار جهة الامتثال في إتيان العمل خاليا عن قصد الوجه. وأجيب عن ذلك أيضا: بردّ المبنى ـ وهو اعتبار قصد الوجه في العبادة ـ إذ لادليل على اعتبار أكثر من قصد القربة في العبادات، بمعنى إضافته إلى اللّه‏ حتى مع التمكن من الامتثال التفصيلي، بل نفس سكوت الأخبار عن ذكر مثل ذلك مع كثرة الابتلاء بها يوجب القطع بعدم اعتباره وقد يستشكل فيه ببعض الوجوه الاخرى، واجيب عنها كذلك. [١٦٦]

المصادر

  1. لسان العرب 1 : 660، القاموس المحيط : 901، المصباح المنير : 110 مادة «جمل».
  2. الفرقان : 32.
  3. معجم مفردات ألفاظ القرآن : 110 مادة «جمل».
  4. دروس في علم الأصول 1 : 191.
  5. المعتمد 1: 293، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 11، الكاشف عن المحصول الرازي 5 : 32، شرح مختصر المنتهى 3 : 107، شرح الكوكب المنير : 219.
  6. لسان العرب 1 : 660 مادة «جمل».
  7. منتهى الوصول ابن الحاجب : 136، شرح مختصر المنتهى 3 : 107، أصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 999، جمع الجوامع 2 : 89 ، معالم الدين : 152، القوانين المحكمة : 162، الفصول الغروية : 224، كفاية الأصول : 252.
  8. التحبير شرح التحرير 6 : 2750 ـ 2751.
  9. مطارح الأنظار 2 : 295.
  10. المصدر السابق.
  11. المستصفى 1 : 279.
  12. المعتمد 1 : 293.
  13. رسائل الشريف المرتضى 2 : 286.
  14. العدّة في أصول الفقه 1 : 66.
  15. الإيضاح لقوانين الإصلاح : 21.
  16. المختصر في أصول الفقه : 158.
  17. التحبير شرح التحرير 6 : 2750.
  18. كفاية الأصول : 252.
  19. محاضرات في أصول الفقه 5 : 386.
  20. انظر : كفاية الأصول : 252، أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 250.
  21. انظر : دراسات في علم الأصول الخوئي 2 : 353.
  22. البقرة : 42.
  23. انظر : الذريعة 1 : 386.
  24. الصحاح 5 : 1854، القاموس المحيط : 1189، المصباح المنير : 641 مادة «همل».
  25. الصحاح 5 : 1854، لسان العرب 4 : 4164 مادة «همل».
  26. معجم مقاييس اللغة 3 : 243، الصحاح 6 : 2236، المصباح المنير : 304 مادة «شبه».
  27. آل عمران 7.
  28. التبيان 2 : 394 ـ 395.
  29. رسائل الشريف المرتضى 2 : 286.
  30. انظر : جامع البيان الطبري 3 : 170 ـ 181، البحر المحيط 1 : 450 ـ 451، التحبير شرح التحرير 3 : 1397 ـ 1399، الميزان في تفسير القرآن 3 : 31.
  31. البحر المحيط 2 : 52.
  32. انظر : الكاشف عن المحصول 5 : 50.
  33. انظر : المحصول الرازي 1 : 96.
  34. التحبير شرح التحرير 3 : 1395.
  35. انظر : دراسات في علم الأصول الخوئي 2 : 352، محاضرات في أصول الفقه 5 : 386، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 3 : 1078.
  36. البحر المحيط 1 : 452.
  37. البحر المحيط 1 : 452.
  38. إرشاد الفحول 2 : 23، أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 248.
  39. التحبير شرح التحرير 6 : 2750.
  40. أصول الفقه 1ـ2 : 248.
  41. رسائل الشريف المرتضى 2 : 286.
  42. المستصفى 1 : 279.
  43. كفاية الأصول : 252.
  44. مطارح الأنظار 2 : 295.
  45. الكاشف عن المحصول 5 : 51.
  46. البقرة : 237.
  47. روضة الناظر : 94، إرشاد الفحول 2 : 23.
  48. وسائل الشيعة 1 : 369 كتاب الطهارة، باب 2 تحريم الدخول في الصلاة بغير طهارة ح 3.
  49. الفصول في الأصول 1 : 71، دراسات في علم الأصول الخوئي 2 : 353.
  50. الحج : 77.
  51. الفصول في الأصول 1 : 71.
  52. انظر : محاضرات في أصول الفقه 5 : 386، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3 : 444.
  53. انظر : مقالات الأصول 1 : 471 ـ 472، نهاية الأفكار 1ـ2 : 516، دراسات في علم الأصول الخوئي 2 : 352، محاضرات في أصول الفقه 5 : 386.
  54. انظر : مصباح الأصول 3 : 365 ـ 366.
  55. الفصول في الأصول 1 : 64 و2 : 27، البحر المحيط 3 : 457.
  56. المائدة : 6.
  57. البقرة : 237.
  58. الكاشف عن المحصول 5 : 48، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 3 : 1222.
  59. الفصول في الأصول 1 : 64 ـ 29 و2 : 27.
  60. المعتمد 1 : 266، التحبير شرح التحرير 5 : 2379 و6 : 2758، إرشاد الفحول 1 : 457.
  61. الحج : 30.
  62. الفصول في الأصول 1 : 69، ميزان الأصول 1 : 513، المحصول الرازي 1 : 464، أصول الفقه (المظفر) 1 ـ 2 : 212، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 3 : 444 ، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 3 : 1223.
  63. كفاية الأصول : 220، محاضرات في أصول الفقه 5 : 180، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 199.
  64. التوبة : 5.
  65. ميزان الأصول 1 : 513.
  66. وسائل الشيعة 4 : 345 كتاب الصلاة، باب 2 جواز الصلاة في الفراء ح 1.
  67. كفاية الأصول : 247 ـ 249، تنقيح الأصول العراقي : 196، نهاية الأفكار 1ـ2 : 234 و3 : 43، أصول الفقه (المظفر) 1 ـ 2 : 240 ـ 241.
  68. انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 534.
  69. انظر : فوائد الأصول 1 ـ 2 : 575، محاضرات في أصول الفقه 5 : 371 ـ 372.
  70. الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 534.
  71. انظر : أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 157 ـ 158، دروس في علم الأصول 2 : 204 ـ 205.
  72. دروس في علم الأصول 2 : 205.
  73. أجود التقريرات 2 : 430.
  74. الفصول في الأصول 1 : 71، ميزان الأصول 1 : 513 ـ 514، المحصول الرازي 1 : 464 ـ 465، التحبير شرح التحرير 6 : 2758، زبدة الأصول (الروحاني) 2 : 332.
  75. المائدة : 64.
  76. طه : 5، يونس : 3، الرعد : 2.
  77. الحج : 77.
  78. الكافي 1 : 66 كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث ح7.
  79. وسائل الشيعة 3 : 466 كتاب الطهارة، باب 37 كلّ شيء لك طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه ح 4 (باختلاف).
  80. وسائل الشيعة 1 : 245 كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، باب 1 لاينقض الوضوء إلاّ باليقين ح1.
  81. فرائد الأصول 1 : 149 ، إرشاد الفحول 2 : 392 ـ 393 ، فوائد الأصول 4 : 793 ـ 795، نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 444 و4 ق2 : 208، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 387، حقائق الأصول 1 : 531.
  82. التنقيح في شرح العروة الوثقى 5: 254، الشهادات الكلبايكاني: 82 .
  83. آل عمران : 97.
  84. انظر : المحصول الرازي 1 : 465، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 143، مفاتيح الأصول : 223، هداية المسترشدين 1 : 497.
  85. انظر : كفاية الأصول : 35.
  86. انظر : معجم مفردات ألفاظ القرآن : 445 مادة «قَرء»، تفسير غريب القرآن : 60، التبيان 2 : 394، مجمع البيان 2 : 300، المهذّب البارع 3 : 481، المعتبر في شرح المختصر 1 : 28، نهاية الدراية 1 : 145، الفصول في الأصول 1 : 64، المحصول الرازي 1 : 465.
  87. انظر : المحصول الرازي 1 : 466، مفاتيح الأصول : 223، هداية المسترشدين 1 : 497، كفاية الأصول : 35.
  88. انظر : محاضرات في أصول الفقه 1 : 203، دراسات في علم الأصول الخوئي 1 : 98 ـ 99.
  89. إرشاد الفحول 1 : 113.
  90. الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 22.
  91. التحبير شرح التحرير 6 : 2753.
  92. الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 143.
  93. المصدر السابق : 144.
  94. البحر المحيط 1 : 457.
  95. النحل : 89 .
  96. انظر : البحر المحيط 3 : 455، شرح الكوكب المنير :219، التحبير شرح التحرير 6 : 2753.
  97. انظر : البحر المحيط 3 : 455، شرح الكوكب المنير : 219، شرح الجلال المحلّي على جمع الجوامع 2 : 63.
  98. انظر : المحصول الرازي 1 : 465، البحر المحيط 3 : 455، شرح الكوكب المنير : 219، التحبير شرح التحرير 6 : 2753.
  99. انظر : كفاية الأصول : 386، فوائد الأصول 4 : 450 ـ 451.
  100. انظر : فرائد الأصول 3 : 37 ـ 39، حاشية فرائد الأصول الهمداني : 319 ـ 320.
  101. النساء : 23.
  102. المائدة : 3.
  103. البقرة : 275.
  104. انظر : العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 68، التبصرة : 201، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4 : 13، شرح مختصر الروضة 2 : 659، مبادئ الوصول : 156، أصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 1011 ، المختصر في أصول الفقه : 164 ، التحبير شرح التحرير 6 : 2761.
  105. البقرة : 187.
  106. البقرة : 228.
  107. البقرة : 229.
  108. الذريعة 1 : 351، العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 68.
  109. انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 12 ، شرح مختصر الروضة 2 : 659.
  110. العدّة في أصول الفقه 2: 436.
  111. مبادئ الوصول : 156.
  112. انظر : الذريعة 1 : 351، المحصول الرازي 1 : 466، روضة الناظر : 94، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4 : 13، التحبير شرح التحرير 6 : 2760، إرشاد الفحول 2 : 24 ـ 25.
  113. الخلاف 1 : 62 ـ 63 و3 : 240.
  114. انظر : تهذيب الأصول الخميني 3 : 151، زبدة الأصول (الروحاني) 3 : 400.
  115. كتاب الطهارة الأنصاري 4 : 205 ـ 206.
  116. الكافي 7 : 273 كتاب الديّات، باب القتل ح12.
  117. حاشية كتاب المكاسب الأصفهاني 1 : 347.
  118. سنن الدارمي 2 : 115 كتاب الأشربة، باب النهي عن الخمر وشرائها حديث ابن عباس.
  119. انظر : المحصول الرازي 1 : 466 ـ 467.
  120. انظر : أصول السرخسي 1 : 195.
  121. فتح الباري 3 : 82 ، وانظر : أصول السرخسي 1 : 251.
  122. سنن ابن ماجة 1 : 659 كتاب الطلاق، باب 16 طلاق المكره والناسي ح2043.
  123. سنن النسائي 6 : 156 كتاب الطلاق، باب من طلّق في نفسه من حديث أبي هريرة.
  124. الكافي 2 : 463 كتاب الإيمان والكفر، باب ما رفع عن أمتي ح2، من لايحضره الفقيه 1 : 36، باب 14 فيمن ترك الوضوء أو بعضه أو شك فيه ح 4 باختلاف.
  125. انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 16.
  126. الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 16، إرشاد الفحول 2 : 30.
  127. المستصفى 1 : 280 ـ 281، مبادئ الوصول : 160، إرشاد الفحول 2 : 30، فرائد الأصول 2 : 29.
  128. إرشاد الفحول 2 : 30.
  129. فرائد الأصول 2 : 29.
  130. العدّة في أصول الفقه الطوسي 2 : 446.
  131. انظر : أصول السرخسي 1 : 251.
  132. انظر : فرائد الأصول 2 : 29.
  133. انظر : فوائد الأصول 3 : 342 ـ 343، مصباح الأصول 2 : 261، دروس في علم الأصول 2 :344.
  134. انظر : الكاشف عن المحصول 5 : 68.
  135. وسائل الشيعة 1 : 368 ـ 369 كتاب الطهارة، باب 2 تحريم الدخول بغير طهارة ح3.
  136. سنن الدارمي 1 : 282 كتاب الصلاة، باب لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب باختلاف.
  137. سنن الدارمي 2 : 137 كتاب النكاح ، باب النهي عن النكاح بغير ولي.
  138. وسائل الشيعة 5 : 194 ـ 195، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 2 كراهة تأخر جيران المسجد عنه ح3، 5.
  139. انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 17، شرح مختصر الروضة 2 : 663.
  140. انظر : الذريعة 1 : 353 ـ 354، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2 : 442.
  141. انظر : معارج الأصول : 108.
  142. انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 17، إرشاد الفحول 2 : 28.
  143. روضة الناظر : 94، الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 17.
  144. مبادئ الوصول : 158.
  145. معالم الدين : 155.
  146. انظر : ميزان الأصول 1 : 480، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 439 ـ 440، الحاشية على كفاية الأصول (البروجردي) 1 : 487 ـ 488، أصول الفقه (المظفر) 1 ـ 2 : 197.
  147. الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 440.
  148. معالم الدين : 116.
  149. ميزان الأصول 1 : 517، روضة الناظر : 94، البحر المحيط 3 : 456، التحبير شرح التحرير 6 : 2752، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 3 : 1225.
  150. يونس : 59.
  151. الصف : 7.
  152. المحاسن 1 : 205، وسائل الشيعة 27 : 29 ـ 30 كتاب القضاء، باب 4 عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم ح31.
  153. سنن الدارمي 1 : 57، باب الفتيا وما فيه من الشدة حديث أبي هريرة، المستدرك على الصحيحين 1 : 216 كتاب العلم، فصل في توقير العالم ح 147.
  154. وسائل الشيعة 27 : 173 كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي باب 12 وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى ح66.
  155. انظر : شرح مختصر الروضة 2 : 655.
  156. انظر : بلغة الفقيه 2 : 148، حاشية كتاب المكاسب اليزدي 2 : 142، حاشية كتاب المكاسب (الأصفهاني) 4 : 280، مستند العروة الوثقى (الصلاة) 2 : 67، بحوث في شرح العروة الوثقى (الصدر) 1 : 19.
  157. انظر : فرائد الأصول 1 : 25 ـ 26.
  158. انظر : ميزان الأصول 2 : 910، إرشاد الفحول 2 : 91.
  159. انظر : فوائد الأصول 3 : 80 ـ 81 .
  160. انظر : معارج الأصول : 131، معالم الدين : 178، القوانين المحكمة : 181، مناهج الأحكام : 20، الفصول الغروية : 256، فرائد الأصول 1 : 84 ـ 87 ، كفاية الأصول : 268، مقالات الأصول 2 : 26، فوائد الأصول 3 : 80 .
  161. انظر: مصباح الفقيه 2 : 161، مستمسك العروة الوثقى 1 : 6 ـ 7.
  162. انظر : فرائد الأصول 1 : 419 ، كتاب الصلاة الأنصاري 1 : 175 ـ 176.
  163. فوائد الأصول 3 : 72.
  164. كتاب الصلاة الأنصاري 1 : 1175 ـ 1177.
  165. التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 73 ـ 74.
  166. نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 52 ـ 53، مستسمك العروة الوثقى 1 : 7، التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 68 ـ 69.