الأوزاعي

من ویکي‌وحدت

الأوزاعي: من ائمة الحديث والفقه وهو من تابعي التابعين. امتاز الأوزاعي بذكاء ومثابرة في طلب العلم حتّى استطاع الوصول إلى‏ مقام الإفتاء والمرجعية العلمية والزعامة الفقهية سنة 140 هـ، وقد بقي أهل دمشق وما حولها من البلاد على‏ مذهبه نحواً من مائتين وعشرين سنة.


عبد الرحمان بن عمرو بن يُحْمَد = الأوزاعي (88 ــ 157ق)

من الرواة المشتركين.[١]
كنيته: أبو عمرو.[٢]
لقبه: الأوزاعي.[٣]
طبقته: السابعة.[٤]
يُعدّ عبد الرحمان من ائمة الحديث والفقه[٥]، وكان من الحفّاظ[٦]، وهو من تابعي التابعين.[٧] ولد في بَعَلْبَك، ونشأ بالكرك - قرية في البقاع - ثم نقلته أُمه إلى‏ بيروت. قال العباس بن الوليد: «فما رأيت أبي يتعجّب من شي‏ء في الدنيا تعجّبه من الأوزاعي، فكان يقول: سبحانك! تفعل ما تشاء، كان الأوزاعي يتيماً فقيراً في حجر أُمه، تنقله من بلد إلى‏ بلد، وقد جرى‏ حكمك فيه أن بلّغته حيث رأيته. يا بنيّ، عجزت الملوك أن تؤدّب أنفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه».[٨]
وقد لُقّب بالأوزاعي؛ لانتسابه إلى‏ أوزاع، وهي بطن من قبيلة حِمْير أو هِمْدان أو ذي كلاع من اليمن.[٩] وقال آخرون: كان أصله من سباء السند، وكان ينزل الأوزاع، فغلب ذلك عليه. وكان ينزل بيروت ساحل دمشق، وإليه فتوى‏ الفقه لأهل الشام؛ لفضله فيهم، وكثرة روايته.[١٠]
ولم تتّضح لنا هوية أُسرة الأوزاعي، وقد اقتصرت المصادر الرجالية على‏ ذكر اسم أبيه، وأنّه ابن عم يحيى‏ بن أبي عمرو السيباني، وأنّ اسم ابنه محمد، ولم يذكروا اسم أُمه أو إخوته أو أولاده الآخرين.[١١]

نشاطاته

وكان قد سافر إلى‏ الحجاز، والتقى‏ فقهاء مكّة والمدينة في عهد هشام بن عبد الملك وفي حياة الإمام الباقر عليه السلام. وكان قد حجّ مرّة فدخل مكّة و سفيان الثوري آخذ بزمام جمله، و مالك بن أنس يسوق به، والثوري يقول: افسحوا للشيخ حتّى‏ أجلساه عند الكعبة. وعُدَّ الأوزاعي من حفّاظ القرآن، فعن العباس بن الوليد قال: قلت لأبي: كان الأوزاعي يحفظ القرآن؟ قال: ثكلتك أُمك، وأيّ شي‏ء كان لايحفظ الأوزاعي؟ وكان له في بيت المال على‏ الخلفاء أقطاع صار إليه من بني أُميّة، وقد وصل إليه من خلفاء بني أُميّة وأقاربهم وبني العباس نحو من سبعين ألف دينار، فلم يمسك منها شيئاً، ولا اقتنى‏ شيئاً من عقار ولا غيره، ولا ترك يوم مات سوى‏ سبعة دنانير كانت جهازه، بل كان ينفق ذلك كلّه في سبيل اللَّه، وفي الفقراء والمساكين. وعاصر الأوزاعي عهد بني أُمية في الشطر الأكبر من حياته، وعاصر عشرين سنة تقريباً من عصر العباسيّين، على أّنه كانت لمكانة الأوزاعي عند رؤساء الحكومات وأهل الشام دور هام للقيام بالوساطة في متابعة حقوق الناس، واعتراضهم على‏ ما يقوم به الأُمراء والولاة من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، وقد استفاد من ذلك كثيراً. وهو أحد الرواة المشتركين في مصادر أهل السنة و الشيعة واتّفق أكثر علماء أهل السنة أو كلّهم تقريباً على‏ إمامته في الفقه و الحديث، وقد صرّحوا بوثاقته وصدقه وجلالته. وأمّا في المصادر الرجالية للشيعة فلم يُشَر إلى‏ منزلته وتوثيقه، مع أنّه قد نُقلت عنه روايات في الجوامع الروائية للشيعة؛ كالكافي والتهذيب. وعلى‏ كلّ حال فهو من الرواة الكبار للحديث.
قالوا عنه: لم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجّار وغيرهم أعقل منه ولا أورع، ولا أعلم ولا أفصح، ولا أوقر ولا أحلم، ولا أكثر صمتاً منه.[١٢] وكان يعظ الناس، ويقول: «من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير، ومن عرف أنّ منطقه من عمله قلّ كلامه». ويقول أيضاً: «إذا أراد اللَّه بقومٍ شرّاً فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل».[١٣]
وعن بشر بن المنذر قال: «رأيت الأوزاعي كأنّه أعمى‏ من الخشوع». وعن أبي مسهر: «ما رُئي الأوزاعي باكياً قطّ، ولا ضاحكاً حتّى‏ تبدو نواجذه، وإنّما كان يبتسم أحياناً».[١٤] وقال أيضاً: «كان الأوزاعي يُحيي الليل صلاةً وقرآناً».[١٥] وقال الوليد بن مسلم: «كان الأوزاعي إذا صلّى‏ الصبح جلس يذكر اللَّه سبحانه حتّى‏ تطلع الشمس، وكان يأثر عن السلف ذلك، قال: ثم يقومون فيتذاكرون في الفقه و الحديث».[١٦]
امتاز الأوزاعي بذكاء ومثابرة في طلب العلم حتّى استطاع الوصول إلى‏ مقام الإفتاء والمرجعية العلمية. وقيل: إنّه أفتى‏ في سنة ثلاث عشرة ومائة، وكان عمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة! وقال هِقْل بن زياد: «أفتى‏ الأوزاعي في سبعين ألف مسألة». وقال أبو زرعة: «روي عنه ستّون ألف مسألة».[١٧] وروي أيضاً: أنّه سئل عن الفقه وله ثلاث عشرة سنة.[١٨]
وكان قد سافر إلى‏ الحجاز، والتقى‏ فقهاء مكّة والمدينة في عهد هشام بن عبد الملك بن مروان، وفي حياة الإمام الباقر عليه السلام. يقول عن رحلته هذه: فدخلت المدينة في خلافة هشام، فقلت: من هاهنا من العلماء؟ قالوا: هنا محمد بن المنكدر، ومحمد ابن كعب القرظي، ومحمد بن علي بن عبدالله بن عباس، ومحمد بن علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: لأبدأنَّ بهذا قبلكم، قال: فدخلت المسجد فسلّمت، فأخذ بيدي فأدناني منه، قال: من أيّ إخواننا أنت؟ فقلت له: رجل من أهل الشام، فقال: من أيّ أهل الشام؟ فقلت: رجل من أهل دمشق، قال: نعم، أخبرني أبي عن جدّي أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «للناس ثلاثة معاقل، فمعقلهم من الملحمة الكبرى‏ التي تكون بعمق أنطاكية: دمشق، ومعقلهم من الدجّال: بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج: طور سيناء».[١٩]
وتوجّه بعدها نحو البصرة للقاء الحسن البصري ومحمد بن سيرين، فوجد الحسن قد مات و ابن سيرين حيّ، فذكر الأوزاعي أنّه دخل عليه فعاده، ومكث أياماً ومات، ولم يسمع منه.[٢٠]
كما وسافر إلى‏ الحجاز في رحلة ثانية سنة 150 هـ ، في زمان بني العباس، وفي حياة مالك بن أنس و سفيان الثوري. يقول ضمرة بن ربيعة: «حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة، فما رأيته مضطجعاً في المحمل في ليلٍ ولا نهارٍ قطّ، كان يصلّي، فاذا غلبه النوم استند إلى‏ القتب».[٢١]
وقال سُفيان بن عُيَينة وغيره: «كان الأوزاعي إمام أهل زمانه، وقد حجّ مرّة فدخل مكّة و سفيان الثوري آخذ بزمام جمله، و مالك بن أنس يسوق به، والثوري يقول: افسحوا للشيخ، حتّى‏ أجلساه عند الكعبة، وجلسا بين يديه يأخذان عنه».[٢٢]
ويحكى‏ أنّه تذاكر مالك والأوزاعي مرّةً بالمدينة من الظهر حتّى‏ صلّيا العصر، ومن العصر حتّى‏ صلّيا المغرب، فغمره الأوزاعي في المغازي، وغمره مالك في الفقه أو في شي‏ء من الفقه.[٢٣]
كما وتناظر الأوزاعي والثوري في مسجد الخيف في مسألة رفع اليدين في الركوع والرفع منه، فاحتجّ الأوزاعي على‏ الرفع في ذلك بما رواه عن الزهري عن سالم عن أبيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه، واحتجّ الثوري على‏ ذلك بحديث يزيد بن أبي زياد، فغضب الأوزاعي وقال: تعارض حديث الزهري بحديث يزيد بن أبي زياد، وهو رجل ضعيف؟! فاحمرّ وجه الثوري، فقال الأوزاعي: لعلّك كرهت ما قلت؟ قال: نعم، قال: قم بنا حتّى‏ نلتعن عند الركن: أيُّنا على الحقّ، فسكت الثوري.[٢٤]
وعُدَّ الأوزاعي من حفّاظ القرآن، فعن العباس بن الوليد قال: قلت لأبي: كان الأوزاعي يحفظ القرآن؟ قال: ثكلتك أُمك، وأيّ شي‏ء كان لايحفظ الأوزاعي؟[٢٥]
وهو أول من تصدّى‏ - بعد ابن جُرَيج - في الشام للتصنيف والتأليف، يقول عبد الرزاق: «أول من صنّف ابن جُرَيج، وصنّف الأوزاعي».[٢٦] إلّا أنّه بعد ذلك، وفي سنة 130 هـ ، احترقت كتب الأوزاعي زمن الرجفة ثلاثة عشر قنداقاً.[٢٧] وقد أشار ابن النديم في فهرسته إلى‏ كتابين من كتبه، وهما: «المسائل في الفقه» و«السنن في الفقه».[٢٨] ويذكر الذهبي أّنه كانت صنعته الكتابة والترسّل، ورسائله تُوثر.[٢٩]
وكان له في بيت المال على‏ الخلفاء أقطاع صار إليه من بني أُميّة، وقد وصل إليه من خلفاء بني أُميّة وأقاربهم وبني العباس نحو من سبعين ألف دينار، فلم يمسك منها شيئاً، ولا اقتنى‏ شيئاً من عقار ولا غيره، ولا ترك يوم مات سوى‏ سبعة دنانير كانت جهازه، بل كان ينفق ذلك كلّه في سبيل اللَّه، وفي الفقراء والمساكين.[٣٠] وكان يعظ الناس، فلايبقى‏ أحد في مجلسه إلّا بكى‏ بعينه أو بقلبه.[٣١]
وقد أعجب بفصاحته وكتابته الخليفة العباسي المنصور الدوانيقي، فكانت تُنسخ في دفاتر وتوضع بين يدي المنصور، فيكثر النظر فيها استحساناً لألفاظها.[٣٢] وأمّا سفيان الثوري، فمع أنّه كان لايحتفظ بالرسائل، إلّا أنّه كان يطالع ما كتبه الأوزاعي بدقّة.
وكانت بعض رسائله قد بعثها إلى‏ خلفاء عصره أو عُمّالهم، وهي تدور حول إحقاق حقوق المسلمين والضعفاء، أو تأمين مصالح المسلمين. وقد نُقل بعضها في كتاب حلية الأولياء، ومقدّمة الجرح والتعديل. وكذلك وردت عدد من مناظراته مع سلاطين الحكم العباسي وبعض كلماته في المصادر المذكورة وغيرها؛ كسير أعلام النبلاء، والبداية والنهاية.[٣٣]
عاصر الأوزاعي عهد بني أُمية في الشطر الأكبر من حياته، وعاصر عشرين سنة تقريباً من عصر العباسيّين[٣٤]، ويمكن لنا أن نستنتج - من خلال جميع ما كتبه من رسائل وحوارات مع رؤساء الحكم - أنّه كان مقرّباً عند أُمراء وخلفاء بني أُمية وبني العباس، وهو أيضاً كان ينظر إلى‏ حكمهم بالقبول والشرعية.
على أّنه كانت لمكانة الأوزاعي عند رؤساء الحكومات وأهل الشام.[٣٥] دور هام للقيام بالوساطة في متابعة حقوق الناس، واعتراضهم على‏ ما يقوم به الأُمراء والولاة من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، وقد استفاد من ذلك كثيراً. يقول عبد الحميد بن أبي العشرين: «سمعت أميراً كان بالساحل وقد دفنّا الأوزاعي ونحن عند القبر، يقول: رحمك اللَّه أبا عمرو، فقد كنت أخافك أكثر ممّن ولّاني».[٣٦]
وذكروا أنّ المنصور الدوانيقي كان يعظّم الأوزاعي، ويصغي إلى‏ وعظه، ويجلّه، ومع هذا فإنّه رفض القضاء عندما عُرض عليه، ولم يفعله سوى‏ مرّةً واحدةً حكم فيها في عهد خلافة يزيد بن الوليد، فجلس بهم مجلساً واحداً وترك.[٣٧]
ووصل الأوزاعي إلى‏ الزعامة الفقهية سنة 140 هـ.[٣٨] وقد بقي أهل دمشق وما حولها من البلاد على‏ مذهبه نحواً من مائتين وعشرين سنة.[٣٩] قال أبو عبد الملك القرطبي: «كانت الفتيا تدور بالأندلس على‏ رأي الأوزاعي إلى‏ زمن الحكم بن هشام».[٤٠] لكنّه لم يبق من آرائه الفقهية بعد ذلك سوى‏ ما هو مبثوث في كتب الخلاف.[٤١]
وقد يبدو من ظاهر كلام ابن قتيبة: أنّ الأوزاعي كان يُعدّ من أصحاب الرأي.[٤٢] إلّا أنّ هذا مخدوش، ولايتناسب مع الشواهد الكثيرة، ومن جملتها: ما روي عنه من أنّه قال: «خمسة كان عليها الصحابة و التابعون: لزوم الجماعة، واتّباع السنّة، وعمارة المساجد، والتلاوة، و الجهاد».[٤٣] وكذلك قوله: «ولايستقيم الإيمان إلّا بالقول، ولايستقيم القول إلّا بالعمل، ولايستقيم الإيمان والقول والعمل إلّا بالنيّة الموافقة للسنّة».[٤٤] وقوله: «عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإيّاك وأقوال الرجال وإن زخرفوه وحسّنوه، فإنّ الأمر ينجلي وأنت منه على‏ طريق مستقيم».[٤٥]
وما روي عن عبد الرحمان بن مهدي قوله: «الأئمة في الحديث أربعة: الأوزاعي ومالك و سفيان الثوري وحمّاد بن زيد».[٤٦] وعن الشافعي قوله: «ما رأيت رجلاً أشبه فقهه بحديثه من الأوزاعي».[٤٧]
وإليك بعض من آرائه الكلامية والفقهية:
1 - إذا بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وآله حديث فإيّاك أن تقول بغيره ، فإنّه كان مبلّغاً عن اللَّه.[٤٨]
2 - إنّ اللَّه تعالى‏ فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.[٤٩]
3 - الصبر على‏ السنّة، والوقوف حيث يقف القوم، والكفّ عمّا كفّوا، وفي نفس الوقت فإنّ نصيحة أئمة المسلمين والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، واجب.[٥٠]
4 - السنة جاءت قاضية على‏ الكتاب، ولم يجئ الكتاب قاضياً على‏ السنّة.[٥١]
5 - فخذ الرجل في الحمام ليس عورة، أمّا في المسجد فهو عورة.[٥٢]
6 - إنّ جمع الطلقات الثلاث بدعة. واختاره أبو حنيفة ومالك وداود وأكثر الظاهرية.[٥٣]
ويحكى‏ عن إسحاق بن راهويه: «إذا اجتمع الثوري والأوزاعي ومالك على‏ أمر فهو سنّة». وهذا الكلام، فضلاً عن أنّه لاينسجم مع آراء الأوزاعي، فإنّ الذهبي نقده، وبيّن أنّ السنة هو ما سنّه النبي صلى الله عليه وآله أو الخلفاء الراشدون.[٥٤]
وعدّه مالك جديراً بـ الإمامة، وأشار الشافعي إلى‏ التزامه بـ الحديث و السنة.[٥٥] وقال عبد الرحمان بن مهدي: «إنّما الناس في زمانهم أربعة: حمّاد بن زيد بالبصرة، والثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام».[٥٦]
وروي عن أبي إسحاق الفزاري أنّه قال: «ما رأيت مثل الأوزاعي والثوري، فأمّا الأوزاعي فكان رجل عامة، وأمّا الثوري فكان رجل خاصّة نفسه، ولو خيِّرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي، يريد الخلافة».[٥٧]
ونقل أبو فروة يزيد بن محمد الرهاوي عن أبيه قال: قلت لعيسى‏ بن يونس: أيّهما أفضل: الأوزاعي أو سفيان الثوري؟ فقال عيسى‏: وأين أنت من سُفيان؟! قلت: ذهبت بك العراقية، الأوزاعي: فقهه وفضله وعمله! فغضب عيسى‏، وقال: أتراني أؤثر على‏ الحقّ شيئاً، سمعت الأوزاعي يقول: «ما أخذنا العطاء حتّى‏ شهدنا على‏ عليّ بالنفاق، وتبرّأنا منه! وأُخذ علينا بذلك الطلاق والعتاق وأيمان البيعة. قال: فلمّا عقلتُ أمري، سألت مكحولاً ويحيى‏ بن أبي كثير وعطاء بن أبي كثير و عطاء بن أبي رباح وعبداللَّه بن عُبيد بن عُمير، فقال: ليس عليك شي‏ء، إنّما أنت مُكره، فلم تقرّ عيني حتّى‏ فارقت نسائي، واعتقتُ رقيقي، وخرجت من مالي، وكفّرت أيماني».[٥٨]

موقف الرجاليّين منه

اتّفق أكثر علماء أهل السنة أو كلّهم تقريباً على‏ إمامته في الفقه و الحديث، وقد صرّحوا بوثاقته وصدقه وجلالته.[٥٩] وأمّا في المصادر الرجالية للشيعة فلم يُشَر إلى‏ منزلته وتوثيقه، مع أنّه قد نُقلت عنه روايات في الجوامع الروائية للشيعة؛ كالكافي والتهذيب.[٦٠] وعلى‏ كلّ حال فهو من الرواة الكبار للحديث. وما روي عنه في الجوامع الروائية وغير الروائية لـ أهل السنة أكثر ممّا ورد في المصادر الشيعية. قال ابن سعد: «كان الأوزاعي مأموناً، كثير العلم و الحديث والفقه».[٦١]
وبحسب بعض النقول عن أحمد، عندما سئل عن الأوزاعي قال: «حديث ضعيف، ورأي ضعيف». وعلّق الذهبي قائلاً: «يريد أنّ الأوزاعي حديثه ضعيف من كونه يحتجّ بالمقاطيع، وبمراسيل أهل الشام، وفي ذلك ضعف، لا أنّ الإمام في نفسه ضعيف».[٦٢]

من روى‏ عنهم ومن رووا عنه

روى‏ عن الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السلام.[٦٣]
وروى‏ أيضاً عن جماعة، منهم: إبراهيم بن طريف، إسحاق بن عبداللَّه بن أبي طلحة، الحَكَم بن عُتيبة، عطاء الخراساني، عَلْقمة بن مَرْثَد، ابن سِيرين[٦٤]، محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، الزُهْري، مطْعم بن المِقدام، موسى‏ بن شَيْبة الحضرمي.
وروى‏ عنه جماعة، منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد، أبو عمران الخرّاط، الثوري، مالك، ابنه: محمد بن عبدالرحمان، عبداللَّه بن كثير الدمشقي، عبداللَّه بن مبارك.

من رواياته

روى‏ الأوزاعي قال: قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عن قوله عزوجل: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» فقال: حدّثنيه أبي عن جدّه عن علي بن أبي طالب قال: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: «لأُبشّرنّك بها يا علي، فبشِّرْ بها أُمتي من بعدي: الصدقة على‏ وجهها، واصطناع المعروف، وبرّ الوالدين، وصلة الرحم تحوّل الشقاء سعادة، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء».[٦٥]

وفاته

سكن الأوزاعي في آخر عمره بيروت مرابطاً، وبها توفّي.[٦٦] فيذكر: أنّه مات في حمّامٍ ببيروت، دخل الحمّام فذهب الحمّامي في حاجته وأغلق عليه الباب، ثم جاء ففتح الباب فوجده ميّتاً.[٦٧] وقال أبو مسهر: بلغنا أنّ سبب موته: أنّ امرأته أغلقت عليه باب الحمّام فمات فيه، ولم تكن عامدة. وكانت وفاته سنة 157 هـ.[٦٨] وخرج في جنازته اليهود ناحيةً، والنصارى‏ ناحيةً، والقبط.[٦٩]

الهوامش

  1. كتاب الثقات 7: 62، الأعلام 3: 320، معجم المؤلّفين 5: 163.
  2. الطبقات الكبرى‏ 7: 488، تهذيب الكمال 17: 308.
  3. المعارف: 496، كتاب التاريخ الكبير 5: 326، شذرات الذهب 1: 241.
  4. تقريب التهذيب 1: 493.
  5. تهذيب الكمال 17: 308.
  6. تذكرة الحفّاظ 1: 178.
  7. تهذيب الأسماء واللغات 1: 298، البداية والنهاية 10: 115.
  8. سير أعلام النبلاء 7: 107، 110.
  9. كتاب التاريخ الكبير 5 : 326 ، الطبقات الكبرى‏ 7 : 488 ، البداية والنهاية 10 : 115 ، وفيات الأعيان 3 : 128.
  10. تهذيب الكمال 17: 312 - 313، والأوزاع: الفرق، قاله الأصمعي.
  11. كتاب التاريخ الكبير 5: 326، وانظر: تاريخ الإسلام 9: 488، تهذيب التهذيب 6: 216.
  12. البداية والنهاية 10: 115.
  13. سير أعلام النبلاء 7: 117، 121.
  14. المصدر السابق: 120.
  15. تذكرة الحفّاظ 1: 179.
  16. البداية والنهاية 10: 117.
  17. المصدر السابق: 116.
  18. طبقات الفقهاء: 74.
  19. البداية والنهاية 10: 116.
  20. سير أعلام النبلاء 7: 111.
  21. سير أعلام النبلاء: 119.
  22. البداية والنهاية 10: 116.
  23. المصدر السابق.
  24. المصدر نفسه.
  25. الجرح والتعديل 1: 204.
  26. أنظر: سير أعلام النبلاء 7: 111.
  27. المصدر السابق: 115، تاريخ الإسلام 8: 29.
  28. الفهرست لابن النديم: 284.
  29. سير أعلام النبلاء 7: 109.
  30. البداية والنهاية 10: 117.
  31. المصدر السابق: 116.
  32. سير أعلام النبلاء 7: 115.
  33. مقدّمة الجرح والتعديل: 187، 201، حلية الأولياء 6: 135، البداية والنهاية 10: 115 - 120، سير أعلام النبلاء 7: 115، 116.
  34. أنظر: معجم المؤلّفين 5: 163.
  35. قال حمّاد بن زاذان: سمعت عبد الرحمان بن مهدي يقول: إذا رأيت الشامي يحبّ الأوزاعي وأبا إسحاق الفزاري فإنّه صاحب سنّة (مقدّمة الجرح والتعديل: 217).
  36. تهذيب الكمال 17: 314.
  37. أنظر: سير أعلام النبلاء 7: 125، تذكرة الحفّاظ 1: 183، تهذيب التهذيب 6: 219، تاريخ الإسلام 9: 491.
  38. أنظر: سير أعلام النبلاء 7: 112.
  39. البداية والنهاية 10: 115، الوافي بالوفيات 18: 209.
  40. تهذيب التهذيب 6: 219.
  41. تذكرة الحفّاظ 1: 182.
  42. المعارف: 496.
  43. تذكرة الحفّاظ 1: 180.
  44. حلية الأولياء 6: 143، 144.
  45. أنظر: المصدر السابق: 142 - 144، البداية والنهاية 10: 117.
  46. تهذيب الكمال 17: 313.
  47. سير أعلام النبلاء 7: 113.
  48. تذكرة الحفّاظ 1: 180.
  49. تذكرة الحفّاظ 1: 180، سير أعلام النبلاء 7: 120 - 121.
  50. مقدّمة الجرح والتعديل: 210 - 211، البداية والنهاية 10: 115 - 118.
  51. معرفة علوم الحديث: 65.
  52. سير أعلام النبلاء 7: 117.
  53. الغدير 3: 83.
  54. سير أعلام النبلاء 7: 116.
  55. المصدر السابق: 112 - 113.
  56. المصدر نفسه: 113.
  57. المصدر نفسه.
  58. سير أعلام النبلاء 7: 130 - 131.
  59. الطبقات الكبرى‏ 7: 488، ميزان الاعتدال 2: 580، سير أعلام النبلاء 7: 109، تاريخ أسماء الثقات: 296.
  60. قاموس الرجال 6: 131، تنقيح المقال 2: 146، وانظر: الكافي 2: 377، 5: 35، تهذيب الأحكام 7: 433، 454.
  61. الطبقات الكبرى‏ 7: 488.
  62. سير أعلام النبلاء 7: 113 - 114، وانظر: تهذيب التهذيب 6: 218.
  63. تهذيب الكمال 17: 307 - 311، الكافي 2: 377 و5: 35، تهذيب الأحكام 7: 433، 454، أمالي المفيد: 216، كتاب الخصال: 267، 515، التوحيد: 379.
  64. وبحسب ما نقل ابن حبّان، فإنّ الأوزاعي لم يسمع من ابن سيرين (كتاب الثقات 7: 63).
  65. حلية الأولياء 6: 145 والآية: 39 من سورة الرعد.
  66. تذكرة الحفّاظ 1: 178.
  67. تهذيب الأسماء واللغات 1: 300.
  68. البداية والنهاية 10: 130، الطبقات الكبرى‏ 7: 488، وفيات الأعيان 3: 127، سير أعلام النبلاء 7: 127 - 128.
  69. تاريخ الإسلام 9: 498.