استصحاب حال العقل

من ویکي‌وحدت

استصحاب حال العقل: اصطلاحٌ أصوليٌ و الاستصحاب قاعدة أصوليّة عند المجتهدين تأتي فيما إذا كان لدينا يقين بحالة في زمنٍ سابق وشك بذات الحالة في زمن لاحق، ومقتضى القاعدة هنا الحكم ببقاء الحالة السابقة. وأما استصحاب حال العقل فهو أحد استصحابات التي مفادها نفس البرائة الأصلية إلا أنّه فرقٌ جزئيٌ بينهما نذکرها في هذا المقال.

استصحاب حال العقل

التعبير باستصحاب حال العقل متداول في كلمات جماعة من علماء الإمامية و أهل السنّة في استصحاب الحالة السابقة الثابتة قبل الشرع ـ من البراءة وعدم شغل الذمّة ـ بالعقل القطعي وهو في الحقيقة عين الاستصحاب بالاصطلاح المتداول في كلمات أهل الاُصول[١].
والفرق بينه وبين أصالة البراءة، أنّ الأوّل مفروض فيه إحراز الحالة السابقة ويحكم فيه ببقاء الحالة المفروضة المعلومة، وهذا بخلاف أصالة البراءة المبحوث عنه، حيث يكفي في الحكم به عقلاً أو نقلاً مجرد الشكّ وعدم العلم بالحكم الواقعي فعلاً، من دون حاجة إلى إحراز الحالة السابقة.
قال الشيخ الطوسي: «قسّم أصحاب الشافعي الاستصحاب إلى قسمين: 1 ـ استصحاب حال العقل، وهو الرجوع إلى براءة الذمّة في الأصل. 2 ـ استصحاب حال الإجماع...»[٢].
وقال المحقّق الحلّيّ: «أطبق العلماء على أنّ مع عدم الدلالة الشرعية يجب ابقاء الحكم على ما تقتضيه البراءة الأصلية، ولا معنى للاستصحاب إلاّ هذا»[٣].
وقال الشيرازي في اللمع: أمّا استصحاب الحال فضربان: استصحاب حال العقل واستصحاب حال الإجماع. فأمّا استصحاب حال العقل فهو الرجوع إلى براءة الذمّة في الأصل، وذلك طريق يفزع إليه المجتهد عند عدم أدلّة الشرع، ولا ينتقل عنها إلاّ بدليل شرعي ينقله عنه، فإن وجد دليلاً من أدلّة الشرع انتقل عنه ـ سواء كان ذلك الدليل نطقا أو مفهوما، أو نصّا أو ظاهرا ـ لأنّ هذه الحال إنّما استصحبها لعدم دليل شرعي، فأي دليل ظهر من جانب الشرع حرم عليه استصحاب الحال[٤].
وقال الشوكاني في استصحاب إرشاد الفحول: «قال الزركشي: لا بدّ من تنقيح موضع الخلاف، فإنّ أكثر الناس يُطلقه ويشتبه عليهم موضع النزاع، فنقول للاستصحاب صور:
إحداها: استصحاب ما دلّ العقل أو الشرع على ثبوته ودوامه كالملك عند جريان القول المقتضي له وشغل الذمّة عند جريان اتلافٍ أو التزام... فهذا لا خلاف في وجوب العمل به إلى أن يثبت معارض، قال: الثانية: استصحاب العدم الأصلي المعلوم بدليل العقل في الأحكام الشرعية، كبراءة الذمّة من التكليف حتّى يدل دليل شرعي على تغييره، كنفي صلاةٍ سادسة. قال القاضي أبو الطيّب: وهذا حجّة بالإجماع. أي من القائلين بأنّه لا حكم قبل الشرع»[٥].
وقال وهبة الزحيلي في أصوله: «للاستصحاب خمس صور أو خمسة أنواع: الأوّل: استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التي لم يرد دليل بتحريمها. ومعنى هذا أنّ المقرر عند جمهور الاُصوليين بعد ورود الشرع هو أنّ الأصل في الأشياء النافعة التي لم يرد فيها من الشرع حكم معيّن هو الإباحة.
[ثُمّ قال:] الرابع: استصحاب العدم الأصلي المعلوم بالعقل في الأحكام الشرعية، أي انتفاء الأحكام السمعيّة في حقّنا قبل ورود الشرع كالحكم ببراءة الذمّة من التكاليف الشرعية والحقوق المترتبة فيها حتّى يوجد دليل شرعي يدلّ على التكليف، ثُمّ مثل له أمثلة فقال: وما لم يعرف الدليل الذي يدل على خلاف الأصل فبعد ذلك من باب العلم بعدم الدليل، لا من باب عدم العلم بالدليل[٦].
وقال في آخر كلامه في الأقسام: «هذا وقد جعل بعض العلماء الصورتين الاُولى والرابعة نوعا واحدا؛ لأنّ الإباحة الأصلية يشملها استصحاب العدم الأصلي»[٧].

البراءة الأصلية ـ العدم الأصلي

المتداول في كلمات جماعة من متقدّمي الإمامية و أهل السنّة التمسّك بـ «البراءة الأصلية» أو «النفي الأصلي» كدليل على انتفاء الحكم ما لم يقم دليل شرعي على الثبوت[٨]. واتّضح بما مرّ من الكلمات أنّ مرادهم منه استصحاب حال العقل ـ أي استصحاب البراءة والعدم ـ ؛ إذ مجرّد إحراز الحالة السابقة قبل الشرع لا يصلح دليلاً على ثبوتها إلى زمان الاجتهاد والفتوى إلاّ بالحكم ببقائها واستمرارها إلى تلك الحال كما لا يخفى، ولعلّه الظاهر من جماعة منهم أيضا[٩]. ويحتمل أن يكون المراد منه ما سيجيء من أنّ عدم الدليل دليل العدم.

المصادر

  1. . أنظر: الوافية: 178.
  2. . أنظر: عدّة الاُصول 2: 755.
  3. . معارج الاُصول: 208.
  4. . اللمع: 247.
  5. . أنظر: إرشاد الفحول 2: 257.
  6. . أصول الفقه الإسلامي 2: 860 ـ 866.
  7. . أصول الفقه الإسلامي 2: 866.
  8. . أنظر: معارج الاُصول: 217، مبادئ الوصول: 186، 252، المعالم: 222، هداية المسترشدين 3: 545، المحصول 2: 559، المستصفى: 187 ـ 189.
  9. . أنظر: المستصفى 1: 120 و142، المحصول 1: 435 ـ 564، 4: 387.