أُسلوب الحوار

من ویکي‌وحدت

أُسلوب الحوار آداب الحوار وسلوكيات المتحاورين.
وينبغي أن يشتمل أُسلوب الحوار على اللين والمرونة وضبط النفس والتوازن في المشاعر وغيرها، إضافة إلى الانفتاح السلوكي المدروس على الطرف الآخر، واحترام مشاعره ومعتقداته، ومحاورته بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن، فهذه الأساليب كافية لتترك في نفسه انطباعاً جيّداً عن شخصية المحاور وطبيعة أهدافه ومعتقداته.
أمّا الأساليب السلبية، كالتحريض وإثارة الفوضى والشغب والتحامل والتشنّج والتعصّب الأعمى والتكبّر واستخدام أُسلوب المغالطة والانكماش والتهرّب والاستهزاء والسخرية، فهي مرفوضة في الحوار المنشود، وقد نهى الإسلام عن ذلك : (وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ اَلْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة العنكبوت : 46)، فكيف بالحوار بين المسلمين أنفسهم ! فقيمة الحوار في الرؤية الإسلامية لا تعرف المهاترات والسباب ؛ لتسبّبها في انعكاسات سلبية حادّة، يقول تعالى : (وَ لا تَسُبُّوا اَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللّهِ فَيَسُبُّوا اَللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (سورة الأنعام : 108).
وتدخل هنا قيم سلبية أيضاً، كالاتّهام والافتراء والتفسيق والتهديد بالإخراج عن الدين والرمي بالارتداد، دون تمحيص وبحث عقيدي وفقهي وافٍ، فللارتداد والتكفير معايير وقواعد دقيقة جدّاً بحثها الفقه الإسلامي بعناية، بالصورة التي لا يكون فيها هضم لحقّ أحد وسلب لحقوقه الاجتماعية الإنسانية.
فالتسرّع في إطلاق الأحكام خلال الحوار لتحقيق أجواء غير موضوعية تتقاطع تماماً مع الرؤية الإسلامية، فضلاً عن أنّ هذه الأساليب - لا سيّما التهديد بالعدوان وسلب الحقوق الاجتماعية والحكم المتسرّع وغير المدروس بالردّة والكفر - تؤدّي إلى وضع عكسي، ونجد أنّها تسبّبت في بروز ردود فعل عنيفة ضدّ الدين، بالصورة التي حدثت حيال أساليب الكنيسة في التعامل مع الآخرين خلال عصور أُوروبّا الوسطى، ثمّ أدت إلى ظهور ألوان فاقعة من الإلحاد والانحراف والعلمانية والسقوط والتطرّف.
والإسلام يأمر بعدم مواصلة الحوار عند تجاوز الطرف الآخر حدود الحوار وآدابه، كممارسة الاضطهاد والتهديد والافتراء والتهريج : (أُولئِكَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُ اَللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) (سورة النساء : 64)، أو إصراره على عدم قبول الدليل والحجّة والبرهان، رغم وضوحها وقاطعيتها : (وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (سورة هود : 53)، حينما يدخل الحوار مرحلة العبث وتضييع الوقت، ويستحيل خلالها تحقيق فائدة بالصورة التي يصف فيها القرآن الكريم حوار رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع الكافرين : (إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ*خَتَمَ اَللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ (سورة البقرة : 6 - 7).
من جهة أُخرى ينبغي اتّفاق الأطراف على لغة حوار مشتركة، وعلى مستوى علمي وفكري معيّن من اللغة ؛ لكي يحصل التكافؤ في إيصال الرأي والرأي الآخر، كما في الحديث الشريف : «نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم».
والواقع أنّ الخطاب الإسلامي الجديد المتطوّر ينبغي أن يسود لغة الحوار الإسلامي المعاصر، فلكلّ مرحلة خطابها ولكلّ مرحلة لغتها وأساليبها الفنّية الناجحة في الحوار، على اعتبار أنّ هذا الجانب متجدّد يدخل في إطار المتغيّرات، شرط أن لا يخرج التجديد عن الثوابت الأُسلوبية في الحوار الإسلامي، وهذا التجديد تعبير عن دينامية الإسلام وقدرته المطلقة على استيعاب كلّ متطلّبات الزمان والمكان وتلبية حاجاتهما.