أُسس التقريب

من ویکي‌وحدت

أُسس التقريب هي الأُصول والركائز التي يعتمد عليها التقريب بين المذاهب الإسلامية، والتي يمكن إجمالها فيما يلي من أُمور :

الأمر الأوّل :

أنّ الأُمّة الإسلامية بجميع مذاهبها وأقوامها وشعوبها أُمّة واحدة، وأنّ الوحدة هي ركن من أركان الإسلام. وما أجمل ما قاله الإمام كاشف الغطاء داعية الوحدة الإسلامية : «بني الإسلام على كلمتين : كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة»! وأنّ المسلمين ما وصلوا ولن يصلوا إلى تحقيق أهداف الإسلام السامية إلّابالوحدة، وأنّ عزّ المسلمين ومجدهم رهين وحدتهم، وليس بعد اختلافهم وتنازعهم إلّاضعف الشوكة وحلول الوهن بهم.

الأمر الثاني :

أنّ الأُصول الأساسية للإسلام لا خلاف فيها بين المسلمين، فكلّهم يعتقدون بتوحيد الربّ تعالى، وبنبوّة نبيّنا محمّدٍ والأنبياء قبله (صلوات الله عليهم أجمعين)، وبالمعاد، والجنّة والنار، وبالصلاة والصوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنّ كتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، إلى غير ذلك من أركان العقيدة والعمل. ولا يخفى أنّ هذه الأُصول المتّفق عليها والمشتركة بين المذاهب الإسلامية هي بالذات ملاك الأُخوّة الإسلامية ومعيار وحدة الأُمّة، دون غيرها من المسائل المختلف فيها والآراء الخاصّة بكلّ مذهبٍ، والتي تدخل في معايير المذاهب نفسها دون أصل الإسلام.

الأمر الثالث :

أنّ دعوة الناس إلى وحدة الأُمّة لا يُعنى بها رفض المذاهب كلّها أو بعضها، كما لايراد بها إدغام المذاهب والمساومة عليها، وذلك بأخذ شيءٍ من كلّ مذهبٍ ورفض شيءٍ بحيث تكون الحصيلة صفقة مرضية لأتباع المذاهب، كما لا يُعنى بها تبديل مذهبٍ أو إحداث مذهبٍ جديدٍ في الإسلام، كما لا يُعنى به الاكتفاء بالمشتركات ورفض موارد الاختلاف والإعراض عنها تماماً. نعم، لا يراد بالوحدة والتقريب شيئاً من هذه الوجوه المتصوّرة التي ربّما يوجد لكلِّ منها أنصار بين المسلمين الذين يدعون إلى وحدة الأُمّة، بل يراد التأكيد والركون إلى المشتركات في حقل العقيدة والشريعة باعتبارها
الأُصول الأساسية للإسلام، وكونها معياراً للأُخوّة الإسلامية ووحدة الأُمّة. هذا مع الاحتفاظ بالمذاهب والاحترام المتقابل بين أتباعها فيما وراء هذه الأُصول من المسائل الجانبية الفرعية التي يسوغ الخلاف فيها في إطار الدليل والبرهان، والتي تعتبر غير ضرورية، ويكون باب الحوار والاجتهاد فيها مفتوحاً. إنّ الاختلاف في مثل هذه المسائل مقبول ولا ضير فيه، بل لا مناص منه، فلكلّ ذي رأيٍ رأيه : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ... (سورة هود : 118 - 119)، أي : للرحمة، أو للاختلافات على الخلاف، حسب تعبير الإمام كاشف الغطاء في إحدى مقالاته.

الأمر الرابع :

قد تبيّن ممّا سبق أنّ المراد بالمذاهب الإسلامية هي المذاهب التي تؤمن بتلك الأُصول الأساسية العقائدية والعلمية التي يلتزم أتباعها بالعمل بها بحيث يمكن أن يدخلوا في إطار الأُمّة الإسلامية ويُعَدّوا مسلمين، والذين ينكرون أصلاً من تلك الأُصول فنحن لا ندعوهم إلّاإلى الأخذ بما أخذ به إخوانهم المسلمون ليدخلوا في زمرة الأُمّة الإسلامية.

الأمر الخامس :

لا بدّ من تعيين المشتركات والأُصول الأساسية للإسلام - وإن كانت معلومةً إجمالاً - من قبل نُخبةٍ من علماء المذاهب الإسلامية في مؤتمرٍ عامّ، وفي لجان تخصّصية مهمّتها تشخيص الأُصول المتّفق عليها ؛ لتكون معياراً للحكم على من لا يلتزم بها، أو بشيءٍ منها بأنّه خارج عن الأُمّة أو أنّه غير مسلم.

الأمر السادس :

مادام لم يوضّح ويحدّد هذا المعيار (الكفر والإيمان) فليس لأحد رمي الآخرين بالكفر، كما أنّه لايجوز المسارعة في الحكم به على أهل القبلة وعلى كلّ مَن التزم بالأُصول الإسلامية المتّفق عليها، وحتّى لو شُكّ في التزامه بها، بل ويجب الاجتناب بشكل قاطعٍ عن تشكيل محكمةٍ من قبلنا لتقسيم الجنّة والنار بين المسلمين، ولكن وجب أن نوكل هذا الأمر إلى اللّه تعالى، فإنّه الحكم العدل بين عباده : (وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (سورة النحل : 124).

الأمر السابع :

المسائل الخلافية يجب أن تُبيّن على يد علماء المذاهب واعتماداً على المصادر المعتبرة عندهم، ولا يجوز الاستناد إلى الإشاعات والأقوال غير المسندة، أو إلى ما يروّجه أعداء كلّ مذهبٍ جهلاً وكذباً ضدّ الآخرين، ولا الاستناد إلى أقوال وأفعال الجهّال من أتباع كلّ مذهبٍ ممّا يرفضه علماء ذلك المذهب والخبراء بأسراره.

الأمر الثامن :

ينبغي اتّخاذ منطوق أقوال المذاهب ملاكاً للحكم عليها، ولا ينظر إلى مستلزمات تلك الأقوال ممّا يرفضها أصحاب المذاهب.

الأمر التاسع :

أن لا نجعل المسائل الخلافية الجانبية في نفس درجة أهمّية المسائل الأُصولية المتّفق عليها، ممّا قد يؤدّي إلى سيطرة الفروع على الأُصول في زحمة الاختلافات الفرعية، بل يجب نسيانها مؤقّتاً إذا زاحمت المسائل الأساسية ؛ لئلّا تصرفُنا عن الاهتمام بتلك الأُصول غافلين عنها ومشتغلين عن الأهمّ بغيره.

الأمر العاشر :

السعي لفتح باب الاجتهاد في كلّ المذاهب الإسلامية، وفي كلّ الأبعاد، أي : بالنسبة إلى المسائل الخلافية غير الضرورية ؛ لكي تكون أبواب البحث فيها مفتوحةً على أساس الالتزام بالحقّ والاحتجاج بالدليل، وتكون القلوب مفتوحةً ومستعدّةً لقبول ما انتهى إليه البحث حسب الدليل، مع رعاية جانب الإنصاف وأدب الجدال بالتي هي أحسن، ومع النظر إلى تلك المسائل الخلافية من منظار التقريب والتحبيب سعياً إلى الوفاق مهما أمكن، لا من منظار الخلاف والخصام سعياً إلى الشقاق.
هذه الأُسس كلّها من إفادات الشيخ محمّد واعظ زادة الخراساني. أمّا الشيخ أحمد كفتارو المفتي الأسبق للديار السورية فقد أجمل أُسس التقريب في أُسس فكرية وأُخرى أخلاقية..
أمّا الأُسس الفكرية فهي كالتالي :
1 - إبقاء الاجتهادات في إطارها الفكري.
2 - اتّباع المنهج الوسط وترك التطرّف.
3 - التركيز على المحكمات دون المتشابهات.
4 - ضرورة الاطّلاع على الرأي الآخر.
5 - الانشغال بهموم الأُمّة الكبرى.
والأُسس الأخلاقية كالتالي :
1 - الإخلاص والتجرّد من الأهواء.
2 - التحرّر من التعصّب.
3 - إحسان الظنّ بالآخرين.
4 - ترك الطعن والتجريح.
5 - الحوار بالتي هي أحسن.
هذا، ويمكن أن يضاف لما تقدّم من أُسس : الانفتاح في فهم الإسلام ضمن إطار الاجتهاد الصحيح والقائم على أساس الكتاب والسنّة، والابتعاد عن الحسّاسيات التاريخية قدر الإمكان، والانفتاح على الإسلام بروح عالية لا تقيم وزناً لفوارق اللون والجنس واللغة والمذهب.