أنماط السلوك المتوازن للأُمّة الإسلامية

من ویکي‌وحدت

أنماط السلوك المتوازن للأُمّة الإسلامية ظواهر وطرائق السلوك الرشيد لأُمّة الإسلام، والتي منها :
1 - أن تمتلك الأُمّة نظرة عالمية إنسانية تستمدّ فلسفتها من وحدة الفطرة ووحدة المسيرة وضرورة التعاون الدولي في نظام عادل يعطي كلّ ذي حقّ حقّه،
ويحترم الخصوصيات الثقافية، كما يحترم حقوق الإنسان وحرّياته دونما اعتداء.
وحينئذٍ يجب التنبيه والحذر من الوقوع في حبائل هذه العولمة المجنونة التي تعتمد الهيمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية على الآخرين،
وهي في الواقع إعادة إنتاج لنظام الهيمنة الرأسمالية القديمة مع تغيير في الأُسلوب والوسيلة.
2 - أن تعتمد الأُسلوب الوسطي المتوازن في مختلف تعاملاتها مع الواقع، وتتجنّب الإفراط والتفريط، فكلاهما يعدّ خروجاً عن الجادّة المستقيمة.
3 - أن تجعل عملية الحوار مع الآخر الداخلي والخارجي منطقها قبل أيّ خطوة أُخرى.
وها هو القرآن يتحدّث لنا عن أساليب من الحوار جرت ويمكن أن تجري بين أطراف متنوعة، ويرسم لنا أحسن الطرق في الحوار، حتّى أنّ في القرآن نظرية متكاملة للحوار المنطقي السليم.
ويخطئ من يتصوّر أنّ الحوار لغة العاجزين، بل هو على العكس لغة الأقوياء في منطقهم المطمئنين إلى أصالتهم الواثقين من هويتهم الموضوعيّين في تعاملهم.
4 - أن تعتمد الأُمّة منهج التغيير المستمرّ بهدف الوصول إلى الأفضل طبعاً مع الاحتفاظ بالثوابت الإسلامية التي هي جزء من الهوية،
وتعمل على تعبئة كلّ طاقاتها المادّية والمعنوية للتخلّص من حالة التخلّف الاقتصادي والعلمي والاجتماعي والتربوي والإعلامي وغير ذلك، وليكن المنهج التغييري سمة عامّة وفق ما أراده الإسلام.
5 - أن تمتلك الأُمّة المناعة الكاملة ضدّ التآمر على هويتها التقنينية وثقافتها الاجتماعية من خلال التأثيرات التي تتركها احتكار المؤتمرات الدولية والجوّ الإعلامي من قبل قوى التآمر.
وهذا المعنى ينسحب على عملية التقنين والتشريع الثقافي والاجتماعي، فها نحن نشهد مؤتمرات التنمية والسكّان والمرأة تسعى جاهدة لتعميم الثقافة الغربية والتصوّرات الاجتماعية المنحرفة باسم «الحقوق الجنسية» و«الحرّية الفردية للمراهقين» وأمثال ذلك،
مضمّنة ذلك في خانة حقوق الإنسان، وهي الباب الواسع الذي تنفذ منه العولمة إلى جميع المجالات.
كما إنّنا نشهد تدخّل العولمة الإعلامية من خلال الجوّ الخانق للمعلومات المتدفّقة عبر مئات المحطّات الفضائية والإنترنت ؛ لتغيّر الحقائق، وتثبّط الهمم، وتبثّ الشائعات، وتمزّق الأواصر، وتغيّر التصوّرات، وتشكّك في القناعات، وتخلق الحزازات.
6 - يجب أن تقوم الأُمّة بالنظر إلى المستقبل والعمل له دون الغرق في الطوباوية، ودون أن تهمل تاريخها ؛
لأنّه أيضاً جزء من هويتها، والذي يجب توظيفه لصالح التغيير التكاملي بدلاً من البقاء في أسر أحداثه المتلاطمة. إنّه يجب أن يكون عبرة للاعتبار، لا وحدة للتخدير وأحياناً للاختلاف المرير.
إنّ الطوباوية في النظرة المستقبلية مثلها مثل الذاتية التحذيرية في النظرة التأريخية تضرّ بالمسيرة أيّما إضرار.
7 - يجب أن تمتلك الأُمّة موقف الأمل باللّه مع الاطمئنان ببقاء السنن الكونية. فإنّه على ضوء إيمان المسلم بطلاقة المشيئة الإلهية ينشدّ باللّه تعالى في حالاته، ويتعلّق بفضله،
ولا ييأس من روح اللّه تعالى في أشدّ حالات الحرج. ومهما استعصت الظروف وبدا له أنّها لن تنفرج فهو معتقد بقدرة اللّه على تغييرها.
هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فهو يعمل على سلوك السبيل الطبيعي الذي يحقّق الهدف، نظراً لأنّه يعتقد بأنّ اللّه «أبى أن يجري الأُمور إلّا بأسبابها».
8 - على الأُمّة أن توازن بين موقف التوكّل على اللّه وموقف الثقة بالنفس، ولعلّ هذا النوع من التوازن يرتبط كلّ الارتباط بما قبله،
فإنّ اعتقاد المسلم بالإرادة الإلهية المطلقة يجعله يوكل أُموره إلى اللّه، ويعتقد أنّه لا يملك من أمره شيئاً إلّابإذن اللّه تعالى، فلا هداية إلّا من اللّه تعالى، ولا توفيق إلّابه تعالى، ممّا يركّز النظر عليه في كلّ تأثير، إلّاأنّ هذا التوكّل على اللّه لا يفقده الثقة بنفسه وبقدرته على التغيير،
بل يمنحه أعظم الثقة بنفسه، ذلك لأنّه يتصوّر أنّ اللّه تعالى منحه سلطان التغيير، وجعله خليفته على الأرض، يعمّرها وينشئ فيها حضارة السماء، أي : الحضارة التي تشكّل تعاليم السماء روحها، وأوكل إليه عملية التغيير الكبير.
9 - يجب على الأُمّة أن تقف موقف العلوّ على المشاكل التاريخية مع تقدير دور كلّ عامل، فبعد إيمان المسلم بأنّ العوامل المحرّكة للتاريخ مختلفة تتراوح بين القوانين التكوينية المحرّكة وغير المحسوسة إلى الفطرة بغرائزها،
وفوق كلّ ذلك الإرادة الإنسانية التي تهيّئ للإنسان مجال التحكّم في مسيره، يكون قد علا على المشاكل التأريخية، بعد أن علم بأنّ له اختيار تنظيم حياته، وبيده صنع حضارته، فليست المشكلة التاريخية مفروضة عليه من الأعلى بحيث لا يمكنه أن يتحرّك تجاهها، وإنّما يمكنه - متى لاحظ عدم صلاح واقعه - أن يغيّره.
وهذا التصوّر يعطيه حركية دائمة تعمل على التطوير والتقدّم التكنيكي، كما تعمل على التكامل المعنوي والفكري، كلّ ذلك ضمن تخطيط سماوي رائد يوضّح له ما يجب أن يريده، ويرشده لئلّا يضلّ، ويعيّن له الهدف الذي يجب أن يسوق التغيير باتّجاهه.
10 - على الأُمّة أن تقف موقف الدقّة في اختيار سبيل الخير مع الحذر من سبل الشرّ،
وذلك لأنّه لما كانت السبل كثيرة، والإغواءات متوفّرة، والشيطان يقعد للإنسان بكلّ مرصد، فإنّ الإنسان المسلم يصمّم على خوض تجربة الحياة، ويتأكّد بين الحين والآخر من صحة اختياره متسلّحاً بسلاح الوعي، مستمعاً لإرشادات الوحي، متجنّباً مزالق الضلال، مطمئناً بأنّه ليس للشيطان عليه أيّ سلطان، وأنّ سعادته تكمن في رجمه ورجم كلّ ما يمثله.
وتأتي التعاليم الإسلامية فتذكّره بطرق الخير دائماً، وأهمّها العبادات التي تشدّه شدّاً باللّه تعالى، وتركّز على أن ينفي الشرّ عن حياته،
وهذا ما يبدو بوضوح في رجم الجمرات مثلاً.
11 - على الأُمّة أن تقف موقف الخوف والرجاء.ويكاد هذا النمط من التوازن يشكّل معلماً بارزاً من معالم الشخصية المسلمة، فالرجاء العظيم برحمة اللّه تعالى يدفع الإنسان المسلم نحو الحياة ويفتح قلبه للمستقبل، والخوف العظيم من عقابه يدفعه لأن يحقّق مقتضيات الرحمة الإلهية.
ويرتفع مقياس الخوف والرجاء كلّما تعمّقا في النفس الإنسانية وتجلّت لديها المعقولات، فقربت من عالم الحسّ، ومن ثمّ انعكست على السلوك الخارجي.