أقسام الانصراف

من ویکي‌وحدت

أقسام الانصراف: الانصراف هو انسباق المعنی وخطوره من اللفظ، بحيث يراد منه استكشاف مراد المتكلّم بعد ثبوت وضع اللفظ لمطلق المعنى، کانصراف مسح الرأس في الوضوء إلی باطن الکف، فيُراد بـ الانصراف إثبات كون المعنى المنصرف إليه هو المراد بالخصوص من الإطلاق. وله أقسام نقدّمها للقارئ الکريم.

أقسام الانصراف

الأقسام المتصوّرة للانصراف، عبارة عمّا يلي:

1 ـ الانصراف الناشئ من الغلبة الوجودية

والمثال المعروف لذلك هو انصراف لفظ «الماء» في العراق إلى حصّة خاصّة منه وهي ماء دجلة أو الفرات لكونهما الأغلب وجوداً من بين أنواع المياه هناك[١].

2 ـ الانصراف الناشئ من كثرة الاستعمال

ويمثّل له بما إذا كثر إستعمال لفظ «دابة» في ذوات الأربع دون كلّ ما يدبّ على الأرض كما هو معناها لغةً، فإن الانصراف المذكور يشكل قرينة قوية توجب بروز علاقة وأنس بين اللفظ وبين المعنى المنصرف إليه.
ويبدو أنه لا خلاف في اعتباره وحجيته[٢]. وهو يمكن أن يقع على صور عدّة:
الصورة الأولى: كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حدّ المجاز المشهور[٣].
الصورة الثانية: كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حد الاشتراك اللفظي، مثل إنصراف لفظ «الصعيد» إلى التراب الخالص مع أنه موضوع لغةً لمطلق وجه الأرض[٤].
الصورة الثالثة: كون كثرة الاستعمال موجبة لبلوغ المعنى المنصرف إليه حد النقل إليه ومهجورية المعنى المطلق[٥].

3 ـ الانصراف الناشئ من الجهة المقصودة للشيء

مثل ما دل على حرمة الدم والميتة، فإن المنصرف من ذلك هو حرمة الأكل والشرب باعتبار أن الأكل والشرب هما الجهة المقصودة لهما آنذاك في عصر التشريع، أما المنافع الأُخرى المتعارفة اليوم فإنّ النص منصرف عنها[٦].

4 ـ الانصراف الناشئ من الارتكاز

كالانصراف الناشئ من مناسبات عرفية أو عقلائية كما في التشريعات التي لها جذور عرفية مركوزة عرفا أو عقلائيا فإنّها قد توجب تقييد اللفظ المطلق بالمعنى المنصرف إليه[٧].
وهذا القسم يمكن أن يقع على صور متعددة:
الصورة الأولى: الإرتكاز الذي يكون خلاف النص الشرعي.
مثل أن يرد نص على ثبوت الولاية للأقرب فيما يتعلق بغسل الميت ودفنه، فإنّ النص المذكور يصادم الإرتكاز الموجود بكون الوصي بمنزلة الميت فمع وجود الوصي ينصرف النص المذكور عن الأقرب[٨].
الصورة الثانية: الارتكاز الذي لايكون خلاف النص الشرعي.
مثل أن يرد نص «الماء مطهّر» فإنّه ينصرف إلى الماء الطاهر بارتكاز العقلاء أما الماء النجس فإنّه لايصلح للتطهير[٩].
الصورة الثالثة: الارتكاز الذي يكون مفسّرا لموضوع الحكم الشرعي.
مثل أن يرد أن الظرف الذي يلغ فيه الكلب يجب تعفيره، فإن عنوان «الظرف» وإن كان يشمل في وضعه اللغوي كل ظرف سواء الأواني أو الظروف المصنوعة من القماش، غير أنّ هذا العنوان ينصرف إلى الإناء فقط بحكم مناسبة التعفير[١٠].

5 ـ الانصراف الناشئ من غلبة الارادة

وقد ذكروا أن الانصراف المذكور يوجب ظهور اللفظ المطلق في المعنى المراد غالبا، وهو يوجب معهودية ذلك الفرد المعين من اللفظ فتكون تلك المعهودية قرينة على ارادة الفرد المعين[١١].

6 ـ الانصراف الناشئ من وجود قدر متيقَّن

ويمثل له بقول السيّد لعبده «اشترِ اللحمَ» فإنّ القدر المتيقّن منه هو لحم الغنم فينصرف المطلق إليه، ولو أراد المتكلّم بيان الشمول لكان عليه أن يبيّنه ولايجوز الاتكال على الإطلاق مع وجود القدر المتيقَّن[١٢].
وقد وقع الخلاف في حجّية الانصراف المذكور واعتباره[١٣].

7 ـ الانصراف الناشئ من التشكيك في الماهية

والانصراف المذكور يتصور على نحوين:
النحو الأول: الانصراف الناشئ من علو مرتبة بعض أفراد الماهية. كانصراف لفظ «الحيوان» عن الإنسان، فإن لفظه وإن كان موضوعا لغةً لكل ما له حياة إلاّ أنّ العرف يصرفه عن الإنسان، فإذا جاء النص الشرعي القائل: «لا تصلِّ فيما لايؤكل لحمه» فإنّه غير شامل للإنسان فتجوز الصلاة في شعر الإنسان ونحوه[١٤].
والانصراف المذكور حجة باعتباره يشكّل قرينة متصلة تمنع ظهور المطلق في إطلاقه[١٥].
النحو الثاني: الانصراف الناشئ من دنوّ مرتبة بعض أفراد الماهية. مثل انصراف لفظ «الماء» عن ماء الكبريت ونحوه لدنو مرتبته.
والانصراف المذكور أيضا حجّة؛ لأ نّه بحكم القرينة المتّصلة التي تمنع من ظهور اللفظ في الإطلاق والشمول[١٦].

8 ـ الانصراف الناشئ من العادة والتعارف

ويمثّل له: بانصراف أدلّة الغسل إلى الغسل بالماء المطلق دون غيره كالماء المضاف؛ لأنّ العادة جارية على الغسل بالماء المطلق لا المضاف.
ويذكر أنّ الانصراف المذكور حجّة؛ لأنّ الانصراف إلى الغالب والمعهود مورد قبول أهل اللغة؛ لأن الغلبة والعادة كالعهد تشكّل قرينة توجب ظهور المطلق فيما ينصرف إليه[١٧].

المصادر

  1. . أنظر: أجود التقريرات 2: 435، منتهى الدراية 4: 326.
  2. . أنظر: المستصفى 1: 272، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 27، حقائق الأصول 1: 151، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 3: 431.
  3. . أنظر: منتهى الدراية 4: 328.
  4. . أنظر: المصدر السابق.
  5. . أنظر: المصدر نفسه.
  6. . أنظر: شرح مختصر الروضة 2: 660.
  7. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.
  8. . أنظر: مستمسك العروة الوثقى 4: 61.
  9. . أنظر: مستمسك العروة الوثقى 2: 7، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.
  10. . أنظر: مصباح الفقيه 8: 414 ـ 415، التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 61.
  11. . تقريرات المجدد الشيرازي 2: 28.
  12. . أصول الفقه المظفر 1ـ2: 241 وأنظر: تعليقة على معالم الأصول (القزويني) 4: 825.
  13. . أنظر: كفاية الأصول: 247، نهاية الأفكار 1ـ2: 574، مصباح الأصول 1ق2: 600، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 425.
  14. . أنظر: أجود التقريرات 2: 435، مصباح الأصول 1 ق 2: 603، منتهى الدراية 4: 327.
  15. . أنظر: المصادر السابقة.
  16. . أنظر: المصادر السابقة.
  17. . أنظر: مفاتيح الأصول: 196.