أطراف الحوار

من ویکي‌وحدت

أطراف الحوار من يجري الحوار بينهم، وهو عنصر من أهمّ عناصر الحوار. وينبغي توفّر مجموعة من المؤهّلات في شخصية المتحاورين، على الصُعد الذاتية والموضوعية، تكفل لنجاح الحوار مدخله الأساسي. ومن أهمّ هذه المؤهّلات :
1 - التساوي في الرغبة والتكافؤ في حرّية الطرح، فلا بدّ أن لا يكون أحد أطراف الحوار مقحماً أو مجبراً على الحوار أو مضطرّاً إليه تحت ضغوط التهديد بأنواعه : الاجتماعي، السياسي، بالسجن أو الموت أو الطرد أو تلبيس التهم، أو تحت ضغوط الحياة والإغراء. فمثل هذا الحوار مهما كانت نتائجه ليست له قيمة علمية أو دينية أو أخلاقية ؛ لأنّه يفتقر إلى أبسط أُسس الحوار الحقيقي وآدابه ؛ لأنّ أطراف الحوار هنا لن تكون متكافئة في القدرة والحرّية، فبعضها يحاور من موقع القوّة والاقتدار والاستكبار،
والآخر من موقع الضعف والاضطهاد، فهناك إذاً فرق كبير بين الحوار (الثقافي والفكري والسياسي) بين أطراف متكافئة، والحوار بين الغازي (العسكري والثقافي والسياسي) والمنهزم أو المدافع،
والحوار الثقافي والحضاري الحقيقي مثلاً يدور في إطار الاحتكاك أو التبادل الثقافي، في حين أنّ الحوار في إطار الغزو ليس له أيّ معنى ؛
فالغازي الثقافي يسلب من الحوار كلّ إيجابياته، ويمكن أن يجري الحوار حتّى خلال المعارك العسكرية، فضلاً عن المعارك الفكرية والسياسية بهدف إلقاء الحجّة على الخصم،
شرط ضمان عنصر التكافؤ في حرّية الرأي، وإلّا يكون حواراً من طرف واحد. وفي السيرة والتاريخ الإسلامي نماذج فذّة من مواقف الحوار أثنار الحرب لإقناع الخصم ومحاججته في محاولة لتجنّب ويلات الحرب وليكفي المسلمون شرّها.
2 - التسلّح بالعلم والمعرفة في موضوع الحوار، فهو أساسي لدخول الحوار وكسبه موضوعياً : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) (سورة آل عمران : 66). فالحوار الحقيقي ينبغي أن توضع له مقدّمات موضوعية ويسير وفق أُسس علمية، ولا يتحقّق هذا الجانب دون تخصّص المتحاورين في موضوع الحوار وإحاطتهم الكافية بحقائقه.
ويضرب اللّه تعالى مثلاً فيمن يحاور في أمر وجود اللّه ووحدانيته وهو لا يفقه شيئاً في هذا المجال : (وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اَللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ) (سورة الحجّ : 8).
وحتّى لو كان الحقّ مع الطرف الضعيف علمياً، فإنّ هذا الحقّ سيضيع بين ثنايا الجهل، وقد تترتّب عليه آثار سلبية تؤدّي إلى ظهور الباطل بمظهر المنتصر، ممّا يتسبّب في تزييف الحقيقة وانحراف وجهات نظر عامّة الناس.
وإذا كان الهدف من الحوار تحقيق فائدة علمية، فينبغي كذلك أن تكون الأطراف ضليعة في مجال موضوع الحوار.
وهنا يشترط الإمام الغزالي على طرف الحوار «أن يناظر مع مَن هو مستقلّ بالعلم ليستفيد منه إن كان يطلب الحقّ».
3 - التحلّي بسلوكية لائقة، فالغضب والتشنّج والتهريج والحقد والرياء والفرح بمساندة الطرف الآخر والاستكبار عن الحقّ، ستنزع من الحوار أيّة قيمة وتدخله في دائرة المنازعات والصراع، في حين سترفع الصفات المعاكسة كالهدوء والتروّي وضبط النفس واللين والمرونة وعموماً التوازن في المشاعر، سترفع من مستوى الحوار إلى دائرة النجاح والتأثير وتحقيق أفضل النتائج.
وهنا يبيّن اللّه تعالى لرسوله الكريم قاعدة عامّة في التحاور مع الآخرين، تقف على أساس اللين والمرونة والتسامح : (وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ اَلْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ) (سورة آل عمران : 158)، فاللّه تعالى يأمر
الرسول صلى الله عليه و آله بالتشاور مع مَن قد أساءوا إليه، بعد أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، كما أمر من قبل موسى وهارون عليهما السلام : (اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى* `فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (سورة طه : 43 - 44).
ونقل المفضّل - وهو أحد تلاميذ الإمام جعفر الصادق عليه السلام - حادثة تحمل دلالة قيمية مشرقة في هذا المجال،
فخلال تحاوره مع أحد الزنادقة تشنّج الموقف وغضب المفضّل عليه، فقال له الزنديق : «إنّ كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق فما هكذا يخاطبنا ولا بمثل دليلك يجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت، فما أفحش في خطابنا ولا تعدّى في جوابنا، وإنّه الحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي إلينا ويتعرّف حجّتنا، حتّى إذا استفرغنا ما عندنا وظننّا أنّا قطعناه وغلبناه، دحض حجّتنا بكلام يسير وخطاب قصير، يلزمنا به الحجّة ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردّاً، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا مثل خطابه».