أصالة التخيير

من ویکي‌وحدت

أصالة التخيير: معنی التخيير هو الاختيار بين الفعل والترک من دون ترجيح. كما إذا علم المكلّف إجمالاً بوجوب دفن الميت الکافر أو حرمته فيتخيّر بين فعلها وتركها. وأما مجری أصالة التخيير فهو دوران الأمر بين المحذورين، فإنّ المکلف في المثال إن أقدم بدفن الميت الکافر يحتمل ارتكابه للحرمة، وإن ترك دفنه فيحتمل تركه للواجب، فالمكّلف بين محذورين.

أصالة التخيير

وهي من الأصول العملية، مجراها حالات العلم الإجمالي الذي يتعذر معه الاحتياط، كموارد دوران الأمر بين المحذورين[١]، ومثاله:
ما لو علم المكلّف بأنّ تكليفا إلزاميا متوجّها إليه تجاه هذا الميت، وهذا التكليف هو إمّا وجوب تجهيزه أو حرمته، فهنا إن قام بتجهيزه فإنّه يحتمل ارتكابه للحرمة، وإن تركه فإنّه يحتمل تركه للواجب، فالمكّلف بين محذورين.

صور المسألة والأقوال فيها


ولا إشكال في أنّ المكلّف إمّا أن يفعل أو يترك؛ لعدم قدرته على شيء ثالث.
وإنّما البحث في أنّه هل يوصف المكلّف عندئذٍ بأنّه مخيّر بين الفعل والترك عقلاً أو شرعا؟ وهل تجري الأصول العملية في أطراف هذا العلم الإجمالي أو لا؟
اختلف الأصوليون في ذلك على أقوال[٢].
وقبل ذكر هذه الأقوال لابدّ من بيان وتحديد صور المسألة، التي عبّر عنها بـ دوران الأمر بين المحذورين.
وهي تارة تكون بين الأمرين التوصليين، التي لانحتاج فيهما إلى قصد القربة، واُخرى بين الأمرين التعبديين، أو أحدهما تعبّدي والآخر توصلي.
وفي كلا الحالتين، تارة تكون الواقعة واحدة واُخرى متعدّدة.

الصورة الاُولى: دوران الأمر بين المحذورين في التوصليات والواقعة واحدة

ومثاله: ما لو علم المكلّف إجمالاً بوجوب شرب السائل الموجود في هذا الإناء أو حرمته، فيدور أمره بين محذورين هما الشرب وتركه.
وقد ذكر بعضهم: إنّ في هذا القسم خمسة أقوال[٣]:

القول الأول: لزوم تقديم جانب الحرمة

لأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة.

القول الثاني: إنّ الأصل الجاري هنا هو التخيير الشرعي
القول الثالث: إنّ الأصل الجاري هو الإباحة الشرعية و التخيير العقلي

وهو مختار صاحب الكفاية[٤].

القول الرابع: إنّ الأصل الجاري هو التخيير العقلي

وهو مختار الشيخ النائيني[٥].

القول الخامس: إنّ الأصل الجاري هو البراءة الشرعية والعقلية

أي جريان الأصلين في الطرفين، وهو مختار السيّد الخوئي، وعلّله بقوله: «لعموم أدلّة البراءة الشرعية، وعدم ثبوت ما يمنع عن شمولها، ولحكم العقل بقبح العقاب على خصوص أو الوجوب أو الحرمة، للجهل به الموجب لصدق عدم البيان»[٦].

الصورة الثانية : دوران الأمر بين المحذورين التوصليين مع تعدّد الواقعة

ومثاله: ما لو علم إجمالاً بوجوب فعله أو تركه في كلّ خميس، فهل يكون المكلّف مخيرا في كلّ يوم خميس في اختيار أحدهما إمّا الفعل أو الترك؛ لصدق كونه من موارد الدوران بين المحذورين أو لابدّ من البقاء على ما اختاره أوّلاً.
وبعبارة ثانية: هل يكون التخيير بدويا أو استمراريا؟ اختلف الأصوليون في ذلك فذهب بعض إلى التخيير الاستمراري[٧] وذهب آخر إلى التخيير البدوي[٨].
قال الشيخ العراقي: الكلام في أنّ التخيير فيه [ دوران الأمر بين المحذورين التوصليين مع تعدّد الواقعة بدوي فليس له أن يختار في الواقعة الثانية إلاّ ما اختاره أوّلاً أو أنّه استمراري، فيجوز له أن يختار خلاف ما اختاره في الواقعة الاُولى وإن لزم منه الوقوع في المخالفة القطعية، وحيث إنّ استمرار التخيير يلازم القطع بكلّ من الموافقة والمخالفة بخلافه على بدوية التخيير، حيث لايلزم منه إلاّ احتمالهما.
فقد يقال: بلزوم تقديم حرمة المخالفة القطعية على الموافقة القطعية بدعوى أنّ حكم العقل بمنجزية العلم الإجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية التدريجية لما كان على نحو التخيير، والعلّية بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية على نحو الاقتضاء القابل لمنع المانع عنه، فلا جرم عند الدوران بين الإطاعتين يقدّم جانب العلّية على الاقتضاء؛ لصلاحيته للمانعية عن اقتضائه بالنسبة إلى الموافقة القطعية، ونتيجته هو المنع عن استمرار التخيير الموجب للوقوع في المخالفة القطعية.
وفيه: إنّه مضافا إلى ما هو التحقيق من كون العلم الإجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعية أيضا كالمخالفة القطعية، إنّما هو بالنسبة للترخيصات الظاهرية الجارية بمناط عدم البيان بعد عدم قصور المعلوم بالإجمال في نفسه للتنجز من قبل العلم، حيث إنّ هم القائل بالاقتضاء إنّما هو إثبات قابلية العلم الإجمالي للترخيص الشرعي على خلافه في جميع الأطراف أو بعضها، كما أنّ هم القائل بالعلّية إثبات عدم قابليته لذلك وأنّه كالعلم التفصيلي في المثبتية للتكليف والمنجزية بنحو يمنع عن الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف لا بالنسبة إلى الترخيص بمناط الاضطرار؛ إذ لم يلتزم أحد بمنجزية العلم التفصيلي في هذه المرحلة فضلاً عن العلم الإجمالي... وعليه أنّ عدم الجمع بين تحصيل الموافقة القطعية وبين الفرار عن المخالفة القطعية بعد أن كان بمناط الاضطرار من جهة ملازمة تحصيل الموافقة القطعية للوقوع في المخالفة القطعية بمقتضى الاضطرار من جهة ملازمة تحصيل الموافقة القطعية للوقوع في المخالفة القطعية بمقتضى الاضطرار، وبالعكس حيث يلازم ترك المخالفة القطعية؛ لعدم القدرة على تحصيل الموافقة القطعية، فلا جرم يدور الأمر بمقتضى الاضطرار والتكوين بين رفع اليد إمّا عن حرمة المخالفة، وإمّا عن وجوب الموافقة، وبعد عدم الترجيح في هذا المقام لأحد الأمرين ينتهي الأمر إلى التخيير بينهما ونتيجته هو التخيير الاستمراري[٩].

الصورة الثالثة: إذا دار الأمر بين المحذورين وكان كلاهما أو أحدهما تعبّديا

كما إذا دار الأمر بين وجوب الصلاة على المرأة وحرمتها عليها؛ لاحتمالها الطهر والحيض مع عدم إحراز أحدهما ولو بـ الاستصحاب بناءً على حرمة الصلاة على الحائض ذاتا، بمعنى أن يكون نفس العمل حراما عليها ولو مع عدم قصد القربة وانتسابه إلى المولى، ففي مثل ذلك يمكن المخالفة القطعية بإتيان العمل (الصلاة) بغير قصد القربة، فإنّه على تقدير كونها حائضا فأتت بالمحرم وعلى تقدير عدم كونها حائضا فقد تركت الواجب، ولأجل ذلك كان العلم الإجمالي منجزا وإن لم تجب الموافقة القطعية لتعذرها.
فلا محالة يحكم العقل بالتخيير بين الإتيان بالصلاة برجاء المطلوبية وبين تركها رأسا[١٠].

المصادر

  1. . أنظر: فوائد الأصول 3: 442، مصباح الأصول الخوئي 2: 327 ـ 342 وما بعدها، اصطلاحات الأصول: 50.
  2. . نهاية الأفكار 3: 292.
  3. . مصباح الأصول الخوئي 2: 328، الأصول العامة للفقه المقارن: 523.
  4. . كفاية الأصول: 355.
  5. . فوائد الأصول 3: 443 ـ 444.
  6. . مصباح الأصول الخوئي 2: 327 ـ 328.
  7. . نهاية الأفكار 3: 295 ـ 296، فوائد الأصول 3: 452 ـ 454.
  8. . مصباح الأصول الخوئي 2: 343.
  9. . نهاية الأفكار 3: 295 ـ 296.
  10. . مصباح الأصول الخوئي 2: 335 ـ 336، أنظر: نهاية الأفكار 3: 296 ـ 297.