أخلاقية الحوار المشترك

من ویکي‌وحدت

أخلاقية الحوار المشترك ما ينبغي توافره من السلوك اللائق الذي ينبغي التحلّي به لخوض الحوار الإيجابي، سواء كان لفظياً أم سلوكياً. ومن ذلك :

1 - حسن رؤية الأطراف أحدهم الآخر.

قد تدخل الحوار شخصيات ترى الحقّ منحصراً فيها ولا يتعدّى الحقّ ثقافتها وأفكارها، كما ترى أنّ ما تحمله النحل الأُخرى عبارة عن خرافات أو مجموعة من العقائد المحرّفة أو الملفّقة أو شيء من هذا القبيل، وهذه رؤية غير أخلاقية ومرفوضة.
إنّ الأخلاق الحسنة للحوار تقتضي بأن نحتمل أن الحقّ مع الآخرين على أقلّ تقدير، ولا نرمي الآخرين بالباطل حتّى نحاورهم ونسمع منهم ما يذهبون إليه.
إنّ عدم حمل هكذا أفكار من قبل كلٍّ من أطراف الحوار يعكّر صفوه، ويحول دون بلوغه أيّ نتيجة مرضية، ويتنافى مع ما بُني عليه الحوار من مبادئ.

2 - الاحتراز عن الأحكام المسبقة.

وهذا أيضاً ممّا يتنافى مع أخلاق الحوار التي تستدعي أن تكون شخصيات الحوار وأطرافه متحلّين بسعة صدر وبصيرة ذاتية تمنعهم من الحكم المسبق على الطرف الآخر قبل اللقاء به والإصغاء إليه وإلى رؤاه وأدلّته.
بالطبع أنّ هذا الأصل الأخلاقي لا يعني عدم الحكم على الطرف الآخر بتاتاً، بل العكس هو الصحيح، أي: ينبغي الحكم، لكن بعد العلم وفهم الطرف الآخر، لا قبل ذلك.

3 - عدم إثارة الطرف الآخر.

كثير منّا جرّب الإثارة ومارسها في حواراته الشخصية للحياة اليومية، وكلّنا نعلم ما لها من آثار سلبية على أطراف الحوار، وما لها من دور مخرّب لمناخ الحوار ومعكّر لصفو سيره.
إنّ الإثارة على مستوى حوارات شخصية في أُمور «روتينية» وعلى مستوى حوارات علمية أو دينية أو أيّ شيء آخر، أمر غير مستحسن ويتنافى مع روح الحوار الذي يسعى الجميع لإقراره.
إنّ الإثارة يمكن تصوّرها بأشكال مختلفة، منها : ممارسة الأعمال المحظورة عند الطرف الآخر وبشكل علني مثير، كاحتساء الخمر من قبل أتباع الديانة المسيحية أو غيرهم في البلدان الإسلامية التي تحظرها وتحرّمها، أو الأكل والشرب في شهر رمضان في مدن إسلامية، أو التبرّج للنساء في هذه المدن، أو ما شابه ذلك.
ذلك على مستوى شخصي، أمّا على مستوى غير شخصي فهو مثل فتح مصاريف ربوية في دول إسلامي تحظر الربا ومصارفها خلوّ من هذه الظاهرة، أو بثّ إذاعاتها ومحطّاتها التلفزيونية لعروض وأفلام تُعدّ محرّمة وممنوعة في الدول الإسلامية.
هذا فيما يخصّ غير المسلمين من إثارات محتملة للمسلمين، أمّا ما يخصّ المسلمين من إثارات محتملة لغيرهم فمثل ذبح الأنعام في مدنٍ يقطنها أتباع ديانة تحرّم ذلك.

4 - عدم استخدام الآليات المحظورة.

وهذه القيمة الأخلاقية تؤكّدها آيات عديدة، كقوله تعالى : (وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ اَلْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة العنكبوت : 46)، وقوله تعالى : (اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة النحل : 125)، ومضمون الآيتين هو الحثّ على استخدام الآلية الحسنة والمقبولة، كالكلمة الطيّبة والأُسلوب السمح، لا العنف أو الضغط أو ما شابه ذلك من الآليات غير الحسنة.
إنّ السبّ هو من الآليات المحظورة وغير الأخلاقية، وقد أكّدت حرمته الآية : (وَ لا تَسُبُّوا اَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللّهِ فَيَسُبُّوا اَللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (سورة الأنعام : 108).

5 - أن لا يمتنع عن الحوار بسبب سقم أفكار الطرف المحاور الآخر.

ينبغي أن لا نتوقّع من أطراف الحوار حملهم لأفكار صائبة كلّياً أو نسبياً، بل الحوار شأننا مع مَن اختلف معنا فكرياً مهما بلغ الاختلاف وعمق الخلاف، ولا ينبغي أن يحول هذا الخلاف دون خوض الحوار.
إنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يحاور حتّى الزنادقة والملحدين أمثال الديصاني، رغم أنّ اختلافه معهم بدرجة كبيرة لا يمكن تصوّر التقريب فيه أبداً. وهذا يكشف لا عن شرعية هذا الحوار فحسب، بل عن عدم تنافيه مع الأخلاق التي كان الإمام قمّة فيها.
في عصرنا هذا فِرقٌ تدّعي انتماءها للإسلام، إلّاأنّ من المحتمل أنّها تأسّست لتشويه سمعة الإسلام في العالم، أو هي الصورة المحرّفة بالكامل عن الإسلام، لكن هذا لا يمنع عن دعوتهم للحوار وخوض نقاش في هذا المضمار، إنّ هكذا فِرق لم تبلغ مستوى الزندقة التي كان يتّصف بها بعض أطراف الحوار مع الإمام الصادق عليه السلام، وخوض حوار معهم على أساس مبادئ الحوار الأخلاقية دون تفريق بينهم وبين غيرهم أمر معقول ويتماشى مع الآية الكريمة وسيرة الرسول صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام الحاثّة على الجدال بالتي هي أحسن.

6 - التسامح.

التسامح ممّا ينبغي تحلّي المؤمن به مطلقاً، وكذا كلّ إنسان في جميع مجالات الحياة، ويتأكّد في قضية الحوار بشكل أكبر.