أحكام دلالة الاقتضاء

من ویکي‌وحدت

أحکام دلالة الاقتضاء: والمراد بدلالة الاقتضاء هي ما إذا توقَّف صدق الکلام أو صحّته عقلاً أو شرعاً عليها مع كون تلک الدلالة مقصوداً للمتكلّم. أو أن تكون الدلالة مقصودة للمتكلّم بحسب العرف، ومثاله العقلي: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ» لأنَّ العقل لايفهم هذا الكلام من دون تقدير «أهل» فإن الصحيح عندالعقل السؤال عن أهل القرية لا عن نفس القرية؛ ومثاله الشرعي: «لاصلاة لجار المسجد إلا في المسجد»، فإن صدق الکلام أو صحته تتوقّف بتقدير «کاملة» أي لا صلاة کاملة ...الخ. فلهذه الدلالة أحکامٌ سنبيّن للقارئ الکريم.

أحکام دلالة الاقتضاء

في هذا المجال يبحث اولاً عن حجية دلالة الاقتضاء، وثانياً عن أن هذه الدلالة لفظي أو نظري، وثالثاً يبحث عن أن معنی المقدّر عامٌ أو خاص؟ ولکل هذه المباحث الثلاث توضيحات نأتي بذکرها.

1 ـ حجّية دلالة الاقتضاء

دلالة الاقتضاء حجّة من باب حجّية الظواهر، فإذا قلنا بحجّية الظواهر قلنا بـ حجّية دلالة الاقتضاء؛ لأنَّ الأخيرة ليست أمرا خارجا عن كونها ممَّا يستفاد من ظاهر الكلام[١].

2 ـ الثابت بالاقتضاء ثابت بالرأي أو باللفظ؟

الثابت باللفظ هو الذي يستدعيه ويتطلبه ذات اللفظ بدون اجتهاد وتشكيل مقدّمات قياس، والذي يثبت بالرأي عكس ذلك، أي يثبت جرّاء إعمال عملية اجتهاد وقياس ولايستدعيه ذات اللفظ، ولذلك قد يختلف المدلول حسب اختلاف الرأي، وهو من قبيل دلالة المفهوم المختلف فيها؛ لكونها اجتهادية لا لفظية بحتة. الثابت بالاقتضاء ثابت باللفظ لا بالرأي و القياس[٢]؛ لأنَّه ممَّا يستدعيه ذات اللفظ، كما تؤكّد ذلك تعاريف أصل دلالة الاقتضاء، فانَّه يُفرض لدى المتكلّم ويقصده بكلامه، غاية الأمر أنَّه لايعكس قصده هذا بـ الدلالة المطابقية فيعكسه بـ الدلالة الالتزامية، فهو ليس من قبيل الدلالات الثابتة بالقياس.

3 ـ عموم المقتضى أو عدم عمومه

ممَّا وقع الكلام فيه هنا هو عموم المقتضى المقدَّر أو عدم عمومه، ففي مثل: «رفع عن أُمَّتي الخطأ والنسيان» نقدِّر «حكم» ليكون المعنى: رفع عن أُمَّتي حكم الاُمور المذكورة، لكن هل المقدَّر هنا عامّ أم غير عامّ؟ وبعبارة اُخرى: هل المرفوع من الحكم في الحديث هو خصوص الحكم الاُخروي أم يشمل الدنيوي كذلك، بحيث لايؤاخذ الإنسان على الذنب دنيويا إذا صدر منه العمل نسيانا أو خطأً؟
إذا قلنا: بعموم المقدَّر كان ذلك يعني ارتفاع جميع أحكام الفعل الصادر خطأ أو نسيانا مهما كانت، وإذا قيل: بعدم عمومه فالرفع يكون خاصّا حسب ما تفيده القيود.
ذهب الحنفية[٣] إلى أنَّ المقتضى غير عامّ، بينما عند أكثر الحنبلية و المالكية[٤] و الشافعية[٥] كون المقتضى عامّا. وتظهر الفائدة في مثل التكلّم في الصلاة نسيانا، فإنَّه يعدُّ مبطلاً للصلاة إذا قلنا: بأنَّ المرفوع في حديث الرفع الحكم الاُخروي فقط، أمَّا الدنيوي والآثار الدنيوية، الشرعية منها والوضعية، فتبقى دون رفع، وعليه إعادة الصلاة لبطلانها بالكلام. أمَّا بناءً على القول بعموم المقتضى وأنَّ المرفوع جميع الأحكام والآثار الدنيوية والاُخروية فإنَّ الصلاة غير باطلة، لارتفاع حكم البطلان عن المتكلّم نسيانا فضلاً عن الآثار الاُخروية، وأنَّ الطلاق لايقع من الخاطئ والمكرَه؛ لأنَّه مرفوع بـ حديث الرفع.
ويستدلّ الشافعي والموافقون له على العموم بكون المقتضى ثابتا بالنصّ فكان بمثابة المنصوص عليه، ويثبت له ما يثبت بالنصّ، بينما الذين لايرون عموما له يقولون: العموم من عوارض النظم الحقيقي للكلام، والمقتضى لا نظم له، بل ثبت لأجل الضرورة والحاجة، ولا حاجة لإثبات العموم له، فإنَّ الكلام مفيد دون إثبات العموم[٦].

المصادر

  1. أنظر: أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 188.
  2. اُنظر: أُصول الفقه الإسلامي شلبي: 487.
  3. أنظر: أصول السرخسي 1: 248، كشف الأسرار البخاري 2: 441، أصول التشريع الاسلامي: 318، أصول الفقه (البرديسي): 354.
  4. شرح الكوكب المنير: 162.
  5. أنظر: المصادر السابقة وأصول التشريع الاسلامي: 317.
  6. أنظر: المصادر السابقة وأصول التشريع الإسلامي: 317.