أبو هريره

من ویکي‌وحدت

أبو هريرة: من كبار الصحابة ومن فقهائها. عُدّ أبو هريرة من المتوسطين من الصحابة فيما روي عنه من الفتيا، ونقل عنه الشيخ الطوسي في الخلاف إحدى وخمسين فتوى. وجمع الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي جزءاً سمّي «فتاوى أبي هريرة». وقال الذهبي في سِيَره: وكان أبو هريرة يجهر في صلاته بـ «بسم اللَّه الرحمن الرحيم». ولم يُعرف شيء عن نشأة أبي هريرة ولا عن تاريخه قبل الإسلام سوى أنّه نشأ يتيماً ضعيفاً. قال أبو هريرة عن نفسه: «نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبُسرة بنت غزوان بطعام بطني وعُقبة رجلي، فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدو إذا ركبوا فزوجنيها اللَّه، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً». وقدم أبو هريرة المدينة ورسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) في غزوة خيبر، فأسلم في سنة 7 هـ، ثمّ اتخذ سبيله إلى الصُّفة لفقره وفاقته. [١]

أبو هُريرة الدَّوْسي (... ــ 59ق)

اختلفوا في اسمه واسم أبيه على أقوال جمَّة، وقد غلبت عليه كنيته. قال أبو عمر: اختلفوا في اسم أبي هريرة واسم أبيه اختلافاً كثيراً لا يُحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام[٢] وكُني أبا هريرة لهرة صغيرة كان يحملها معه.
قال أبو هريرة: كنتُ أرعى غنم أهلي وكانت لي هرة صغيرة، فكنت أضعها بالليل في شجرة، وإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنّوني « أبا هريرة ».
ولم يُعرف شيء عن نشأة أبي هريرة ولا عن تاريخه قبل الإسلام سوى أنّه نشأ يتيماً ضعيفاً. قال أبو هريرة كما في ترجمته من كتاب « المعارف »: « نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبُسرة بنت غزوان بطعام بطني وعُقبة رجلي، فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدو إذا ركبوا فزوجنيها اللَّه، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً ».

قدومه إلی المدينة

وقدم أبو هريرة المدينة ورسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) في غزوة خيبر، فأسلم في سنة 7 هـ، ثمّ اتخذ سبيله إلى «الصُّفة»[٣] لفقره وفاقته.
روى البخاري عنه أنّه قال: كنت أستقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني.
وفي رواية لمسلم: كنتُ رجلًا مسكيناً أخدم رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) على ملء بطني. بعثه رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) مع العلاء ابن الحضرمي إلى البحرين، فجعله العلاء مؤذناً بين يديه.

من روی عنهم ومن رووا عنه

روى عن النبي (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم)، وعن أبي بكر و كعب الأحبار وعمر و عائشة.
حدّث عنه: أنس بن مالك، و سعيد بن المسيب، وسعيد المقبُري، و محمد بن سيرين، و عامر الشعبي، و عبد الله بن رافع مولى أُمّ سلمة، وميمون بن مهران، وخلق كثير.

استعمال عُمَر أباهريرة علی البحرين

وقد استعمله عمر بن الخطاب على البحرين ثمّ عزله.
روى ابن سعد بسنده عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال لي عمر: يا عدوّ اللَّه وعدوّ كتابه أسرقتَ مال اللَّه؟ قال: فقلتُ: ما أنا بعدوّ اللَّه ولا عدوّ كتابه ولكنّي عدوّ من عاداهما ولا سرقتُ مال اللَّه، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ ! قال: قلتُ: يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق. قال: فأمر بها أمير المؤمنين فقُبضتْ.
قال: فكان أبو هريرة يقول: اللَّهمّ اغفر لأمير المؤمنين.

کثرة الحديث منه عن رسول الله

وقد أجمع رواة الحديث على أنّ أبا هريرة كان أكثر الصحابة حديثاً عن رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) على حين أنّه لم يصاحب النبي (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) إلَّا ثلاث سنين[٤]، فقد بلغت مروياته كما في مسند بقيّ بن مخلد 4735 حديثاً روى البخاري منها 446.
ولهذا أنكر الصحابة عليه كثرة روايته.
فعن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لَابي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) أو لأُلحقنّك بأرض دوس، وقال لكعب الأحبار: لتتركنّ الحديث عن الأول أو لأُلحقنّك بأرض القردة.
وروي أنّ عائشة تأوّلت أحاديث كثيرة عن أبي هريرة ووهمته في بعضها.
قال ابن قتيبة: وكانت عائشة رضي اللَّه عنها أشدهم إنكاراً عليه لتطاول الأيام بها وبه[٥] ولما سمع الإمام علی - عليه السّلام أبا هريرة يقول: قال خليلي، وسمعتُ خليلي يعني النبي (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) قال - عليه السّلام -: متى كان خليلك؟[٦] وعن الشعبي قال: حدّث أبو هريرة فردّ عليه سعد حديثاً فوقع بينهما كلام حتى أُرتجت الأبواب بينهما.
وجاء في « البداية والنهاية » أنّ الزبير حين سمع أحاديث أبي هريرة قال: صدق، كذب.

أبو هريرة وكعب الأحبار

وكان أبو هريرة يروي عن كعب الأحبار ويثق به، وقد بثّ هذا الأخير في الدين الإسلامي الكثير من الإسرائيليات لما لم تكن لكعب صحبة، فانّه ما كان يجر وَعلى نسبة ما يريد بثّه في الدين إلى النبيّ الأكرم (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم)، ولذلك كان ينقل أخبار بني إسرائيل من العجائب والغرائب والأوهام، فيسمعها مَن يسمعها ممن اغترّ به من الصحابة، ثم يروونها بعد لَايٍ، أحاديث مسندة إلى النبيّ (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم)، أو أنّهم يتناقلون قول كعب بدون اسناد إليه، فيظن بعض التابعين ومَن بعدهم أنّها ممّا سمعوه عن النبيّ (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم).
ولكي نقف على حقيقة ذلك، نذكر هذين المثالين:
1. أخرج ابن كثير في تفسير سورة التكوير أنّ عبد اللَّه الداتاج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد اللَّه القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث فقال: حدثنا أبو هريرة أنّ رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) قال: « إنّ الشمس والقمر ثوران عقيران يوم القيامة » فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أُحدثك عن رسول اللّه وتقول أحسبه قال وما ذنبهما؟ وحديث الشمس والقمر هذا حدّث به كعب الأحبار نفسه، فقد روى الطبري في تاريخه في ص 44 من ج 1 أنّ ابن عباس بينا ذات يوم جالس إذ جاءه رجل فقال: يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر، قال: وكان متكئاً فاحتفز ثمّ قال: وما ذاك؟ قال: زعم أنّه يُجاء بالشمس والقمر يوم القيامة عقيران فيقذفان في جهنم، قال عكرمة: فطارت من ابن عباس شفة ووقعت أُخرى غضباً ثمّ قال: كذب كعب كذب كعب كذب كعب ثلاث مرات، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام.
2. روى مسلم بسنده عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال: أخذ رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) بيدي فقال خلق اللَّه عزّ وجلّ التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم ( عليه السّلام ) بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.[٧]
قال البخاري وابن كثير وغيرهما إنّ أبا هريرة قد تلقّى هذا الحديث عن كعب الأحبار لَانّه يخالف نص القرآن في أنّ خلق السماوات والأَرض في ستة أيام.
وجاء في « البداية والنهاية »: قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلَّس أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول اللّه ( صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ) ولا يميّز هذا من هذا.[٨]
وقال إبراهيم النخعي: كان أصحابنا يدَعون من حديث أبي هريرة.
وفي رواية الأعمش عنه قال: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة.
وكان أبو هريرة من عامة الصحابة في زمن النبي (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) وأبي بكر وعمر، ثمّ أخذ يظهر في زمن عثمان ثمّ ذاع صيته أكثر في زمن معاوية، وقد غمره معاوية برفده وأعطيته، وكان مروان ينيبه عنه على ولاية المدينة[٩] فلم يلبث أن تحوّل حاله من ضيق إلى سعة ومن فقر إلى ثراء.
جاء في « سير أعلام النبلاء »: عن ابن المسيب قال: كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت فإذا أمسك عنه تكلَّم.
وروى ابن سعد بسنده عن محمد، قال: تمخّط أبو هريرة وعليه ثوب من كتان ممشّق فتمخّط فيه فقال: بخ بخ يتمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني أخرّ فيما بين منبر رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم)، وحجرة عائشة، يجيء الجائي يرى أن بي جنوناً وما بي إلَّا الجوع، ولقد رأيتني وأنّي لَاجير لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ارتحلوا وأخدمهم إذا نزلوا، فقالت يوماً: لتردنّه حافياً ولتركبنّه قائماً، قال: فزوجنيها اللَّه بعد ذلك فقلت لها: لتردنّه حافية ولتركبنّه قائمة !.
عُدّ أبو هريرة من المتوسطين من الصحابة فيما روي عنه من الفتيا، ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » إحدى وخمسين فتوى.
وجمع الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي جزءاً سمّي «فتاوى أبي هريرة»[١٠] قال الذهبي في سيره: وكان أبو هريرة يجهر في صلاته بـ « بسم اللَّه الرحمن الرحيم ».
وقال: خالف أي أبو هريرة ابن عباس في عدة الحامل المتوفّى عنها زوجها حيث حكم ابن عباس بأبعد الأجلين، وحكم هو بوضع الحمل.
وجاء عن أبي هريرة أنّ النبي (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) قال: من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة.

وفاته

توفّي أبو هريرة - سنة تسع وخمسين بقصره بالعقيق وحُمل إلى المدينة ودُفن بالبقيع وصلَّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان يومئذ أميراً على المدينة.

الهوامش

  1. الطبقات الكبرى لابن سعد 4 - 325 ، التأريخ الكبير 6 - 132 ، المعارف 158 ، المعرفة والتاريخ 1 - 486 ، الكنى والأَسماء للدولابي 61 ، الجرح والتعديل 6 - 49 ، مشاهير علماء الأمصار 35 برقم 46 ، المستدرك للحاكم 3 - 506 ، حلية الأولياء 1 - 376 ، أصحاب الفتيا من الصحابة والتابعين 67 برقم 48 ، رجال الطوسي 23 برقم 23 ، الخلاف للطوسي 1 - 176 ، الإستيعاب 4 - 200 ، المنتظم 5 - 314 ، صفة الصفوة 1 - 685 ، أُسد الغابة 5 - 315 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 - 63 ، تهذيب الكمال 34 - 366 ، سير أعلام النبلاء 2 - 578 ، تلخيص المستدرك 3 - 506 ، العبر للذهبي 1 - 46 ، مرآة الجنان 1 - 130 ، تاريخ الإسلام للذهبي ( سنة 58 ه ) ص 347 ، البداية والنهاية 8 - 107 ، الجواهر المضيئة 2 - 415 ، غاية النهاية 1 - 370 ، الإصابة 4 - 208 ، تهذيب التهذيب 12 - 212 ، تقريب التهذيب 2 - 484 ، شذرات الذهب 1 - 63 ، تنقيح المقال 2 - 165 برقم 6727 ، أبو هريرة شيخ المضيرة ، معجم رجال الحديث : 22 - 77 برقم 14902 .
  2. الإستيعاب : 4 - 1768 برقم : 3208 .
  3. الصُّفّة : موضع مظلَّل في مؤخرة مسجد النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - بالمدينة من الناحية الشمالية ، يأوي إليه أُناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر ، وكان إذا تعشّى رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - يدعو منهم طائفة يتعشون معه ، ويفرق منهم طائفة على الصحابة ليعشّوهم .
  4. ومنهم من ينزل بصحبته إلى سنة وتسعة أشهر باعتبار أنّ النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - بعثه مع ابن الحضرمي إلى البحرين ، فتوفّي رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - وهو بالبحرين . انظر كتاب أبي هريرة لمحمود أبو ريّة المصري .
  5. انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 39 ، 41 .
  6. انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 39 ، 41 .
  7. انظر ترجمة « وهب بن منبه » في قسم التابعين من كتابنا لمعرفة ما قيل في حق كعب الأحبار .
  8. شرح صحيح مسلم للنووي : ج ( 17 18 ) كتاب 50 باب 1 ، الحديث 2789 .
  9. جاء في « سير أعلام النبلاء » عن أبي رافع قال : كان مروان ربّما استخلف أبا هريرة على المدينة ، فيركب حماراً ببرذعة ، وفي رأسه خُلبةٌ من ليف ، فيسير ، فيلقى الرجلَ فيقول : الطريق ! قد جاء الأمير . وربّما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الاعراب ، فلا يشعرون حتى يُلقي نفسه بينهم ، ويضرب برجليه ، فيفزع الصبيان فيفرون ، وربّما دعاني إلى عشائه ، فيقول : دع العُراق للَامير ، فانظر فإذا هو ثريدة بزيت . والخلبة : واحد الخلب : الحبل الرقيق الصلب من الليف والقطن وغيرهما . والعُراق : العظم الذي أُخذ عنه معظم اللحم ، أو الغَدْرة من اللحم .
  10. الأعلام للزركلي : 3 - 308 .