أبو هريرة

من ویکي‌وحدت
أبو هريرة.jpg
الاسم أبو هريرة [١]
تاريخ الولادة 18 هجري قمري
تاريخ الوفاة 59 هجري قمري
كنيته أبو هُرَيْرة [٢].
نسبه الدَّوْسي، اليَماني [٣].
لقبه شيخ المضيرة [٤].
طبقته صحابي [٥].

أبو هريرة، اختلفوا في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً بحيث لا يُحاط ولا يُضبط، وذكر ابن حجر: أنّ مجموع الاحتمالات في الاسم المركّب من اسمه واسم أبيه 247 احتمالاً! ثم اعتبر أنّ الأصحّ في اسمه: عمير، عبداللَّه، عبدالرحمان. وقال ابن عبدالبرّ: «وهذا أشبه عندي أن يكون النبي‏ صلى الله عليه وآله كنّاه بذلك» [٦].

وبالنظر إلى‏ مجموع الروايات يُعلم أنّ هذا الاسم أُطلق عليه قبل الإسلام في قبيلة «دَوْس»، وقد دعاه النبي ‏صلى الله عليه وآله - باعتبار شهرته بهذه الكنية - فكنّاه أبو هُرَيْرة أو أبو هرّ. وهذه الكنية كانت كما قال هو نفسه: كُنِّيت أبا هُرَيْرة بهرّةٍ صغيرةٍ كنت ألعب بها! كما لُقِّب بشيخ المضيرة لشدة حبّه لطعام المضيرة [٧]. يقول الزمخشري: «وكان أبو هريرة يأكل الهريسة والفالوذ، ويقول: هما مادّة الولد! وكان تعجبه المضيرة - مُرَيْقة تُطبخ بلبنٍ وأشياء، وقيل: هي طبيخ يتّخذ من اللبن الماضر - جداً فيأكلها مع معاوية، فإذا حضرت الصلاة صلّى‏ خلف علي‏ عليه السلام، فإذا قيل له قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل! لذا كان يقال له: شيخ المضيرة» [٨] [٩].

ترجمته

وينتهي نسبه من أبيه وأُمّه (أُمَيْمَة بنت صَفيح) إلى‏ قبيلة «دَوْس» بطن من الأزد من القحطانية، سكنوا إحدى‏ السروات المطلّة على‏ تُهامة والحيرة والعراق. وقدم أبو هريرة المدينة مهاجراً، وأسلم والنبي ‏صلى الله عليه وآله بخيبر، فشهد خيبر ولم يسهم له. ولمّا أسلم أبو هريرة قال له رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله: ممّن أنت؟ قال: من دَوْس، فوضع رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله يده على‏ جبينه ثم نفضها وقال: ما كنت أرى‏ من دَوْس أحداً فيه خير [١٠].

وبالنسبة إلى‏ تاريخ حياة أبي هريرة قبل الهجرة لا نجد غير ما ذكره هو عن نفسه، يقول [١١]: كنت أجيرابن عفّان وابنة غزوان بطعام بطني وعُقبة رجلي، أسوق بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا، فقالت لي يوماً: لتردنّه حافياً ولتركبنّه قائماً، فزوّجنيها اللَّه بعد، فقلت: لتردنّه حافيةً ولتركبنّه قائمةً! فالحمد للَّه الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً! وقال: كنت أرعى‏ غنم أهلي، وقد أنجبت ثلاثة أولاد، هم: المُحرز وبلال وعبدالرحمان، وبنتاً واحدةً. وقد تزوّجت ابنته هذه من سعيد بن المسيّب راوي وفقيه المدينة المعروف [١٢].

وأمّا تاريخ حياته بعد إسلامه فقد تمّ تقسيمه إلى‏ ثلاثة مراحل: عهد النبي ‏صلى الله عليه وآله، عهد الخلفاء الراشدين، عهد الحكم الأموي. ومن مجموع الروايات المتعلّقة بهجرته إلى‏ المدينة في السنة السابعة للهجرة، ووفاته سنة 59 ه ، وأنّه كان له من العمر 78 سنة، نستنتج أنّه أسلم وعمره بحدود الخامسة والعشرين، وأدرك النبي ‏صلى الله عليه وآله في السنوات الأخيرة من حياته [١٣].

وقد قضى‏ تلك السنوات القليلة (3 سنوات) مع أهل الصفّة، يقول: لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وبين حجرة عائشة، فيقول الناس: إنّه مجنون، وما بي جنون، ما بي إلّا الجوع [١٤]. وقال: إنّ الناس يقولون: يكثر أبو هريرة، وإنّي كنت - واللَّه- ألزم رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله ليشبع بطني، حتّى‏ لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، ولايخدمني فلان وفلانة، وكنت ألصق بطني بالحصا من الجوع، واستقري الرجل آيةً من كتاب اللَّه هي معي كي ينقلب بي فيطعمني! [١٥].

وقال أيضاً: وكنت امرءاً مسكيناً من مساكين الصفّة، ألزم النبي ‏صلى الله عليه وآله على‏ مل‏ء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون [١٦].

وفي رواية أخرى‏: أنّه أتى‏ عليه ثلاثة أيام ولياليهنّ صائماً لايقدر على‏ شي‏ء، يقول: فانصرفت وراء أبي بكر، فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنّه ليس عنده شي‏ء، ثم انصرفت وراء عمر عشاءً فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنّه ليس عنده شي‏ء، ثم انصرفت وراء عليٍّ عشاءً بعد المغرب، وقال: أدلّك يا أبا هريرة؟ فقال: فأيّ فرحٍ فرحت! فقال علي: يا بنت رسول اللَّه، اطوي بطنك الليلة، فإنّ عندنا ضيفاً. قال: فجاء بخبزتين.... قال: وقام علي إلى‏ المصباح كأنّه يصلحه فأطفأه، وحرّكا أفواههما وليس يأكلان شيئاً... [١٧] وقال يوماً: وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى أن كان ليخرج إلينا العكّة التي ليس فيها شي‏ء فنشقّها فنلعق ما فيها». وقال أيضاً مادحاً جعفرا: ما ركب الكور، ولا احتذى‏ النعال، ولا وطأ التراب أحدٌ بعد رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله أفضل من جعفر [١٨].

ويرى‏ الدكتور محمد أبو ريّة: أنّ أبا هريرة أدرك من حياة النبي‏ صلى الله عليه وآله سنة وتسعة أشهر، واستند إلى‏ روايةٍ نقلها ابن سعد عن أبي هريرة، حيث يقول: «بعثني رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه بي خيراً، فلمّا وصلنا قال لي: إنّ رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله قد أوصاني بك خيراً، فانظر ماذا تحبّ؟ قال: قلت: تجعلني أؤذّن لك.... ويتبيّن من ذلك أنّ أبا هريرة قدم من بلاده على‏ النبي‏ صلى الله عليه وآله وهو بخيبر سنة 7 ه، وأنّ النبي‏ صلى الله عليه وآله بعثه مع العلاء الحضرمي إلى‏ البحرين بعد منصرفه من الجعرانة، بعد أن قسم مغانم خيبر، وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة 8 ه. وكان النبي ‏صلى الله عليه وآله بعث العلاء إلى‏ المنذر بن ساوى العبدي، فأسلم المنذر وحسن إسلامه.... ومات المنذر بعد رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله، وقبل ردّة أهل البحرين، والعلاء عنده أميراً لرسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله [١٩].

ومن خلال ملاحظة عدد آخر من الروايات يظهر أنّه بعد عزل العلاء بن الحضرمي من قبل النبي‏ صلى الله عليه وآله، وتنصيب أبان بن سعيد بن العاص محلّه، فإنّ أبا هريرة أيضاً عاد إلى‏ المدينة. كما نقلت عنه روايات تدلّ على‏ مشاركته في غزوة مؤتة، وفتح مكّة، وغزوة تبوك، وفي مراسم الحج سنة 9 ه، حيث كان أبو بكر فيها أميراً للحاج، وفيها قرأ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب‏ عليه السلام آية البراءة في منى‏ [٢٠].

وينقل الواقدي بإسناده عن أبي هريرة أنّه قال: «في غزوة مؤتة، بعد أن رأينا ما لا قِبَل لنا به من العدد والسلاح، والكُراع والديباج، والحرير والذهب، فبرق بصري... وقال ابن عم لي - وكان بيني وبينه كلام -: إلّا فرارك يوم مؤتة! فما دريت أيّ شي‏ء أقولُ له [٢١].

وروى‏ الطبري في تفسير الآية الأولى‏ لسورة البراءة بثلاث طرق عن أبي هريرة أنّه قال: عندما أمر النبي‏ صلى الله عليه وآله علياً ليقرأ آية البراءة كنت إلى‏ جانبه، فكان يصيح بصوتٍ عالٍ: «لايطف بالكعبة عريان، ومن كان له عند رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله عهد فعهده إلى‏ مدّته، ولايدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة، ولايحجّ بعد عامنا هذا مشرك» [٢٢]. وعنه أيضاً قال: قلت لرسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله: إنّي سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه، فقال: إبسط رداءك، فبسطته، فغرف بيده فيه، ثم قال: ضمّه، فضممته، فما نسيتُ حديثاً بعده. وفي روايةٍ أخرى‏ عنه: أنّ النبي ‏صلى الله عليه وآله قال: إبسط ثوبك، فبسطته، ثم حدّثني رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله النهار، ثم ضممت ثوبي إلى‏ بطني، فما نسيت شيئاً ممّا حدّثني! [٢٣].

وكانت حصيلة صحبة أبي هريرة للنبي ‏صلى الله عليه وآله آلاف الأحاديث والروايات! وقد قال يوماً: لو حدّثتكم كلّ ما في كيسي هذا لرميتموني بالبحر! ولم يكن أحد من أصحاب رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله أكثر حديثاً منه، وبحسب قول أحد نقّاد الحديث فإنّ نسبة جميع أحاديث الخلفاء الأربعة إلى‏ أحاديث أبي هريرة وحده تبلغ 27% ونسبة أحاديث عائشة إلى‏ أحاديثه تبلغ أقلّ من النصف، وإذا جمعت أحاديثها مع أحاديث أُم سلمة، بل وأحاديث جميع أزواج النبي صلى الله عليه وآله، يضاف إليها أحاديث السبطين: الحسن والحسين‏ عليهما السلام، فإنّها أيضاً تكون أقلّ من أحاديث أبي هريرة لوحده! [٢٤] وقد كان هذا الموضوع مورداً للنقد منذ زمان معاصري أبي هريرة من أصحاب النبي‏ صلى الله عليه وآله وحتّى‏ وقتنا الحاضر، وكما ذُكر فإنّه أول راوٍ للحديث في العالم الإسلامي صار مورداً للاتهام [٢٥].

وبعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وابتداء خلافة أبي بكر شرعت حركة الارتداد، ومن هذه الحركات ارتداد عدد من قبائل البحرين، وقد تمّ القضاء على‏ هذه الحركة بتدبير الخليفة، حيث أرسل سنة 11 ه العلاء بن الحضرمي بلواء الإسلام مع ستّة عشر راكباً - من جملتهم: أبو هريرة وأبو بكرة- إلى‏ البحرين، فتمكّن العلاء مع أصحابه من إخماد نار تلك الفتنة. وخلال سنوات إمارته على‏ البحرين - التي استمرت حتّى‏ بعد وفاة أبي بكر - قام بعدّة أعمال كان قد كلّفه بها الخليفة، فقد صالح أهل «زارة» وتغلّب على‏ أهل « دارين »، وفي سنة 21 ه أمره الخليفة أن يتولّى‏ عمل عتبة بن غزوان ، فتحرك مع جماعةٍ- من جملتهم: أبو هريرة وأبو بكرة - نحو البصرة، إلّا أنّه توفّي أثناء الطريق ، فرجع أبو هريرة، وقدم أبو بكرة إلى‏ البصرة. وبعد موت العلاء سنة 21 ه نصب الخليفة عمر أبا هريرة على‏ إمارة البحرين، أو على‏ إمامة جمعتها وجماعتها وقضائها.

وما نعرفه عن فترة إمارته على‏ البحرين وسيرته هناك أنّه قام بأعمالٍ أثارت حفيظة الخليفة وغضبه، حيث أُحضر إلى‏ المدينة بأمرٍ منه، وقام بتغريمه وقال له: عدوّاً للَّه وللإسلام، أو قال: عدوّاً للَّه ولكتابه، سرقتَ مال اللَّه؟ فقال أبو هريرة: لا، ولكنّي عدوّ مَن عاداهما، خيلٌ لي تنابخت، وسهام لي اجتمعت! فأخذ منه عمر اثني عشر ألفاً من الدراهم [٢٦]. ونقلوا: أنّ أبا هريرة كان يقول: «إنّي استغفر اللَّه وأتوب إليه كلّ يوم اثني عشر ألف مرّة، وذلك على‏ قدر ديني، وفي رواية أخرى‏: بقدر ذنبي [٢٧].

هذا وكان عمر بن الخطّاب يعترض على‏ كثرة نقله لحديث النبي‏ صلى الله عليه وآله، وكان يهدّده بالنفي ويقول له: لتتركنّ الحديث عن رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله أو لألحقنّك بأرض دوس. وقد ضربه عمر بالدرّة، فكان أبو هريرة بعد ذلك يذكر تشدّد عمر معه، وكان يقول: ما كنّا نستطيع أن نقول: قال رسول اللَّه، حتّى‏ قُبض عمر. قال أبو سلمة: فسألته: لِمَ؟ قال: كنّا نخاف السياط وأومأ بيده إلى‏ ظهره! وقال أيضاً: إنّي لأحدّث أحاديث لو تكلّمت بها في زمان عمر -أو عند عمر- لشجّ رأسي! [٢٨] كما نقل أبو هريرة مثل هذا التعامل معه حتّى‏ عن النبي ‏صلى الله عليه وآله، من دون إشارةٍ إلى‏ السبب، حيث قال: لقد رفع عليَّ رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله - أي السوط - يوماً ليضربني بها [٢٩].

ويستفاد من مجموع الروايات الموجودة حول تاريخ حياة أبي هريرة في خلافة عثمان (24 - 35 ه) أنّه كانت له علاقة خاصة بالخليفة، وفي حادثة هجوم الثوّار على‏ بيته كان من أنصاره المقرّبين، وكان أبو هريرة إذا ذكر ما صُنع بعثمان بكى‏ [٣٠]. وكان رأيه في عثمان وحمايته له سبباً جعل أبناء عثمان يحملون نعشه من «العقيق» [٣١] حتّى‏ مقبرة البقيع، وكتب الوليد بن عُتبة إلى‏ معاوية يخبره بموت أبي هريرة، فكتب إليه: أُنظر من ترك، فادفع إلى‏ ورثته عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم، وأولهم معروفاً، فإنّه كان ممّن نصر عثمان، وكان معه في الدار! [٣٢].

وفي زمان معاوية كانت له مواقف تنمّ على نصرته له، كالتي كانت زمان عهد أميرالمؤمنين ‏عليه السلام ، فعندما هجم جيش بُسر بن أرطأة [٣٣]بأمر معاوية على‏ المدينة، هرب أبو أيّوب الأنصاري عامل أميرالمؤمنين ‏عليه السلام، وبعد أن أخذ بسر البيعة لمعاوية جعل أمور المدينة بيد أبي هريرة، وتوجه هو نحو مكة ثم اليمن [٣٤].

وكان أبو هريرة والنعمان بن بشير الأنصاري قدما على‏ علي بن أبي طالب ‏عليه السلام نائبين عن معاوية، وطلبا منه تسليم قَتَلة عثمان إلى‏ معاوية، فلم يستجب‏ عليه السلام لهما، فعاد أبو هريرة إلى‏ الشام وأخبر معاوية بذلك، فأمره أن يخبر الناس، ففعل [٣٥].

ويبدو من خلال المصادر التاريخية ابتعاد أبي هريرة عن أهل البيت‏ عليهم السلام، ولا سيّما أميرالمؤمنين ‏عليه السلام، لدرجة أنّه لم ينقل حتّى‏ رواية واحدة عنه‏ عليه السلام ولا عن أولاده [٣٦] وإن وردت روايات عن طريقه في فضائل أميرالمؤمنين ‏عليه السلام وأهل البيت، في مصادر أهل السنّة والشيعة ستأتي لاحقاً.

وبعد شهادة الإمام علي‏ عليه السلام، شهدت العلاقة بينه وبين الأمويين تحسّناً كبيراً، إذ وجد أبو هريرة فرصةً مناسبةً للتقرّب من البلاط الحاكم، فكان معاوية يبعثه على‏ المدينة فإذا غضب عزله وولّى‏ مروان بن الحكم، ونصبه مروان قاضياً على‏ المدينة، وكان يستخلفه إذا حجّ أو غاب.

ويبدو أنّه ذهب إلى‏ الكوفة مرّةً بصحبة معاوية ، ومع أنّنا لا نعرف تاريخ هذه السفرة، إلّا أنّ الظاهر أنّها حصلت بعد شهادة الإمام علي‏ عليه السلام وصلح الإمام الحسن‏ عليه السلام، يقول أبو إسحاق الثقفي الأصفهاني بعد أن أشار إلى‏ تجمّع أنصار معاوية بالنخيلة قال: لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد، فكان يحدّث ويقول: قال رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله... ، وقال أبو القاسم...، وقال خليلي...، فجاءه شاب من الأنصار يتخطّى‏ الناس حتّى‏ دنا منه، فقال: يا أبا هريرة، حديث أسألك عنه، فإن كنت سمعته من النبي فحدّثنيه، أنشدك باللَّه سمعت النبي ‏صلى الله عليه وآله يقول لعلي: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه؟» قال أبو هريرة: نعم والذي لا إله إلّا هو، سمعته من النبي‏ صلى الله عليه وآله يقول لعلي: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» فقال له الفتى‏: لقد واللَّه واليت عدوّه وعاديت وليّه [٣٧].

موقف الرجاليّين منه

ذكروا أنّه أحفظ صحابة النبي واغزرهم حديثاً، حيث نقل في مدّةٍ تقلّ عن ثلاث سنين من صحبته للنبي ‏صلى الله عليه وآله 5374 حديثاً! ممّا أدّى‏ إلى‏ اعتباره أول راوٍ متّهم في تاريخ الإسلام. فقد اتُّهم بجعل الروايات على‏ لسان النبي ‏صلى الله عليه وآله، والإكثار من نقل الحديث، وعدم الدقّة فيه - لأول مرّة - من قبل بعض الصحابة؛ كعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب والزبير بن العوّام وعائشة، ويظهر من بعض النقولات أنّ كثرة رواياته عن النبي ‏صلى الله عليه وآله كان دائماً مورداً للتشكيك والتردّد عند الرأي العام [٣٨].

وكان أبو هريرة يدفع عنه هذه التهم بأنّ اللَّه قد وهبه حافظةً قويةً جداً ببركة النبي‏ صلى الله عليه وآله وإعجازه، وأنّ الصحابة - من المهاجرين والأنصار- كانوا مشغولين بالتجارة وكسب المعاش في الوقت الذي كان يلزم رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله، إذ كان يتبع النبي‏ صلى الله عليه وآله من بيتٍ إلى‏ بيت، ويصاحبه في سفره وحضره، وكان يحرص على‏ سماع الحديث منه ‏صلى الله عليه وآله. ومع ذلك فإنّه ادّعى‏ أنّه لم يحدّث الناس بكلّ ما سمع من رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله؛ تقيةً منهم، فقال: «لو أنبأتكم بكلّ ما أعلم لرماني الناس بالخرف، وقالوا: أبو هريرة مجنون، أو لقُطع هذا البلعوم!». [٣٩] وهذه الحجج، وبضميمة النظرية العامة عند أهل السنّة في عدالة الصحابة [٤٠]، أدّت إلى‏ أن يتصدّى‏ الرجاليّون والمحدّثون منذ القرن الثالث ولحدّ الآن للدفاع عن أبي هريرة، ومواجهة هذه الاتّهامات وغيرها من قبيل: التدليس وعدم الدقّة في رواية الحديث. فقد صرّح هؤلاء: أنّ الصحابة يقدح كلامهم في مَن بعدهم، ولايقدح كلام من بعدهم فيهم، والكلام فيهم ثلمة في الإسلام [٤١]. وقال الذهبي: «تدليس الصحابة كثير ولاعيب فيه، فإنّ تدليسهم عن صاحبٍ أكبر منهم! والصحابة كلّهم عدول» [٤٢].

وعلى‏ أيّة حال، فإنّ هذا المقدار من المعارضة لروايات أبي هريرة من قِبَل الصحابة والتابعين وبعض ائمة الحديث - علاوة على‏ أنّهم يخدشون في دعوى الإجماع على‏ عدالة الصحابة [٤٣] - قد فتح المجال للنقد والتحقيق بشأن هذا الرجل. فكتب البعض في نقده، منهم: السيد شرف الدين العاملي، رشيد رضا، الدكتور محمود أبو ريّة، محمد عجاج الخطيب...، كما وكتب آخرون في الدفاع عنه، منهم: الشيخ محمد السماحي، عبد الوهاب عبد اللطيف، الدكتور محمد ضياء الرحمان الأعظمي [٤٤].

أبو هريرة وأهل البيت عليهم السلام

يتّضح ممّا مرّ مدى‏ علاقة أبي هريرة ببني أُمية، وبأهل البيت‏ عليهم السلام، ولاسيّما الإمام علي ‏عليه السلام، كما مرّت الإشارة إلى روايته لبعض فضائل أهل بيت علي ‏عليه السلام رغم الظروف الصعبة التي كانت سائدة حينذاك. ولعلّ ذلك بسبب الألطاف التي لمسها من بعض أفراد أهل هذا البيت ‏عليهم السلام ، فقد نقل بطرق مختلفة عنه أنّه قال: «قلت لرسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله: إنّي سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه، فقال: إبسط رداءك فبسطته فغرف بيده فيه، ثم قال: ضمّه، فضممته، فما نسيت حديثاً بعده» [٤٥]. وفي رواية أخرى‏ عنه أيضاً قال: «أتيت رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله يوماً بتمراتٍ، فقلت: إدع اللَّه لي بالبركة فيهنّ، فدعا، ثم قال: خذهنّ فاجعلهنّ في المِزْوَد، وإذا أردت شيئاً فأدخل يدك فيه ولا تنثره، قال: فلقد حملت من ذلك التمر وسقاً، وكنّا نأكل منه ونُطعم، وكان لايفارق حقوي، فارتكبتُ مأثماً، فانقطع وذهب» [٤٦].

ويروى‏ أنّ أبا هريرة قال يوماً بشأن علي‏ عليه السلام قولاً، فوصل إليه الخبر، وفي اليوم التالي حدث أن طلب أبو هريرة من الإمام عليه السلام شيئاً، فأجاب طلبه، فاعترض أصحاب الإمام فقال: «إنّي لأستحيي أن يغلب جهله علمي، وذنبه عفوي، ومسألته جودي» [٤٧]. ومن بين آلاف الروايات المنقولة عن أبي هريرة، فإنّ هناك عدداً مهماً منها يختصّ بالتعريف بالشخصيات والأماكن والقبائل[٤٨]، كما وأنّ منها ما تشير إلى‏ الحركات الفكرية والسياسية في صدر الإسلام. وتشكّل رواياته حول بني هاشم وأهل البيت‏ عليهم السلام قسماً من هذه المجموعة، ويتصدّى‏ بعضها لبيان فضائلهم، ومن بين أحاديثه في بيان مناقب أهل البيت ‏عليهم السلام يمكن الإشارة إلى‏ مايلي:
* قراءة آية البراءة، وإبلاغ نداء رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله من قبل علي‏ عليه السلام في الحج سنة 9 ه.
* نزول آية الإكمال في حادثة غدير خم، وتصريح النبي بولاية علي‏ عليه السلام.
* قصة إغلاق جميع الأبواب المفتوحة على‏ مسجد النبي صلى الله عليه وآله سوى‏ باب بيت علي عليه السلام.
* أنّ عدد الائمة كعدد نقباء بني إسرائيل، وأنّهم اثنا عشر إماماً [٤٩].

من روى‏ عنهم ومن رووا عنه [٥٠]

روى‏ أبو هريرة - فضلاً عن النبي ‏صلى الله عليه وآله - عن جماعة، منهم: عمر بن الخطاب، أبوبكر، أنس، عائشة، أُبي بن كعب، كعب الأحبار. وروى‏ عنه جماعة، منهم: زيد بن ثابت، ابن عباس، ابن عمر، أُبيّ بن كعب، عائشة، جابر، أبو موسى الأشعري، أبو الطفيل عامر بن واثلة، سعيد بن المسيّب، أبو سلمة بن عبدالرحمان، سليمان بن يسار، أبوبكر بن عبدالرحمان، عروة بن الزبير، عبيد اللَّه بن عبداللَّه، طاوس بن كَيْسان. وممّا يثير العجب في روايات أبي هريرة أنّه لم ترد حتّى‏ رواية واحدة عن علي‏عليه السلام وعن حبر الأمة ابن عباس! في حين أنّه روى‏ كثيراً من الروايات عن غيرهما ممّن أسلم بعد الفتح، بل ومن أسلم بعد فتح الشام، مثل كعب الأحبار وغيره! وقد وردت رواياته في جميع المصادر الروائية لأهل السنّة، ومن جملتها: مسند أحمد، وفي بعض الكتب الروائية للشيعة، مثل: الخصال والاختصاص وكفاية الأثر [٥١].

وفاته

توفّي أبو هريرة عن 78 عاماً، في أواخر خلافة معاوية سنة 59 ه، في قصره في منطقة «العقيق»، ونُقلت جنازته من قبل أولاد عثمان إلى‏ المدينة، وصلّى‏ عليه حاكم المدينة الوليد بن عقبة بن أبي سفيان، ودفن في مقبرة البقيع [٥٢].

المراجع

  1. مختصر تاريخ دمشق 29: 179، مستدرك الحاكم 3: 506.
  2. الاستيعاب 4: 1768، المعارف: 277، حلية الأولياء 1: 376.
  3. الإصابة 7: 199، تهذيب الكمال 34: 366.
  4. أضواء على‏ السنّة المحمدية: 197.
  5. تقريب التهذيب 2: 484.
  6. المعارف: 277، الاستيعاب 4: 1768 - 1770، الإصابة 7: 199 - 201.
  7. المعارف: 277 - 278، مستدرك الحاكم 3: 506، الاستيعاب 4: 1769، 1770، مختصر تاريخ دمشق 29: 181، الإصابة 7: 199.
  8. كتب الدكتور محمود أبو ريّة كتاباً بعنوان «شيخ المضيرة» تناول فيه شخصية أبي هريرة بالنقد والتحليل طبع الكتاب في مجلّد واحد لاكثر من طبعة، ومن نشر دار المعارف، مصر.
  9. ربيع الأبرار 2: 700.
  10. المغازي 2: 636، الطبقات الكبرى‏ 4: 327، 328، مختصر تاريخ دمشق 29: 181، معجم قبائل العرب 1: 394، المعرفة والتاريخ 3: 160.
  11. والطريف أنّه قد نُقل شطر كبير من مناقبه وخصائصه وترجمته على‏ لسانه!
  12. الطبقات الكبرى‏ 4: 325، 326، حلية الأولياء 1: 380، مختصر تاريخ دمشق 29: 200، جمهرة أنساب العرب 381 - 382، وانظر: ترجمة سعيد بن المسيّب من هذا الكتاب.
  13. وفي بعض الروايات ورد أ نّه قدم المدينة وقد زاد على‏ الثلاثين. أنظر: الإصابة 7: 205.
  14. حلية الأولياء 1: 378.
  15. المصدر السابق: 379.
  16. المصدر نفسه.
  17. مختصر تاريخ دمشق 29: 184 - 185، مناقب ابن شهرآشوب 2: 87.
  18. المعارف: 205، فتح الباري 7: 61، 62.
  19. أضواء على‏ السنّة المحمدية: 22، 113، وانظر: الطبقات الكبرى‏ 4: 360، سيرة ابن هشام 4: 222، 254، تاريخ الطبري 3: 29، سير أعلام النبلاء 1: 264، أسد الغابة 4: 7، السقيفة والخلافة: 90 - 96.
  20. أنظر: المغازي 2: 760، 765 و3: 1006.
  21. المغازي 2: 760، 765، الطبقات الكبرى‏ 4: 360.
  22. تفسير الطبري 10: 45 - 47. وورد هذا المضمون في عدّة روايات أخرى‏ عن ابن عباس والإمام علي‏ عليه السلام والإمام الباقرعليه السلام. أنظر: المغازي 3: 1078.
  23. الطبقات الكبرى‏ 2: 362، مختصر تاريخ دمشق 29: 185، 187 - 189، مجمع الزوائد 9: 362، بحار الأنوار 18: 13.
  24. مختصر تاريخ دمشق 29: 190، أبو هريرة: 45 - 48، المعرفة والتاريخ 1: 486، شيخ المضيرة أبو هريرة132.
  25. أضواء على‏ السنّة المحمدية: 204، تاريخ آداب العرب 1: 275، وانظر: البداية والنهاية 8: 107 - 109، مختصر تاريخ دمشق 29: 192 - 195.
  26. الطبقات الكبرى‏ 4: 335، 336، العقد الفريد 1: 45. وقد ذكر ابن سعد: أنّ ماله في البحرين وحده بلغ عشرين ألف درهم.
  27. حلية الأولياء 1: 383، الإصابة 7: 206.
  28. مناقب ابن شهرآشوب 2: 9، مختصر تاريخ دمشق 29: 192، بحار الأنوار 38: 228، 229، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 67، 68.
  29. مختصر تاريخ دمشق 29: 186.
  30. تاريخ المدينة المنورة 4: 1194، 1207، الطبقات الكبرى‏ 3: 70، 81، تاريخ الطبري 4: 353، 389، الغدير 9: 239، الكامل في التاريخ 3: 161، 176.
  31. العقيق: وادٍ على‏ ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة، وكان أهلها يحفظون أموالهم فيه، ويبنون القصور، وكان لأبي هريرة قصر فيه، وقد توفّي هناك (معجم البلدان 4: 139، الإصابة 7: 207).
  32. الطبقات الكبرى‏ 4: 340، الكامل في التاريخ 3: 526، مختصر تاريخ دمشق 29: 207.
  33. هو أحد قادة جيش معاوية في صفّين، وكان قد قام بأعمال فظيعة من القتل والغارة على‏ المدينة ومكة واليمن، وقد جُنّ في أواخر حياته، وتوفّي سنة 86 ه (تهذيب التهذيب 1: 381).
  34. الغارات 2: 554، 598، 607.
  35. المصدر السابق 2: 445، 446.
  36. أنظر: الغارات 2: 569، تهذيب الكمال 34: 367، بحار الأنوار 34: 287، تهذيب التهذيب 12: 263، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 67 - 69.
  37. أنظر: الغارات 2: 656 - 659، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 67 - 69، بحار الأنوار 34: 325، 326، سفينة البحار 8: 673، 677.
  38. أنظر: الطبقات الكبرى‏ 4: 330، مختصر تاريخ دمشق 29: 190 - 192، الإصابة 7: 205، البداية والنهاية 8: 107، تأويل مختلف الحديث: 10، 41، بحار الأنوار 34: 287.
  39. الطبقات الكبرى‏ 2: 362 و4: 330، 331، مختصر تاريخ دمشق 29: 191، 196، كتاب التاريخ الكبير 6: 133، الإصابة 7: 205.
  40. أنظر: كتاب الكفاية في علم الرواية: 46 - 49، تدريب الراوي 2: 214 - 217.
  41. تاريخ أسماء الثقات: 513.
  42. سير أعلام النبلاء 2: 608. ويطلق التدليس على‏ عدّة معانٍ، ومن جملتها: أن يروي عمّن عاصره ما لم يسمعه منه، بل سمعه من رجلٍ عنه، موهماً سماعه (تدريب الراوي 1: 223، 224).
  43. أنظر: تدريب الراوي 2: 214، تأويل مختلف الحديث: 9 و10، أضواء على‏ السنّة المحمدية: 221، تاريخ آداب العرب 1: 275.
  44. أنظر: تدريب الراوي 2: 214 - 217، الصواعق المحرقة: المقدّمة، أضواء على‏ السنّة المحمدية: 201، أبو هريرة (للسيد شرف الدين) 45 - 48، أبو هريرة في ضوء مروياته: 76، السقيفة والخلافة: 87.
  45. وردت هذه الرواية مع اختلاف يسير في مواضع، أنظر: الطبقات الكبرى‏ 2: 362 - 364، سنن الترمذي 5: 683، 684، الخرائج والجرائح 1: 57، بحار الأنوار 18: 13، دلائل النبوة 6: 201.
  46. سنن الترمذي 5: 865، دلائل النبوة 6: 109، والمِزْود: وعاء يُجعل فيه الزاد.
  47. بحار الأنوار 41: 49 نقلاً عن المناقب لابن شهرآشوب.
  48. ومن هذه القبائل «دوس» ويظهر من هذه الروايات أ نّها لم تكن على‏ خير. أنظر: المسند الجامع 18: 258، 259، مختصر تاريخ دمشق 29: 181.
  49. أنظر: كفاية الأثر: 79 - 89، تاريخ بغداد 8: 290، مستدرك الحاكم 3: 125، الغارات 2: 661، مجمع الزوائد 9: 120، تهذيب التهذيب 7: 296، البداية والنهاية 5: 213، 214، أبو هريرة في ضوء مروياته: 72، الغدير 6: 347، العقد الفريد 5: 18، 111، مناقب ابن شهرآشوب 1: 363.
  50. المعرفة والتاريخ 1: 425، كتاب التاريخ 6: 133، مستدرك الحاكم 3: 513.
  51. مسند أحمد 2: 455، 3: 365، الطبعة الجديدة، كتاب الخصال 1: 310 و2: 343، 498، الاختصاص: 124، كفاية الأثر 79 - 89، سفينة البحار 8: 672 - 676.
  52. الطبقات الكبرى‏ 4: 340، المعارف: 278، الاستيعاب 4: 1772، تاريخ خليفة: 172.